يرصدها باحثون..أساطير تحتل العقل السلفي في فرنسا وعلاقتها بالعنف
الأحد 26/نوفمبر/2017 - 02:06 م
طباعة
رصد عددا من الباحثيين المتخصصين بعلم الاجتماع والظاهرة السلفية المتطرفة، الاساطير التي تسيطر علي العقل السلفي، وعلاقة السلفية في فرنسا بالعنف والارهاب؟
راي الباحث بالجامعة الحرة ببروكسيل، متخصص في علم الاجتماع وفي الظاهرة السلفية المتطرفة، الباحث سمير أمغار، أن هناك ثلاث أساطير تحتل العقل السلفي المتطرف بفرنسا "العصر الذهبي للاسلام" و" نظرية المؤامرة" و" وحدة الجماعة".
الظاهرة السلفية في فرنسا
وصدر له كتاب تحت عنوان “Le salafisme d’aujourd’hui. Mouvements sectaires en Occident” يقارب من خلاله الحركات المتطرفة كطوائف. وينطلق سمير أمغار في تحليله للظاهرة السلفية المتطرفة، بفرنسا على الخصوص، على عكس ما دأب عليه بقية الباحثين. أي تحليل الظاهرة السلفية من داخلها، في مقابل “فئة كبيرة من الباحثين، الذين ناقشوا الظاهرة السلفية من وجهة نظر ماكرو-اجتماعية، بمحاولتهم فهم طريقة اشتغال الحركات المتطرفة من خلال الخطاب المتبع والبرنامج السياسي وكذلك هيكلة التنظيم الداخلية”. ويتبنى سمير أمغار فكرة محورية يعتبر من خلال الحركات السلفية الجهادية كطوائف.
فيما يتعلق بالتعريف الذي يحمله سمير أمغار للسلفية عموما، يقول أمغار، في حوار صحفي، ان خصوصية السلفية تتجلى في القراءة الحرفية للنصوص القرآنية والسيرة النبوية.
تيارات السلفية
ويري امغار، ان السلفية بعيدة كل البعد أن تكون مكونا واحدا أو خليطا منسجما، فهي تنقسم لثلاث تيارات، وكل تيار ينقسم بنفسه لعدة أصناف: التيار المعتدل، التيار السياسي والتيار الجهادي. والذي يفرق، مثلا، التيارين المعتدل والجهادي، هو أن الأول يرى أن التربية والدين سابقان على التغيير المجتمعي، فيما يرى التيار الآخر أن تغيير المجتمع ضرورة حتمية ويجب تحقيقه بالعنف. وهو ما تستند عليه هذه الحركات بالحديث النبوي الصادر بصحيح مسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده".
لكن السؤال الذي يتبادر للذهن هو: هل يعتبر الاعتدال مدخلا للجهادية؟، يتشارك سمير أمغار وأوليفيي غوا (Olivier ROY) في فكرة مفادها أن الخطأ الذي يقع فيه البعض هو الخلط بين التيارين، واعتبار الأول قنطرة للثاني. وكلاهما ضربا أمثلة بحركات مسلحة تتبنى الفكرة اليسارية أوالماركسية. والخطأ الذي تقع فيه فرنسا هو اعتبارها كل تجربة متشددة للدين هي بداية للفكر الجهادي، وهذا ما يترجم في عدد المداهمات التي تقع. ومن بينها حادثة الامام رشيد أبو حذيفة، إمام مسجد السنة بمدينة بريست (BREST). وهي السياسة التي انتهجها ايمانويل فالس، والتي باعدت بين اليسار الفرنسي والناخب المسلم.
ثلاث اساطير
وفيما يتعلق لالأسس التي تنبني عليها السلفية؟، رأي أمغار، فالسلفية تنبني على ثلاث أساطير كأسس لها. أسطورة السلف الصالح. أسطورة نظرية المؤامرة وأسطورة الوحدة أو الجماعة.
أول أسطورة تشغل عقل الانسان السلفي هي “العصر الذهبي للإسلام” والذي تحصره القراءة الحرفية للنصوص الدينية التي تتبناها هذه الحركات في “عصر السلف الصالح”. فحسب الحديث النبوي، الصادر بصحيحي البخاري ومسلم “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم“، فالجماعات السلفية تحصر “خير الناس” في القرون الثلاثة الأولى من ظهور الاسلام. أو ما يسمى بالصحابة والتابعين وتابعيهم، أي من القرن السابع إلى القرن العاشر، في وقت نجد كتابات عدة تتحدث عن العصر الذهبي للإسلام في الفترة ما بين القرن الثامن والقرن 14.
