الأزهر.. "ويكيليكس".. وفرض الفكر الوهابي
الإثنين 22/يونيو/2015 - 08:10 م
طباعة
ذكرت وثيقة مسربة عبر "ويكيليكس" على لسان سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي السابق، موجهة إلى رئيس مجلس الوزراء السعودي، أن شيخ الأزهر أبلغه بمكتبه في يناير 2010: “الإيرانيون يضغطون على شيخ الأزهر لعقد اجتماع تقارب بين المذاهب، وشيخ الأزهر لا يريد أخذ قرار في ذلك الموضوع دون التنسيق مع المملكة حياله”.
الأمر الذي لم تكذبه مشيخة الأزهر، بل خرج الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، ليؤكد كل ما تم تسريبه، والجزء الخاص بالطلب الإيراني لعقد اجتماع للتقريب بين المذاهب واستئذان السعودية قبل إتمام الأمر، زاعما بأن المشيخة تنسق مع الدول فيما يتعلق بالقضايا الإسلامية المعنية، لعدم التفرد برأي لا يناسب بقية دول العالم الإسلامي.
وبعيدًا عن مدى صدق الوثيقة التي سربها موقع ويكيليكس من عدمه سوف نناقش هنا مدي ارتباط مؤسسة الازهر بالفكر الوهابي واسباب انتشاره رغم ان الدكتور الطيب شيخ الازهر دائما ما يردد "الأزهر الشريف، هيئة إسلامية علمية مستقلة، يعمل بما يمليه عليه الشرع الحنيف، ويحقق المصلحة المعتبرة".. إلا أن ما كشفه موقع "ويكيليكيس" أظهر مفهومًا مغايرًا عن استقلالية الأزهر، بعدما كشفت وثيقة سعودية مسربة في أبريل 2012، عن استئذان شيخ الأزهر من المملكة العربية السعودية، قبل الموافقة علي عقد مؤتمر للتقارب بين المذاهب.
وبالعودة إلى ما بين منتصف عام 2012 وأوائل 2013، نجد العديد من الشواهد التي تؤكد ما جاء في الوثيقة. ففي21 أبريل 2013، زار “الطيب” السعودية، حيث التقى بسعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية السابق، وأختار الرياض لكي يقول كلمته التي تؤكد تلبيته لطلب تقريب المذاهب ولكن من منبر سعودي.
وقال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في حوار تليفزيوني له فبراير 2012، إن الأزهر لن يتوقف عن الحوار مع الشيعة من منطلق أهمية الحوار الإسلامي، وإن الأزهر يسير ويتمسك بدعوة التقريب بين السنة والشيعة التي قادها شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت، مع المرجع الشيعي تقي الدين القمي، عندما أسسا دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، وأن الحوار السني الشيعي أهم من الإسلامي المسيحي.
وفي21 أبريل 2013، زار "الطيب" السعودية، التقى خلالها بالأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية السابق، واختار الرياض لكي يقول كلمته التي تؤكد تلبيته لطلب تقريب المذاهب ولكن من منبر سعودي، حيث قال في مؤتمر له هناك: “زياراتي تأتي للم الشمل ووحدة الصف، والقضاء علي أسباب الفرقة، والتقينا في السعودية بكبار المسئولين والعلماء، وسنلتقي في البحرين مع كبار المسئولين وعلماء من السنة والشيعة”.
وأشار إلي أن الخلاف الذي تثيره السياسة بين السنة والشيعة، ليس في مصلحة أحدهما، لكن في مصلحة أعداء الإسلام، مضيفا: “ليس أمامنا إلا جمع الفريقين ووحدة الصف"، وشدد علي أن دعوة الوسطية التي يتبناها الأزهر تجمع ولا تفرق في إطار جامع شامل يتجاوز الخلافات السياسية والفكرية بما يضمن الحقوق للجميع، ولا يسمح بالتدخل في الشئون الداخلية للآخرين، مؤكدا أن الأزهر هو المعبر دائما عن ضمير الأمة، وقد نأي بنفسه عن التخندق في مذهب او اتجاه سياسي.
