بعد رعايتها لاتفاق الرياض وطهران "بكين " تحت منظار مراكز الابحاث الامريكية
الثلاثاء 21/مارس/2023 - 12:24 م
طباعة
روبير الفارس
توسط الصين في الاتفاق بين السعودية وإيران مازال يثير الجدل بين مقدر ومعظم دورها ومستهين بذلك مؤكدا أن ذلك لا يشير إلى قيام نظام جديد بزعامة بكين في الشرق الأوسط. بل يري البعض ان تدخل بكين يمكن أن يجعل التوترات الإقليمية أكثر سوءاً.
وفي تقرير نشره معهد واشنطن اشترك في كتابته "هنري روم "الباحث المتخصص في العقوبات على إيران والقضايا الاقتصادية والنووية.
و الباحث "جرانت روملي" المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية في الشرق الأوسط.
جاء ان الاتفاق الذي أبرمته طهران والرياض في الأسبوع الماضي لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما لم يشكل "اتفاقية سلام"، بل قراراً صدر عن الخصمين لتهدئة التوترات وإعادة فتح السفارات بعد مرور سبع سنوات على انقطاع العلاقات. إلا أن واشنطن تخوّفت بالدرجة الأولى من دور الصين في تسهيل الاتفاق، مما دفع بالبعض إلى الإعلان عن بداية "عهد جيوسياسي جديد" والتأكيد أن الاتفاق فاق "كل ما تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه في المنطقة منذ تولّي بايدن منصبه".
ولكن ثمة أسباب كثيرة تدعو إلى الشك في أن الاتفاق يشير إلى براعة دبلوماسية صينية جديدة أو إلى تغير النظام في المنطقة. على سبيل المثال، تلعب بكين دوراً في المجال الدبلوماسي في الشرق الأوسط منذ سنوات، ومؤخراً عبر الرحلة التي قام بها الرئيس شي جين بينغ في ديسمبر لترؤس القمم الإقليمية في المملكة العربية السعودية، إلّا أن جهوده لم تثمر عما يستحق الذكر.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتضح بعد مدى أهمية دور بكين في المفاوضات الإيرانية السعودية. فمنذ سنوات يجري الطرفان محادثات غير رسمية (عبر قنوات خلفية) على أمل تهدئة التوترات، وقد جرت الجولات السابقة برعاية العراق وسلطنة عُمان. ووُضعت هذه المحادثات جانباً مع تغيير الحكومة في العراق واندلاع الاحتجاجات في إيران العام الماضي.
وفي هذا السياق، تشير التقارير حول الاتفاق الجديد إلى أن كلا الجانبين كانا قادرين على التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا المهمة، نظرياً على الأقل. ويبدو أن الرياض وافقت على التخفيف من حدة حملتها الإعلامية عبر قناة "إيران إنترناشيونال" الكائنة في لندن والممولة من السعوديين، وهي التي وصفتها طهران بالمحرض الأول المناهض للنظام خلال حركة الاحتجاج الأخيرة. وفي المقابل، أفادت بعض التقارير أن إيران وافقت على تشجيع حلفائها الحوثيين في اليمن على الأبقاء على الهدنة الحالية المستمرة منذ عام. ومنذ بداية تلك الحرب في عام 2015 أنفقت السعودية ملايين الدولارات للدفاع عن أراضيها ضد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة، والتي غالباً ما استهدفت مواقع مدنية رئيسية. باختصار، كان لدى الرياض وطهران أساساً حوافز قوية لاتخاذ بضع خطوات دبلوماسية أولية على الأقل لتعزيز استقرارهما الداخلي، لذا فإن إبرام هذا الاتفاق ليس بمثابة أنجاز بارز جداً لبكين.
