صراع "داعش" والقاعدة" في الجزائر يتصاعد دون حسم
الثلاثاء 28/يوليو/2015 - 01:34 م
طباعة
اشتعل الصراع مجددًا بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" وتنظيم قاعدة الجهاد في المغرب العربي، في محاولة من كلتيهما لتوسيع نفوذهما في شمال إفريقيا، ولكن في هذه المرة حققت "داعش" انتصارًا جديدًا بعد إعلان مجموعة تحمل اسم «سرية الغرباء» وتنشط في محافظة «قسنطينة» الواقعة على بعد 450 كيلومتراً شرق العاصمة الجزائر- انشقاقها عن «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ومبايعتها «داعش»، وهو تنظيم الجديد لم يسبق لأجهزة الأمن الجزائرية أن رصدته من قبل في مدينة قسنطينة.
وكان تنظيم القاعدة قد قوى من شوكته في الجزائر بعد تنفيذ مجموعات تابعة له عدة عمليات تحمل بصمة القاعدة، واعتبر انتصارًا جديدًا لها على حساب "داعش"، وعلى رأس هذه العمليات:
1- الهجوم على ثكنة للجيش في بلدة وادي الشعبة (400 كيلومتر شرق العاصمة)، قصفها بمدافع هاون وأتلاف كابلات الكهرباء في المنطقة؛ ما أدى إلى انقطاع التيار وقال شهود: إنهم سمعوا إطلاق نار كثيف استمر بضع ساعات، ويُعتقَد أن الجنود صدوا الهجوم من دون وقوع ضحايا، فيما لاذ المسلحون بالفرار، وحلّقت مروحيات الجيش لملاحقتهم.
2- هجوم مدينة باتنة في شرق الجزائر، والذي أصيب فيه 4 جنود بعد استهدف ثكنتهم العسكرية، حيث أطلقت عناصر مسلحة النار بواسطة مدفع تقليدي داخل الثكنة تبعه اشتباك بالسلاح، بعد أن حاولت المجموعة اقتحام الثكنة، غير أن قوات الجيش أجبرت المجموعة الإرهابية على الفرار ورجّح مراقبون أن تكون ما يسمى «كتيبة الموت» التابعة للقاعدة من تقف وراء الهجوم، خاصة أنّ منطقة باتنة كانت مسرحًا لهجمات بقذائف المدفعية التقليدية بين عامي 2005 و2006 من قبل «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، التي أعلنت مبايعة «القاعدة» في شتاء 2007.
3- الهجوم على موقع عين الدفلى غرب الجزائر الذي قُتل فيه 9 جنود في ثاني أيام عيد الفطر.
هذا الأمر أثار مخاوف المسئولين الأمنيين في الجزائر من أن الجماعات المسلحة الإرهابية بدأت تنشط في مواقع كانت اختفت تماماً من خارطة تحركاتها؛ مما يعني توسيع نفوذ "داعش" في مناطق جديدة في الشرق الجزائري، بخلاف مناطق القاعدة المتمركزة منذ 6 سنوات في منطقتي الوسط والصحراء.
وعلى الرغم من أن الصراع بين "القاعدة" و"داعش" في الجزائر لم يصل بعد إلى المواجهة المباشرة، إلا أنه أخذ شكل أخر من الصراع تمثل فيما يلي:
1- الحرب الكلامية بينهما، وكان آخر مظاهرها التسجيل الصوتي الذي أصدره زعيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك دروكدال، والذي اتهم فيه "داعش" بالانحراف والإقدام على سلوكيات أساءت لما يعتبره "جهاداً"، وكذلك شق صفوف المجموعات التي وصفها بالجهادية.
2- التسابق على تجنيد عناصر جديدة واستقطاب مقاتلين جدد، وهو الامر الذي يتفوق فيه "داعش"؛ خاصة بعد الزخم الإعلامي الذي يرافق نشاطات وانتصارات "داعش" في سوريا والعراق.
