«حميثرة».. عين صوفية في مصر تتطلع إلى جبل عرفات
الأربعاء 15/أغسطس/2018 - 06:57 م
طباعة
سارة رشاد
ليست المرة الأولى التي يحزم فيها العم سيد الطويل، (صوفي خمسيني)، حقائبه مرتحلًا من قريته في قنا (جنوبي مصر)، قبيل عيد الأضحى؛ متوجهًا إلى جبل حميثرة بمرسى علم، الأمر يعود إلى عشرين عامًا تقريبًا، عندما بدأ أولى رحلاته إلى نفس المكان وفي نفس التوقيت.
يقول لـ«المرجع»: إن دافعه في ذلك ديني؛ فهناك يقضي أيامًا سبعة في الاجتهاد والعبادة؛ علَه يرى في مرة ما يمني نفسه به.
والحقيقة أن الصوفي الخمسيني ابن الطريقة البرهامية ليس وحده الذي تحركه الأمنيات إلى هناك، فغيره مئات الآلاف التي تتوافد هذه الأيام على جبل حميثرة، حيث مقام القطب الصوفي، أبوالحسن الشاذلي، بقلب الصحراء، للتحقق من عبارة «عند حميثرة سوف ترى».
وتعود قصة هذه العبارة إلى معتقد صوفي يُمنيّ به الصوفيون أنفسهم، بأنهم قد يرون جبل عرفة من فوق حميثرة، إذا ما وقفوا نهار عرفة كله فوق الجبل بمرسى علم يدعون ويتعبدون، وينبع هذا المعتقد من الرواية الصوفية عن لحظات احتضار أبوالحسن الشاذلي، إذ يُقال إنه عندما كان في طريقه إلى مكة لقضاء فريضة الحج، وأدركه الموت، كان يرى مكة من حميثرة، حيث مات.
وبمرور الوقت، وبعدما تحول موسم الحج لدى الصوفيين إلى موعد لمولد الشاذلي، أطلق بعض المتصوفة روايات تفيد رؤيتهم عرفة من حميثرة كما حدث للقطب الصوفي، ومن وقتها يغامر الصوفيون بحياتهم وترك أهلهم، للسفر في الصحراء، إلى حميثرة علّهم يرون مكة، ومن ثم بات معيار الرؤية من عدمه مؤشرًا على مدى سلامة تصوف المُريد.
العم سيد، يروي بشجن عن عدم نجاحه ولو لمرة واحدة في رؤية عرفة، ويقول إنه في كل مرة يأتي فيها إلى حميثرة ويفشل، يلجأ بعدها إلى شيخه ليشكو له فساد تصوفه.
ويعتبر الصوفي القناوي ذلك مؤشرًا عن عدم الرضا، فيدخل بسببه في نوبة عبادة طويلة؛ علها تساعده على التدرج في مراتب التصوف.
وتعود تجربة الخمسيني مع الصوفية إلى سنواته الأولى، عندما كان يتحلق حول درويش علمه حب الله. كان وقتها في السابعة من عمره، عندما شب في قرية «تتنفس التصوف»، بداية من والده الزاهد الذي عرّفه العشق الإلهي، وحتى الموالد التي اعتاد الخروج فيها بملابس بيضاء نظيفة، يحمل جريدًا مع باقي أطفال القرية.
ويتابع العم سيد أنه عرف في وقت مبكر معنى الخلوة الصوفية، ليس لكونه شخصًا انطوائيًّا، بحسب قوله، ولكن للنشأة الصوفية الهادئة التي شب من خلالها وعلمته أهمية الانعزال.
ويضيف أنه لهذا السبب يحرص على التردد على مولد الشاذلي، فرغم عدم نجاحه في رؤية عرفة، فإنه يجد هناك خلوة صوفية تساعده على تطهير النفس.
ويفاضل بين مولد الشاذلي وبقية موالد القاهرة على سبيل المثال، فيقول إنه قد يفوت مولدًا في القاهرة لكنه لن يفوت إطلاقًا مولد الشاذلي، ودافعه في ذلك هو وجود مولد الأخير داخل صحراء توفر له الانعزال الذي يبحث عنه.
ويقتضى الوصول إلى مولد الشاذلي السفر عبر سيارات في طرق وعرة، إلى جبل يقضي المُريد إلى جواره سبعة أيام، تحت شمس صيف حار.
يشار إلى أن المجلس الأعلى للطرق الصوفية قام ببعض المساعي في السنوات الأخيرة، مع الجهات الرسمية بمرسى علم للتخفيف من معاناة المتصوفة، إذ بدأوا في 2006 «مشروع تطوير مسجد أبوالحسن الشاذلي»، الذي انتهى في 2014، ليفتتح المسجد على مساحة خمسة أفدنة، ممتدًا على دورين، فيما أدخلت محافظة البحر الأحمر المرافق من كهرباء وماء إلى محيط المسجد لمساعدة المُريدين على الحياة أيام المولد.