"داعش" في ليبيا.. بين التمدد والصراع مع الميليشيات المسلحة
السبت 14/فبراير/2015 - 02:12 م
طباعة
بات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" يهدد المنطقة العربية بأكملها، فبعد أن انتشر التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق بالتحديد واحتل معظم مناطق الدولتين لإعلان ما أسماه بالخلافة الإسلامية؛ بدأ يرسم مخططات للتوغل في دول أخرى لفرض هيمنة أكبر، بدأها بدولة ليبيا، منتهزًا حالة الفوضى التي تعيشها البلاد في الوقت الحالي لينتشر في معظم مناطقها التي تشهد حالة من عدم الاستقرار وانتشار الميليشيات المسلحة، والجماعات الإرهابية كأنصار الشريعة والتي أعلنت مبايعة التنظيم.
أصبح انتشار عناصر التنظيم على الأراضي الليبية، والذي لقب نفسه بـ"ولاية طرابلس"، أمر خطير يهدد المنطقة بأكملها، بالأخص في ظل تحالفه مع الجماعات المتطرفة الليبية؛ مما يعرقل مسيرة التسوية السلمية التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا لتصالح الأطراف المتنازعة في البلاد وعودة الهدوء والاستقرار.
الأمر ازداد خطورة في ظل استهداف التنظيم للعمالة المصرية في ليبيا، والذي أعلن عن ذبح 21 قبطيًّا أول أمس؛ انتقاما لكل من كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، اللتين ترددت شائعات قبل فترة عن تحولهما للإسلام، ثم عودتهما للمسيحية مرة أخرى.
ورغم سيطرة تلك الجماعات على العاصمة طرابلس وثاني أهم مدينة وهي بنغازي، إلا أنها لا تتمتع بأي شرعية وتبسط سلطتها بقوة السلاح؛ ما أدى إلى تجميد مظاهر النشاط في البلاد.
وبدأ تنظيم "داعش"، في السيطرة على مدينة درنة الليبية، حيث تبعد مدينة درنة في شرقي ليبيا، التي تقطنها حوالي مائة ألف نسمة، نحو 270 كيلومتراً عن مدينة بنغازي و350 كيلومتراً تقريباً عن الحدود مع جزيرة كريت اليونانية، هذه المدينة الساحلية باتت اليوم أول معقل لتنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي يسيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق.
ويقدر عدد عناصر هذا التنظيم الإرهابي في مدينة درنة بنحو 800 شخص، يقومون بنفس الممارسات الوحشية المعروفة عن أعضائه في العراق وسوريا.
وفي رسالة صوتية نشرها التنظيم نوفمبر الماضي، أعلن صوت منسوب لزعيم التنظيم، "الخليفة" أبي بكر البغدادي، "تمدد" فكر هذا التنظيم الإرهابي خارج سوريا والعراق، في إشارة إلى السيطرة على مدينة درنة الليبية.
وتولى زعامة التنظيم في ليبيا، أبو نبيل الأنباري، وهو عراقي، وقد تعرف عليه البغدادي أثناء مكوثهما في أحد معسكرات الاعتقال الأمريكية بالعراق.
ويسيطر الأنباري في درنة على كافة أوجه الحياة حالياً، من المنشآت الإدارية إلى المحاكم ومؤسسات التربية والتعليم، وصولاً إلى محطة الإذاعة المحلية، كما يقوم عناصر التنظيم بدوريات منتظمة في المدينة، بالضبط كما يفعل التنظيم في بقية المدن التي يسيطر عليها في العراق وسوريا.
استهدف التنظيم منذ سيطرته على درنة العديد من المعارضين، منهم ساسة ومحامون وصحفيون وعناصر في الجيش الليبي، وحتى مواطنون أبدوا اعتراضهم على النهج الذي يسلكه التنظيم.
الميليشيات التي انضمت إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" بدأت بإقامة مقرات ونقاط حماية لها في بقية المدن الساحلية الليبية، مثل بنغازي وسرت والخُمس وحتى في العاصمة طرابلس.
من جانبهم قال أهالي مدينة سرت الليبية: إن تنظيم "داعش" أذاع عبر إذاعة سرت المحلية خطباً لأبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش" لساعات.
وأكد الأهالي أن التنظيم يسيطر على المدينة بكاملها، حيث بدأ ظهوره التدريجي قبل سنتين في المدينة، مؤكدين أن عناصر "داعش" يفرضون على الأهالي نظماً وقوانين، منها عدم مغادرة النساء لبيوتهن بعد صلاة المغرب ووجوب ارتداء الإناث للحجاب، حتى في سنوات التعليم الابتدائي، إضافة لفصل البنين عن البنات في المدارس.
كما أغلق محال العطور والمزينات النسائية، ومنع أصحاب محال الحلاقة من حلق اللحي، موضحين أنه لا يوجد في المدينة أي مظهر من مظاهر الدولة منذ أكثر من سنة، وأنها تدار بقوانين ولوائح الجماعات المتطرفة التابعة لداعش.
