انتخابات لبنان والارهاب في سوريا والعراق محاور للمجمع الانطاكي
الإثنين 30/أبريل/2018 - 05:07 م
طباعة
في وسط زخم الاحداث الدينية والسياسية ومنها الانتخابات اللبنانية والارهاب في سوريا والعراق والتاكيد علي نصرة فلسطين انعقد مجمع الكنيسة الانطاكية اليوم برئاسة غبطة البطريرك يوحنا العاشر (يازجي) في دورته العادية التاسعة ودورته الاستثنائية العاشرة من السادس والعشرين وحتى الثلاثين من ابريل 2018 في البلمند وذلك بحضور عدد كبير من الاساقفة ممثلين لبيروت وصور وصيد وحمص والبرازيل وحوارن وجبل العرب والارجنتين وعكار والمانيا واوروبا وبغداد والكويت وغيرها
وقبل الآباء رسمياً الاستقالة المقدمة من سيادة المطران جورج خضر مطران جبل لبنان الذي حضر الجلسة الافتتاحية للمجمع مقدرين أتعابه الجمة في خدمة الكنيسة لأكثر من نصف قرن. انتخب الآباء الأسقف أثناسيوس فهد متروبوليتاً لأبرشية اللاذقية وتوابعها وقرروا استثنائياً وتدبيريّاً نقل المطران سلوان (الأرجنتين) ليصبح متروبوليتاً على أبرشية جبيل والبترون وما يليهما.
تدارس الآباء عدداً من القضايا الكنسية التي تلامس حياة المؤمنين اليومية واستمعوا إلى تقارير قدمها المطارنة باسيليوس (أستراليا) وإغناطيوس (المكسيك) وذلك بعد استلامهما مهامهما الرعائية وإلى تقرير قدمه المطران غطاس (بغداد والكويت) عن واقع وهواجس العمل الرعائي في الأبرشية. وناقش الآباء سبل تفعيل عمل مجالس الرعايا للنهوض بواقعها وتحفيز العمل الرعائي ومسألة معيشة الكاهن وقضية الأديار وتنظيم الحياة الرهبانية في ظل قراءة شاملة لواقع وحاجة الأبرشيات كما ناقشوا فكرة تبني خطة مشتركة للإغاثة ومسألة إدارة الأوقاف والأطر التنظيمية لتنمية الطاقات والموارد الاقتصادية بالشكل الأمثل وأحالوها للجانٍ لمزيد من التمحيص والتشاور لتكون على جدول أعمال الدورة المجمعية القادمة.
توقف آباء المجمع، عند التطورات التي يشهدها العالم الارثوذكسي، حيث يتم تأجيج الخلافات والصراعات القومية والعرقية ويجري السعي لتغيير الحدود القانونية للبطريركيات والكنائس المستقلة، الأمر الذي اختبرته الكنيسة الأنطاكية وما زالت تعاني منه بسبب تعدي البطريركية الأورشليمية على حدودها القانونية وإنشاء ما يسمى أبرشية لها في قطر. وهي تدعو في هذا المجال الى العودة الى مبدأ إجماع الكنائس المستقلة في اتخاذ القرارات المصيرية. وهو مبدأ لطالما ساهم في تجنيب العالم الارثوذكسي المزيد من التفتت والانقسامات.
يواكب الآباء بصلواتهم وأدعيتهم التحضير للانتخابات النيابية اللبنانية. ويدعون أبناءهم الى عدم التخاذل في ممارسة واجبهم الانتخابي. ويحثونهم على تحكيم ضميرهم، وانتخاب ممثيلهم في الندوة البرلمانية أشخاصاً يتمتعون بالاستقلالية والنزاهة والكفاءة، يحبون لبنان ويخلصون لقضاياه ويعلون المصلحة الوطنية على مصالحهم الشخصية ويكونون قادرين على خدمة هذا الوطن وصيانة استقلاله والمحافظة على القيم الوطنية وعلى فرادة هذا البلد ورسالته. ويصلي الآباء، لكي تكون هذه الانتخابات منعطفاً يقود الى تدعيم الاستقرار في البلاد وانتظام عمل المؤسسات فيها والى فتح ورشة إصلاحية لتمكين المواطنين وترقيتهم اجتماعياً واقتصادياً.
