أحرار باكستان.. وشق الصف الطالباني وتهديد الهند
الأربعاء 05/نوفمبر/2014 - 11:50 م
طباعة
قلق هندي واضح، أثاره إعلان حركة "أحرار" الانفصال عن الجماعة الأم "طالبان الباكستانية"، وحديثها على مواقع التواصل الاجتماعي عن استهداف الهند المسئولة، بحسب بيان الجماعة عن مقتل مئات المسلمين في كشمير، وولاية جوجارات غرب الهند التي قُتل فيها أكثر من ألف شخص أغلبهم من المسلمين، خلال اضطرابات طائفية عام 2002، حين كان مودي رئيسًا لوزراء الولاية.
على الرغم من قوة تنظيم الجماعات الإسلامية المسلّحة، كحركة "طالبان"، فإنّ الصراع على السلطة داخلها والخلافات بين قادتها يؤديان إلى حصول انشقاقات وتأسيس حركات جديدة، وهو ما حدث في الآونة الأخيرة مع حركة "طالبان" ـ باكستان، ما يمكن أن يؤثر على الحرب التي تخوضها ضدّ الجيش الباكستاني في المنطقة القبلية الشمالية الغربية.
"تشكيل جماعة موحّدة (جماعة الأحرار) سيضع حداً لتلك الانقسامات، وستؤمن المظلة لمقاتلي الحركة كي يواصلوا طريقهم"، مع ذلك، فإنّ هذه الانشقاقات وتأسيس حركات جديدة، لا يحملان فكراً جديداً يختلف عن فكر "طالبان"، هو المنهج والهدف نفسه: تطبيق الشريعة الإسلامية وفق منظورها، ولذلك فإنّ أيّ حركة تُنشأ تبقى ناشطة تحت مظلة "طالبان".
وأدّت الخلافات الداخلية في الحركة إلى إعلان قياديين في الحركة الانشقاق، في خطوة هي الثانية من نوعها منذ تأسيس الحركة على يد بيعة الله محسود في2007، وتشكيل جماعة جديدة تحت اسم "جماعة الأحرار"، التي يتزعمها القيادي السابق في "طالبان" قاسم عمر خراساني، ويضم مجلس شورى "جماعة الأحرار" قيادات بارزة في الحركة، وفي مقدّمتها أمير فرع مهمند، خالد خراساني، والمتحدث السابق للحركة، إحسان الله إحسان الله، والقيادي في فرع بيشاور، مفتي مصباح، وقاري شكيل من فرع شارسدة، والمولوي ياسين من فرع سوات، والقيادي قاري إسماعيل، من فرع مقاطعة خيبر. ومعظم هؤلاء كانوا قادة معروفين في الحركة.
وبرّر أمير فرع مهمند في "طالبان" سابقاً وعضو شورى جماعة الأحرار حالياً، خالد خرساني، تشكيل جماعة جديدة بقوله، إنّ حركة "طالبان" كانت معرّضة لمزيد من الانقسامات، لكن تشكيل جماعة موحّدة (جماعة الأحرار) سيضع حداً لتلك الانقسامات، وسيؤمن المظلة لمقاتلي الحركة كي يواصلوا طريقهم.
بدوره، شدّد المتحدث الحالي لـ "جماعة الأحرار" إحسان الله إحسان، على أنّ تشكيل الجماعة الجديدة هو بمثابة إعادة تأسيس الحركة تحت قيادة جديدة تضم فصائل وأفرع الحركة، وقال إن الحركة الجديدة تتعهد بجمع شملها، والحفاظ على التضحيات التي قدّمتها الحركة الأم "طالبان" منذ انطلاقها في 2007.
أما زعيم "جماعة الأحرار" قاسم عمر خراساني، الذي كان يقود سابقاً جماعة "أحرار الهند"، فقد أعلن بوضوح أن الهدف هو تطبيق الشريعة في باكستان والعالم، كما انتقد قيادة "طالبان" في تسجيل مصور له أثناء إعلانه عن تأسيس الجماعة، متهماً إياها بتقديم مصالحها الشخصية على أهداف الحركة، مما أدى إلى تشتيت الأخيرة.
ورأى البعض أن إعلان تشكيل "جماعة الأحرار" انشقاق جديد عن الحركة، مشيرين إلى أنّ الحركة باتت الآن تنقسم إلى ثلاث جماعات رئيسية: "طالبان ـ باكستان"، التي يتزعمها المولوي فضل الله، و"طالبان ـ محسود" التي يتزعمها خالد محسود المعروف في أوساط "طالبان" بسيد خان سجنا، و"جماعة الأحرار". غير أن كثيرين من المراقبين اعتبروا إعلان جماعة الأحرار إعادة تأسيس لحركة "طالبان".
