«التصوُّف العلمي» و«الطرقية».. من الندية إلى الانصهار

الأحد 19/أغسطس/2018 - 04:20 م
طباعة «التصوُّف العلمي» سارة رشاد وآية عز
 
تَمرُّ الصوفية المصرية بمرحلة سكون طويل، بدأ عندما فكر الرئيس المصري الراحل، محمد أنور السادات (حكم من 1981:1970) في تعديل أوضاع المتصوفة، فأصدر قانون «نظام الطرق الصوفية لعام 1976»، الذي وُضع بمقتضاه هيكل إداري للصوفية مكون من طرق، ومجلس أعلى يُشرف عليها.
القانون الذي جلب انتقادات من داخل المتصوفة أنفسهم، إذ اتهمه عددٌ منهم بأنه أفقد التصوف روحانيته منذ انشغل رؤساؤه بالإدارة، أسسّ لما يُعرف بـ«التصوف الطرقي»، وهو التصوف الوحيد الذي تعترف به الدولة المصرية، ويمثله ما يقرب من 80 طريقة صوفية.

حديثًا.. طرأ نمط جديد على هذا التصوف، وهو ما يُعرف بـ«التصوف العلمي»، ويُقصد به تلك الحالة التي وفرها مشايخ صوفية أغلبهم من خلفيات دينية أزهرية، عكفوا في السنوات العشر الأخيرة على تقديم دروس أسبوعية بالمساجد، يجتهدون فيها على نفي ارتباط التصوف بالخرافات، وتوثيق علاقته بالشريعة الإسلامية.

ولهذا الهدف استدعوا كتب التراث الصوفي لتقديم شروح متوازنة لها، موفرين خطابًا صوفيًّا مختلفًا عن الخطاب الديني التقليدي للطرق.

وتدريجيًّا نافس هؤلاء المشايخ مكانة شيوخ الطرق، حتى ظهر قطاع من المتصوفة يكتفون بحضور مجالس شيخ ما، على الانضمام إلى طريقة أو حضور مولد (حشد ديني يجتمع فيه الصوفية بالآلاف).

تجديد الخطاب الديني
واللافت أن رهان عُقد على هذا النوع من التصوف، إذ يُعتبر جهد في سياق مشروع تجديد الخطاب الديني الذي تتبناه الدولة المصرية في معاركها مع التشدد.

واتساقًا مع ذلك نوهت الهيئة العامة للكتاب المصرية، في مارس من العام الحالي، عن نيتها لطباعة دراسة علمية لأستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة بني سويف (جنوب مصر)، سيد حافظ عبدالحميد، تناولت حياة الفيلسوف الصوفي وأحد أعلام التصوف العلمي، عبدالقادر الجزائري (1883:1808).
من الندية إلى الانصهار
فيما كان التصوف العلمي يعيش جنبًا إلى جنب مع التصوف الطرقي دون تداخل بينهما، حدث مؤخرًا تغيير عندما حمل مفتى الديار المصرية السابق، أحد أبرز مشايخ التصوف العلمي، الدكتور علي جمعة، أوراق طريقة صوفية إلى المجلس الأعلى للطرق الصوفية بداية فبراير 2018، طالبًا منه باعتباره الجهة الصوفية الأولى في مصر، منحه تراخيص تأسيس طريقة.

منتصف الشهر، وتحديدًا 14 فبراير، جاءت موافقة المجلس الأعلى للصوفية، معلنًا انضمام طريقة صوفية جديدة إلى الحالة الطرقية، هي «الصدّيقية الشاذلية».

وما إن أُعلن عن الموافقة حتى بدأت التحليلات بشأن السبب الذي يدفع الشيخ علي جمعة إلى اقتحام ساحة التصوف الطرقي في هذا التوقيت، بينما عاش لسنوات طويلة مكتفيًا بدروسه العملية ومحبيه.

ودفع هذا السؤال إلى وضع أطروحات بحثية جميعها تدور حول مدى التغيير الذي قد يحدثه وجود جمعة بالساحة الطرقية، حتى إن أنباء من مصادر داخل المجلس الأعلى للطرق الصوفية تحدثت لـ«المرجع» عن إمكانية دفع الدولة المصرية بـ«جمعة» في رئاسة المجلس الأعلى للصوفية، كمحاولة لاستعادة عافية التصوف.

واللافت أن جمعة ليس وحده، إذ يشاركه في مشهد صوفي آخذ في التغيير مشايخ تصوف علمي يميلون إلى تأسيس طُرق جديدة أو الاندماج في طرق صوفية قائمة بالفعل، مثل مستشار شيخ الأزهر، الدكتور محمد مهنّا، الذي ينتمي إلى طريقة العشرية المحمدية (أحد الطرق الصوفية بمصر)، ليصبح السؤال لماذا اهتم مشايخ التصوف العلمي بالتصوف الطرقي الآن، وهل يقوى التصوف العلمي على النجاح في الرهان أم سيذوب في التصوف الطرقي وينتهي؟

أمين اتحاد القوى الصوفية (أحد الائتلافات الصوفية)، عبدالله ناصر حلمي، رجح لـ«المرجع»، أن يكون الدفع بالتصوف العلمي نحو الاندماج في الطرق جاء بتوجه من الدولة المصرية، إذ «تسعى الدولة إلى إحياء الصوفية المصرية»، بحسب رأيه.

وأوضح أن الدولة مدركة لهشاشة الحالة الصوفية المصرية، مشيرًا إلى أنها تسعى إلى خطاب صوفي متزن ينعش الحالة الصوفية الضعيفة.

واستبعد أن يحدث ذلك تحول ملموس في التصوف المصري، قائلًا: إن أزمة الصوفية بمصر مركبة وتعود إلى قانون 1976 الذي حوّل الصوفية إلى طرق أشبه بالأحزاب السياسية، متابعًا: أنه بسبب الهيكل الإداري الذي فرضه القانون فقدت الصوفية تأثيرها في المجتمع المصري، خاصة أن مشايخ الطرق باتوا يختلفون على المناصب منشغلين بها عن مهامهم الروحية.

وأضاف أن من أحد الأسباب أيضًا تعدد الطرق وتشرزمها، ما يصعب من مهمة «جمعة» وأعوانه على إصلاح التصوف الطرقي، ضاربًا مثالًا بطريقة «العشيرة المحمدية» ذات المنهج الصوفي العلمي، إذ قال إن الطريقة تعتبر أحد الطرق العلمية وكان مؤسسها الدكتور محمد زكي الدين إبراهيم، من علماء الأزهر ورواد التصوف العلمي، إلا أنها لم تقوَ حتى الآن على تعديل خطاب باقي الطرق.

واستبعد أن تتأثر الصوفية العملية بمشكلات التصوف الطرقي، مشيرًا إلى أن تحول صوفية علي جمعة، على سبيل المثال، إلى طريقة، لا يعني أن نشاطها العلمي سيختلف أو سيقل.
تحديات الصوفية
من جانبه، أقر عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية (أعلى جهة صوفية في مصر)، علاء أبوالعزائم، بضعف التصوف الطرقي، قائلًا: إن «الصوفية تواجه تحديات كثيرة في هذه الفترة».

ولفت «أبوالعزائم» في تصريح لـ«المرجع»، إلى أن وجود مشايخ طرق من خلفيات أزهرية -في إشارة إلى علي جمعة-، سيثري الحالة الطرقية الصوفية، مطالبًا المزيد من مشايخ الصوفية الأزهريين بالانضمام إلى الطرق؛ لإنعاشها وتجديد خطابها.

شارك