يصلي آباء المجمع من أجل أن يعم السلام في جميع أنحاء سوريا، ومن أجل أن يتمكن هذا البلد بهمة جميع أبنائه المخلصين من النهوض من الدمار الذي سببته الحرب الظالمة والأعمال الإرهابية عليه وعلى شعبه. ويدعو آباء المجمع إخوتهم جميعاً في سوريا لكي يعملوا على التهيئة للسلام الذي يتطلب في حده الأدنى وقفاً كلياً لإطلاق النار وتعهداً بالإمساك عن سفك الدماء على كامل التراب السوري، ووضع حدٍّ للخطف وإعادة جميع المخطوفين، وعودة النازحين والمهجرين الى ديارهم. وفي هذا المجال يشدد الآباء أن السلام المرجو يتطلب أيضاً تغييراً في الذهنية يبدأ بالاعتراف بأهمية لقاء الوجه مع الوجه الآخر ببساطة ومن دون شروط مسبقة، ويمر بصحوة الضمائر وبإخلاصها للوطن فقط، وبقبول الآخر المختلف واحترام هواجسه ومخاوفه، وكل ذلك ضمن عملية سياسية شفافة ترتكز إلى الحوار الصادق والفعال وتسمح للشعب السوري مجتمعاً بأن يقرر خلالها مستقبل سوريا التي يريد بحرية ومسؤولية واستقلالية ضمن ثوابت الوحدة الوطنية ووحدة التراب السوري بكامله والحفاظ على مؤسسات الدولة.
ولمرور خمسة أعوام على اختطاف المطرانين بولس (يازجي) ويوحنا (ابراهيم) مطراني حلب، يعيد آباء المجمع الأنطاكي شجبهم لهذا الجريمة المخزية التي تعتبر حرباً على الحضرة الانسانية. وهم يكررون نداءهم الى جميع الخيرين في هذا العالم من أجل العمل على إطلاقهما ووضع نهايةٍ لهذا الملف الذي يعكس صورةً لما يتعرض له إنسان هذا المشرق من خطف وعنف وإرهاب وتهجير. ويشددون، أنه إذا كان الهدف من وراء خطف المطرانيين هو إلغاء الإشعاع المسيحي في سوريا والشرق وتخويف المسيحيين فإن هذا الإشعاع سيبقى ويزداد ألقاً بنعمة الله وبصلوات المغيبين الحاضرين أبداً في صلوات الكنيسة.
يعبر آباء المجمع عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني المعذب وينددون بالمجازر التي ترتكبها سلطات الاحتلال الاسرائيلي بحق المواطنين العزل والأطفال. وفيما خص قضية القدس الشريف عبّر الآباء عن موقفهم الثابت أن القدس تبقى في ذهن وضمير المسيحيين والمسلمين محجةً إلى رحمانية الله وتبقى عصيةً على كل مؤامرة وتزييف للتاريخ. وهي عاصمةٌ لفلسطين وللشعب الفلسطيني وقبلة أنظار المشرقيين من كل الأطياف.
يصلي آباء المجمع من أجل العراق ومن أجل كل الشرق بكل بلدانه ويرفعون صلواتهم كي يديم الرب رحمته وسلامه على كل الشعوب ويفتح كل إنسان قلبه ليقتبل سلام الله.
يعبر الآباء عن محبتهم لأبنائهم المتواجدين في الوطن وفي بلاد الانتشار والذين يحافظون على إرث كنيستهم وأوطانهم أينما حلوا. ويتوجهون إليهم، في موسم الفصح المجيد، بالسلام القلبي والتحية الفصحية: المسيح قام. سائلين رب القيامة أن يباركهم جميعاً.
ويخاطب آباء المجمع المقدس أبناءهم في أبرشية الأرجنتين المحروسة من الله، التي شاء الله أن يختار ملاكها لرعاية رعية المسيح في أبرشية جبل لبنان، بعد خدمة مباركة قضاها بينهم دامت أكثر من عشر سنوات. وهم يعدونهم كما هو دأبهم بأن يختاروا لهم راعياً يرعاهم كما رعاهم المطران سلوان بحنان الأب ويسهر مثله على نموهم بالرب وعلى تنشئتهم على كلمة الله ويقودهم بتفانٍ الى موارد الخلاص. وهم يصلون من أجلهم لكي يثبتوا في إيمانهم ويطلبون منهم أن يحملوا المطران سلوان في صلواتهم لكي يشدده الله في الخدمة الجديدة التي اختاره آباء المجمع الانطاكي المقدس لها بإلهام من الروح القدس لبنيان كنيسته.
