تصوف «البنّا».. محطة شقت صفوف الإخوان

السبت 11/أغسطس/2018 - 09:40 ص
طباعة تصوف «البنّا».. محطة سارة رشاد
 
عندما اختار حسن البنّا، مؤسس جماعة الإخوان (1928)، تعريفًا لجماعته قبل تسعين عامًا، يشمل «الصوفيَّة» و«السلفيَّة» كان يدرك طبيعة المرحلة التي حضر فيها، فالخلافة الإسلامية التي انهارت قبل أربع سنوات فقط من تكوين الإخوان، كانت تحتّم على المؤمنين بها ضرورة تدارك الخلافات الفكرية كأولوية لاستعادتها، ومن هنا فكر «البنّا» في أن تكون جماعته بمثابة «مزيج» غريب الشكل، «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية»، بحسب ما أورده في «مذكرات الدعوة والداعية».

ورغم الهدف الذي سعى له «البنّا» من هذا التعريف، وهو أن تكون جماعته توافقية قائمة على الرابطة الإسلامية الجامعة، فإنه لم يكن متوقعًا لخطورة انضواء جماعة واحدة على تيارات فكريَّة متفاوتة، إذ باتت الجماعة بين تيار صوفي، وتيار متشدد سلفي، يعرف بـ«القطبي»، وتيار ثالث إخواني يعرف بـ«البناوي»، وتيار رابع يسمع ويطيع للأقوى من هذه التيارات.

وبينما تتكتم الجماعة على هذه التصنيفات مكتفية بالتعليق عليها في أضيق الحدود عبر مقالات نقدية، يصدر عن أفرادها تصرفات تدعم هذا الاتجاه، منها ما حدث في 2004، إذ شهدت الجماعة انشقاقًا غير معلن بالقاهرة الكبرى شمل مناطق «عين شمس، وشبرا الخيمة» لـ25 قيادة شبابية وطلابية إخوانية على خلفية تبنيهم للمنهج الصوفي.

وأحدثت الواقعة أزمة كبيرة داخل الجماعة، خاصة أن المنشقين لم يعترضوا على كونهم «إخوانًا» و«متصوفةً» في الوقت نفسه؛ لكن أزمته تلخصت في نقطة البيعة ولمن يقدموها لشيخ الطريقة الصوفية، أم المرشد الإخواني.

وتسبب ذلك في توجيه تهمٍ بالتقصير لقسم التربية بالجماعة، فيما اعتمد المنشقون في نهجهم على مذكرات «حسن البنّا»، التي تطرق في بدايتها لمرحلة صوفية مر بها عند عمر الرابعة عشرة، وانضم خلالها للطريقة «الحصافية الشاذلية»، وهو نفسه ما أطلقه شيخ «الطريقة العزمية»، «علاء أبوالعزائم»، الذي تحدث للإعلام قبل يومين عن استقطاب البنّا لعدد من أبناء الحصافية لتكوين جماعته.

وبالتوازي مع الناحية الصوفية داخل الجماعة الإخوانية، تأتي النزعة التحريضية (يسمونها الجهادية)، ويعود بروزها لتاريخ الإطاحة بحكم الجماعة في مصر 2013، إذ تعالت أصوات تطالب بحمل السلاح مستدعية تجربة التنظيم في الأربعينيات وتكوين النظام الخاص للجماعة (الجناح العسكري للإخوان).

وأسس «البنّا» جماعته على روح التصوف معتمدًا على تجربته الصوفية، لدرجة أنه حدد معايير الترقي داخل الجماعة في الجانب الروحاني وأدرج كتبًا صوفية ضمن برنامج التنشئة، فكون بذلك كيانًا صوفيًّا عسكريًّا في الوقت نفسه. ورغم تقلص النفوذ الصوفي داخل الجماعة فإنه يبقى تيارًا فكريًّا موازيًا للتيار السلفي.

بؤر جهادية
وفي محاولة لقراءة هذه الدعوات، حذر أحمد ربيع الغزالي، العضو السابق بمجلس شورى الجماعة، في حوار له من انبثاق بؤرٍ جهاديَّة من التجمعات الشبابية الإخوانية الغاضبة، قائلًا: «ستكون بؤر إرهابية تمارس أعمالًا عدائية ضد المجتمع، وستعمل بشكل منفصل تمامًا عن قياداتها».

وهذا التنبؤ تحقق بالفعل منذ أعلنت اللجان النوعية الإخوانية عن نفسها (لواء الثورة، حركة سواعد مصر «حسم»، المقاومة الشعبية)، بعمليات إرهابية، بين استهداف الأكمنة الأمنية ومحاولات الاغتيال (محاولة اغتيال المفتي العام السابق للديار المصرية الشيخ على جمعة أغسطس 2016، ومحاولة اغتيال النائب العام المساعد زكريا عبدالعزيز أكتوبر من العام نفسه)، إذًا فجماعة الإخوان الصوفية هي نفسها الإرهابية التي قرر أفراد منها حمل السلاح.

الحقيقة تقول إن كلًا من الفريقين على تباعدهما الفكري، «إخوان» اعتمدا في خياراتهما على مرحلة من مراحل حياة حسن البنّا، وفقَا للباحث في شؤون الحركات الإسلامية، حسام تمام، في كتابه «تسلّف الإخوان»، فيقول إن بروز التيار الفكري المتشدد على حساب النزعة الصوفية سببه موجة التسّلف التي شملت الإخوان خلال حقبة السبعينيات، ويضيف أنه بحكم تسّلف الجماعة ومن ثم بروز التيار المتشدد بداخلها، وجد التيار الصوفي نفسه محاصرًا، حول نقطة التوافق التي وضعها «البنّا» في تعريفه للجماعة إلى محل خلاف.

ورغم الصعود السلفي داخل الإخوان، فإن النزعة الصوفية مازالت تاركة بصمتها على الجماعة سواء في حرصها على ترديد الأوراد المأخوذة من الفكر الصوفي، لاسيما تسمية المنضم الجديد للجماعة بـ«المريد» و«المحب»، وهذه المصطلحات صوفية بالأساس تطلق على أتباع الطرق الصوفية.

ويشار إلى أن «الصوفية» كانت أحد الانتقادات التي استعان بها شباب الإخوان في خلافهم مع القيادات التاريخية على قيادة الجماعة، إذ قال قطاع منهم إن الأحداث استدعت الحالة الصوفية الإخوانية التي دفعت القيادات التاريخية لوضع نفسها محل شيوخ الطرق الصوفية، الذين لا يمكن استبدالهم ولا انتقادهم.

شارك