"البدون".. قنبلة الكويت الموقوتة في وجه الخليج

الخميس 10/سبتمبر/2015 - 06:28 م
طباعة البدون.. قنبلة الكويت
 
في ظل المخاطر التي أصبحت تهدد أمن واستقرار العالم العربي، وكذلك توالي العمليات الإرهابية في بعض الدول العربية، والتي كانت دولة الكويت من بينها، حيث شهدت يوم 24 يونيه الماضي، هجوما إرهابيًا على مسجد الإمام الصادق الشيعي، ما أسفر عن سقوط 26 قتيلًا وعشرات المصابين، فتح معهد دول الخليج العربي، بواشنطن، ملف "البدون" في الكويت، وعلاقتهم بالحكومة والمجتمع، وكيفية التأثير فيهم لينساقوا وراء أيديولوجيا العنف والتطرّف.

تورط البدون في انفجار المسجد الصادق

تورط البدون في انفجار
مع تضارب الأخبار حول الذراع الخفي الذي نفذ هذه العملية، وبالأخص عقب تبني تنظيم داعش الإرهابي هذه الجريمة، أظهرت دراسة حديثة عن معهد دول الخليج العربي، بواشنطن، صناع القرار في الكويت من خطر قضية البدون التي تعمل أطراف عديدة بينها جماعات إسلامية وتنظيمات جهادية وزارعو الفتنة الطائفية، على استغلالها لتهديد استقرار البلاد، والمنطقة ككل. 
 الدراسة دعت الحكومة الكويتية إلى ضرورة مراجعة أوضاع مجهولي الجنسية للقطع مع محاولات استغلالهم والاستفادة من قضيّتهم ضدّ الكويت.
والجدير بالذكر أن التحقيق الجنائي في هجوم 24 يونيه الماضي على مسجد الإمام الصادق للشيعة في الكويت، والذي أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة أكثر من 200 آخرين بجروح، كشف عن تورط بعض البدون المقيمين من غير محدّدي الجنسية، في العملية، فيما أسفر التحقيق عن إلقاء القبض على ثلاثة من البدون الكويتيين، بينهم سائق السيارة التي نقلت الانتحاري السعودي إلى المسجد، وصاحب السيارة وأخيه، بالإضافة إلى ذلك، ذكرت وسائل الإعلام الكويتية، في 14 يوليو الماضي، أنه من أصل 29 من المشتبه بهم في الهجوم، يوجد خمسة كويتيين، سبعة سعوديين وثلاثة باكستانيين و13 من البدون.
وفيما أشارت الدراسة إلى أن تورط بعض البدون بشكل واضح في هجوم يونيو الماضي، بالإضافة إلى مثال الجهادي جون، جلاد تنظيم "داعش"، الذي نشأ في عائلة عراقية فرت إلى الكويت في عام 1987، وعاش في نفس الضواحي، التي يعيش فيها البدون، قبل هجرته إلى المملكة المتحدة، يثير القلق إزاء نزعة التطرف لدى بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الفئة، ووجود حوالي 100 ألف من البدون على أرض الكويت يمثل بلا شكّ تهديدا أمنيا محتملا للبلاد والمنطقة.

من هم البدون

من هم البدون
والبدون فئة غير محددي الجنسية أو مقيمون بصورة غير شرعية هم فئة سكانية غير محددة الجنسية، وهم فئتان،  الأولى، تشمل من لا يحملون جنسية من أي دولة أخرى، وكانوا متواجدين قديماً، لكن لظروف ولأسباب معينة لم يتم تجنيسه، أما الثانية تشمل من ينتمون إلى دول إقليمية أخرى، لكنهم أخفوا كل الوثائق القانونية التي تثبت أنهم ليسوا عديمي الجنسية.
كما أنهم في الأساس من البدو الرحل، سكنوا شبه الجزيرة العربية، منذ آلاف السنين، وتنقلوا عبر بلدانها، سعيا وراء الرزق، ونسبة أخرى قدموا من بلدان أخرى و يخفون وثائقهم ومستنداتهم الأصلية.