وثمة مسألة أخرى مطروحة وهي ما إذا كان سيتم تنفيذ الاتفاق بالكامل، وما إذا كانت بكين تنوي مساءلة كل جانب. ورفقاً لـ البيان الثلاثي الصادر في 10 مارس، اتفقت إيران والسعودية على "استئناف العلاقات الدبلوماسية" وإعادة فتح سفارتيهما في غضون شهرين. كما أكدتا "احترامهما لسيادة الدول... وعدم التدخل في الشؤون الداخلية"، فضلاً عن اعتزامهما تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001 واتفاق عام 1998 الذي يتناول التعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي
إلا أن اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001 غامضة - على الرغم من أنها تتضمن لغة عامة تشجع على تبادل المعلومات والتدريب المشترك لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب المخدرات، إلا أنها لا توفر مساراً محدداً نحو بدء مثل هذا التعاون. بالإضافة إلى ذلك، يوضّح البيان الثلاثي بشكل جاد أن دور الصين اقتصر على "استضافة المحادثات ورعايتها"، ومن الممكن أن تستضيف قمة إقليمية أخرى في وقت لاحق من هذا العام. ولم يلمّح البيان بأي شكل على أنها تعتزم تأدية دور الضامن للاتفاقية أو إبقاءها على المسار الصحيح.
وبالفعل، تبدو مخاطر الخروج عن المسار عالية نظراً لانعدام الثقة بين الرياض وطهران. وقد يؤدي تجدد الاحتجاجات في إيران إلى اندلاع موجة جديدة من غضب النظام تجاه السعودية، سواء شاركت الرياض وحلفاؤها في إثارة الاضطرابات أم لا. وعلى الرغم من أن الحوثيين متحالفون بشكل وثيق مع طهران ويعتمدون على أسلحتها وأموالها وتدريبها، إلا أنهم قد يواصلون عمليات القصف على السعودية لأسبابهم الخاصة، مما يهدد وقف إطلاق النار الهش. وبالمثل، من الممكن أن تقرر شبكة وكلاء إيران في العراق وسوريا مهاجمة الشركاء السعوديين أو المملكة ذاتها، مما يقوّض دعم الرياض الداخلي للتسوية.
وقد يؤدي الاتفاق إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً التي تسعى بكين على الأرجح إلى تهدئتها. وعلى وجه الخصوص، قد ترى إيران في الاتفاق تأييداً ضمنياً لسياستها النووية الحالية والتي جمعت بين التعنت السياسي والتطورات التقنية غير المسبوقة. وإذا قررت طهران مضاعفة الجهود في استراتيجيتها النووية نتيجة لذلك، فإنها ستزيد من قلق المسؤولين الغربيين والعرب والإسرائيليين. بعبارة أخرى، على الرغم من أن الاتفاق قد يخفف من حدة التوترات بين إيران والسعودية، إلّا أنه قد يؤدي في الوقت نفسه إلى تفاقم التوترات بين طهران والجهات الفاعلة الأخرى، ما قد يزيد من احتمال حدوث تصعيد عسكري.
واكد التقرير في ختامه انه على واشنطن التيّقظ بشأن ما تعنيه وساطة بكين - وما لا تعنيه. ومن المرجح أن تواصل الصين زيادة استثماراتها في الشرق الأوسط؛ فهي في النهاية القوة الاقتصادية المهيمنة في المنطقة وقد سعت منذ فترة طويلة للمواءمة بين مكانتها الدبلوماسية وتأثيرها الاقتصادي الكبير. وحتى الآن، لم تتأثر سمعتها الدبلوماسية في المنطقة بما يجري على أرض الواقع. وفي النهاية، لا شكّ في أن إقناع إيران والسعودية بالموافقة علناً على اتفاق لخفض التصعيد يشكل فوزاً. لكن في واقع الأمر، يُعد إلزامهما بالاتفاقية على المدى الطويل تحدياً مختلفاً تماماً، حيث سيكشف الكثير عن تأثير الصين الحقيقي.
الصين والعمل الدبلوماسي
وفي تقرير نشره معهد واشنطن اشترك في كتابته "هنري روم "الباحث المتخصص في العقوبات على إيران والقضايا الاقتصادية والنووية.
و الباحث "جرانت روملي" المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية في الشرق الأوسط.
جاء ان الاتفاق الذي أبرمته طهران والرياض في الأسبوع الماضي لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما لم يشكل "اتفاقية سلام"، بل قراراً صدر عن الخصمين لتهدئة التوترات وإعادة فتح السفارات بعد مرور سبع سنوات على انقطاع العلاقات. إلا أن واشنطن تخوّفت بالدرجة الأولى من دور الصين في تسهيل الاتفاق، مما دفع بالبعض إلى الإعلان عن بداية "عهد جيوسياسي جديد" والتأكيد أن الاتفاق فاق "كل ما تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه في المنطقة منذ تولّي بايدن منصبه".
