كيف يساعد الإعلام الغربي داعش في شن حملة إرهابية نفسية
الأحد 23/أبريل/2017 - 04:06 م
طباعة
نشر موقع "بروباجندا مونيتور" الأمريكي تقريرا يوضح فيه كيف استغل تنظيم داعش وسائل الإعلام الغربية لشن حرب نفسية في المجتمع الأوروبي، وقال التقرير استنادا لنظرية ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، حيث جوهان موست عمل دعاية للعنف الذي تمارسه جماعة الأناركية انتقاما ضد نظام الدولة المعمول به، ونشره دعائيا على نطاق واسع وذلك وبحسب مقولته "أننا نعظ ليس فقط من خلال الدعاية لأعمالنا لإيجاد صدى ومؤيدون لها، وليس العمل في حد ذاته.
سميت هذه الاستراتيجية منذ ذلك الوقت بالـ"دعاية الأفعال"، ساعدت فيه هذه الاستراتيجية على توجيه وتضخيم أعمال مجموعات متنوعة من الجهات الفاعلة غير المتماثلة عبر التاريخ الحديث. ومن المثير للاهتمام أن قلة منهم قد اعتبروا هذا التكتيك يظهر ما يسمى بـ"الإرهاب العالمي".
هذه المقدمة سنلاحظها وبقوة في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش)، وقبلهم زعماء القاعدة الكبار الذين اعترفوا باستغلال تغطية وسائل الإعلام الرئيسية للهجمات الإرهابية لبث الخوف، وإضعاف القوة الغربية بهدف إثارة رد فعل مفرط من قبل الدول الغربية.
على الصعيد الداخلي، يستخدم داعش الدعاية لنفسه ولأفكاره كتنظيم في مجلة الرومية ، والتي تصدر باللغة الإنجليزية، وذلك للحفاظ على التلقين الأيديولوجي للمتعاطفين المحتملين والنشطين. بينما يعتمد على الصعيد الخارجي على نشر الغرب غير المقصود لعملياته الإرهابية – سياسة " دعاية الأفعال" للتأثير على الرد الغربي على هجماته.
وقد أدت العولمة ونشر المعلومات إلى نشر معلومات مغلوطة مضللة عبر وسائط التواصل الاجتماعي إلى زيادة فعالية الدعاية للإرهاب، حتى مع الهجمات الفاشلة أو ذات الخسائر المنخفضة التي تحظى باهتمام كبير من جانب وسائل الإعلام.
وعلى الرغم من إدراكنا كإعلاميين إن نشر هذه الأخبار هو محاولة لتطويق الإرهاب ومحاربته، إلا أننا دون أن نقصد نساهم في عمل دعاية له، في الوقت أن هجمات تنظيم داعش تنتج في المتوسط، عدد أقل بكثير من الضحايا مقارنة بهجمات القاعدة السابقة، وإن ظل هناك مخاوف متزايدة من أن يشكل الإرهاب تهديدا وجوديا لطريقة الحياة الأمريكية والغربية الأوروبية.
وبعبارة أخرى، فإن الآثار المادية والنفسية لهجمات داعش لم تعد مترابطة كما كانت في السابق. وبغض النظر عن تأثير الإرهاب، فإن الأثر النفسي لعمليات داعش أعمق من الأضرار المادية التي تسببها هجماتها لتكون دافعا في توجيه الولايات المتحدة ضربات ضد داعش.
في الوقت الذي يواصل فيه التنظيم من زيادة عملياته الإرهابية على نطاق واسع داخل أوروبا، سواء كان في المطارات والمطاعم وأسواق عيد الميلاد وقاعات الحفلات الموسيقية والشوارع والنوادي الليلية، يغتنم المرشحون السياسيون اليمينيون المتطرفون الفرصة للاستجابة تجاه هذا الإرهاب بحماس.
فمثلا يرى كلا من الهولندي جيرت ويلدرز والفرنسية مارين لوبان أن بقاء الحضارة الغربية يواجه تهديدا وجوديا بسبب الإسلام، فقام ويلدرز بتنظيم برنامج حملته الانتخابية على وعود بوقف الإسلام وحظر القرآن و الحجاب وإغلاق جميع المساجد في هولندا.
بينما تتعهد لوبان بحماية فرنسا من الأصولية الإسلامية، كان الرئيس الأمريكي ترامب قدم تعهدا مماثلا من قبل، الأمر الذي ترجمه بشكل عملي بوقف استقبال المهاجرين من سبع دول إسلامية.
بالنظر إلى ردة فعل الساسة الأوروبيين وتقييم السياسات الغربية بصفة عامة، وبغض النظر ما إذا كانت هذه السياسات فعالة وموضوعية لتجعل المجتمع الأوروبي أكثر أمنا أم لا، إلا أنها وعن غير قصد ساعدت داعش في حملتها الإرهابية النفسية التي تشنها ضد أوروبا، وسط ارتفاع المشاعر الاسلاموفوبيا لدى الأوروبين وعدائهم لسياسة استقبال اللاجئين من سوريا والعراق.
بمقارنة بسيطة فان متوسط عدد الوفيات بين الهجمات الارهابية لتنظيم داعش والقاعدة سنجد أن الهجمات التى وقعت فى 11 سبتمبر 2001 أدت إلى مقتل 2977 شخصا، مقارنة بـ 130 فى هجمات باريس فى نوفمبر عام 2015، كما أدت تفجيرات القاعدة في يوليو 2005 وأسفر عن وقوع 52 ضحية، في حين أدى هجوم داعش في مارس 2017 على جسر ويستمنستر إلى مقتل 6 أشخاص، في حين أن أودت تفجيرات بروكسل في 2016 بحياة 32 شخصا، كما لقي 39 حتفهم إثر إطلاق رصاص بملهى ليلي في أسطنبول 2017، الهجمات التي لا يمكن مقارنتها مثلا بالتفجيرات الجسدية للقنابل في مدريد في عام 2004 والتي أسفرت عن 192 قتيلا، أو تفجيرات بالي عام 2002 والتي أودت بحياة 202 شخص.
ليس المقصود من هذه الإحصاءات المقارنة التقليل من الهجمات ذات الخسائر المنخفضة؛ فإن الهجوم الذي يؤدي إلى موت أو إصابة واحدة أمر مأساوي وينبغي إدانته ومكافحته بنشاط، ولكن عندما تتزامن هذه الإحصائيات مع تصاعد خطاب الإسلاموفوبيا وعداء المهاجرين، لا يتماشى مع هذه الهجمات ذات الخسائر المحدودة.
في الوقت الذي أصبح فيه التأثير المادي للإرهاب أقل في الخسائر من حيث الأرواح المفقودة، إلا أنه وفي سياق مكافحة الإرهاب، - والذي تتسارع وتيرته في أوروبا - تشير الخطابات الأخيرة للحملات الانتخابية زيادة آثاره النفسية على المجتمع في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا، الأثر الذي يعد استجابة أكثر عمقا والمقصودة من تنظيم داعش.
وفي حين أن داعش غالبا ما تعزى إلى نجاحها في إقامة الخلافة الجغرافية، فإن إرثها الأكبر يثبت في تنفيذ هجمات ذات أثرا نفسيا يفوق ما تحدث هذه الهجمات من أضرار مادية، هذه المعادلة غير المتوازنة تضفي مزيدا من الخوف على الوعي الجمعي للمجتمع الغربي، وتتلاعب بساسة الدول الغربية في الاستجابة بشكل سلبي في مكافحة الإرهاب.