«الساحة الإندونيسية».. بقعة آسيوية في رحاب الأزهر

الثلاثاء 02/أكتوبر/2018 - 08:53 ص
طباعة «الساحة الإندونيسية».. إسلام محمد
 
على بعد أمتار من الجامع الأزهر، وبين أحضان أزقة القاهرة القديمة، تترنم أصوات أتى أصحابها من وراء البحار، من النصف الآخر من الكرة الأرضية، قطعوا المسافات الطويلة ليستضيئوا بنور الأزهر وينهلوا من فقه علمائه.

فقد أنشأ الطلاب القادمون من إندونيسيا خلف الجامع الأزهر، مركزًا لهم تحت مسمى «الساحة الإندونيسية» يجتمع فيها طلاب، حيث يجلس الشباب في الأمام وتجلس الطالبات في مؤخرة المجلس وفي المقدمة تتراص المقاعد التي يعتليها الأزهريون المصريون الذين يحيون هذه الليالي ويردد الإندونيسيون خلفهم حتى نهاية المجلس.

ويستمر المجلس الأسبوعي عدة ساعات، فبعد صلاة العشاء في الجامع الأزهر يوم الإثنين من كل أسبوع، يتجمع الطلبة الذين تتفاوت أعمارهم فبعضهم يبدأ أولى سنواته بالقاهرة وبعضهم يدرس بدرجات الماجستير والدكتوراه ، فيتجمعون في ما يعرف بـ«الساحة الإندونيسية» لممارسة الطقوس التي تشبه طقوس الطرق الصوفية في مصر.

والساحة هنا عبارة عن قاعة مفروشة بالسجاد يجلس الجميع على الأرض وفي الطابق الأرضي تحت الساحة مباشرة يقع مطعم كبير على النمط الإندونيسي يقدم الأكلات التقليدية التي يحبها سكان الجزر الإندونيسية، وعلى الباب يخلع الطلبة أحذيتهم ليجلسوا أرضًا، وفق الطقوس المعهودة لتناول الطعام التي تربوا عليها.

وينتمي معظم الطلبة الحاضرين إلى جمعية نهضة العلماء في إندونيسيا، تلك الجمعية التي يصل عدد منتسبيها إلى ملايين ينتشرون في جميع المحافظات الإندونيسية مترامية الأطراف، ويتبني الكثير منهم النهج الصوفي، حيث تنتسب إلى الجمعية أكثر من 40 طريقة صوفية، يجمعها مجلس واحد تابع للجمعية.

للمزيد.. رئيس شورى «نهضة العلماء» الإندونيسية لـ«المرجع»: نتعاون مع الأزهر في إرساء الوسطية والتسامح

وعلى وقع قرع الطبول تنطلق حناجر الطلبة مرددة الأناشيد الدينية والأذكار الجماعية، وتتعدد فقرات الليلة الواحدة، فأحيانا يصمت الجميع لينصتوا لقارئ القرآن الكريم، فيما يكتفون هم بالثناء عليه في الفواصل بين الآيات، وأحيانا ينتظمون في ترتيل التواشيح بحماس وإتقان، وأحيانًا يلقى أحد المحاضرين الأزهريين فيهم كلمة باللغة العربية التي يدرسونها جميعًا ويفهمونها.

وعلى الحوائط تتراص صور علماء وقادة الأزهر من المتصوفة فتجد صورة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب في المقدمة تليها صورة علي جمعة مفتي مصر الأسبق، وبجواره صورة الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، وبعدها صور لمشايخ إندونيسيا الذين يقدرونهم، ويعتبرونهم الآباء الروحيين لأتباع جمعية نهضة العلماء.

وبعد انتهاء الجلسة الطويلة يقف الجميع لتحية وتوديع المحاضرين الأزاهرة وينتظم الطلبة في صفين لمصافحتهم وتحيتهم بالطريقة الإندونيسية، حيث يأخذون بأيديهم وينحنون إلى الأمام حتى تكاد رؤوسهم تلامس أيدي الزوار في مشهد يعكس التوقير والتبجيل الشديد والعرفان لهم، كما يفعلون ذلك مع الدعاة والعلماء في بلادهم.

من جانبه قال منصور جيلاني القيادي بجمعية نهضة العلماء إن الطلبة في إندونيسيا يتعلمون في مدارسهم الدينية الأدب والسمت واحترام التقاليد الدينية وتوقير العلماء مبينًا أن هذا المجلس نموذج مصغر لما ينتشر في بلاده ففي كل منطقة ينظم مشايخها حلقات الذكر الجماعي على هذا النمط الذي يفعله الطلبة الإندونيسيون في مصر .

وأضاف في تصريحات لـ«المرجع» أن هناك طقوسًا دينية منتشرة في إندونيسيا تختلف عن نظيرتها في مصر مرتبطة بالعادات المحلية وليس بأصل الدين، فالاحتفال بذكرى الأولياء الصالحين لا يتم في يوم مولدهم مثلًا، فلا تعرف إندونيسيا ظاهرة الموالد بل يتم الاحتفال بهم في يوم وفاتهم على اعتبار أنه اليوم الذي يقدمون فيه على الآخرة ويلقون ربهم، وهكذا تختلف بعض الطقوس لكن يظل أصل الدين واحدًا لا يتغير ولا يتبدل من مكان إلى آخر.

شارك