ولكن ثمة أسباب كثيرة تدعو إلى الشك في أن الاتفاق يشير إلى براعة دبلوماسية صينية جديدة أو إلى تغير النظام في المنطقة. على سبيل المثال، تلعب بكين دوراً في المجال الدبلوماسي في الشرق الأوسط منذ سنوات، ومؤخراً عبر الرحلة التي قام بها الرئيس شي جين بينغ في ديسمبر لترؤس القمم الإقليمية في المملكة العربية السعودية، إلّا أن جهوده لم تثمر عما يستحق الذكر.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتضح بعد مدى أهمية دور بكين في المفاوضات الإيرانية السعودية. فمنذ سنوات يجري الطرفان محادثات غير رسمية (عبر قنوات خلفية) على أمل تهدئة التوترات، وقد جرت الجولات السابقة برعاية العراق وسلطنة عُمان. ووُضعت هذه المحادثات جانباً مع تغيير الحكومة في العراق واندلاع الاحتجاجات في إيران العام الماضي.
وفي هذا السياق، تشير التقارير حول الاتفاق الجديد إلى أن كلا الجانبين كانا قادرين على التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا المهمة، نظرياً على الأقل. ويبدو أن الرياض وافقت على التخفيف من حدة حملتها الإعلامية عبر قناة "إيران إنترناشيونال" الكائنة في لندن والممولة من السعوديين، وهي التي وصفتها طهران بالمحرض الأول المناهض للنظام خلال حركة الاحتجاج الأخيرة. وفي المقابل، أفادت بعض التقارير أن إيران وافقت على تشجيع حلفائها الحوثيين في اليمن على الأبقاء على الهدنة الحالية المستمرة منذ عام. ومنذ بداية تلك الحرب في عام 2015 أنفقت السعودية ملايين الدولارات للدفاع عن أراضيها ضد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة، والتي غالباً ما استهدفت مواقع مدنية رئيسية. باختصار، كان لدى الرياض وطهران أساساً حوافز قوية لاتخاذ بضع خطوات دبلوماسية أولية على الأقل لتعزيز استقرارهما الداخلي، لذا فإن إبرام هذا الاتفاق ليس بمثابة أنجاز بارز جداً لبكين.
وثمة مسألة أخرى مطروحة وهي ما إذا كان سيتم تنفيذ الاتفاق بالكامل، وما إذا كانت بكين تنوي مساءلة كل جانب. ورفقاً لـ البيان الثلاثي الصادر في 10 مارس، اتفقت إيران والسعودية على "استئناف العلاقات الدبلوماسية" وإعادة فتح سفارتيهما في غضون شهرين. كما أكدتا "احترامهما لسيادة الدول... وعدم التدخل في الشؤون الداخلية"، فضلاً عن اعتزامهما تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001 واتفاق عام 1998 الذي يتناول التعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي
إلا أن اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001 غامضة - على الرغم من أنها تتضمن لغة عامة تشجع على تبادل المعلومات والتدريب المشترك لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب المخدرات، إلا أنها لا توفر مساراً محدداً نحو بدء مثل هذا التعاون. بالإضافة إلى ذلك، يوضّح البيان الثلاثي بشكل جاد أن دور الصين اقتصر على "استضافة المحادثات ورعايتها"، ومن الممكن أن تستضيف قمة إقليمية أخرى في وقت لاحق من هذا العام. ولم يلمّح البيان بأي شكل على أنها تعتزم تأدية دور الضامن للاتفاقية أو إبقاءها على المسار الصحيح.
وبالفعل، تبدو مخاطر الخروج عن المسار عالية نظراً لانعدام الثقة بين الرياض وطهران. وقد يؤدي تجدد الاحتجاجات في إيران إلى اندلاع موجة جديدة من غضب النظام تجاه السعودية، سواء شاركت الرياض وحلفاؤها في إثارة الاضطرابات أم لا. وعلى الرغم من أن الحوثيين متحالفون بشكل وثيق مع طهران ويعتمدون على أسلحتها وأموالها وتدريبها، إلا أنهم قد يواصلون عمليات القصف على السعودية لأسبابهم الخاصة، مما يهدد وقف إطلاق النار الهش. وبالمثل، من الممكن أن تقرر شبكة وكلاء إيران في العراق وسوريا مهاجمة الشركاء السعوديين أو المملكة ذاتها، مما يقوّض دعم الرياض الداخلي للتسوية.
