تقرير أمريكي يكشف أسباب استهداف داعش لمتصوفي سيناء؟

الأحد 10/ديسمبر/2017 - 10:28 م
طباعة تقرير أمريكي يكشف
 
تقرير أمريكي يكشف

نشر معهد "جيت ستون" للسياسة الدولة تقريرًا مطولًا، اليوم السبت، بعنوان: "لماذا استهدف داعش متصوفي سيناء؟"، يكشف فيها أسباب قتل مصلين مسجد الروضة بمدينة بئر العبد، والتي أوضحها الدكتور دينيس ماكوين، مدرس اللغة العربية والدراسات الإسلامية (بما في ذلك التصوف) بجامعة نيوكاسل، أوضح فيها وجوب حماية الدولة للصوفيين وما يمثله من أهمية على أمن إسرائيل، المقال ترجمتها بوابة الحركات الإسلامية.

شن تنظيم داعش "ولاية سيناء" في 24 نوفمبر 2017، مذبحة على مسجد صوفي في بلدة نائية،  بئر العبد، بشمال سيناء، المسجد الذي يعد أيضًا مركزًا للطريقة الجريرية الصوفية البارزة التي أسستها عشيرة الجرير المحلية، أحد أفرع قبيلة السواركة القوية المعروفة، المذبحة التي راح ضحيتها 305 شخص، ووقوع ما يقرب من 235 مصاب، وعلى الرغم من أن هذه المذبحة ليست الأعلى في عد ضحاياها، إذ سبقها مجزرة قام بها التنظيم في 2014، بحق قبيلة الشعيطات بدير الزور، إذ قاموا بقتل 700 رجل منها على مدار ثلاثة أيام متواصلة، كذلك في عام 2016، أسفرت سلسلة من التفجيرات في الكرادة، وهي منطقة شيعية في بغداد، عن مقتل 347 شخصا.

على الرغم من هزيمة التنظيم الإرهابي في كل من سوريا والعراق، إلا أنه لا يزال يشكل تهديدا كبيرا في أجزاء كثيرة من العالم، إذ قام مقاتلوه الأجانب العائدين إلى أوروبا بشن هجمات في كل من بروكسل وباريس، في الوقت الذي رحبت فيه دول أخرى ساذجة آملة في جعلهم مواطنين أبرياء مرة أخرى، من خلال إعادة دمجهم في مجتمعاتهم ومكافأتهم بالمزايا والإسكان.

إن المذبحة التي وقعت في بئر العبد ليس الأول الذي يهاجم فيه التنظيم ضريح أو مسجد صوفي، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف المسلمين الصوفيين من قبل المتشددين السلفيين. إذ يعتبر قادة داعش أن الصوفيين والشيعة يستحقون القتل، فضلًا عن هدم مساجدهم ومزاراتهم، وهو الأمر الذي حدث في العراق.

 ويرى كاتب المقالة دينيس ماكوين، أن الهجوم الأخير يعكس التعصب الإسلامي المتجذر لدى التنظيم الإرهابي، وإن كان يرى أن مجزرة مسجد الروضة في سيناء تثير مخاوف خاصة لم تشر إليها الكثير من وسائل الإعلام خارج مصر نفسها، وهو أن المسلمين الأصوليين يعتبرون الصوفية والشيعة والأحمدية والمؤمنين على أنهم مرتدين يستحقون الموت مثلهم مثل الهندوس والبوذيين واليزيديين والسيخ وغيرها كأهداف غير مسلمة.

ومع ذلك، يصعب وضع تعريف لمفهوم الصوفية، خاصة في مصر، فالصوفية لا يتم تعريفها قط أو إدراجها كطائفة انفصلت وانحرفت عن أصول الإيمان السائد، بل يؤمن الصوفيون بكل التعاليم والأشياء التي يؤمن بها المسلمون الآخرون. ولقد طور مفكروها وشعرائها على مر القرون أفكارا صوفية وميتافيزيقية رفعت الإسلام فوق أصوله الأساسية، فأنتجت بعض المفكرين الأكثر تميزا في الدين، ولكن العديد من هؤلاء الصوفيون خدموا كسلطات في الشريعة الإسلامية، كقضاة، وكمسؤولين حكوميين.