ختاماً، يتضرع آباء المجمع إلى المسيح أن يهب العالم السلام ويمسح عن عيون المتألمين والمعذبين كل دمعة ويثبّت كنيسته المنتشرة في أنحاء المعمورة ويجنبها الاضطرابات والقلاقل والانشقاقات ويبلسم القلوب بسلامه الحق، هو المبارك إلى الأبد آمين.
بطريركية انطاكيا
بطريرك أنطاكية وفي الصيغة الكاملة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق أو بطريرك أنطاكية، مدينة الله العظمى، هو اللقب أو المنصب الذي يشغله رئيس الأساقفة في الولاية الإنطاكية، ويعتبر المنصب الإداري الأعلى للكنيسة في إطار الولاية البطريركيّة الإنطاكيّة، وهي بشكل رئيسي سوريا ولبنان والعراق وأجزاء من جنوب تركيا. ويقوم النظام على التسلسل في خلافة رسل المسيح، فبحسب التقاليد الإنطاكية فإنّ القديسين بطرس وبولس هما مؤسسا الكرسي الإنطاكي. منذ القرن السادس، انقسم الكرسي الإنطاكي إلى عدة فروع، وحاليًا يحمل اللقب رؤساء أربع كنائس، هي: الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والروم الأرثوذكس، والكنيسة المارونية وكنيسة الروم الكاثوليك والكنيسة السريانية الكاثوليكية؛ وكان منذ عهد الحملات الصليبية يعين بطريرك من الطقس اللاتيني إلا أنه ألغي في القرن العشرين.
كانت ولاية البطريرك الإنطاكي تشمل بادئ الأمر، معظم الشرق الأوسط عدا مصر ( الكنيسة القبطية )وسط وغرب تركيا حاليًا، ثم فصلت في أعقاب مجمع أفسس عام 431 كنيسة قبرص، وفي أعقاب مجمع خلقيدونية عام 451 فصلت كنيسة القدس، بشكل إداري وبات رئيس أساقفتها هو بطريرك القدس؛ وكان لكبير أساقفة العراق لقب جاثيلق ما لبث أن تحوّل لشبه كنيسة رسمية مستقلة، وذات نفوذ مباشر إلى إيران وأقاليم شبه الجزيرة العربية؛ حاليًا فإن البطاركة غير منحصرين في النطاق الإنطاكي فحسب، فإن حركة الهجرة نحو العالم الجديد، دفعت لاستحداث أبرشيات المغترب، وهو ما أدى إلى بسط نفوذ البطاركة في العالم أجمع.
منذ القرن السابع، وباستثناء فترات قصيرة، فإن أغلب البطاركة الإنطاكيين سكنوا في مدينة دمشق لا إنطاكية، التي فقدت أهميتها وتحولت إلى مدينة ثغور. وينتخب البطاركة من قبل المجمع المقدس، ويتبادلون رسائل التثبيت مع سائر البطاركة من طوائفهم. وفي السابق، كان البطريرك الإنطاكي يحلّ ثالثًا في التشريفات بعد أسقف روما والقسطنطينية، وخلال العهد العثماني، كان القانون يلحظ لبطريرك أنطاكية موقع وتشريف رئيس الوزراء، وهو ما استمرّ عليه الحال في سوريا حتى اليوم؛ وقد لعب البطاركة دورًا هامًا في حياة الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال فإنّ استقلال لبنان تُعزى اليد الطولى فيه للبطريرك إلياس بطرس الحويك.