كما تم عقد ندوة في عمان بتاريخ 16 أبريل 2013، تجمع بين علماء الدين هناك والأزهريون بمسقط، وأوصت بتدريس المذهب الإباضي ضمن مناهج الأزهر.
الوهابية والسيطرة على الأزهر:
ومن جهة أخرى وطبقا للمقاييس الاقتصادية، تضاربت آراء الخبراء حول قضية استقلال مشيخة الأزهر، في ظل ركود اقتصادي تعانى منه الدولة وعجز بالموازنة العامة، فرأى بعضهم أن الأصل في تلك المشكلة هو الأزهر حيث أصبح كمثل باقي مؤسسات الدولة، وشيوخه وموظفوه وعلماؤه خاضعون للنظام الحاكم، يأتمرون بأمره وينفذون ما يملي عليهم، ليمن عليه برواتبهم في النهاية، كما أن التوجه المريب للأزهر تجاه دول كالسعودية التي يعرف عنها فكرها الوهابي المتطرف والتحصيل الدائم للمعونات النقدية والعينية، يوضح مدى انحياز المؤسسة لفكر مغاير لجوهر الإسلام، مطالبين بسرعة التدخل لإنقاذ الوضع واستقلال الأزهر عن كافة العوامل الخارجية التي تؤثر علي قراراته، كي يستطيع القيام بدوره الحقيقي في إيصال الدين الإسلامي الصحيح للمواطنين دون خوف من دولة أو نظام أو مؤثرات اقتصادية.
حيث بلغت ميزانية قطاع الخدمات الدينية والمجتمعية خلال موازنة عام 2013 – 2014 نحو 11.8 مليار جنيه، وتشمل قطاع الخدمات الدينية والمجتمعية للأزهر، وديوان وزارة الاوقاف، ونشر الدعوة الإسلامية، منهم أجور العاملون بالأزهر الشريف التي بلغت نحو 7.2 مليار جنيه، وأجور ديوان وزارة الأوقاف والمديريات بالمحافظات 230 مليون جنيه، بالإضافة الى أجور العاملين بنشر الدعوة الإسلامية بما يقدر بـ4.4 مليار جنيه، بينما تحصل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية على مخصصات للأجور بلغت 12.3 مليون جنيه.
وفي هذا الاطار قال الشيخ محمد عبد الله نصر، مؤسس جبهة أزهريون والباحث في علوم الشريعة الإسلامية، إن مشيخة الأزهر ليست خاضعة لقرارات شيخ الأزهر كما هو الحال وإنما يقوده من الباطن الشيخ “محمد سليماني”، الذي يعمل مستشارًا للدكتور الطيب، وهو جزائري أسترالي الجنسية، واستدعاه “الطيب” ليكون مستشارًا بمكتبه، مؤكدًا أن “سليماني” يسيطر بشكل تام علي شيخ الأزهر، ويتحكم بقراراته في الخفاء دون الإفصاح أمام وسائل الإعلام.
وأضاف نصر، أن الثابت من تصرفات المشيخة ولاؤها التام للفكر الوهابي النابع من السعودية، ووضح ذلك جليا عقب زيارة الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر لإيران، وما تبعها من هجوم ضار عليه بسبب الزيارة والحديث عن تشيعه وانقلابه علي الإسلام، كل ذلك دون وجه حق لمجرد إلهاء المواطنين عن زيارة مدير المخابرات السعودي لمصر ومقابلته شيخ الأزهر، والاتفاق على تكفلها بترميم مبني المشيخة، وتحمل كافة النفقات، فالمتابع الجيد للموقف يدرك علاقة حملة التشويه ضد كريمة لزيارته إيران بزيارة مدير المخابرات السعودي وترميم المشيخة، فالأمر كله يتعلق بالمصلحة الخاصة، ونشر الفكر الوهابي فقط دون النظر للإسلام والحق.