عدد البدون في الكويت

وتطلق هذه التسمية في دول الخليج العربي، وبخاصة السعودية والكويت والإمارات، على المقيمين بها بصفة غير شرعية، أو عديمي الجنسية، حيث يقدر عدد البدون في الكويت بـ110 آلاف شخص، وتعود تلك التسمية للفترة التاريخية ما بين عامي 1950 و1979، حيث تدرج بياناتهم في الوثائق الرسمية بـ"غير كويتي"، ثم "بدون جنسية"، ثم مقيم بصورة غير شرعية، بينما أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد الصباح، في تصريح سابق له، أن اجمالي عدد المقيمين بصورة غير قانونية بالبلاد المسجلين لدى الجهاز المركزي بلغ 111493 منهم 3195 شخصا متزوجون من كويتيات.
وحسبما أفادت تقارير عديدة، نشأت ظاهرة البدون مع تشكل الدولة الحديثة والهوية الوطنية، حيث توجب على الدول الناشئة أن تعرف نفسها عن طريق ترسيم الحدود، وتحديد من هم سكان الدولة ضمن هذه الحدود، فيما تغاضت بعض الجماعات البدوية عن الحصول على أوراق إثبات الهوية، واستمرت في ممارسة حياتها، كما كانت في السابق، خاصة وأن حياتها قائمة على الترحال الدائم.
ولا يعتبر الشخص عديم الجنسية أو "بدون"، مواطنا من قبل أية دولة، كما ينعدم الرابط القانوني بينه وبين الدولة التي ولد ويعيش فيها، وبالتالي حرمانه من بعض حقوقه المدنية والسياسية، وأن يحصل على كل أشكال الحماية التي توفرها دولة الجنسية لمواطنيها.

انتماءاتهم القبلية

انتماءاتهم القبلية
تفيد منظمات حقوقية بأن البدون في الكويت محرومون من الحقوق المدنية مثل التعليم والصحة والسفر، والتي ينص عليها الدستور الكويتي، الذي يؤكد في المادة 29 على المساواة بين الكويتيين بغض النظر عن لونهم وجنسهم وطائفتهم، وعلى حقهم في الكرامة، فيما تظاهر آلاف منهم مرارا للمطالبة بالجنسية الكويتية والحصول على الخدمات العامة، أعلنت حكومة البلاد أن عشرات الآلاف من البدون يمكن أن يحصلون على جنسية جزر القمر من أجل وضع حد لمشكلتهم المستمرة منذ عقود، العرض الذي لاقى رفضا واسعا ممن لم يقبلوا التنازل عن حقوقهم في جنسية وطنهم.
ووفق محللون، يبدو أن سبب مشاركة بعض البدون في العمليات الإرهابية، نتيجة لانتماءاتهم القبلية واندماجهم الاجتماعي وتأثرهم الأيديولوجي لذلك فالمغالاة في مسألة تهديد البدون للأمن قد تشكل خطرا يمكن أن يؤدي إلى الوقيعة بينهم وبين بقية المجتمع الكويتي، مما يجعل حل هذه المشكلة المستعصية أكثر صعوبة.
ويرى مراقبون أن  تواطؤ البدون في العنف السياسي يعكس اتجاها أوسع للتمكين الإسلامي والتطرف والذي من شأنه أن يؤثر في السياسة الكويتية، ويتبع ذلك تلاقي المصالح بين بعض الجهات القبلية والحركات الإسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمون والحركات السلفية التي نشأت في صفوف الكويتيين الحضر غير القبليين.