منذ القرن الثاني عشر، أخذت أعداد المتصوفة في التزايد، كما تعددت أشكال الممارسة للشعائر الإسلامية. وهم يؤدون الصلاة اليومية في المساجد مثلهم مثل بقية المسلمين الآخرين، ومارسون كافة الشعائر كالحج والصيام، كما أنهم في الماضي، اشتركوا في حروب الجهاد جنبا إلى جنب مع المجاهدين الآخرين، وغالبا ما يكون معظم الصوفيين من السنة، هناك عدد قليل جدا من الأخوة الشيعية.

مع مرور الوقت انتشرت الصوفية في كل ركن من أركان العالم الإسلامي، مع تركيزات خاصة في جميع أنحاء شمال أفريقيا وشبه القارة الهندية، ولا يزال الطريقة الشاذلية المغربية أحد الطرق المؤثرة في جنوب آسيا والمحيط الهندي وإندونيسيا. ويوجد مريدين للطريقة الشاذلية في اليمن، وباكستان والهند وميانمار، ومصر، إندونيسيا، تركيا، والولايات المتحدة.

 في مصر ومنذ القرن التاسع عشر، فإن كل مسلم تقريبا يتبع أحد الطرق الصوفية، وحديثًا فإن 20٪ أو أكثر من مسلمي مصر ينتمون إلى الصوفية، ولكن عموم المصريين يزورون أضرحة آل البت النبوي في الموالد، ويقيمون احتفالات كبرى، ويتفاعلون مع الصوفية دون أي شعور كبير بالاختلاف، متشاركين في المساجد والمدارس والنوادي، وببساطة هم أكثر اعتدالًا في الإسلام. وفقا لمقولة الكاتب جوناثان براون، الباحث بمؤسسة كارنيجي: "ينبغي النظر إلى التصوف على أنه الشكل الديني الأكثر شيوعا لمسلمي مصر".

وهو ما أشار إليه بوضوح الكاتب اتش أيه هيولير، في مقال له نشر في جريدة "ذا أتلنتيك" قائلًا: "حتى وقت قريب نسبيا، تعتبر المجتمعات الإسلامية التصوف جزء لا يتجزأ من التعليم الإسلامي الشامل، وتعد التعاليم الروحانية، والممارسة من العناصر الأساسية للتعليم الإسلامي الأساسي، كما عٌرِفَ عن الشخصيات الدينية المعروفة بالتزامها بالتصوف؛ وهي إلى حد بعيد القاعدة العامة في مصر في الواقع، وإن المغالطة الكبيرة باعتبار تسمية "الأقلية الصوفية" المصرية التي يتم حظرها منذ هجوم المسجد هي غريبة، فالصوفية ليست طائفة في مصر، بل هي جزء لا يتجزأ من التيار السني الإسلامي".

واستدل الكاتب بأن أبرز الشخصيات المتصوفة في مصر الإمام الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر، التي تعتبر أهم مؤسسة دينية لتعليم المذهب السني والشريعة الإسلامية في العالم، فهو شيخ صوفي، كذلك المفتي المصري فهو ممارس صوفي رائد، ويتشكل المجلس الأعلى للصوفية من قيادات تعمل في مواقع رفيعة بالدولة، وهذا يدل على أن التصوف بعيد جدا عن كونه شكلا طائفيا للإسلام، قد يكون ممنوعا في السعودية الوهابية، أو في إيران، كما يكرهه المتشددون في باكستان، ولكن بالنسبة لمعظم المصريين، بل هو جزء من الحياة اليومية.

 بعد ثورة 25 يناير 2011 والإطاحة بالرئيس حسني مبارك، تغير الوضع السياسي في مصر بشكل ملحوظ، وعلى مدى عام كامل، قام المعزول محمد مرسي الرئيس الإخواني، بتحويل البلاد إلى دولة إسلامية افتراضية، غير أنه في عام 2013 أطاح به المشير عبد الفتاح السيسي بعد خروج ملايين المصريين على حكم مرسي، ليضع الصوفيون المصريون ثقتهم في السيسي لحمايتهم من المتطرفين السلفيين الذين كانوا يعتدون عليهم وعلى أماكنهم المقدسة لسنوات عديدة.