وفي هذا الصدد، رأى أحد القياديين في حزب "الرابطة الإسلامية" الحاكم وعضو البرلمان خورم دستكير، أن "جماعة الأحرار" صورة أصلية لحركة "طالبان ـ باكستان"، التي كانت في أيامها الأولى. وزعم أن تأسيس الجماعة أخطر من الأزمة السياسية التي تشهدها باكستان حالياً إثر الاعتصامات المفتوحة التي تقودها المعارضة لإسقاط حكومة نواز شريف.
كما حذرت السلطات الباكستانية من تدهور الأوضاع الأمنية بعد إعلان تشكيل "جماعة الأحرار"، معتبرةً أنّ تأسيس الجماعة هو بمثابة توحيد صفوف "طالبان" من جديد، بعد خلافات بين فصائل متناحرة، أدّت إلى مقتل عشرات من المقاتلين في شهر يونيو الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن "فرع محسود"، الذي يتزعمه خالد محسود، انفصل عن حركة "طالبان" في شهر يونيو الماضي، وأطلق على جماعته تسمية "طالبان محسود". وكان سبب الانشقاق التفاوض بين الحكومة و"طالبان"؛ فكان "فرع محسود" يصرّ على المضي قدماً في التفاوض مع الحكومة، بينما رفضت الحركة مواصلة عملية الحوار.
مميزات "جماعة الأحرار"
غير أن هناك أموراً تميز "جماعة الأحرار" عن حركة "طالبان" نفسها، وعن "طالبان ـ محسود"، وهي:
أولاً، أنّ معظم قيادات "جماعة الأحرار" ميدانيون، ولهم نفوذ واسع داخل مقاتلي الحركة، وعلى وجه التحديد خالد خراساني وقاري شكيل وإحسان الله إحسان وزعيم الحركة نفسه، قاسم عمر خراساني.
ثانياً، لا تنحصر شعبية ونفوذ قيادات "جماعة الأحرار" في المناطق القبلية، بل لها نفوذ واسع في المدن الباكستانية وحتى في إقليم البنجاب؛ فمعظم أتباع قاسم خراساني كانوا من إقليم البنجاب وهم منفّذو معظم الهجمات ضدّ الحكومة والسلطات الباكستانية في الإقليم، ما يعني أن الجماعة لن تبقى منحصرة بالمناطق القبلية.
ثالثاً، أنّ قيادات الجماعة كانت قد رفضت سابقاً التفاوض مع الحكومة أو الجيش الباكستاني؛ فزعيم الجماعة قاسم خراساني أعلن انشقاقه وتشكيل جماعة "أحرار الهند" قبل ذلك، بعد بدء "طالبان" المفاوضات مع الحكومة الباكستانية. واعتبر في حينه أن الهدف من المفاوضات اغتيال قيادات "طالبان" فحسب؛ السبب نفسه دفع بإحسان الله إحسان إلى الانشقاق في الفترة الأخيرة.
رابعاً، لا يوجد أي نفوذ لقيادات "جماعة الأحرار" في الشطر الثاني من الحدود أي في أفغانستان، وليس لهم أي نشاط هناك بخلاف حركة "طالبان ـ باكستان"، و"طالبان ـ محسود". ما يعني أن تركيز الجماعة سيكون على العمليات داخل باكستان في المرحلة الأولى على الأقل.
خامساً، قيادات "جماعة الأحرار" معروفون بالتشدّد في التعامل مع الحكومة والجيش وكل من ينتسب إليهما. وأخيراً، إنّ قيادات الجماعة تدعو دائماّ إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان وشبه القارة الهندية ثم في العالم أجمع. من هنا يرى مراقبون أن الجماعة قد تتمتع بصلة قوية مع الحركات الجهادية خارج باكستان، كتنظيم "القاعدة" وحركة أوزبكستان الإسلامية وغيرها من الحركات المحلية والعالمية.
ويعتقد المحلل الأمني وخبير الشؤون القبلية، شفاعت خان، أن تشكيل "جماعة الأحرار" هو إعادة تأسيس الحركة، وهي أخطر من أي جماعة مسلّحة أخرى، ويتوقع خان أن تنضم إليها فصائل وأفرع "طالبان" المتبقية.
مخاوف هندية من التنظيم الوليد
وفي الوقت الذي عزز فيه ظهور الحركة المخاوف الهندية من تنامي الجماعات المسلحة على أراضيها، فقد ألقى انفصال أحرار، بظلال سلبية على الحركة الأم التي واجهت طوال الشهور الماضية انشقاقات أخرى أهمها إعلان "حبيب الله حبيب" القيادي السابق بـ "طالبان باكستان" وأتباعه في يوليو الماضي، الولاء لتنظيم "داعش"، أما الانشقاق الأكبر والأهم في صفوف "طالبان- باكستان" وقع في مايو الماضي، عندما أعلن فصيل "طالبان محسود" بقيادة خالد محسود الملقب بـ "خالد سجنا" انفصاله عن حركة "طالبان باكستان".