وفي منطقة النوفلية المحاذية شرقاً للمدينة أعلن تنظيم "داعش" عن استتابة أهاليها لمدة 3 أيام ليقام عليهم القصاص إذا لم يعلنوا البيعة لزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي في ساحة المنطقة.
وفي ذات السياق أفاد أهالي من مدينة صبراته 70 كم غرب العاصمة طرابلس أن إعلانا مماثلا بث من قبل تنظيم أنصار الشريعة المسيطر على المدينة منذ سنوات، يستمر لمدة ثلاثة أيام، وذلك قبل أن يقام القصاص بالقتل على كل من يمتنع عن مبايعة زعيم تنظيم "داعش" البغدادي.
وأفاد شهود عيان من ذات المدينة أن الإعلان وزع عبر مناشير علقت في الأماكن العامة والمساجد محدثاً ربكة وتخوفاً كبيرا من أهالي المدينة الذين نزح قسم كبير منهم، منذ شهرين حيث يخوض الجيش الليبي قتالا ضد أفراد التنظيم على الطريق الصحراوي جنوب المدينة.
ويحاول التنظيم الإرهابي الاستفادة من الفوضى، كما حدث في سوريا والعراق، والسيطرة على حقول ومنشآت نفطية في ليبيا لتكون مصدرا يمول نشاطاته.
ويفرض هذا التطور تحديا جديدا على الجيش الليبي، بإمكانياته المحدودة في حماية المنشآت النفطية، التي تشكل عصب الاقتصاد الليبي.
وكان قد أعلن التنظيم أن عمليتي تفجير السيارة المفخخة واقتحام فندق كورنثيا بطرابلس الشهر الماضي، لن تكون الأخيرة على أرض العاصمة الليبية، بل لها ما بعدها، وأضاف: "ولينتظر أعداء الله من الصليبيين وأحلافهم ما يسوءهم إن شاء الله، قائلا: "مرتدو الجيش هرعوا لنصرة إخوانهم الصليبيين المحاصرين في الفندق ليلقوا مصيرهم البائس بسيارة مفخخة كانت بانتظارهم، قَطَّعَت أوصالهم وقتلت منهم سبعة جنود وأصيب اثنا عشر آخرون بجروح خطيرة".
فيما تناقلت حسابات جهادية تابعة لتنظيم داعش على موقع تويتر، أول الشهر الجاري، صوراً ملتقطة في ليبيا لما أسمته "ولاية برقة"، تظهر انتشار التنظيم في المنطقة.
وتبين الصور الظهور الأول العلني لعناصر داعش بليبيا، في استعراض عسكري، يظهر عتادهم وأسلحتهم.
في الوقت نفسه نشر تنظيم "داعش" على أحد مواقعه، تقريراً مفصلاً بعنوان "ليبيا البوابة الاستراتيجية للدولة الإسلامية"، يشرح من خلاله أسباب اهتمامه بليبيا، وأبرز ميزاتها التي تجعل منها نقطة انطلاق مهمة نحو تحقيق ما يسمى بـ "دولة الخلافة".
وأشار التقرير التابع لداعش، إلى أن ليبيا تتمتع بـ "موقع استراتيجي يمكنها من تخفيف الضغط على مناطق دولة الخلافة في العراق والشام، حيث تتميز ليبيا بمساحة كبيرة جداً وبصحراء شاسعة لا يمكن مراقبتها، وبجبال محصنة تجعل الطائرات عديمة الجدوى".
وتابع التقرير قائلا: يكفي أن نقول: إن ليبيا تطل على بحر وصحراء وجبال وعلى 6 دول "مصر، السودان، تشاد، النيجر، الجزائر، وتونس".
وكان أعلن مسئول ليبي أن تنظيم داعش يتمدد في ليبيا، مطالبا الأسرة الدولية بالتنبه إلى هذا التهديد المتصاعد.
وقال عارف علي النايض سفير ليبيا لدى الإمارات العربية المتحدة ومستشار رئيس الحكومة عبدالله الثني: إن داعش يتمدد في ليبيا بشكل كبير ويرتكب فظاعات يوميا، مضيفًا: ليس بالإمكان دحر التنظيم في العراق بدون محاربة المكون الليبي.
واعتبر السفير الليبي أن داعش ينشط في سبع مدن ليبية وقد شن هجمات على 12 منطقة في البلاد، محذرا من تدفق المقاتلين الأجانب إلى ليبيا والذين يجندهم تنظيم داعش ويأتون خصوصا من اليمن وتونس والجزائر والشيشان، مؤكدًا أن ليبيا يمكن أن تكون قاعدة خلفية لشن اعتداءات في أوروبا التي تبعد مسافة ساعة طيران فقط.
والمشهد يوضح، أن تنظيم داعش الوليد في ليبيا، يواجه تحديا حقيقيا في مواجهة باقي التنظيمات المسلحة التي تحمل نفس الفكر المتشدد وعلى رأسها أنصار الشريعة والقاعدة؛ مما يصعب من موقفها في بسط نفوذها على العديد من المناطق في ليبيا، فهل يستطيع تنظيم داعش حسم هذه المواجهة؟ أم يظل مجرد رقم في معادله الميليشيات المسلحة المتطرفة في ليبيا؟