 وخلال هذه الفترة، ظهر ترتيب سياسي أكثر إثارة للجدل، مع تشكيل أحزاب جديدة وحظر لأحزاب أخرى، إذ تم حظر حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بينما برزت الأحزاب السلفية الراديكالية الأخرى كان حزب النور السلفي أبرزها لتشكيل كتلة إسلامية، رغم الدعاوى التي طالبت بحظر جميع الأحزاب الدينية.

 ورغم من أن الصوفية طريقة تعايش ومع كل قيمهم، لم تكن الصوفية يوما حركة سياسية، وفي وقت مبكر من عام 2011، شكلت الطرق الصوفية أحزابًا سياسية بدءًا من حزب التحرير المصري، المدعوم من الطريقة العزمية، كما أسست الطريقة الرفاعية، حزب صوت الحرية، ولكن هذه الأحزاب ضمت في صفوفها أرمن ومسلمين وأقباط ونوبيين، كما سافر أعضاءها إلى جانب المسيحيين الأقباط الذين يطالبون بالمساواة في الحقوق، الأحزاب التي تأتمر من المجلس الأعلى للصوفية، التي ترى أنها أحزاب مدنية إصلاحية، وأن سياساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ستلائم بشكل جيد في أي ديمقراطية غربية، خاصة وأنها تعارض كافة أشكال التطرف والعنف ، وتشكل تحديا حقيقيا للمعارضين السلفيين، وهو ما أشار إليه موقع "راند" الأمريكي عام 2007 عندما نصح الحكومات الغربية باستغلال التصوف، قائلا أن أتباعها "حلفاء طبيعيين للغرب".

 ورغم تأييد الصوفيون للرئيس السيسي، وهو ما تم إعلانه في مؤتمر عقدته الطرق الصوفية بالقاهرة في أبريل 2017، حين أعرب رئيس الطريقة العزمية الشيخ علاء أبو العزايم لصحفي من جريدة "المونيتور" قائلًا: "طالبنا الرئيس السيسي برعاية الصوفيين لأننا نتصدى للإرهاب بالأفكار وليس بالأسلحة".

وهذا لا يعني أن النشاط السياسي الجديد للطرق الصوفية كان مقبولا من جميع الطرق، فالشيخ عبد الهادي القصبي، انتقد بشدة التحول من الروحانية إلى السياسة، لأنها ستؤدي إلى انشقاق أتباعهم".

 في النهاية، على الدولة المصرية أن تعي أن المجزرة التي حدثت في سيناء لم تكن مجرد هجوم عشوائي آخر من قبل تنظيم داعش، بل هجوم على ناس هم في عرف التنظيم المتطرف من الهراطقة غير المؤمنين، مما يعكس أنه اعتداء على التيار الرئيسي للإسلام في مصر، وإعلان أن الغالبية العظمى من المسلمين المصريين مرتدون، ولذلك على الدولة المصرية أن تبدأ في حماية التيارات الصوفية المستهدفة، خاصة وأن مصر لا تحتمل المزيد من الانقسامات داخل مجتمعها، حتى وإن كانت تعد المركز الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين وأحد المراكز الرئيسية للتيار السلفي، وتعود أهمية استقرار مصر أمر بالغ للسلام في الشرق الأوسط، في ظل ارتباط السلفيون بجماعة الإخوان المسلمين، ووجود العديد من مريديها ضمن عناصر تنظيم داعش ولاية سيناء، سيطروا على مصر، مما ينذر بانهيار معاهدة السلام "الهشة" التي تحتفظ بها مصر مع إسرائيل، ومن الضروري ألا يحدث ذلك، ليس فقط من أجل سلامة إسرائيل، بل لصالح الأغلبية الساحقة من الشعب المصري، وكذلك للمنطقة.

شارك