تقرير يثبت خامنئي المسؤول الرئيسي حيال الدماء المراقة
الثلاثاء 03/ديسمبر/2019 - 12:57 م
طباعة
في ظل توالي اعترافات المسئولين الحكوميين بنظام الملالي بقتلهم للمتظاهرين اثبت ملالي طهران كونهم يملكون خبرات متتالية في قهر وقتل المحتجين ففي أعقاب تقارير عديدة عن مقتل العشرات من المتظاهرين في مستنقعات معشور، أکد محسن بيرانوند، قائمقام معشور، ورضا بابي، قائد شرطة المدينة، في مقابلة مع التلفزيون الرسمي للجمهورية الإسلامية، أكدا مقتل المتظاهرين في مستنقعات معشور.
وادعى قائمقام معشور، في هذه المقابلة، أن القتلى في مستنقعات معشور كانوا "مسلحين"، مضيفًا أن "حياة الناس كانت ستتعرض للخطر إذا لم تتدخل القوات العسکریة والشرطة".
وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أول أمس الأحد، مقتل نحو 100 شخص من المحتجین الذین لجأوا إلی مستنقعات معشور أثناء الاحتجاجات الأخيرة.وفي هذه المقابلة التلفزيونية، قال محسن بيرانوند: "كانت واردات السلع الرئيسية في خطر أيضًا، وكان عدد الشاحنات التي تنقلها من ميناء الإمام إلى المدن في جميع أنحاء إيران قد وصلت إلی أقل من 400 شاحنة في اليوم".إلى ذلك، أكد بيرانوند أنه نتيجة لذلك، "جاءت القوات الأمنیة والعسکریة، واشتبكت بشدة مع العناصر المسلحة التي وقفت ضد النظام".
وفي الوقت نفسه، قال رضا بابي، قائد شرطة معشور، في المقابلة التي بثها التلفزيون الرسمي لجمهورية إيران الإسلامية، إنه بينما كان يقف بالقرب من المستنقعات المجاورة لبلدة شمران في معشور: "كانت تتخفى في هذه المستنقعات مجموعات من المناهضين، وكانوا يطلقون النار على قوات الأمن، ولكن تم إفشال مؤامرتهم من خلال البراعة واليقظة اللتين تتمتع بهما القوات المسلحة".
وفي وقت سابق، أكدت صحیفة "جوان"، المقربة من الحرس الثوري، ضمنيًا، مقتل المتظاهرين في معشور: "إذا سمعوا (أعداء النظام) أن طريق معشور-جام الذي يربط بين محافظتي خوزستان وبوشهر، تم إغلاقه لمدة أربعة أيام بالوسائل المسلحة يقولون: كلا، بل السلطات هي التي تستهدف المحتجين العزل".وكانت بلدات شمران ورجائي وطالقاني هي المناطق الرئيسية التي شهدت اشتباكات المتظاهرين مع قوات الأمن في معشور.
يذكر أن معشور تقع بالقرب من مجمعات البتروكيماويات الغنية، لكنها من المناطق المحرومة جدًا في محافظة خوزستان.
وفي هذا السياق كتب المحلل السياسي علي إيزدي تقريرا نشره موقع ايران انترناشينوال تعليقًا على الاحتجاجات الواسعة للشعب الإيراني، خلال الأيام الأخيرة، والتي اجتاحت مختلف المدن الإيرانية، قال المرشد الإيراني، علي خامنئي: "ليعلم الجميع، الأصدقاء منهم والأعداء، أننا استطعنا التفوق على العدو في مجال الحرب العسكرية، وتفوقنا عليه في ساحة الحرب السياسية، وفي ساحة الحرب الأمنية أيضًا. إن ما تم، خلال الأيام الأخيرة، هو أحداث أمنية، وليست من أفعال الشعب. إننا وبفضل الله تعالى سنتفوق على العدو في مجال الحرب الاقتصادية أيضًا".
تأتي مزاعم خامنئي في الانتصار على العدو الوهمي في الحرب الأمنية المخطط لها مسبقًا، في وقت أشرفت فيه احتجاجات الشعب الإيراني على نهايتها، وهي ليست سوى ردة فعل حقيقية على الارتفاع المفاجئ لأسعار البنزين، بنسبة 200 في المائة، ويأتي إضفاء مرشد الجمهورية الإسلامية طابعًا أمنيًا على احتجاجات الشعب هذه، بينما تشير الإحصائيات الرسمية للحكومة إلى أن "هناك حتى الآن 18 مليون أسرة يتلقون الدعم الحكومي، أي 60 مليون مواطن، وهو ما يشكل 73 في المائة من عدد السكان في إيران".