علاقتهم بالمذاهب الإسلامية

علاقتهم بالمذاهب
وتشير القاعدة العامة إلى أن البدون لا يثقون كثيرا في السياسة، فهم يدركون جيدا حدود ما يمكن للسياسيين الكويتيين القيام به من أجل مساعدتهم في موضوع الحصول على الجنسية.
 كما يعتبرون أن مسألة منح الجنسية تعود إلى العائلة الحاكمة، ومع ذلك، قد يتحول البدون إلى المذاهب السياسية للإسلاميين السنة عبر قناتين، أولا، كأشخاص تتم استمالتهم أساسا بالاستناد إلى خلفيات قبلية إقليمية معظمها من قبائل مثل العنزي و شمر وظافر، والتي تتألف من السنة والشيعة على حد سواء، ويسكن البدون في محيط كويتي قبلي، حيث تجد التيارات السلفية مناخا مناسبا لتنشأ فيه، ولا سيما حزب الأمة. ثانيا، نما نفوذ السلفيين والإخوان المسلمين في صفوف البدون بسبب النفوذ المالي، حيث وجدوا موطئ قدم لهم عبر الجمعيات الخيرية النشطة، بما في ذلك الرابطة السلفية لإحياء التراث الإسلامي، وجمعية الإخوان المسلمين للإصلاح الإسلامي.

قنبلة موقوته

قنبلة موقوته
ومنذ عام 1985، تم إطلاق أول المناقشات العامة حول ظهور هذه فئة "البدون" في المجتمع، وقد حذر الساسة الكويتيون من هذه القنبلة الموقوتة، ونددوا بسلبية التعامل مع هذه القضية، مما يجعل الحل أكثر صعوبة وتكلفة من الناحية الإنسانية والمالية على حد سواء.
وفي ديسمبر عام 1986، في خضم الأزمة الاقتصادية، تم إصدار مرسوم يقر بضرورة استبدال البدون الذين يعملون في صفوف قوات الأمن تدريجيا بأشخاص يحملون الجنسية، كما دعا إلى التطبيق الصارم لقانون عام 1959 الذي تم فرضه على إقامة الأجانب، وبالتالي إنهاء الإعفاء من شروط الكفالة وتصريح إقامة “أفراد القبائل” التي تم منحها حتى ذلك الحين.
وفي فبراير عام 2011، في أعقاب ثورات الربيع العربي، أطلق البدون احتجاجات سلمية في المناطق النائية من الكويت، حيث تعيش الغالبية العظمى منهم، وكانوا قد خرجوا ملوحين بأعلام الكويت وصور الأمير، مطالبين بوضع حد لحالة التهميش التي يعانون منها، وفي محاولة لطمأنة المواطنين وتبديد الصورة التي تشير إلى أنهم أشخاص يسببون خطورة على البلاد، قاموا في البداية بتنظيم حملة تبرع بالدم لصالح بنك الدم الكويتي وقدموا الزهور للكويتيين.
ورغم الوعود الحكومية المتكررة، لم يتم التوصل إلى أي حل وصدر قانون في عام 2000 الذي سمح بتجنيس 2000 شخص في السنة،  وفي عام 2010، ذكرت وكالة مسؤولة عن ملف البدون أن 34 ألفا من البدون من جملة 106 آلاف تمتعوا رسميا بشروط الأهلية للحصول على الجنسية الكويتي، وتصبح بذلك إمكانية حل قضية البدون من خلال إدماجهم في المجتمع الكويتي أمرًا صعب.

انسياق البدون وراء دعوات العنف

انسياق البدون وراء
وخلصت الدراسة إلى أنه ينبغي الاعتراف بانسياق بعض البدون وراء دعوات التطرف نتيجة لتنامي نفوذ الحركات السنية الإقليمية، إلى جانب زحف الطائفية على البدون، وهو ما يعتبر تطورا جديدا ومقلقا لمجموعة تعتبر هويتها الطائفية حتى الآن مختلطة، ومن بينهم أفراد من الشيعة.
كان خبراء حذروا من أن أزمة البدون قنبلة موقوتة قد تشتعل في أي وقت، فيما ذكر البعض بأن "الدولة الداعشية" ترحب بانضمام البدون إليها عبر حساباتهم في "تويتر" مؤكدة أنهم موضع ترحيب من "الدولة الإسلامية".
وتعتبر جماعة البدون خطرًا جديدًا يهدد دول الخليج باعتبار أنهم منتشرين بصورة كبيرة في العديد منها بينها الكويت والإمارات وقطر، حال انسياقهم وراء العنف والتطرف في الفترة المقبلة.

شارك