وكانت مجموعة محسود قد انتقدت في تفكير "طالبان باكستان"، إزاء إدراك خارطة التفاعلات في باكستان والإقليم الآسيوي، وأكدت في بيان لها أن "حركة طالبان باكستان تقتل الأبرياء ومتآمرة مع قوى خارجية على العمل الجهادي".
وكانت جماعة أحرار قد أعلنت مسئوليتها عن الحادث الذي استهدف الحدود الهندية الباكستانية في 3 نوفمبر الجاري، وراح ضحيته نحو 57 باكستانيا، وكتب على مواقع التواصل، إحسان الله إحسان، المتحدث باسم الجماعة في رسالة باللغة الأوردية: "هذا الهجوم رسالة علنية للحكومتين على جانبي الحدود، إن كان يمكننا أن نهاجم على هذا الجانب فنحن قادرون على شن هجوم على الجانب الآخر أيضًا".
وانسلخت جماعة "الأحرار" في أغسطس الماضي بقيادة "قاسم عمر خراساني" عن حركة "طالبان باكستان"، وأعلنت دعمها لتنظيم الدولة الإسلامية، وأكدت على لسان إحسان الله إحسان، القيادي فيها "إن الدولة الإسلامية في العراق والشام تعمل لتنفيذ الشريعة الإسلامية، وإن جماعة الأحرار تؤيدها وتساعدها ما أمكن ذلك".
وكان شهيد الله شهيد، زعيم "طالبان الباكستانية" قد نشر في الرابع من أكتوبر الماضي، رسالة موجهة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" معلنا فيها دعمه لاتجاهاتها وتوجهاتها الجهادية في المنطقة، وقال "نحن يا إخواننا فخورون بكم وبانتصاراتكم. نحن معكم في أفراحكم وأتراحكم". وأضاف: "في هذه الأيام العصيبة ندعوكم للتحلي بالصبر والثبات خاصة الآن وقد تحالف كل أعدائكم عليكم. رجاء نحوا كل خلافاتكم.. جميع المسلمين في أنحاء العالم يتوقعون منكم أشياء عظيمة ... نحن معكم وسوف نزودكم بالمجاهدين وبكل دعم ممكن".
وتبدو هذه الجماعة الأهم والأكثر نفوذًا في المناطق القبلية وحتى المدن الباكستانية وإقليم البنجاب هي الأقرب ذهنيا لمنطق "داعش"، فهي إذ تتشدد في التعامل مع الحكومة والجيش وكل من ينتسب إليهما على غرار "داعش"، فإن قياداتها تدعو دائما إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان وشبه القارة الهندية ثم في العالم أجمع.
لذلك أخذت الهند تحذيرات جماعة "أحرار" على قدر كبير من الجد، فسحبت البحرية الهندية سفينتين حربيتين من ميناء كلكتا بشرق الهند، وذلك عقب تحذيرات أكدتها أجهزة الاستخبارات الهندية عن احتمالات وقوع هجوم إرهابي في المدينة ومينائها. وقد تم تشديد الإجراءات الأمنية في كلكتا، كما تم تعزيز الدوريات في البحر. وتأتي هذه الخطوة الهجوم الانتحاري الذي وقع بالقرب من الحدود الهندية- الباكستانية.
المشهد الحالي
الأرجح أن الهند باتت بؤرة استهداف للجماعات المسلحة، فقد سبق وتوعد أحرار إعلان أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في فيديو مصور مدته 55 دقيقة في أغسطس الماضي، وتم بثه على مواقع الإنترنت، عن إنشاء فرع للقاعدة في شبه الجزيرة الهندية لنصرة المستضعفين من المسلمين في الفلبين وميانمار والهند.
إعلان الظواهري ومن خلفه وعيد أحرار أثار قلق الهند الذي يواجه رئيس وزرائها مودي انتقادات لاذعة، بعد أن غض الطرف عن حوادث مناهضة للمسلمين، ولم يحرك ساكنا. ويعاني المسلمون في الهند وبورما وبنجلاديش اضطهادًا، فعلى سبيل المثال يشكل المسلمون 15 بالمئة من سكان الهند لكن عددهم الذي يقدر بحوالي 175 مليونًا يجعلهم ثالث أكبر شعب مسلم في العالم، وتزايدت التوترات بين المسلمين والهندوس منذ أن انفصلت باكستان بمناطق ذات غالبية مسلمة عن الهند في العام 1947، في عملية تقسيم شابها عنف قتل فيه مئات الآلاف.