وقال علي إيزدي في تقريره تؤكد إحصائيات مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني الصادرة عام 2018على أنه وفقًا لمؤشر الفقر الذي تم تحديده بـ3 ملايين و400 ألف تومان، فإن ما يقرب من 55 في المائة من الأسر الإيرانية تعيش منذ عام 2016 تحت خط الفقر، ونحو 17 في المائة من إجمالي السكان يعيشون تحت خط الفقر المطلق.
وإذا ما أخذنا الآن آثار التضخم إبان المرحلة الجديدة للعقوبات الأميركية الشاملة في الاعتبار، التي بدأت مع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي قبل عام ونصف العام، فسوف نجد الشعب يعيش تحت ضغوط هائلة، حتى قبل ارتفاع أسعار البنزين، وأن هذه الزيادة في أسعار البنزين كانت بمثابة شرارة لإشعال الغضب الكامن تحت الرماد.
الحركة الخضراء
وقال الباحث رغم أن الحركة الخضراء عام 2009م، قد أثرت حتى الآن على كافة احتجاجات الشارع، نظرًا لزيادة حملة الاعتقالات الواسعة التي استهدفت قادتها، وانتشار أصدائها على الصعيد الدولي، فلن يغيب عن وعينا أن تلك الحركة الشعبية الواسعة قد تشعبت جذورها في المطالب المدنية أو الحياة المعيشية للشعب. فخلال الثلاثين عامًا التي مرت على حكم المرشد خامنئي باعتباره "الولي الفقيه" المطلق، شهد المجتمع الإيراني ظهور 7 حركات احتجاجية، آلت جميها لنهايات دامية.
كانت أولى هذه الحركات في شهر يونيو من عام 1992م في مدينة مشهد، وكانت باكورة الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية الواسعة بعد ثورة عام 1979م، تلك التي اندلعت بمظاهرات سكان الضواحي في منطقة "كوي طلاب"، احتجاجًا على تدمير منازلهم.
وقد بلغ عدد المشاركين في هذه المظاهرات عشرات الآلاف من المواطنين، وأطلقت خلالها شعارات ضد المسؤولين الإيرانيين. وتم فيها الهجوم على المراكز الحكومية. وقد قُتل في هذه الأحداث اثنان من التلاميذ، فحمل الناس جثثهم متجهين إلى وسط المدينة، واستولوا على نقطة تفتيش، وسيطروا على محكمة قضائية هناك، إلا أن هذه المظاهرات خمدت وتيرتها باعتقال 800 شخص.
الحركة الشعبية
أما الحركة الشعبية الثانية، فكانت حركة طلابية، وكانت قائمة على مطالب مدنية، خلافًا لسابقتها. وحدثت في صيف عام 1999 أي بعد سبع سنوات من الحركة الأولى، وجاءت بعد عامين من تولي محمد خاتمي السلطة، احتجاجًا على حجب صحيفة "سلام"، وتغيير قانون الصحافة. وقد قتل 7 أشخاص في الفترة من 6 إلى 9 يوليو أثناء مداهمة ليلية على السكن الجامعي لطلاب جامعة طهران، وتم قمع تلك الاحتجاجات المدنية بالكامل بعد اعتقال 200 شخص.
الاحتجاجات الشعبية الثالثة اندلعت بعد أربع سنوات من احتجاجات طلاب جامعة طهران المذكورة أعلاه، واندلعت تزامنًا مع الذكرى السنوية لأحداث 9 يوليو أي في صيف 2003م. وكانت خلال العام الثاني من فترة ولاية خاتمي الثانية، وقد أضرم فتيل هذه المظاهرات الحكم بالإعدام ضد هاشم أقاجري من قبل المحكمة الابتدائية. إلا أن النظام أخمد تلك الاحتجاجات في مهدها، حين سيطر على الأمور بشكل متسارع، وتم تعديل عقوبة أقاجري.
وبعد مضي ست سنوات، شهد النظام رابع حركة مدنية بحتة، وتعد أكبر حركة شعبية حتى ذلك الحين، اندلعت احتجاجًا على التزوير الواسع في الانتخابات الرئاسية العاشرة لعام 2009م. ففي الوقت الذي وصف فيه خامنئي قادة هذه الحركة برؤوس الفتنة، فإن معظم وسائل الإعلام الدولية سمت تلك الحركة الشعبية الواسعة، بالثورة الخضراء في إيران.
أما الحراك الشعبي الخامس الذي كان يرتكز على المطالب المعيشية، فقد اندلع في مدينة مشهد عام 2017م، وكأن عام 1992م يعيد نفسه مجددًا. لقد كانت حركة ديسمبر 2017م حراكاً عفويًا، لكنه اتسم بطابع جديد.