هذه الحركات تفسر هذا التفوق الذي عرفه المسلمون، سياسيا واقتصاديا وحربيا واجتماعيا، بدرجة الايمان التي كان يتحلى بها “السلف الصالح”، وأن الله أنعم عليهم بالتفوق عالميا لا لسبب سوى لشديد ايمانهم وتقواهم، وأنه لكي نعيش نفس العصر، يجب على المسلمين أن يتصفوا بنفس صفات “السلف الصالح”، وهذا ما تسعى اليه هذه الحركات، إما بالدعوة أو بالإكراه والعنف.
الأسطورة الثانية التي تؤطر تفكير السلفيين، هي نظرية المؤامرة. إن كان خطاب الجماعات السلفية اليوم ينبني على أن ضعف العالم الاسلامي على جميع الاصعدة، راجع للابتعاد عن طريق الله، فهو أيضا يركز على أن الغرب المتفوق والمحكوم من اليهود، يسعى بكل ما أوتي من قوة للإبقاء على بسط سيطرته على المسلمين قدر ما أمكن. وغالبا ما تستعمل هنا الآية القرآنية 120 من سورة البقرة “وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ.”. بخصوص المؤامرة، يكفي أن تسأل شخصا عن داعش أو العمليات الارهابية أو أحداث 11 شتنبر لتجده يسارع لاتهام الدول الغربية لفبركتها لتبرير القيام بعمليات عسكرية ضد المسلمين أو للتضييق على دينهم.
أما الاسطورة الثالثة الذي تؤسس للفكر السلفي المتطرف فهي وحدة الجماعة. فبحكم أن الدين الاسلامي دين توحيدي: أصبح شعار الجماعات المتطرفة هو وحدة الجماعة وأن الخارج منها “”شيطان”. فتم تقسيم العالم لخير وشر. مؤمن كافر. أضف إليها آية الولاء والبراء (الآيتين 80 و81 من صورة المائدة) “تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ” لتكتمل الوصفة: معنا أو ضدنا. وكل من هو ضدنا فلا حرمة لدمه.
السلفية والعنف:
وفي ابريل 2015، نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول تنامي المذهب السلفي في أوساط مسلمي فرنسا، وقالت إن هذا التيار يحقق انتشارا ملحوظا في السنوات الأخيرة، بشكل لفت انتباه أجهزة الأمن التي أفادت بأن عدد المساجد التي يرتادها السلفيون ارتفعت إلى 90 من أصل 2500 مسجد في فرنسا، وهو ما يعني أن عددها تضاعف خلال خمس سنوات.
وقالت الصحيفة إن هذه التحولات هي محل متابعة دقيقة من قبل السلطات، لأن العديد من الشباب الذين التحقوا بحركات متطرفة مروا قبل ذلك عبر المذهب السلفي، على غرار محمد مراح الذي قتل سبعة أشخاص في شوارع تولوز ومونتبان في مارس 2012.
ونقلت الصحيفة عن هواس سينيغر، الأستاذ المحاضر في كلية العلوم السياسية في ليون، قوله إن الفكر السلفي لا يقود بالضرورة للعنف والتطرف، ولكن هذا التيار يشهد تحولات كبيرة تدعو للحذر.
وأضافت الصحيفة أن أغلب سلفيي فرنسا مسالمون يبحثون عن السكينة ويرفضون العنف المسلح، رغم أنهم يؤولون النصوص الدينية حرفيا ويتمسكون بالمبادئ القديمة للإسلام، ويتميزون خاصة بطريقة لباسهم، حيث يطلق الرجال اللحية ويضعون السروال داخل الجوارب حتى لا يتدلى على الأرض، بينما ترتدي النساء الحجاب الشرعي والعباءة أو الجلباب الذي يغطي كامل الجسم.
وقد زاد حضور هذا التيار بشكل خاص في المناطق الحضرية في أحياء باريس ورون ألب وكوت دازير وإيل دوفرانس، بالإضافة للمعاقل التقليدية للمسلمين على غرار فيتري سيرسان وسان دوني. ووصف المسؤول السابق عن الشؤون الدينية في وزارة الداخلية الفرنسية برنار غوبار في كتابه "مسألة المسلمين في فرنسا" المجموعات السلفية بأنها تنتشر بنفس الطريقة، وتشبه بعضها إلى حد كبير، وبأنها بدأت تسيطر على مساجد كبيرة وهامة في عدة مدن فرنسية.
