هوامش على الدُّرَر السُّنِّية في تأسيس الدولة الداعشية (2)
الأربعاء 11/نوفمبر/2015 - 02:08 م
طباعة
المرأة في الخطاب الوهابي
سبق أن أشرنا في هذه السلسلة من المقالات أنها سوف تكون بمثابة هوامش على كتاب من أهم الكتب المرجعية للفكر الوهابي والذي يجمع فتاوى وآراء وأحكام علماء هذا الفكر على امتداد قرنين من الزمان. ليس هذا فقط بل يعد هذا الكتاب "الدُّرَر السُّنِّية من الأجوبة النجدية"، مرجعًا رئيسيًا للفقه الداعشي في تنظيم الدولة "داعش" والذي يتزعمه أبو بكر البغدادي.
ومن بين المواضيع المهمة التي تلفت الانتباه من بين مجلدات وفصول هذا الكتاب. موضوع المرأة، فكيف ينظر الفكر الوهابي الداعشي للمرأة؟ وإجابة هذا السؤال تتركز بداية من صفحة 55 في المجلد السادس عشر من الكتاب في مجموعة من فتاوى علماء الدعوة النجدية، والتي أشرنا في بداية هذه السلسلة أنها دعوة خاصة بمحمد بن عبدالوهاب النجدي، صاحب الرسالة الجديدة في الإسلام حسب تعبير الكتاب.
وسوف نركز في هذ المقال حول رؤية تلك الدعوة الوهابية للمرأة حسب تقسيم الفتاوى في الكتاب والتي تبدأ بالفوارق بين الذكر والأنثى، وحكم تجاهل هذه الفوارق الطبيعية والحسبة والشرعية، والدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل في ميادين الحياة، وكذلك تحريم توظيف المرأة في الأماكن التي بها رجال تاركين قضية تعليم البنات لمقال آخر.
ففي متن الكتاب- وكما أشرنا إلى رقم الصفحة والمجلد- يقول الشيخ محمد بن إبراهيم وغيره من المخلصين: اعلم- وفقك الله- أن الله جل وعلا، الذي خلق الذكر والأنثى، جعل بينهما فوارق طبيعية، لا يمكن إنكارها، وسبب ذلك الاختلاف الطبيعي، جعل لكل منهما خدمات يقوم بها للمجتمع الإنساني، مخالفة لخدمة الآخر.
اعلم أولاً: أن الذكورة كمال خلقي، وقوة طبيعية، والأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي".
ثم يقوم بسرد الكثير من الآيات والأحاديث والحجج التي تبرهن على هذه الفوارق بين النوعين "الذكر والأنثى" إلى أن يصل إلى حكم "أن من أراد أن يتجاهل هذه الفوارق، ويجعل نفسه كالآخر، فهو ملعون على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لمحاولته تغيير صنع الله، وتبديل حكمه، وإبطال الفوارق التي أودعها فيهما" ويعود للاستناد على هذا الحكم بمجموعة من الأحاديث والمرويات. مستطردًا "إن خروجها (المرأة) لمزاولة أعمال الرجال، فيه من ضياع الشرف والمروءة والانحطاط الخلقي، ومعصية خالق السماوات والأرض وما لا يخفى، فإن المرأة متاع: متاع، هو في الجملة خير متاع الدنيا"، وبهذه الجملة الأخيرة يتمحور الخطاب الوهابي في نظرته للمرأة ويتماهى معه الخطاب الداعشي "المرأة متاع" فهي لم تُخلق حسب هذا الخطاب إلا لمتعة الرجل الجنسية، فهي وعاء لإفراغ شهوة الرجل وعقد الزواج إنما هو عقد للبضع، أي عقد بين طرفين لممارسة الجنس بغض النظر عن العلاقة الاجتماعية أو الإنسانية التي وصفها القرآن "بالمودة والرحمة" تارة والمساواة بين الرجل والمرأة في تلك العلاقة، يقول تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، وهنا يتعارض الدين الجديد "دين محمد بن عبدالوهاب" مع النص القرآني الذي كرم المرأة وساوى بينها وبين الرجل في التكاليف والواجبات والحقوق، إنما دين الوهابية والدواعش يأبى هذه المساواة ويقوم بالتمييز ضد المرأة حسب ثقافتهم البدوية. وحول المساواة تلك نقرأ بداية من (ص61): "فإن المرأة: لا يصح شرعًا أن تساوي الرجل في تولي المناصب، ومن أوضح الأدلة على ذلك الحديث الصحيح الذي قدمناه وهو قوله صلى الله عليه وسلم "لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، فإن علة عدم فلاحهم كون من ولوه امرأة، وبعيدًا عن الحديث من حيث الصحة والضعف وأن راوي هذا الحديث أبو بكرة وهو محدود بالقذف ولم يتب وبناء على النص القرآني {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (24 سورة النور)، فكيف لنا أن نأخذ حديثه هذا وهو حديث آحاد ونشرع به؟ بينما نقول شيئًا آخر: ألم تفلح ألمانيا ورئيستها ميركل، ألم تفلح الأرجنتين والبرازيل وغيرهما من الدول التي على رأس سلطتها امرأة، طبقًا لهذا الحديث، والفقه المستند له، فإن التجارب الاجتماعية وتطور المجتمعات يثبتان كل يوم قدرة المرأة على تولي المسئولية والمناصب العليا وإدارة البلاد والشأن العام، بل وصل من بعض الدول المتقدمة أن تتولى المرأة وزارة الدفاع، وهنا يضعنا الفقه الوهابي بتصديقه ونشره لتلك المرويات والاستناد إليها وجعلها هي الإسلام بين أمرين في غاية الخطورة إما أن نصدق تلك المرويات ونعيش فيها وبهذا سوف ننعزل عن العالم ونعيش في القرن السابع الميلادي ولن نتجاوزه ونحكم بهذا على أنفسنا بالموت، وإما أن نصدق التطور الاجتماعي المعيش واللحظة الراهنة وبهذا يقوم هذا الفقه الوهابي بوضع الدين في اختبار صعب مفاده أن الدين ضد التطور الإنساني، ونعتقد أن هذا ليس من الدين في شيء؛ حيث إن النص القرآني نفسه تطور على مدار 23 عامًا هم عمر الوحي وتفاعل مع المجتمع في مكة والمدينة، فكانت الحادثة تحدث في الأرض وينزل الوحي من السماء مؤيدًا أو معالجًا لها، ليس هذا فقط بل كان ينزل للإجابة على أسئلة كثيرة تدور في هذا المجتمع ويتضح هذا من خلال آيات {ويسألونك عن} فتأتي الاجابة بـ {قل}، وكذلك أن أكثر شاهد على ما نقول من النص القرآني { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير}، فالقرآن- وهو أصل الرسالة- كان يناقش أفكارًا وأحداثًا في المجتمع متطورة ليست في حالة من حالات الثبات كيف لهذا الدين "دين الوهابية" يريدنا أن نقف ونتجمد عند لحظة تاريخية في القرن السابع الميلادي، وهذا ليس ببعيد بحال عن ما يقوم به تنظيم الدولة "داعش" في العراق والشام من امتهان لحقوق المرأة وسبي النساء وجهاد النكاح وغيرها من تلك الممارسات، كما أن هذا الخطاب الوهابي وعدوانه على المرأة يجد صداه لدى الكثير من الجماعات الإسلامية التي تنتمي للسلفية الوهابية كالدعوة السلفية في مصر وغيرها من الحركات التي تتخذ الوهابية مرجعية لها.
ويؤكد هذا أنه من أكثر الخطابات الدينية تشددًا تجاه المرأة هو الخطاب الوهابي، فقد اتخذ موقفًا أكثر تشددًا من الخطاب السلفي بداية من أحمد بن حنبل وصولًا لابن تيمية، فقد تجاوز محمد بن عبد الوهاب بحكم بيئته النجدية المتشددة في عاداتها وتقاليدها تجاه المرأة فقد أصبغ الدين بعادات نجد وتقاليدها؛ مما جعله أكثر تشددًا من غيره في هذه القضية، ثم جاء ابن باز وأكمل مشوار شيخه في التشدد تجاه المرأة، وقد رفعوا من شأن المرويات التي تؤسس لدونية المرأة، مثل: "المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان"، "ناقصات عقل ودين"، "يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار"، "ما أفلح قوم ولوا شئونهم امرأة"،.. إلى آخره، تلك المرويات التي تتعارض بشكل صارخ مع "القرآن" الذي كَرَّم في آياته المرأة ورفع من شأنها، فقد حول الخطاب الوهابي "القرآن" من نص أساسي ومحوري يدور حوله الفقه والأحكام إلى نص ثانوي واستبدلوا به تلك المرويات ظنية الثبوت، والتي تساعدهم على التوظيف الأيديولوجي والسياسي في صراعهم مع المختلفين معهم، ليس هذا فقط بل أصبح الفقه على يد هؤلاء في صدارة المشهد وتم تقديس آراء العلماء وأشخاصهم وإن تعارض ما يقولونه مع "القرآن".