وتابع الباحث في علوم الشريعة الإسلامية، أن الخطر المحدق والمحيط بمؤسسة الأزهر ليس من الخارج وإنما من داخله، يكمن في المسئولين عنه ممن يتبعون السعودية ويلتزمون بتنفيذ أوامرها في نشر الفكر الوهابي وإقناع المواطنين بأنه الإسلام، وماعدا ذلك فهو كفر، مما يمثل انحيازا طائفيا شديدا يقع في براثنه الأزهر ليفقد مصداقيته، مع مرور الوقت في حال عدم إنقاذ الموقف، متسائلًا: كيف وصل الحال بتلك المؤسسة العريقة صاحبة الريادة في العالم الإسلامي لتلك الحالة البائسة؟.
واكمل نصر: إغراق الأزهر بالمعونات الخارجية يستلزم التحيز لأفكار أصحاب المعونات، حيث يلجأ السياسي للدين بغرض استخدامه كغطاء لدوافعه الحقيقية والتي تتمثل دائما في السلطة والثروة، أو بغرض اتباع فكر لصالح فئة بعينها، موضحًا أنه لا يجوز زج الدين بالمعونات؛ لأنها تستوجب الدخول في الشئون الداخلية للأزهر، وتلتزم التلاعب السياسي من قبل البشر باسم الدين.
وأشار نصر إلى رجل آخر من نفس الفريق الذى يسيطر على المشيخة، وهو الدكتور حسن الشافعي، رغم أن أخبارًا ترددت عن استقالته من منصبه كمستشار لشيخ الأزهر، إلا أن أنباء قوية تتردد عن عدم تقديم الاستقالة من الأساس، وأن الدكتور الطيب هو الذي أثناه عن تقديمها.
الشافعي الذي أخذ موقفًا معارضًا للإطاحة بمحمد مرسي، كان قد أدان ما اعتبره مذبحة في أحداث الحرس الجمهوري، وتقدم باستقالته من منصبه احتجاجًا على ما جرى، ثم عاد لسيرته الأولى وأصدر بيانا صاخبا في أعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة أنهاه بقوله “اللهم إني أبرأ إليك مما حدث، وأستنكره من كل قلبي، وأسأل الله لبني وطني العقل والحكمة، وأدعوهم إلى التوبة، وكل الحول والطول والقوة بيد الله رب العالمين”.
حسن الشافعي الذي لا يزال يعمل رئيسًا لمجمع اللغة العربية، ويحمي أعضاء جماعة الإخوان الذين يعملون به، ورفض تمامًا إسقاط عضوية الدكتور محمد الجوادي الذي يأخذ من قناة الجزيرة منصة للهجوم على النظام المصري بعد 30 يونيه، لا يزال يواصل دعمه لجماعة الإخوان المسلمين.
الخضوع للسلطة:
وقال سرحان سليمان، الخبير الاقتصادي، إن مؤسسة الأزهر تخضع للدولة كما هو الحال بالنسبة لوزارة الأوقاف، فجميع الموظفين يتقاضون رواتبهم من الحكومة، ويخضعون للسلم الوظيفي من ترقيات ومكافآت وغيره، وهى وحدها لها مطلق الحرية في التعيين والفصل، على خلاف مؤسسة القضاء المتمتعة باستقلالية تامة في عملها، وهو ما يثير التساؤل بشأن عدم إعطاء تلك الحرية للمشيخة رغم أهميتها القصوى للعالم العربي، ولذلك فالمشيخة خاضعة للنظام وتحت السيطرة الكاملة، تأتمر بأوامره وتنفذها دون النظر إلي مكانة المؤسسة أو الحفاظ علي الدين.