التأسيس
كانت أنطاكية وتلقب "تاج الشرق الجميل" و"أروع مدن الشرق" ملتقى أهم الطرق التجارية، ولم تكن عاصمة إدارية وثقافية وعسكرية فحسب، بل أيضًا برزت أهميتها المسيحية باكرًا على ما يذكر سفر الأعمال. كانت الجماعات المسيحية الأولى تتواجد في المدن الكبرى، يرأسها أسقف هو أحد تلامذة المسيح أو أحد من انتدبهم التلامذة، ومع تزايد عدد المسيحيين أقام الأساقفة معاونين لهم ذوي صلاحيات رعائية هم القسس، غير أنهم يمثلون الأسقف ويتحدون معه. ومع انتشار المسيحية نحو الأرياف والمدن الأصغر حجمًا، لم يعد القسس أو الكهنة في ذات المدينة، بل أصبحت ولاية الأسقف تشمل رقعة جغرافية معينة، ومع تزايد عدد المسيحيين، لم يعد باستطاعة أسقف واحد أن يقوم بإدارة جميع الرعايا، فظهرت أسقفيات جديدة، أي يقوم أسقف أو أكثر بتعيين أسقف على ولاية جغرافية جديدة شرط أن تحوي كنائس ذات حجم كاف، غير أن الأسقف الجديد يظلّ في القضايا الخطيرة وفي الروابط الثقافية يرتبط بالكنيسة الأم التي تفرّع عنها، وهكذا ظهرت علاقة بين أسقفيات أم - أسقفيات بنت.
هذه الأسقفيات، ما لبثت بدورها، مع تشعب المسيحية، أن أقامت أسقفيات ذات علاقة تبعية لها، ومجمل هذا التقسيم يمثل الهرم التسلسلي في التشعب الكنسي. فالأسقفية الأم أو الأصل دعيت بطريركية، والأسقفية البنت دعيت مطرانية أو متروبوليت، في حين احتفظت الأسقفيات الصغرى باسمها أسقفية أو أبرشية. حين انعقد مجمع نيقية، لحظ ثلاث بطريركيات في روما والإسكندرية وأنطاكية؛ وقال أنه لا يبتدع نظامًا جديدًا، بل يحافظ على "الامتيازات القديمة" ذاتها.
في القرون الأولى
عاشت البطريركية الإنطاكية ظروفًا مزدهرة، وعرفت عصورًا ذهبية، كان مكدرها الأساسي التنوّع الكبير الثقافي في الشرق الأوسط، والصراعات الثقافية الناجمة عنه بين هذه المكونات، حتى دعي أبناء هذه المنطقة "مجردين من الحس العام" و"أصل البدع والهرطقات".فمع اندثار الوثنية السريع، وتواجد الثقافتين السريانية واليونانية بشكل كبير، وبروز أهمية مدرسة أنطاكية اللاهوتية، والوفرة المالية نتيجة الطرق التجارية التي تمرّ في سوريا، برزت الانشقاقات اللاهوتية، وكان للمذهب الآريوسي قوّة في البلاد، واستطاع أنصاره إيصال عدد من الأساقفة لمنصب البطريرك، وإذ كان احترام الوحدة آنذاك كبيرًا لم تحصل أية انشقاقات.
القضية الخلقيدونية
كان عزل وحرم رئيس أساقفة القسطنطينية نسطور في مجمع أفسس عام 431 وشعبيته في المناطق البعيدة عن أنطاكية والخاضعة للإمبرطورية الفارسية، جعل من جاثليق العراق أكثر بعدًا عن أنطاكية وكامل الاستقلال عنها فعليًا؛ وبعد عشرين عامًا انعقد مجمع خلقيدونية عام 451 ليشكل نقطة حاسمة في تاريخ البطريركية، الأكثرية السريانية لاسيّما في الأرياف قد رفضت المجمع، في حين قبلت به أقلية سريانية وكافة هيلينيو الثقافة التابعين للقطس البيزنطي، وهذا ارتدى التنوع الطقسي الثقافي للمرة الأولى شكل انقسام عقائدي حول ما حدث لطبعي المسيح بعد اتحادهما.
لم يحصل الانقسام بين مؤيدي ورافضي المجمع مباشرة، إذ قد تتالى عدد من البطاركة المؤيدين أو المناوئين للمجمع أو متذبذبين بين الفريقين أمثال البطريرك فلافيان الثاني؛ وحينما اترقى الإمبراطور أناستاسيوس الأول العرش عام 491، وهو من رافضي مجمع خليقدونية، دعم البطريرك ساويروس الإنطاكي المناوئ العنيف للمجمع وساهم في رفعه لكرسي البطريركية عام 512،