«خلوتية الطيب».. طريقة صوفية تُقدم الشرع على الروح
الأحد 26/أغسطس/2018 - 08:43 ص
طباعة
سارة رشاد
كعادة التصوف في مصر لم تنشأ الطريقة «الخلوتية» بنسختها المصرية نشأة محلية؛ إذ يعود أول وجود لها في مصر إلى عام 1717، عندما نزل رَحَّالَة صوفي دمشقي يُدعى مصطفى بن كمال الدين البكري (1688: 1749) إلى مصر، حاملًا معه أفكار طريقته، فخلّف فرعًا جديدًا لـ«الخلوتية».
تُنسب الطريقة الأصلية إلى زاهد صوفي منحدر من إقليم خراسان قُرب أفغانستان اسمه «محمد بن أحمد بن محمد كريم الدين الخلوتي»، حصّل العلم من طريقة صوفية هي السهروردية، ثم انفصل عنها، ويقول في تفسيره للانفصال إنه أخذ طريقته من الرسول الذي ظَهَر له في اليقظة وأخبره بأمر الطريقة؛ فكانت «الخلوتية».
وتعود نشأة الطريقة إلى تركيا؛ حيث ظهرت في عهد الدولة العثمانية (آخر الدول الحاكمة للمسلمين)، ثم انتقلت إلى مصر والأردن وفلسطين، وتُعرف بـ«الخلوتية» للإشارة إلى كثرة اعتناء الطريقة بالخلوة الصوفية، ففيها تقام الدروس وفيها يُربّى المُحبون.
وتختص عن باقي الطرق الصوفية في تقديمها للجانب الشرعي على الروحي، فبينما تهتم الطرق الصوفية عمومًا بالروحانيات التي أوصلت بعضها إلى خرافات، فهي تقوم على فهم الدين بشكل شمولي، ويُقصد به فهم الدين عبر مراتبه الثلاث «الإسلام والإيمان والإحسان».
ورغم اهتمام التصوف بالإحسان على وجه التحديد؛ إذ يروه مساوٍ للتصوف، فـ«الخلوتية» ترى أن الإحسان لا يصح إلا «بتحقيق مرتبتي الإسلام والإيمان أولًا اعتقادًا وقولًا وعملًا».
وتشترط الطريقة، الأخذ بأحد المذاهب الدينية الأربعة المتفق عليها، ولا تستند إلا للقرآن والأحاديث النبوية، كما تعترف بأسلوب «الوارث المربي»، وهو: «الذي لا يكتفي بتعليم مريده أمور دينه بصورة نظرية بحتة، وإنما يأخذ بيده لتطبيق أحكام الشرع بطريقة عملية، يُثني عليه إذا أحسن، وينبهه إذا زلّ، ويتفقده إذا غاب، ويذكّره إذا نسي، ويزكّي قلبه إذا قسا، ويحفزه إذا فتر، قاصدًا بذلك وجه الله تعالى، وبذلك يكتسب المريد الصفات الحميدة، ومعرفة الله، ويداوي عيوب وآفات نفسه».
تحمّل عبء نشأة الطريقة في مصر وانتشارها الشيخ «أحمد الدرديري»، شيخها الأول، وأحد أبرز فقهاء السنة، إذ تولى شأنها في الشمال المصري، حتى وثق في شيخ صعيدي أزهري وسمح له بتولى مهمة نشر الطريقة في جنوب مصر، هذا الشيخ هو جد شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب، المنتمي للطريقة الخلوتية، ويتولى شياختها الآن «محمد الطيب» شقيق فضيلة الإمام الأكبر.
نشر التشيع
رغم المنهج الذي يبدو أنه متزن بالمقارنة بالطرق الصوفية الأخرى، فإن ذلك لم يمنع من وجود انتقادات وُجِّهَت لها، وطالت علاقتها بنشر التشيع.
وفي موقع «أهل القرآن»، للدكتور أحمد صبحي منصور، زعيم القرآنيين (تيار ديني يدعو للأخذ بالقرآن فقط ورفض الأحاديث النبوية)، قال: إن «الطريقة الخلوتية كانت مرحلة تالية على مرحلة أقطاب الصوفية الأوائل المتهمين بنشر التشيع، وقلب نظام الحكم السني في مصر، وهما القطب أبوالحسن الشاذلي، وأحمد البدوي».
وأوضح «صبحي منصور»، أن الفشل الذي لحق مشروع الشاذلي والبدوي -على حدِّ قوله- تسبب في تفريق الطرق الصوفية إلى طرق وفرق كانت منها الطريقة الخلوتية.
انتقادات أخرى وُجِّهَت للطريقة، إذ خلص بعض السلفيين (تيار ديني متشدد) بعد تفتيشهم في كتب الخلوتية، إنها تؤمن بوحدة الوجود، وهو مصطلح يُشار إلى معتقد لدى بعض الصوفية يجعلهم يتخيلون أن رؤية الله في الدنيا أمر وارد، واستدلوا على ذلك بعبارة تُنسب للشيخ الدرديري، قال فيها: «اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وأغرقنا في عين بحر الوحدة السارية في جميع الموجودات، وأذقنا لذة تجلي الذات».
تنتشر الطريقة في تركيا والأردن وفلسطين، إلا أن الانتشار الأوسع لها في مصر، إذ تمثّل في 25 فرعًا، جميعها ينحدرون من الخلوتية الأصلية، وهم: «الشبراوية، والمحمدية، والجنيدية، والسمانية، والضيفية، والعمرانية، والقبيسية، والمغازية، والهراوية الحفنية، والمروانية، والصاوية، والمسلمية، والعلوانية، والدومية، والقصبية، والغنيمية، والقاياتية، والبكرية، والهاشمية، والجودية، والبهوتية، والمصلحية، والسباعية، والحدادية، والدمرداشية».