فراس السواح في معرض الكتاب.. يتحدث عن جوهر الأديان والأساطير المؤسسة لتاريخ مزيف
الإثنين 28/يناير/2019 - 11:39 ص
طباعة
محمود عبدالله تهامي
استضافت القاعة الرئيسية بدورة اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، الندوة الفكرية للمفكر السوري فراس السواح وهو كاتب ومفكر وباحث سوري في المثيولوجيا وتاريخ الأديان. ولد في مدينة حمص في سوريا عام 1941.
يعمل بروفيسوراً في جامعة بكين للدراسات الأجنبية، منذ عام 1976، مختص بدراسة الحضارة العربية وتاريخ الأديان في الشرق الأدنى. نشر 26 كتاباً عن الأساطير، والتاريخ، وتاريخ الأديان، حاوره في اللقاء الدكتور أشرف منصور أستاذ الفلسفة بجامعة الإسكندرية.
وفي بداية حديثه أكد السواح أن أهميته في الكتابة ترجع لسبب تافه وغير مهم وهو قلة الكتاب في هذا المجال، وأرجع السبب إلى أن الكتابة في الميثولوجيا والأديان تسبب لصاحبها مشاكل كثيرة، أشهرها ما حدث للمفكر المصري نصر حامد أبو زيد، فما حدث معه ليس أقل مما حدث من كارثة اليونان "قتل سقراط".
الثابت والمتغير
قال السواح في بداية حديثه: منذ كتابي الأول مغامرة العقل الاولى وأنا أغرد خارج السرب، لأني أنتمي لفكر متمرد لا يقبل الموروث القديم قبل أن يخضعه للعقل أولا، لا يقبل ما تقدمه الجماعة أو ثقافة السرب قبل أن تمر على قواعد العقل، لذلك أمتلك رؤية موضوعية، لأن الخروج عن السرب يضمن لك أن يحتد بصرك، ويضمن لك الرؤية جيدا.
البنية المشتركة بين النصوص الدينية
ويستطرد السواح: قمت بدراسة الأديان منذ تشكل وجود الإنسان على الأرض، فدرست الأديان في العصر الحجري القديم ثم الحديث، وقدمت براهين على وحدة الأديان، أو وحدة التجربة الإنسانية في الدين، ولاحظت التأثير الواضح بين الأساطير التي ورثناها عن الحضارات القديمة ومجموع الأديان، ثم كشف لنا ذلك كيف تأثرت الحضارات ببعضها، الحضارة تأخذ مؤثرها الأول، أو محرضها الأول من حضارة أخرى، ثم تشق الحضارة الجديدة طريقها وحدها منفردة بسماتها، نحن نجد تشابها مثلا في الآلهة القديمة مثل أبلو اليوناني وبعلو السوري ، أيضا نستطيع أن نشير إلى براعة الحضارة السومارية في الكتابة والعمارة، ثم أخذت مصر منها ذلك وأسست لحضارة لا مثيل لها في العالم.
المسيحية بدأت شرقية وانتهت غربية
وحول بدايات المسيحية يقول: نستطيع أن نقول أن المسيحية بدأت شرقية وانتهت غربية، فرغم ظهور المسيح في سورية، ثم ظهور كتبة الأناجيل، جاء بولس الرسول، وهو من أصل يهوي اسمه شاؤل أو بول، وأضاف على مسيحية يسوع الكثير، فهو المؤسس الحقيقي لمسيحية أوربا فهي نتاج فكره وفلسفته ثم دور الآباء من بعده، من هنا خرجت المسيحية من الشرق.
إن الأناجيل كتبت بغير اللغة السورية، ويبدو أن الأناجيل منقولة عن لغة آرامية ربما كانت شفهية، أما ما يخص مخطوطات قمران التي عثر عليها شمال البحر الميت لا تقدم معلومات وثيقة لأنني غير متأكد منها، فنحن لا نعرف من دون تلك المخطوطات؟ والأسباب التي جعلت البعض يخفيها مازالت مجهولة.
الأديان والدوائر الثقافية
وعن علاقة الأديان بالدوائر الثقافية التي نشأت فيها قال: الأديان تنتمي لدوائر ثقافية متشابهة، فالأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام تنتمي لدائرة ثقافية واحدة، ولو أن الإسلام ظهر في الهند لكان مشابها لأديان الهند، ولكان بعيدا جدا عن جزيرة العرب ، مثل ما حدث مع الديانة البوذية التي تأثرت بالهندوسية لأنها من نفس المنطقة والثقافة، فديانة الإسلام كظاهرة ثقافية لابد أن تتشابه مع دائرته الثقافية.
التشابه بين الإسلام واليهودية يقتصر على وجود الشريعة، والمسيح تحدى الشريعة اليهودية، واعتبرها بولس لعنة ويجب أن يتخلص منها فصنع قطيعة مع كنيسة أورشليم ، ولمست وجود ما يقرب من سبعين آية قرآنية تجدها في أقوال يسوع وهو تناص واضح.
