للبقاء بحكم تركيا.. مدارس " الإمام الخطيب" قوة أردوغان الدينية في مواجهة "كولن" والتيار العلماني
التعليم الديني، ورقة الرئيس التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب أردوغان من أجل البقاء حزب العدالة والتنمية عقودا طويلا لحكم تركيا وهو ما كشفه من توسع أدروغان في تأسيس مدارس " الإمام الخطيب-imam hatip " ذات الطابع الديني والتي تخرج منها أغلب قادة الحزب ، لتكون تركيا رهن التعليم الديني في ظل محاربة أردوغان لأكبر منافسيه في الحقل التعليمي والشعبي حركة "الخدمة" التي أسسها الداعية والمعارض التركي فتح الله كولن.
أردوغان يوسع من مدراس "الإمام الخطيب"
وأفتتح أردوغان مؤخرا 80 مدرسة ذات طابع ديني" مدارس الإمام الخطيب" بمختلف مناطق تركيا وخاصة "اسطنبول"، لتكشف عن سياسة أردوغان في استخدام الدين من أجل التأثير على النشأ والشباب التركي لبقائه وبقاء حزب القمعي لسنوات أخري في حكم تركيا.
وقال أردوغان قائلًا: لا يمكننا اعتبار الشباب الذين لا يعرفون تاريخ أمتنا والبعيدين عن ثرائها الثقافي وغير المتنورين بإشعاعها الحضاري، أنهم ضمانة لمستقبلنا.
وأضاف أردوغان أن "الإنجازات التي نحققها مهمة، لكنني أعتقد أننا لم نصل بعد إلى المستوى الذي نريده في التعليم والثقافة؛ وعليه سنُحدِثُ خلال الفترة القادمة تطورات ستكون بمثابة ثورة في مجال التعليم".
ودعا إردوغان الجامعات والمؤسسات التعليمية إلى اعتماد ثقافة الحضارة الإسلامية في مناهجها والابتعاد عن الاعتماد على الثقافة الأوروبية واستيراد الأفكار الغربية التي قال إنها غريبة عن تاريخ وتراث البلاد، معلناً اعتزامه إدخال تعديلات على المناهج الدراسية في البلاد من أجل «تعزيز الكتب والمناهج بتاريخها العريق والمشرف».
ويمثل إحياء مدارس الإمام الخطيب جزءا من حملة أردوغان لجعل الدين محور الحياة في البلاد وهو ما يضمن له أصوات انتخابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم بعد تراجع شعبية الحزب نتيجة السياسات التي أتبعها ينتهجها حكومة أردوغان وخاصة علي مستوي الشباب.
وتخرج من هذه المدارس صفوة أعضاء حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية والذي تولى السلطة في تركيا عام 2002 . وتخرج رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي درس الاقتصاد فيما بعد من مدارس الإمام الخطيب” التي تخرج منها أيضا نحو ثلث نواب حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي.
وتشكل مدراس "الإمام والخطيب" الإيديولوجية الأردوغانية والتي ترتكز بشكل أساسي على أن استعادة أمجاد الماضي وبناء جيل متدين، باعتبار ذلك المصدر الأساسي للبقاء في صدارة المشهد، ومن ثم فقد صب أردوغان كل جهده نحو التوسع في تطوير وإنشاء مدارس "الإمام الخطيب".
تاريخ مدراس "الإمام والخطيب"
ويعود اسم هذه المدارس إلى كلمة الإمام والخطيب التي تأسست في عشرينات القرن الماضي، كون أغلب الطلبة المتخرجين يعملون كأمة وخطباء في المساجدن وجاء تأسيسها بعد أن وافقت تركيا العلمانية مضطرة على افتتاحها عام 1924، بعد أن كان قد أصدر "مصطفى كمال أتاتورك" قراراً يقضي بإغلاق جميع المدارس الدينية الرسمية و الخاصة التي كانت رائجة في عهد الامبراطورية العثمانية.
ومع وصول حزب العدالة والتنمية الي حكم تركيا في 2002، لاقت مدارس الإمام و الخطيب (imam hatip) رواجا كبيرا في تركيا و هي اليوم تعتبر مصدر التعليم الديني الرسمي الوحيد في تركيا.
وتاريخيا يمكن القول أنه كانت نحو 600 مدرسة "الإمام والخطيب" في تركيا تقوم بتعليم نصف مليون تلميذ في النصف الثاني من التسعينات.
وخلال سيطرة العلمانيين علي الحكم في تركيا وحتي حكومة حزب العدالة والتنمية، ألزم حكام بإغلاق مدارس إمام وخطيب نظرا للتأكيد هوية الدولة العلمانية، مما أدي إلي تجفيف منابع التعليم الديني،بكل أشكاله عبر إغلاق مؤسساته التي كان أهمها مدارس إمام وخطيب .
