النص الديني بين السلفية والمعتزلة وابن رشد
السبت 10/أغسطس/2019 - 10:45 ص
طباعة
حسام الحداد
يقدم الكاتب والباحث السوري مصطفى سكري، قراءة حول النص الدينى بين السلفية و المعتزلة وابن رشد في إطار مجموعة المقالات التي يقدمها التجمع العربي للتنوير والذي يضم باحثين وأكاديميين من معظم بلدان الوطن العربي ويؤكد سكري في مقاله أنه بعد أن اعتمد المعتزلة في بداية القرن الثاني الهجري الفلسفة في تأسيس عقائدهم ، ولم يعد المنهج التقليدي النقلي للنص يفي حاجات المسلمين في جدالهم ، أصبح المنهج العقلي الأساس في مذاهب علم الكلام.
وتجدر الإشارة إلى أن عدة تيارات وفرق إسلامية كالجهمية - الذين أخذ عنهم المعتزلة - والخوارج ، والمُرجِئة ، والإباضية ، والقدرية ، لهم قواسم مشتركة في الأفكار العقلية الرافضة للنقل.
عندما بدأ التأصيل للفكر السلفي بدءاً من أبي حنيفة والمالكي والشافعي ثم إبن حنبل الذي أخذ الحديث الضعيف أو المرسل واعتبره أهم من الرأي والقياس الذي اتخذه الشافعي.
ظل الأشاعرة يدافعون عن مقولات إبن حنبل ، ويستخدمون العقل في تثبيت النص ، معتمدين على الأساليب الكلامية كالمنطق و ( القياس) * مستخدمين العقل في عدد من الحالات لتوضيح بعض مسائل العقيدة ، وهذا ما انتقدهم عليه السلفيون.
وعندا اُستُبعِد المعتزلة وتم تكفيرهم بالقياس لا بالنص المباشر الصريح ، برز إتجاه فكري في علم الكلام ، متخذا موقفا وسطا بين الأشاعرة والمعتزلة ، وهو الإتجاه الماتريدي الذي وافق المعتزلة في كثير من المسائل ذات الإتجاه العقلي ووافق الأشاعرة في القياس. وأصبح الأشاعرة والماتريدية هما المكونين الأساسيين لأهل السنة والجماعة.
ثم شهدت الأشعرية تحولا كبيرا في عهد الغزالي الذي خفف قليلا من نزعتها العقلية ، و كَفّر فلاسفة الإسلام المتأثرين بالفلسفة اليونانية ، وأعطى هذا التكفير صفة القطع والإلزام التي للنص المقاس عليه. وقال بوجوب بقاء الفلسفة في المسائل القابلة للقياس والملاحظة فقط.
وقد طبق كل الفقهاء بعد الغزالي القياس - وخاصة إبن تيمية - فتوسعت بذلك دلالة الكفر للغاية ، وأصبح على المسلم أن يصدق كل الأحاديث المنسوبة للرسول وعدم مناقشتها ، وإلا أصبح كافرا.
ألف الغزالي كتاب( تهافت الفلاسفة ) للرد على فلاسفة ذلك العصر ، وخاصة إبن سينا والفارابي. ثم استقر أمره على إعطاء الأشعرية صيغة صوفية.
ثم تغلب على الأشاعرة الجانب الفلسفي على يد فخر الدين الرازي الذي درس الفلسفة اليونانية ، ثم ضم إليها علوم الكلام والأصول والفقه على مذهب الشافعي وطريقته الكلامية المتبعة في منهج الأشعري والغزالي . ولكن بعد ظهور الفيلسوف الشيعي نصر الدين الطوسي ، الذي أعطى لعلم الكلام صيغة فلسفية شبه كاملة ، أصبح بذلك الفكر الأشعري بعيدا عن الخط الأصلي للمدرسة الفلسفية ، وما زال . واستمر التيار السلفي مهيمنا على جميع الآراء والطروحات العقلية ، متهما أصحابها بالكفر والزندقة.
كان إبن تيمية( ٦٦١- ٧٢٨ هج) أكثر المتشددين للسلفية بعد إسقاط الطابع الفلسفي عنها ، حيث اعتبر أن أي تأويل للأحاديث واعتبارها مجازا هو تكذيب للنبي ومن ثمة كفر . وقال : ( إن النبي فسر القرآن كله ، ولم يترك منه جزءا يحتاج إلى بيان أو تفصيل ، إلا بينه أو فصله ، وإن الذين تلقوا ذلك البيان هم الصحابة ومنهم إلى التابعين وتابعيهم) . ورد على ما توصل اليه الرازي في تقديم العقل على النقل في حال تعارضهما ، حيث أكد على الجمع بين العقل والنقل فقال : إن القانون العقلي الوحيد هو التحقق من قول الرسول ، فقوله صدق وعلينا الأخذ به وتنفيذه.
وقد عارض تفسيرات المعتزلة والأشاعرة فيما يتعلق بالإعجاز العلمي للقرآن ، وقال : إن تفسيراتهم لا يعرفها الرسول ، ولا الصحابة ، ولو كان يعرفها ولم يخبر عنها وكتمها فإنه قد كتم الوحي ، ومن كتم علما كتمه الله بلجام من نار يوم القيامة. فالأشياء التي لم يكن الرسول يعلمها عن الإعجاز العلمي فلا يُسمح لأحد بأن يقولها لأنه سيكون متقدما بالمعرفة على الرسول.
ومن أقواله الشهيرة : ( من يخرج عن قول السلف يُستتاب فإن لم يتب يُقتل ) .
لذا فلا زلنا قابعين في الجهالة والتخلف والجمود ، والإيمان بالخرافات ، والتكاسل، وأصبحت قضايانا المصيرية تدور حول الحجاب والنقاب ، وزواج القاصرات ، وختان الإناث ، وعقوبة المرتد وتارك الصلاة. . . الخ .
بعد وفاة الغزالي بأكثر من ستين عاما ، ألف إبن رشد كتابه الشهير( تهافت التهافت ) رد فيه على المسائل التي تناولها الغزالي في تكفيره للفلاسفة ، المتعلقة بالقِدم والخلود والسببية ، وفي الوحدانية والوجود والماهية في الذات الإلهية ، والتنزيه والتجسيم ، وفي روحانية النفس . وهل البعث للنفوس فقط ، أم لها ولأجسادها ؟ .
لقد أكد إبن رشد أن دين الفلاسفة إنما يقوم على الإيمان بوجود الله وعبادته ، وإن مذهب السببية الذي ينقضه الغزالي وينفيه ، إنما هو المذهب الذي يوصل إلى معرفة الله.
كانت آراء إبن رشد عقلانية تنويرية ، تستند إلى البرهان العلمي في تعليل والتجريب ، داعية إلى التأويل بما يخدم التفسير العقلي ،مفرقا بين التأويل الفلسفي للنصوص وبين التفسير الحرفي لها ، وأن التفسير الفلسفي يمكننا من الوصول إلى الحقائق العليا ، وأن العقل الفلسفي هو وحده الحكم ، وهو المفسر دائما.
وتجد الإشارة إلى أن فكر إبن رشد قام عليه فيما بعد عصر التنوير في أوربا ، مستندا الى الرشدية في التحديث واعتماد المنهج التجريبي ، والنقد المنهجي القائم على الشك الديكارتي وإبطال التفسير الميتافيزيقي للحقائق. ولعبت الرشدية دورا محوريا في نشأة الوعي الفلسفي الإنساني بالعصور الحديثة. إن فكر إبن رشد يجب أن يكون الأرضية العقلانية للتنوير العربي الإسلامي.