والمنظومة الأخلاقية المسيحية موجودة بالكامل في القرآن، فهو يحتوي على منظومة أخلاقية وسلوكية متكاملة لا تفوقها منظومة أخلاقية في العالم.
وأنا أعد القرآن إنجيلا خامسًا، فهو يضم قصصا عن يوحنا المعمدان، ويسوع المسيح، ومريم العذراء، ولكن برواية مختلفة من رؤية إسلامية، والتشابه بين الدينين أكبر ما يكون.
تاريخ مزيف
وعن فكرة زيف التاريخ قال: إن تدمير مملكة أورشليم، ساهم في القضاء على أتباع يسوع، فلم يبق أحد من أتباعه حتى عصر كتابة الأناجيل، إلا قلة من الشيوخ الذين لا يفيدون شيئا، ورسائل بولس أسبق من إنجيل مرقس وكانت ستعد إنجيلا لو أنها احتوت على قصص يسوع، لكنه لم تكن هناك قصص ليسوع، وكتبة الأناجيل اختلقوا تلك القصص ونسجوها من نبوءات التوراة، فمثلا عندما تقول التوراة "مصر مصر دعوت ابني" فإنهم ينسجون له قصصا تجعله يأتي إلى مصر، وعندما يقولن أنه صلب فينسجون حكاية للمسيح على الصليب وهكذا، فكل حياة يسوع مستقاه من التوراة.
تقسيم الأديان
وعن تقسيم الأديان قال: أقسم الأديان إلى كتابية تتكون من عقائد وشرائع ثابتة، لها نبي تلقى الوحي ولاتباعه كتاب يتفاخرون به، هذه الكتب هي التي أسست لمرحة أيديولوجية الأديان، زراديشت نبي وله كتاب وتلقى الوحي من جبريل، واليهودية ثان ديانة لها كتاب، وأصبح لها وجود قوي، جعل من اليهود تلفيق تاريخ كامل عن شعب مزيف اسمه "اسرائيل"، فأنا أقول بجرأة أنه لا يوجد في التاريخ شعب اسمه "اسرائيل" وأن تاريخهم ملفق وغير حقيقي.
النبي من أهم الشخصيات التي ظهرت في التاريخ.. والأمويون زورا سيرته
وعن تزوير الأمويين للتاريخ قال: لقد دخل الأمويون في الإسلام بعد فتح النبي محمد لمكة، وهو بعد قد انتزع منهم سيادة قريش، وأخرجهم من عبادة آلهتهم، فمن هنا أضمروا العداوة له، وعملوا طوال سنين على وضع أحاديث منسوبة للنبي، فلما استقرت بين الناس ، عملوا على تدوينها في القرن الثاني والثالث الهجري.
ساهم الأمويون في تزوير التاريخ، فنحن لا نعرف عن حياة النبي إلا القليل جدا، ومصدره الصحيح هو القرآن الكريم، وأرى أننا لسنا في حاجه إلى قراءة السير المكتوبة، وأسباب النزول، فالسير مزورة، والله لا ينتظر سببًا حتى ينزل آياته، وسؤال: هل نستطيع استعادة سيرة النبي الحقيقة؟ لا أملك إجابة له، ليس لدي تصور عن السير الحقيقة غير المنحولة، فالنبي محمد من أهم الشخصيات الفكرية التي ظهرت في التاريخ.
القرآن واللغة
وقال عن التفاسير واللغة والقرآن: إن كثرة التفاسير الموجودة حول معانى القرآن تدل على أن هناك إشكالية كبيرة في اللغة، فلغة القرآن غير لغة القرن الثاني والثالث الهجري، هناك مفردات في القرآن لم يعرف المفسرون معناها، ومن الجدير دراسة اللغة العبرية والآرامية، فلغة القرآن هي لغة قريش التي ضمت ألفاظا مشتركة بين اللغات.
والقراءات مشكلة، وهي لا تمس الجوهر بقدر ما تمس اللفظ، وأحاديث وردت فيها كثيرا، هناك فترة ثلاث قرون من تطور اللغة العربية مفقودة تماما وهي فترة سبقت الاسلام فلا نملك منقوشات عنهم، وهي فترة غامضة في تطور الخط العربي ومفرداته.
نحن نستحق تفسير القرآن لأننا في عصر المساحة المعرفية فيه أكبر من القرون السابقة، لكننا لا نمتلك جرأة الخروج من الماضي، فإذا استمرت الحياة كما هي عليه الآن، سوف نشهد انقراض الأديان، ولكننا لن نجعلها تنقرض، لأن كل إنسان منا يملك إيمانا حقيقيا يظل محافظا عليه، فأنا مؤمن مثل أي متدين ولكني لا أسمح لأي أحد أن يتحكم في عقلي، من هنا نستطيع أن نسمح للأديان للبقاء.