«الطريقة السنوسية».. 200 عام من الاضطهاد والثورة ضد الاحتلال

الخميس 16/أغسطس/2018 - 11:36 ص
طباعة «الطريقة السنوسية».. عبدالهادي ربيع
 


تُعدُّ الطريقة السنوسية من أبرز وأشهر الطرق الصوفية في ليبيا والسودان خاصة، ودول شمال أفريقيا عامة؛ حيث يعود إليها الفضل في بث الوعي الديني والاهتمام بالزراعة والتجارة في الأراضي الليبية، خاصة في الواحات؛ حيث مراكز الدعوة السنوسية.

وتتمركز الطريقة السنوسية في ليبيا، بمدينتي «سرت» (مدينة ليبية ساحلية شرق العاصمة طرابلس)، و«بنغازي» (ثاني أكبر مدينة في ليبيا والعاصمة المشتركة السابقة)، وتُعد أشهر زواياها في مدينة «البيضاء» (رابع أكبر مدن ليبيا، وكانت عاصمة للبلاد في السابق، وفي عهد المملكة الليبية كانت مقرًا للبرلمان الليبي)، وواحة «الجغبوب» (بلدة ليبية جنوب شرق البلاد).

 

يُعد محمد بن علي السنوسي بن العربي، المعروف بـ«السنوسي الكبير» (ولد في العام 1787 بمدينة مستغانم بالجزائر، وتوفي عام 1859 في بمدينة الجغبوب بليبيا)، هو مؤسس الطريقة السنوسية، وإليه تنتسب، حيث أنشأ هذه الطريقة عام 1843 في مدينة البيضاء.

 

بدأ «السنوسي»، رحلته في طلب العلم على يد علماء مدينة «مستغانم» الجزائرية، ثم رحل إلى مدينة «فاس» المغربية عام 1828، وهناك التحق بجامع القرويين، وحصل على المشيخة الكبرى، وعُيِّن مدرسًا بالجامع الكبير، كما درس بالمغرب الطرق: القادرية، والناصرية، والحبيبية، والشاذلية، والجازولية، وفي أواخر العام 1829 رحل إلى منطقة «عين ماضي»؛ حيث درس بها الطريقة التيجانية، ثم قصد مدينة «الأغواط» في جنوب الجزائر.

 

زار «السنوسي»، مدن «قابس» و«طرابلس» و«بنغازي» الليبية، ثم بلغ مصر في العام 1239 هجرية، 1824 ميلادية، ولم يمكث في القاهرة كثيرًا؛ حيث غادر إلى مكة المكرمة، وهناك التقى الشيخ أحمد بن إدريس الفاسي، الذي كان رئيسًا للخضيرية، فاجتمع به ولازم دروسه، حتى ارتحل معه إلى مدينة «صبيا»، فسار معه، وأقام بها حتى توفي ابن إدريس عام 1835؛ فعاد «السنوسي» إلى ليبيا لينشر الطريقة السنوسية.


صوفية بنكهة حنبلية

تأثَّرت الطريقة السنوسية بالمذهب المالكي (أحد المذاهب الإسلامية السنية الأربعة، وشيخه الإمام مالك بن أنس) المنتشر في المغرب العربي، إضافة إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل (أبوعبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي فقيه ومحدِّث مسلم، ورابع الأئمة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي)، إلا أن تأثر الطريقة بالمذهب الحنبلي يظهر واضحًا في تشددها في أمور العبادة، إلى جانب دعمها لمبدأ الاجتهاد ومحاربة التقليد، وإيمان أتباعها بالحياة الدعوية التي تقوم بالأساس على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والابتعاد عن أسلوب العنف أو استعمال القوة.

 

وإضافة إلى ما سبق؛ فإن «السنوسية» تُشدد على الاهتمام بالعمل اليدويِّ الجاد، وتأمر أتباعها بالتحلي بالزهد في المأكل والملبس، وفي كل أمور الحياة دون خمول أو استجداء، لأنهم يُعدون هذه الأمور دخيلة على المسلمين، وليست من الإسلام في شيء.

 

آمنت «السنوسية»، بفكرة شمولية الإصلاح؛ حيث اعتبروا أن الحركات الإصلاحية يلزم أن تكون سياسية وفكرية وشاملة في نفس الوقت؛ أما إصلاح جانب دون الآخر فذلك نقص في الحركة؛ كما تعتمد الطريقة مبدأ الجهاد الدائم ضد المستعمرين، وقد دفع ثمن ذلك آلاف في جهادهم ضد الاستعمار الإيطالي.