العمل على استقطاب مجموعات وكتائب صغيرة إرهابية قائمة بالفعل، وهو ما نجحت فيه داعش، عندما استطاعت الحصول على مبايعة مجموعات كانت تنشط ضمن "القاعدة"، من بينها:
أ- سرية الغرباء وتعد ثالث مجموعة قاعدية تعلن انشقاقها عن تنظيم «القاعدة» والانضمام لـ «داعش» في الجزائر، ونشرت تسجيلًا صوتيًّا للمبايعة بعنوان: «بيعة المجاهدين في سرية الغرباء في مدينة قسنطينة لخليفة المسلمين»، وذكرت في التسجيل أن المجموعة تعلن البيعة للخليفة (أبو بكر البغدادي) على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، وأن تأخر البيعة «لأسباب قاهرة».
ب- تنظيم الوسط وتنشط في محافظات شرق العاصمة الجزائر، وقد بايعت البغدادي في سبتمبر الماضي، وأطلقت على نفسها فيما بعد اسم "جند الخلافة في الجزائر"، وتبنت عمليات خطف وجرائم، من بينها اغتيال المواطن الفرنسي إيرفيه غوردال.
ج- كتيبة أنصار الخلافة وتنشط في محافظة سكيكدة الواقعة على بعد 550 كيلومتراً شرق العاصمة الجزائر، وانضمت لـ «داعش»، في وقت أُعلِن فيه عن تعيين أمير جديد لـ «جند الخلافة» يدعى "بن هني محمد"، ولقبه «زبير»، خلفاً لخزرة بشير المعروف بلقب «أبوعبدالله عثمان العاصمي»، الذي قُتل في عملية عسكرية للجيش الجزائري في ولاية البويرة في مايو الماضي.
واعتبر نصر بن حديد المحلل السياسي في شئون الجماعات الإرهابية، أن الصراع بين "داعش" و"القاعدة" في الجزائر، هو معركة زعامات بين ممثلي التنظيمين في المنطقة، وبحث عن توسيع المجال، أكثر من كونه اختلافًا فقهيًّا أو تضاربًا عقديًّا، وأن هذا الصراع ليس جديداً، فمنذ منتصف التسعينيات، تعددت المجموعات المسلحة في الجزائر ودب صراع حاد بينها، أخذ في البداية طابعاً سياسياً تعلّق بالتبعية للجناح السياسي من حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، بعد وقف الجيش للمسار الانتخابي في يناير 1992، لكنه أخذ بُعداً دموياً بعد إعلان الجماعة الإسلامية المسلحة الانشقاق عن "الجيش الإسلامي للإنقاذ" الذي كان يتبع الحزب السياسي، وإعلانها تكفير السياسيين والتمرد عليهم والحرب على كل المجموعات المسلّحة التي لا تنضم إليها طواعية. وحصلت مواجهات بين هذه الجماعة وجماعة "رابطة الدعوة والقتال" التي كان يقودها علي بن حجر، من جهة، وبينها وبين "الجيش الإسلامي للإنقاذ" منذ منتصف التسعينيات من جهة أخرى.
وشدد على أن القاسم المشترك في هذه الصراعات سواء السابقة أو الحالية، أنها تنطلق من معطى خارجي، فالحرب الدامية بين المجموعات المسلّحة في الجزائر في منتصف التسعينات كانت بدافع فتاوى التكفير التي أصدرها الأردني أبو قتادة وبالرغم من ذلك فإن الحالة الجزائرية ليست مرشحة لأن تكون ساحة مواجهة حقيقية بين "داعش" و"القاعدة"؛ بسبب غياب الحاضنة الشعبية، بفعل المعاناة الكبيرة للجزائريين من فتنة التسعينيات التي أدت إلى سقوط نحو 120 ألف قتيل، وانكسار شوكة "المجموعات الإرهابية" بفعل قوة المنظومة الأمنية والعسكرية الجزائرية.
ومن خلال ما سبق يمكن التأكيد على أن الصراع بين القاعدة وداعش في الجزائر في تزايد بلا حسم بين الطرفين؛ بسبب محدودية نشاط الجماعتين، وعدم قدرتهما على إحداث أي تغيير في الوضع الميداني في الجزائر، بالإضافة إلى أن مجموعات "داعش" ليس لها أي وجود عملي، أو نشاط ملحوظ، ومعظمهم من بقايا عناصر تنظيم القاعدة المحدودة العدد.