هوامش على "الدرر السنية" في تأسيس الدولة "الداعشية" (1)
الإثنين 02/نوفمبر/2015 - 02:08 م
طباعة
سوف نحاول في هذه السلسلة من المقالات تناول كتاب أقل ما يوصف به أنه دستور المملكة الوهابية السعودية حيث يضم في ستة عشرة مجلد مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد كما يصفون أنفسهم بالأعلام بداية من الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى 1970م-1392هـ. وبداية نود أن نعرف القارئ بأن هذا الكتاب هو السبب الرئيسي فيما ابتلينا به هذه الأيام من فتنة الغلو في الدين والتكفير وما نشأ عنه من ظهور جماعات متطرفة في منطقتنا العربية، حيث يعد هذا الكتاب دستورًا لأمة التطرف، وقد قال الصاوي المالكي صاحب الحاشية على تفسير الجلالين عند تفسيره لقوله تعالى: " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ " من سورة فاطر قال "هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنة ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم كما هو مشاهد الآن من نظائرهم وهم فرقة بأرض الحجاز يقال لهم الوهابية يحسبون أنهم على شيء إلا أنهم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا أن حزب الشيطان هم الخاسرون، نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم."
ولأننا لسنا هنا في مجال دراسة فقهية أو قيمية فلا تقوم بسرد الكثير من أراء العلماء سواء كانوا من أهل نجد أو الحجاز أو الشام أو مصر في الدعوة الوهابية أو حتى في هذا الكتاب وكل ما سوف نحاول فعله هو الإشارة إلى بعض تلك الفتاوي والآراء الواردة في هذا الكتاب والتي تعبر عن المنهج الوهابي أو إن صح القول عن العقيدة الوهابية للمملكة السعودية، والتي جاءت بين طيات هذا الكتاب، ولا نريد من هذه الإشارات التي سميناها هوامش إلا أن نبرز ونشير إلى تلك الفتاوى التي أثرت بالسلب على حياتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية وسوف نحرص كل الحرص على عدم الدخول مع الكتاب في سجالات فقهية أو أحد المشاركين فيه فنحن نعرف أننا لسنا أهل لهذا وكل ما نحاول عمله ونسعى إليه هو معرفة من أين جاءت تلك التنظيمات الإرهابية وما هي مرجعياتها الفكرية والدينية والتي نعتقد أن لهذا الكتاب دور مهم في تواجدها على الساحة كما أننا نعتقد أن الأموال السعودية من اهم أليات استمرار تواجدها.
حين الاطلاع على الجزء الأول من الكتاب كانت الصدمة الكبرى التي واجهتني منه صفحة 314 حيث جاء فيها ما هو نصه:
الحمد لله رب العالمين
نشهد- ونحن علماء مكة، الواضعون خطوطنا، وأختامنا في هذا الرقيم- أن هذا الدين، الذي قام به الشيخ: محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله تعالى، ودعا إليه إمام المسلمين: سعود بن عبدالعزيز، من توحيد الله، ونفي الشرك، الذي ذكره في هذا الكتاب، أنه هو الحق، الذي لاشك فيه ولا ريب، وأن ما وقع في مكة والمدينة سابقًا، ومصر والشام وغيرهما من البلاد، إلى الآن. من أنواع الشرك المذكورة في هذا الكتاب، أنه: الكفر، المبيح للدم، والمال، والموجب للخلود في النار، ومن لم يدخل في هذا الدين، ويعمل به، ويوالي أهله، ويعادي أعداءه، فهو عندنا كافر بالله، واليوم الآخر، وواجب على إمام المسلمين، والمسلمين، جهاده، وقتاله، حتى يتوب إلى الله مما هو عليه ويعمل بهذا الدين.
ومن بيم الموقعين على هذه الشهادة الشيخ عبدالملك بن عبدالمنعم القلعي مفتي مكة والمتوفى سنة 1138هـ والشيخ محمد صالح بن إبراهيم مفتي الشافعية بمكة. ومحمد بن محمد عربي البنان مفتي المالكية بمكة، ومحمد بن يحيى مفتي الحنابلة بمكة وغيرهم من مشايخ الدعوة الوهابية السعودية.