وقد يؤدي الاتفاق إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً التي تسعى بكين على الأرجح إلى تهدئتها. وعلى وجه الخصوص، قد ترى إيران في الاتفاق تأييداً ضمنياً لسياستها النووية الحالية والتي جمعت بين التعنت السياسي والتطورات التقنية غير المسبوقة. وإذا قررت طهران مضاعفة الجهود في استراتيجيتها النووية نتيجة لذلك، فإنها ستزيد من قلق المسؤولين الغربيين والعرب والإسرائيليين. بعبارة أخرى، على الرغم من أن الاتفاق قد يخفف من حدة التوترات بين إيران والسعودية، إلّا أنه قد يؤدي في الوقت نفسه إلى تفاقم التوترات بين طهران والجهات الفاعلة الأخرى، ما قد يزيد من احتمال حدوث تصعيد عسكري.
واكد التقرير في ختامه انه على واشنطن التيّقظ بشأن ما تعنيه وساطة بكين - وما لا تعنيه. ومن المرجح أن تواصل الصين زيادة استثماراتها في الشرق الأوسط؛ فهي في النهاية القوة الاقتصادية المهيمنة في المنطقة وقد سعت منذ فترة طويلة للمواءمة بين مكانتها الدبلوماسية وتأثيرها الاقتصادي الكبير. وحتى الآن، لم تتأثر سمعتها الدبلوماسية في المنطقة بما يجري على أرض الواقع. وفي النهاية، لا شكّ في أن إقناع إيران والسعودية بالموافقة علناً على اتفاق لخفض التصعيد يشكل فوزاً. لكن في واقع الأمر، يُعد إلزامهما بالاتفاقية على المدى الطويل تحدياً مختلفاً تماماً، حيث سيكشف الكثير عن تأثير الصين الحقيقي.
الصين والعمل الدبلوماسي
وفي سياق متصل رصدت مديرة أبحاث في معهد واشنطن "كارول سيلبر "سجل الصين على الصعيد الدبلوماسي في الشرق الأوسط
وجاء في التقرير استجابت بكين للنزاعات الإقليمية عبر مجموعة من المنتديات المتعددة الأطراف وخطط السلام والمبعوثين، لكن من دون تقديم الالتزامات الأعمق والمتابعة المطلوبة لحلها.
في ضوء إعلان الصين أنها توسطت للتوصل إلى اتفاق غير متوقع بين إيران والمملكة العربية السعودية، يغدو تاريخ البلاد في التخفيف من حدة النزاعات الإقليمية أمراً جديراً بالدراسة. وقد استضافت بكين بانتظام مؤتمرات قمة وأرسلت مبعوثين لمعالجة التوترات في الشرق الأوسط، لكن هذه المبادرات نادراً ما أسفرت عن نتائج ملموسة.
منتديات متعددة الأطراف
تعاملت الصين بانتظام مع دول المنطقة من خلال آليتَيْن: "منتدى التعاون الصيني الأفريقي"، الذي اجتمع كل ثلاث سنوات منذ إقامته في عام 2000 ويضم جميع دول شمال إفريقيا، و"منتدى التعاون الصيني العربي"، الذي اجتمع كل عامين منذ إقامته في عام 2004 ويضم جميع دول "جامعة الدول العربية". وقد ركّز "منتدى التعاون الصيني العربي" بصورة أكثر على النزاعات الإقليمية، ولا سيما السلام العربي الإسرائيلي، على الرغم من أن المناقشات شملت أيضاً صراعات في العراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن.
بالإضافة إلى ذلك، أُشيد باجتماعٍ عُقد في ديسمبر بصفته "القمة الصينية العربية" الأولى، ولكن المراقبين خلصوا إلى أنه كان تجمعاً روتينياً أُعيدت تسميته وليس مناسبة جديدة. ولم يُعقَد اجتماع "منتدى التعاون الصيني العربي" الذي كان من المقرر عقده العام الماضي، بينما خدمت هذه القمة الغاية نفسها إلى حدٍ كبير.
ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية لبكين من خلال هذين المنتديين في عرض معاييرها السياسية على الدول الإقليمية. ففي كلٍ من "منتدى التعاون الصيني الأفريقي" و"منتدى التعاون الصيني العربي"، شددت الصين مراراً وتكراراً على "المبادئ الخمسة للتعايش السلمي" و"التعاون بين بلدان الجنوب". كما استغلت هذه التجمعات ومؤتمرات القمة الثلاثة التي عُقِدت بشكل متزامن في كانون الأول/ديسمبر الماضي من أجل تعزيز دعم سياسات محددة داخل الصين وخارجها - وبالتحديد، تعاملها مع الأويغور في شينجيانغ، وموقفها من تايوان، و"مبادرة الحزام والطريق".
الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية
خلال "مؤتمر مدريد" عام 1991، طرحت الصين اقتراحاً من خمس نقاط بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنها لم تُشارك في المحادثات. ومنذ ذلك الحين، أصدرت نسخاً متعددة من هذا الاقتراح، خاصةً بعد جولات من التوتر المتصاعد، وهي: اقتراح من خمس نقاط في مايو 2003، وخطة من أربع نقاط في مايو 2013، واقتراح من خمس نقاط في أغسطس 2014، وخطة من أربع نقاط في آأغسطس 2017، وخطة أخرى من أربع نقاط في مايو 2021. وكان جوهر كل اقتراح مماثلاً: التوصل إلى حل الدولتين بحدود عام 1967 تكون فيه القدس الشرقية عاصمة فلسطين، وإنهاء التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، والضغط من أجل بذل جهود دولية تسهل السلام والتعاون بين الجانبين.
ومنذ عام 2002، أوفدت بكين "مبعوثاً خاصاً لقضية الشرق الأوسط" للتركيز على الشؤون العربية الإسرائيلية. والمبعوث الحالي، تشاي جون، هو الخامس في هذا المنصب. كما استضافت الصين "ندوة السلام الفلسطينية الإسرائيلية" أربع مرات بين عامَي 2006 و 2021. وفي الندوة الأخيرة، دعا وزير الخارجية السابق وانغ يي الإسرائيليين والفلسطينيين إلى إجراء محادثات مباشرة في الصين. وجاء ذلك في أعقاب الإعلان في "منتدى التعاون الصيني العربي" عام 2018 الذي قال فيه الرئيس شي جين بينغ أن الصين تخطط لعقد مؤتمر دولي حول فلسطين.
وعلى الرغم من هذه التعبيرات المتكررة عن الدعم، لم تتخذ بكين خطوات ملموسة لدفع عملية السلام. ففي عام 2013، على سبيل المثال، أعربت عن موافقتها الضمنية عندما حاول وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري استئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، ولكنها لم تُقدّم منصة بديلة عندما انهارت هذه المحادثات في النهاية. وفي عام 2017، عندما اندلعت التوترات في أعقاب قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، استضافت الصين وفداً من ممثلين إسرائيليين وفلسطينيين. وكانت النتيجة قراراً دعا إلى اتفاقية حل الدولتين، ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وتجميد بناء المستوطنات أو توسيعها، والاعتراف بدور الصين في تعزيز الجهود الدولية التي تدفع محادثات السلام. ومع ذلك، كان القرار غير ملزم، وكان الوفدان غير مستعديْن حتى لعقد مؤتمر صحفي مشترك عند اختتام المحادثات.
الدبلوماسية تجاه سوريا
اتبعت الصين نهجاً مشابهاً إزاء الحرب الأهلية السورية. فبعد دعم "الجامعة العربية" وخطة السلام للأمم المتحدة المكونة من ست نقاط، أصدرت بكين اقتراحها الخاص المكون من أربع نقاط في عام 2012، وخطةً من "خمسة مبادئ" في عام 2014، وخطةً من أربع نقاط في عام 2021. ودعت كل وثيقة إلى احترام السيادة السورية وسلامة أراضي البلاد، وتسريع إعادة الإعمار، ومحاربة الإرهاب، ودعم الانتقال السياسي الشامل أو حل النزاع. كما عيّنت بكين "مبعوثاً خاصاً لسوريا" - شي شياويان، الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2016.
ليس لدى الصين الكثير لتظهره مقابل هذه المبادرات، على الرغم من أن تركيزها على "عدم التدخل" في السنوات الأولى من الحرب أدى إلى تفاقم التوترات بين أعضاء "منتدى التعاون الصيني العربي". واعترضت العديد من الحكومات العربية على تأكيدات بكين بأن قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا تنتهك مبادئ السيادة ووحدة الأراضي.