الانتشار ومواقع النفوذ

تُعدُّ زاوية مدينة البيضاء، والمعروفة بـ«أم الزوايا»، أول زاوية سنوسية أقيمت في ليبيا عام 1841، إضافة إلي زاوية واحة «الجغبوب»؛ حيث تعلم مئات من الدعاة الليبيين داخل هاتين الزاويتين، ثم خرجوا إلى شمال أفريقيا لدعوة الناس إلى الإسلام.

 

يبلغ عدد الزوايا الفرعية لـ«الطريقة السنوسية» في ليبيا 121 زاوية، جميعها تتلقى التعليمات من الزاوية الرئيسية المعروفة بـ«أم الزوايا»، كما أُنشئت الطريقة بمدينة البيضاء جامعة محمد بن علي السنوسي، والتي تُعدُّ أول جامعة إسلامية في ليبيا.

 

وتنتشر «السنوسية»، في دول شمال أفريقيا كافة، وقد امتدت زواياها من مصر إلى مراكش، ووصلت جنوبًا إلى الصحراء في السودان والصومال، وغربًا إلى الجزائر، وتوجد الطريقة أيضًا في خارج أفريقيا؛ حيث وصلت إلى أرخبيل الملايو في الشرق الأقصى.


عمر المختار

ذاع صيت الطريقة السنوسية، وأصبح القاصي والداني يعرفها جيدًا، عن طريق واحد من أشهر شيوخها، وأبرز دعاتها، وهو «أسد الصحراء» الشهيد عُمر بن مختار بن عُمر المنفي الهلالي، الشهير بـ«عمر المُختار»، والمُلقب بـ«شيخ المجاهدين»، «شيخ الشهداء»، (20 أغسطس 1858 - 16 سبتمبر 1931.(

 

حارب «شيخ المجاهدين»، الإيطاليين، وهو يبلغ من العمر 53 عامًا لأكثر من عشرين عامًا، وخاض عددًا كبيرًا من المعارك ضد الاحتلال، إلى أن أُلقي القبض عليه من جنود الاحتلال الإيطالي، وحوكم محاكمة صورية انتهت بإصدار حكم بإعدامه شنقًا، فنُفذت فيه العقوبة، على الرغم من كبر سنه (73 عامًا) ومعاناته من مرض الحمّى، وكان الهدف من إعدام عمر المُختار هو إضعاف الروح المعنويَّة للمقاومين الليبيين والقضاء على الحركات المناهضة للحكم الإيطالي، لكن النتيجة جاءت عكسيَّة، فقد ارتفعت حدَّة الثورات، وانتهى الأمر بأن طُرد الطليان من البلاد.

 

حروب ما بعد الاحتلال

لم تهنأ الأسرة «السنوسية»، طويلًا بحكم ليبيا، فقد نجحت الثورة التي قادها ضدهم العقيد معمر القذافي، ولم يكتفِ الأخير بالاستيلاء على الحكم وتنحية الملك السنوسي، بل اضطهد كل أفراد الأسرة، كما اتخذ إجراءات صارمة للقضاء على الطريقة وأتباعها، ومنع «مريدي السنوسية» من الالتحاق بالجيش أو الشرطة، لكن السنوسية قاومت، وهذا سر بقائها حتى الآن.

 

ولم يكن المشهد، بعد الثورة على نظام معمر القذافي (17 فبراير عام 2011)، أفضل من سابقه، حيث لاتزال «السنوسية» (والطرق الصوفية بشكل عام) تعاني داخل المجتمع الليبي، عقب انتشار المذهب السلفي المدخلي (وهم أتباع الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، أحد شيوخ السعودية ويتبنون منهجًا مضادًا للصوفية)، حيث هدم المداخلة ضريح ومقام شيخ الطريقة السنوسية «محمد المهدي السنوسي» بمدينة «الكفرة» الليبية، وسرقوا رفاته، وهو ما أدى إلى استنفار السنوسيين في جميع أنحاء ليبيا، والبلدان المحيطة؛ اعتراضًا على هذه الممارسات التي يرفض القائمون بها التعايش مع الآخر.

 

ورغم أن الطريقة، لم تمارس قتالًا حتى الآن في مواجهة التيار المدخلي؛ فإنه وفي ظل الانفلات الأمني في ليبيا ليس مستبعدًا أن تُشكل «السنوسية» مع الطرق الصوفية الأخرى جبهة لمحاربة التيار السلفي المدخلي، الذي أصبح هو وتنظيم داعش بالنسبة لهم سواء.

شارك