«الزروقية».. مريدون بلا زوايا لأقدم طريقة صوفية في ليبيا
الخميس 16/أغسطس/2018 - 07:53 م
طباعة
عبدالهادي ربيع
ليبيا بلد عريق في صوفيته، فقد دخله التصوف الطرائقي، في القرن السابع الهجري، بعد دخول أبي الحسن الشاذلي (مؤسس الطريقة الشاذلية المتوفى عام 656هـ إلى ليبيا) خلال رحلته الدينية والعلمية، فاستوطن الأراضي الليبية العديدُ من المدارس الصوفية التي ظهرت في البلاد الأخرى؛ باعتبارها أرضًا خصبة للفكر الصوفي الانعزالي؛ فانتشرت الطريقة الشاذلية انتشار النار في الهشيم، وأحب أهل ليبيا هذه الطريقة، وارتحلوا إلى مصر لتلقي أصول الطريقة عن مشايخها، وكان منهم الشيخ «أحمد زروق البرنسي» أحد فقهاء المالكية في القرن التاسع، وعاد إلى ليبيا، مشبعًا بأفكار ورؤى ومؤلّفاتٍ في آداب المريد، وقام بحركة تصحيحية لمسيرة التصوف، التي كانت حصيلة سنوات من التعلم والسفر بين الحواضر العلمية في العالم الإسلامي، والتي اعتبر العديد من المؤرخين أنها أظهرت التصوف كمنهج حياة متكامل، وفق الكتاب والسنة، وما يُميز هذه الطريقة أن أصولها سنية، وأعلامها من مشاهير المتصوفة في العالم الإسلامي.
ثمّ أسّس أتباعه هذه الطّريقة، ونسبوها إلى شيخهم بعد وفاته، لتكون بذلك «الطريقة الزروقية» أقدم الطرق الصوفية الليبية الخالصة المعروفة في كتب التاريخ.
وعن حقيقة التصوف وضرورة الجمع بينه وبين الفقه، يقول زروق: «لا تصوف إلا بفقه، إذ لا تعرف أحكام الله الظاهرة إلا منه، ولا فقه إلا بتصوف، إذ لا عمل إلا بصدق وتوجه لله تعالى، ولا هما -التصوف والفقه- إلا بالإيمان، إذ لا يصح واحد منهما دونه».
وقد استخلص «الزروقي» مبادئ الطريقة الشاذلية، التي كان يعتز بها ويُدافع عنها، وعمل على نشر أفكارها، وإظهار سنيتها، مع إعلانه غير مرة أنه ينتمي إلى الطريقة القادرية، (والقادرية، إحدى الطرق الصوفية السنية، التي تنتسب إلى عبدالقادر الجيلاني المتوفى سنة561هـ، وينتشر أتباعها في بلاد الشام والعراق ومصر وشرق أفريقيا)، ويشير زروق إلى سند الخرقة والبيعة التي تصله بعبدالقادر الجيلاني.
وتقوم الطريقة الزروقية على كثرة الاستغفار والصلاة على الرسول الأعظم، وشهادة التوحيد، والمداومة على قراءة ما يُعرف بالوظيفة الزروقية، المسماة «سفينة النجا لمن إلى الله التجا»، وهي مجموعة آيات وأحاديث نبوية مشتملة على ذكر الله تعالى تُقرأ بعد الفجر، ومن جملة قواعد طريقته الصوفية:
«أن التصوف صدق التوجه إلى الله تعالى، وأن التصوف علم قُصِد لإصلاح القلوب، وأصل التصوف مقام الإحسان، وأن أهليَّة التصوف لِذِي توجه صادق أو عارف محقق، أو محب مصدق، أو طالب منصف، أو عالم تقيده الحقائق، أو فقيه يقيده الاتساع».
ورغم أن الزروقية هي أقدم الطرق الصوفية الليبية الخالصة، فإنها لم تكن قادرة على الحياة طويلًا، فلا توجد اليوم في ليبيا زوايا زروقية منتشرة، ولكنْ لها مريدوها من المنتسبين إلى الطرق الأخرى، يقرؤون أورادها، ويعتمدونها ضمن أورادهم، مثل طريقة عبدالسلام الأسمر، الذي قال: «وظيفة زروق من جملة أورادنا»، وتفرع عن الطريقة الزروقية، عدة طرق أخرى، بأسماء متنوعة، كالراشدية والمدنية والدرقاوية.
توفي الشيخ أحمد زروق رحمة الله عليه عام (899ﮪ) بمدينة مصراتة بليبيا، البلدة الذي أنشأ فيها الزاوية الزروقية؛ حيث دُفن هناك، وبُني له مسجد باسمه، قرب ضريحه.
وتُعتبر زاوية سيدي أحمد زروق البرنسي زاوية كبيرة من بين 9 زوايا كبيرة مازالت تؤدي مهمتها في ولاية بجاية، ويتلقى فيها حاليًّا 168 طالبًا مختلف العلوم الشرعية