الجديد في هذا الحراك يمكن وصفه بأنه انتقال المحتجين من الجمهورية الإسلامية إلى نظام كان قد أحدث ثورة قبل أربعة عقود سابقة (عام 1979م) للإطاحة به. كان المتظاهرون يرددون شعارات ذات طابع جديد، منها: "رضا شاه، لتسعد روحك". وبعد مقتل 25 شخصًا، واعتقال 5 آلاف آخرين، تم إخماد هذه الاحتجاجات أيضًا.
وبعد مرور أقل من عام واحد، شهدت الجمهورية الإسلامية موجة احتجاجات شعبية سادسة متفرقة خلال شهر يوليو عام 2018م. جاءت هذه المرة نتيجة لسوء الأحوال المعيشية بعد انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي.
لقد كان ارتفاع أسعار الذهب والفضة بشكل ملحوظ، وانهيار الريال الإيراني أمام العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو، سببًا لمظاهرات متفرقة في أكثر من 15 مدينة، بما فيها العاصمة طهران، إلا أن هذه الاحتجاجات سرعان ما قضي عليها في مهدها؛ نتيجة تدخل القوات الأمنية، واعتقال بعض المشاركين فيها.
أما الاحتجاجات الأخيرة التي عمّت معظم المدن الإيرانية، فقد اندلعت منذ 16 نوفمبر 2019 الحالي، احتجاجًا على رفع أسعار البنزين، وهي الموجة السابعة ضمن سلسلة موجات الاحتجاجات الشعبية. ورغم أن طبيعتها معيشية، إلا أن الانفجار الشعبي العفوي، قد أظهر أن الكوارث الاقتصادية كانت وحدها سببًا لأن يعبر الشعب عن حقده الدفين تجاه قمع نظام ولاية الفقيه وكراهيته له.
ورغم أن هؤلاء المحتجين يدركون فداحة القمع من قبل الحكومة ضد أقل احتجاج في الشوارع، فقد استمرت المظاهرات الواسعة في أكثر من 100 مدينة وسط خسائر هائلة في الأرواح.
"الحرب الأمنية"،
في سياق النفاق والتملق لخامنئي، وتأييدًا لتبرير المرشد في أن الاحتجاجات الشعبية هي "الحرب الأمنية"، ادعى حسام الدين آشنا، مستشار حسن روحاني في تغريدته على "تويتر"، قائلاً: "ظنوا أنهم قد بدأوا عمليات فروغ جاودان-2، لكن الآن أدركوا جيدًا أن عمليات مرصاد-2 كانت قد بدأت بالفعل".
وباعتباره مستشارًا لروحاني، يقارن حسام الدين آشنا بين الحركات الشعبية العفوية التي أصبحت ضحية نظام خامنئي وعملية مجاهدي خلق عام 1988، وقد كانت قوات هذه المنظمة (مجاهدي خلق) ملتحقة رسميًا بجيش صدام حسين، وهاجمت الأراضي الإيرانية آنذاك. لكن ما يثير القلق في هذا التشبيه هو رائحة التهديد الذي يزكم أنوف الشعب؛ إنه تهديد على شيء يشبه انتقام الحكومة في أعقاب تلك العملية، تلك التي خلّفت وراءها قتلا جماعيًا للسجناء السياسيين في صيف عام 1988م.
وقال الرئيس الإيراني أيضًا، في وقت سابق: "لقد بات من الواضح عدد الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع، كان بينهم عدد ضئيل من المخربين، إنهم كانوا يعملون بشكل منتظم ومنسق وكانوا مسلحين أيضًا.. كانوا ينفذون أجندتهم وفق برنامج مخطط له بالكامل من قبل الرجعيين الإقليميين والصهاينة والأميركيين".
كانت تصريحات روحاني بمثابة تبرير واضح لقمع الاحتجاجات الشعبية، وأثبتت تصريحاته أكثر من ذي قبل عدم مصداقيته فيما كان يردده أثناء المنافسات الانتخابية عام 2013م، لقد ادعى آنذاك قائلاً: "أنا لست عقيدًا، أنا رجل قانون، لا أفكر أو أتصرف كما يفكرون ويتصرفون في المعسكرات".
عندما يبالغ رئيس الجمهورية إلى هذا الحد في كلامه، ويهدد مستشاره الشعب بتداعيات عملية مرصاد-2، فما الذي يمكن أن تتوقعه من مرشد ديكتاتور مثل خامنئي، وصحيفته الخادمة "كيهان" التي تصف الشعب المنكوب بـ"أوباش مأجورين".
أما أكثر الرسائل وضوحًا وتأثيرًا في وصف سلطة الولي الفقيه القمعية، فهي تصريحات أبو الفضل قدياني في بيانه الأخير: "خامنئي هو المسؤول الرئيسي حيال الدماء المراقة، وعليه أن يستجيب".