وأضافت الصحيفة أن الدعاة السلفيين يحققون نجاحا كبيرا في الأحياء الفقيرة التي يعاني المسلمون فيها من العنصرية والتهميش بسبب أصولهم وارتداء النساء للحجاب. وبينما تعوّد الأئمة المتقدمون في السن على القوانين الفرنسية وتأقلموا مع البلديات، فإن السلفيين يضمون في صفوفهم الكثير من الشباب المنظم والمتصلب في تعامله مع الشرطة والبلدية، حيث لا يتوانون عن إعلان أفكارهم بصوت عال، كما أنهم يحسنون التموضع داخل الجمعيات الإسلامية التي تسيّر المساجد، مثلما حدث مؤخرا في مدينة فيترول، حيث قامت مجموعة من السلفيين بفرض إدارتها في إحدى الجمعيات بدعوى سوء تصرف الإدارة السابقة.
واتهمت الصحيفة السلفيين بأنهم يمارسون الضغط على المسلمين، ويبسطون سيطرتهم على المساجد، وخاصة في مدينة مرسيليا التي تعتبر معقل السلفيين في فرنسا، حيث يديرون حوالي عشرة أماكن يجتمعون فيها للعبادة والقيام بأنشطة متنوعة.
وذكرت في هذا السياق حادثة وقعت في مسجد أوبانيو، عندما قامت مجموعة من السلفيين بمقاطعة الإمام أثناء صلاة الجمعة بسبب اعتراضهم على خطبته، كما يقومون عادة بالوقوف أمام المساجد وانتقاد لباس الرجال والنساء.
وقد طلبت عدة مساجد تتعرض لضغط السلفيين المساعدة من المجلس الجهوي للمسلمين. ففي مدينة فينيسيو تمكن المجلس، بالتعاون مع السلطات المحلية، من منع مجموعة من السلفيين من الاستحواذ على مسجد المدينة، ولكن في مناطق أخرى عديدة لم ينجح أحد في منعهم من السيطرة على المساجد.
وأضافت الصحيفة أن هذا التيار يعرف أيضا انتشارا في المدن المتوسطة، على غرار جوي لوتور ومدينة براست التي يوجد فيها أحد أشهر الأئمة السلفيين، رشيد أبو حذيفة. كما يدير السلفيون اليوم بعض المدارس الابتدائية الخاصة في مدينة روبي في الشمال ومدينة مارسيليا، ويحافظون على علاقات طيبة مع السلطات المحلية.
وقالت الصحيفة إن الانتشار الكبير للسلفية وصل إلى الأوساط الريفية، حيث بدأت هذه المجموعات تكبر وتنقسم. وتفضل العائلات السلفية الانتقال للريف للابتعاد عن المضايقات، وللحصول على مزيد من الحرية في ممارسة شعائرها.
وفي هذا السياق، ذكرت الصحيفة أن بلدة شاتونوف سيرشار التي تضم 1500 نسمة، شهدت في سنة 2009 قدوم حوالي عشرين من منتسبي التيار السلفي بقيادة الإمام محمد زكريا شفا، الذي نظّر لفكرة انتقال المسلمين المتدينين للعيش في الأرياف. وفي سنة 2013 شهد سكان بلدة مارجيفول البالغ عددهم خمسة آلاف وصول أربع عائلات من مدينة مونبيليي ترتدي نساؤها الحجاب. والشيء ذاته حصل في سنة 2014 في سان إيز التي تضم ألفي نسمة، حيث قدمت عائلة فرنسية اعتنقت الإسلام مع أطفالها الستة وكانت بناتها يرتدين النقاب.
ولكن الصحيفة قالت إن أتباع التيار السلفي ليسوا كلهم مسالمين، فأحد أقدم التجمعات السلفية في بلدة أرتيغا القريبة من تولوز احتضنت محمد مراح قبل أن يتورط في أعمال العنف، كما أنها تضم اليوم أكثر من عشرين شخصا خاضعين للرقابة الأمنية.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن سمير أمغار، مؤلف كتاب السلفية اليوم، قوله إن الإخوان المسلمين ساهموا خلال فترة التسعينات في نشر التدين في فرنسا من خلال نشاطهم الدعوي والاجتماعي، ولكن التيار السلفي بدأ ينتشر اليوم رغم انعزاله عن السياسة، لأن أتباعه يجدون فيه ملاذا للحفاظ على هويتهم. كما أكد هذا الباحث أن بعض القوانين التي أصدرتها فرنسا هي التي دفعت بالعديدين للجنوح نحو فكر أكثر تشددا وانغلاقا، على غرار قانون منع الحجاب في المدارس في سنة 2004 وقرار منع تغطية الوجه في الفضاءات العامة في سنة 2010.