ويشير سليمان، إلي أن الأزهر يعتمد في ميزانيته علي المنح النقدية الآتية من دول كالسعودية وإندونيسيا لنشر الفكر الوهابي، موضحًا أن سبب قبول مشيخة الأزهر تلك المنح هو دعم مذهب بعينه، متسائلًا: ما تأثير تلك المنح على عدم انحياز الأزهر للفكر الوهابي؟.
وطالب الخبير الاقتصادي بضرورة استقلال مشيخة الأزهر ماديا وعدم تبعيتها للنظام ولأية دولة أخرى من أجل عدم التدخل في الشأن الداخلي للمؤسسة والتأثير علي قرارها لمصالح خاصة.
كما أكد الدكتور، محمد عبد الحليم عمر، رئيس مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي سابقا والأستاذ بكلية تجارة الأزهر، استحالة الاستقلال المالي للأزهر عن الدولة في ظل موارده الحالية، موضحًا أن الموارد المالية للأزهر ضعيفة خاصة من ضرائب رسوم التعليم.
وأضاف عبد الحليم، لا يجوز ضم الأزهر والأوقاف لتصبح ميزانية واحدة، موضحًا أن الأزهر هيئة مستقلة تختص بالتعليم العالي بالأزهر، إلى جانب هيئات أخرى للتعليم قبل المرحلة الجامعية الأولى، وأخرى للمجلس الأعلى للأزهر، وثالثة لمجمع البحوث الإسلامية الذي يختص بنشر الثقافة الإسلامية وتجلية التراث وتنقيته من الشوائب التي علقت به، وبشؤون الدعوة والوفود الطلابية في العالم الخارجي وإعاشتهم، بالإضافة إلى الوفود الإسلامية المتبادلة، والمراكز الثقافية الإسلامية التي أقامتها مصر في عديد من البلاد الأوروبية الأمريكية والأفريقية وكذلك المعاهد التعليمية، بينما وزارة الأوقاف تختص بشؤون الدعوة الإسلامية في داخل وخارج جمهورية مصر العربية حيث تشمل أنشطتها الآتي، العناية بالمساجد ورعاية الأيتام وبحث الأمور الفقهية وإدارة المراكز الإسلامية.
بينما علق جمال عمر، باحث بمشيخة الأزهر، أن التصدي للفكر المتطرف من دون استقلالية الأزهر الفكرية خلال الوقت الحالي أمر معقد جدا، واصفًا ذلك بـ ”تأميم الحياة الفكرية في مصر".
وأضاف جمال، أن في نهاية خمسينيات القرن الماضي، أُنشئت وزارة الثقافة، وتبعها تأميم الصحف وقانون إصلاح الأزهر وإنشاء التليفزيون، وكل هذه الخطوات كانت بمثابة عملية تأميم للحياة الفكرية على حد قوله، ومن ضمنها تأميم الأزهر، ثم المؤسسة العريقة التي خرج منها محمد عبده ورفاعة الطهطاوي، ما أصاب أوجه الحياة في مصر بالانغلاق وانتشار للجهل، حتى أصبحت المعارف سطحية، فتطرق التطرف والأفكار الشاذة إلى عقول المصريين.
وتابع: كل الجهود التي تبذل من أجل التوضيح للناس وتبيين ما التبس عليهم في أمور دينهم تسير في طريق غاية الصعوبة، خاصة في أجواء تتعامل مع الأفكار القديمة، وتحاول أن تغير فكرة هنا وفكرة هناك، دون التطرق للأسس الفكرية التي أنتجت هذه الأفكار، مؤكدا أنه لن يتم هذا الأمر بدون التعامل مع القرآن ليس كسلطة تُفرض بالقوة وتتخفى وراءها سلطات البشر، بل كنص يحتاج إلى الاجتهاد العقلي، وبدون التعامل مع السنّة نقديًّا والتفرقة فيها بين ما هو بشري واجتماعي يعكس ثقافة وزمن حياة النبي عليه السلام وبين ما هو ديني يبلغ فيه عن الله.