ومع تمادي نفوذ القوى الإسلامية في تركيا، تمكنت هذه الجماعات والاحزاب الإسلامية التركية، من استصدار قانون يقضي بإفتتاح معاهد إمام خطيب وأصبحت هذه المدارس وفقا للقرارات الجديدة لا تختلف كثيرًا عن باقي الثانويات العامة الرسمية، إلا من حيث اعتبارها مواد التربية الدينية أساسية و من صلب المنهاج المقرر فهي تتألف من مرحلتين دراسيتين، تمتد المرحلة المتوسطة لثلاث سنوات والثانوية لأربع سنوات ويلجأ إليها الطلاب الذين استكملوا المرحلة الابتدائية و أصبحوا في سن المرحلة المتوسطة.
وبالنسبة للمنهاج فيتكون من ثلاث وحدات دراسية، دروس الاختصاص وتضم المواد الدينية كالقرآن الكريم والحديث، والعقائد، واللغة العربية، والفقه، والخطابة، وغيره. و قد تم إضافة بعض الدروس المختارة إليها ، كالفنون والرياضة واللغات الأجنبية والتكنولوجيا.
وكذلك دروس الثقافة العامة، وتشمل نفس الدروس المعطاة في الثانويات الرسمية، كالفلسفة والتاريخ والأدب التركي.
و هذه المدارس اليوم اصبحت منتشرة في معظم أرجاء تركيا، ومهمتها الأساسية تخريج الأئمة والخطباء للمساجد دون الحاجة للالتحاق بالجامعة بينما يفضل بعض خريجيها الالتحاق بالجامعات مباشرة من أجل تطوير أنفسهم.
ميزانية ضخمة للتعليم الديني:
وتتوجه تركيا منذ العام 2012 نحو أدلجة التعليم، وإعطائه صبغة دينية، وتجلى ذلك في التوسع في بناء المدارس الدينية، وكشف تقرير جديد لمبادرة إصلاح التعليم في جامعة صبنجي أن عدد مدارس "إمام خطيب" الإسلامية في تركيا زاد بنسبة 73% خلال السنوات الخمس الماضية. كما عززت تركيا التعليم الديني في المدارس العادية التابعة للدولة، والتي تحول بعضها ليتبع مدارس "إمام خطيب".
وأوضحت دراسة أجرتها وكالة رويترز العالمية للموازنة الحكومية والخطط الاستثمارية، أن الإنفاق على مدارس الإمام الخطيب الثانوية ذات الطابع الديني والتي تضمن طلاب بين سن 14 و18 عاما يصل لنحو 6.57 مليار ليرة (1.68 مليار دولار) في 2018 أي ما يقرب من ربع إجمالي الإنفاق على المدارس.
وأضافت الدراسة أن هناك أكثر من 450 مدرسة من تلاميذ مدارس الإمام الخطيب البالغ عددهم في تركيا يدرس بها 645 ألف تلميذ لا يمثلون سوى 11 % من إجمالي طلبة المدارس الثانوية، فالتمويل المخصص لهم يبلغ 23 % أي ما يمثل ضعف ما ينفق على تلاميذ المدارس العادية.
واليوم يتردد 120 ألف تلميذ. ويعمل حزب العدالة والتنمية على اعادة هذه المدارس الى سابق عهدها لكنه لم ينجح حتى الان في تغيير متطلبات القبول بالجامعات.
وفي مطلع عام 2017 أعلن وزير التعليم التركي عصمت يلماز عن عملية واسعة لتغيير مناهج التعليم الابتدائي قال إنها تهدف إلى تحسين نوعية التعليم عن طريق حذف كثير مما سماه «موضوعات الحشو غير اللازمة في الحياة العملية للطالب» من المناهج الجديدة، التي أشار إلى أنها ستركز على نوعية التعليم لا على كمية المعلومات المعطاة للطلاب.
المنهج الجديد قلص من الجزء الخاص بسيرة أتاتورك، التي كانت تدرّس في المراحل الأولى من التعليم، وهي خطوة ربما كانت غير متصورة أو واردة قبل سنوات، لكن مؤيديها من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم رأوها ضرورية من أجل إنهاء «قدسية أتاتورك».
وأدخلت وزارة التعليم التركية أيضاً تغييرات على منهج مادة «التربية والدين والأخلاق»، وقالت صحيفة «جمهوريت» المعارضة، إنه لوحظ حذف موضوعات كثيرة تتحدث عن الأخلاق والفضائل العامة، لمصلحة التركيز أكثر على موضوعات الشريعة الإسلامية، مع دخول مفهوم «الجهاد في سبيل الله» والاستشهاد في منهج الصف السابع.
ووفقا لتقرير موقع" أحوال تركية " فقد تراجعت تركيا ثمانية مراكز في المتوسط في تصنيفات المسح لكل من العلوم والرياضيات والقراءة مقارنة مع الدراسة السابقة قبل نحو ثلاث سنوات إلى المرتبة الخمسين من بين 72 دولة. ويمثل ذلك انتكاسا للتقدم الذي حققته تركيا في الفترتين السابقتين لحكومة حزب العدالة والتنمية.