ولاشك عند قراءة نص كهذا وللوهلة الأولى نعتقد أن كاتبه هو أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة "داعش" هذا في حالة قراءة النص دون الإشارة لكاتبه ولكن لأننا نقرأ النص ضمن إطار كتاب وقع عليه علماء مكة لأجيال مختلفة، فهو لاشك نص يعبر وبشكل واضح ليس عن هؤلاء العلماء فقط بل هو يعبر أيضًا عن عقيدة المملكة السعودية والتي تتبنى هذا الخطاب حتى الآن. فهي تدين بالديانة الوهابية وتدعو الناس إليها ويعد الخارج عن هذا الدين- دين محمد بن عبدالوهاب- حسب ما جاء من النص المقتبس كافر ويجب جهادة وقتله.
إذ يقرر النص بداية أن ما جاء في هذا الكتاب إنما هو "دين" ليس منسوب لأحد سوى لهذا الشيخ "محمد بن عبدالوهاب" وهو حسب النص أيضًا "دين الحق الذي لا شك فيه ولا ريب"، وهكذا يتطاول علماء المملكة الوهابية السعودية ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط بل أيضًا عل الذات الإلهية فيجعلون كتاب محمد بن عبدالوهاب مساويًا بل مفضلاً عن كتاب الله عز وجل حيث يقول الله تعالى "ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين" ويقول علماء الدعوة الوهابية أن كتاب بن عبدالوهاب "هو الحق، الذي لا ريب فيه ولاشك" فتم استبدال كتاب الله عز وجل بكتاب بن عبدالوهاب لدى هؤلاء الذين يسمون أنفسهم علماء، وتصل بهؤلاء الجرأة على الله ورسوله في هذا الكتاب من قولهم "وأن ما وقع في مكة والمدينة سابقًا، ومصر والشام وغيرهما من البلاد إلى الآن من أنواع الشرك المذكورة في هذا الكتاب- كتاب بن عبدالوهاب- أنه: الكفر المبيح للدم والمال، والموجب للخود في النار". ومن خلال النص يكون الإسلام الذي تم ممارسته في مكة والمدينة قبل مجيئ محمد بن عبدالوهاب ليس إسلامًا بل نوعًا من الشرك والكفر، إلى أن جاء محمد بن عبدالوهاب بالإسلام الحق، ليس هذا فقط بل الذي يمارس في مصر والشام وباقي الدول والبلدان ليس إسلامًا حسب النص المقتبس وليس إيمان بالله بل هو كفر مبيح للدم والمال، أليس ما في هذا الكتاب دعوة صريحة لتأجيج الحروب بين المسلمين؟ أليس ما جاء في هذا النص من تكفير جميع المسلمين الذين لا يتبعون هذا الفكر الوهابي السعودي وإباحة أموالهم ودمائهم منافي تمامًا لما جاء به محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم؟
وبناء على تصور هؤلاء العلماء وإمامهم وحسب أخر سطر في النص المقتبس الذي يقولون فيه "ومن لم يدخل في هذا الدين"، ويعمل به- دين محمد بن عبدالوهاب- ويوالي أهله، ويعادي أعداءه، فهو عندنا كافر بالله، واليوم الآخر وواجب على إمام المسلمين والمسلمين جهاده، وقتاله، حتى يتوب إلى الله مما هو عليه ويعمل بهذا الدين"، يقولونها صراحة من لم يتبع الوهابية السعودية فهو كافر ويجب قتاله، فماذا يفعل تنظيم الدولة "داعش" غير هذا الم يقتل أبو بكر البغدادي من لا يبايعه، ومن هو ليس في تنظيم دولته، ألم يسبي النساء، ويقتل الرجال والأطفال، ألم تسفك دماء العراقيين والسوريين والمصريين وغيرهم باسم هذا الدين الجديد؟ الذي وصفه الصاوي المالكي بالخارجي، أن هؤلاء لا يعرفون آيات القرآن التي تقول "لكم دينكم ولي دين" ولا يعلمون آية سورة الكهف " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" إن الوهابية السعودية لا تؤمن إلا بما يتناسب وطبيعتها البدوية كما قال الجاحظ في رسالته الثالثة عشر واصفًا عرب الجزيرة على لسان صاحب الغلمان "أعراب أجلاف جفاة غدوا بالبؤس والشقاء ونشؤوا فيه لا يعرفون من رفاعة العيش ولذات الدنيا شيئًا. إنما يسكنون القفار وينفرون من الناس كنفور الوحش، ويقتاتون القنافذ والضباب". فتلك كانت حالتهم إلى أن ظهر البترول في أراضيهم، فأرادوا أن يتسيدوا العرب وخاصة مصر والشام، بأموالهم التي ينفقونها على تلك التنظيمات الارهابية التي تقطع في جسد الوطن العربي وتشرب من دماء المسلمين.