واستبعد أحدث منهج تعليمي في تركيا والذي أعلن في يوليو الماضي، نظرية تشارلز داروين للتطور من دروس العلوم. وضاعفت الحكومة أيضا مساحة التعليم الديني في المدارس العادية إلى ساعتين أسبوعيا. ويعتبر كثير من العلمانيين هذا التعليم الإلزامي سببا آخر للخلاف. ورفع البعض دعاوى قانونية لإعفاء أبنائهم منه.
كما وضعت حكومة أردوغان، نظام للجامعات تمت مراجعته في أواخر التسعينات طلاب مدارس امام-خطيب الساعين لدراسة المواد غير الدينية في الجامعات في مرتبة أدنى.
مدراس أردوغان في مواجهة كولن:
وتعد مدراس "الإمام والخطيب" من أهم مدراس التي يستثمر فيها أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وأيضا شهدت درس بها اغلب أعضاء الحزب وفي مقدمتهم اردوغان.
واليوم هناك صراع بين في مدارس "إمام خطيب" التي تحظى بدعم أردوغان، ومدارس جماعة "الخدمة" التابعة لرجل الدين والمعارض التركي فتح الله كولن، يتم بناء شخصية التلميذ وفقا لأجندة كل منهمان والتي اليوم تمنتهي صالح أردوغان.
و تزرع المنظومة التربوية في المدارس الدينية التركية على اختلاف اتجاهاتها الدينية في التلاميذ بطريقة غير مباشرة قيم ومبادئ المشروع الصوفي لـ "الخدمة"، أما مدارس "إمام خطيب"، فمنوط بها ترسيخ الطموحات المؤدلجة لأردوغان الحالم باستعادة إرث الإمبراطورية العثمانية، بحسب " احوال تركية".
وتشير تقارير عديدة أن المدارس الدولية المعتدلة التي أسسها الداعية والمعارض التركي المنفي فتح الله كولن، تشكل منافسا قويا"الإمام والخطيب" المدعومة من حزب العدالة والتنمية وأردوغان، ليس في تركيا فقط ولكن لأن مدراس "كولن" تحظي بقبول إقليمي ودولي كبيرا نظرا لمنهجها المعتدل لذلك شنت حكومة اردوغان حملة كبيرة وواسعة ضد مدراس "كولن" والعمل لى تامينها من أجل إعطاء مساحة اكبر لمدراس "الإمام والخطيب"، وهو ما بدي واضحا بعد مسرحية الإنقلاب في يوليو الماضي.
واوضحت التقارير أن حكومة اردوغان أعطت اهتمام كبير بمدارس " الإمام والخطيب" في أولويات السياسة الخارجية التركية من أجل لعب دور أكبر بين الدول الاسلامية ومن بينها إيران ومنطقة البلقان والدول العربية وفي مقدمتها سوريا ووسط أسيا واوربا.
التعليم الديني ورقة أردوغان:
ويهدف أردوغان من التوسع ودعم مدراس " الإمام الخطيب" إلي تطبيق استراتيجية أردوغانية منذ وصوله لصدارة المشهد التركي في العام 2002، لتحقيق أهداف عدة، أولها حلم إحياء الخلافة العثمانية، وقد زاد التوجه نحو التوسع في المدارس الدينية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، واقتراب تيارات الإسلام السياسي من مقاعد السلطة في عدة دول عربية أو لعب الإسلام السياسي دورا هاما في السلطة داخل البلد الواحد.
وكذلك من اهداف التوسع في التعليم الديني من قبل أردوغان، هو اعادة بناء الوعي الجمعي التركي، عبر تكريس التوجهات الإسلامية، وتجفيف قيم ومبادئ العلمانية، وبدا ذلك في تعليم الشباب والفتيات في فصول منفصلة، والتركيز على الدروس الدينية على حساب المواد العلمية، وهو يشكل "استخدام الدين" كورقة ضامنة في بقاءا الأحزاب الإسلامية وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية لعقود طويلة في حكم تركيا.
كما يضمن التعليم الديني لأردوغان كذلك في اتوسيع فوذ تركيا خارجيا بإقليم الشرق الاوسط وكذلك أفريقيا وأسيا، عبر اللعب علي مشاعر المسلمين والقضايا الإسلامية كقضية فلسطين والقدس وسوريا وبورما وغيرها من القضايا التي يلعب عليها أردوغان لكسب مزيدا من القوة داخل تيارات الإسلام السياسي في الدول العربية والإسلامية بما يضمن اوراق ضاغطة لتمرير اطماعه الإقتصادية والاستراتيجية داخل هذه الدول عبر جماعات وأحزاب الإسلام السياسي.
ختاما تشكل "التعليم الديني " وفي مقدمتها مدراس "الغمام والخطيب" تنفيذا للإيديولوجية الأردوغانية في البقاء والتمدد والنفوذ في تركيا وخارجها .