الدبلوماسية تجاه دول الخليج
عندما تصاعدت التوترات بين قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في عام 2017، اتخذت الصين عدداً من الخطوات. فقد أرسلت دبلوماسياً لزيارة دول الخليج لمدة ثلاثة أيام، ودعا وزير خارجيتها إلى قيام حوار بين هذه الدول، واستقبلت وفدَين رفيعَي المستوى من المنطقة. ولكن على الرغم من هذا التواصل، قطعت العديد من دول المنطقة علاقاتها مع قطر على أي حال، واستأنفت بكين ببساطة علاقاتها القائمة مع جميع الأطراف.
في هذا الوقت تقريباً، بدأت الصين تُعبّر أيضاً عن اهتمام أكبر بتهدئة التوترات الإقليمية، بما فيها تلك القائمة مع إيران. ففي عام 2016، ذكرت إحدى وثائق السياسات الحكومية أن بكين "تدعم الدول العربية والإقليمية في جهودها لبناء آلية أمنية للتعاون الجماعي الإقليمي الشامل والمشترك"، لكنها لم تذكر عملية تقودها الصين لتسهيل تلك الجهود. وفي عام 2018، ذهب وزير الخارجية السابق وانغ إلى أبعد من ذلك عندما أشار إلى أن بكين مستعدة للانضمام إلى الدول العربية في أن تصبح "بانية السلام وميسرة الاستقرار ومشاركة في التنمية في الشرق الأوسط". وتم توضيح هذا الموقف بشكل أكبر بعد عامين عندما اقترح "منصة حوار متعددة الأطراف لمنطقة الخليج". وجاء الاقتراح الأخير خلال محادثات مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف - وهو اجتماع أثارته مخاوف بشأن تفكك الاتفاق النووي. ومع ذلك، في حين يمكن اعتبار الاتفاقية الإيرانية السعودية الحالية تتويجاً نهائياً لهذه الجهود، يبقى أن نرى إذا ما كانت هذا الاتفاق سيشكل خرقاً فعلياً لسجل الصين على صعيد الدبلوماسية الإقليمية غير المثمرة إلى حد كبير.
وجاء في التقرير استجابت بكين للنزاعات الإقليمية عبر مجموعة من المنتديات المتعددة الأطراف وخطط السلام والمبعوثين، لكن من دون تقديم الالتزامات الأعمق والمتابعة المطلوبة لحلها.
في ضوء إعلان الصين أنها توسطت للتوصل إلى اتفاق غير متوقع بين إيران والمملكة العربية السعودية، يغدو تاريخ البلاد في التخفيف من حدة النزاعات الإقليمية أمراً جديراً بالدراسة. وقد استضافت بكين بانتظام مؤتمرات قمة وأرسلت مبعوثين لمعالجة التوترات في الشرق الأوسط، لكن هذه المبادرات نادراً ما أسفرت عن نتائج ملموسة.
منتديات متعددة الأطراف
تعاملت الصين بانتظام مع دول المنطقة من خلال آليتَيْن: "منتدى التعاون الصيني الأفريقي"، الذي اجتمع كل ثلاث سنوات منذ إقامته في عام 2000 ويضم جميع دول شمال إفريقيا، و"منتدى التعاون الصيني العربي"، الذي اجتمع كل عامين منذ إقامته في عام 2004 ويضم جميع دول "جامعة الدول العربية". وقد ركّز "منتدى التعاون الصيني العربي" بصورة أكثر على النزاعات الإقليمية، ولا سيما السلام العربي الإسرائيلي، على الرغم من أن المناقشات شملت أيضاً صراعات في العراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن.
بالإضافة إلى ذلك، أُشيد باجتماعٍ عُقد في ديسمبر بصفته "القمة الصينية العربية" الأولى، ولكن المراقبين خلصوا إلى أنه كان تجمعاً روتينياً أُعيدت تسميته وليس مناسبة جديدة. ولم يُعقَد اجتماع "منتدى التعاون الصيني العربي" الذي كان من المقرر عقده العام الماضي، بينما خدمت هذه القمة الغاية نفسها إلى حدٍ كبير.
ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية لبكين من خلال هذين المنتديين في عرض معاييرها السياسية على الدول الإقليمية. ففي كلٍ من "منتدى التعاون الصيني الأفريقي" و"منتدى التعاون الصيني العربي"، شددت الصين مراراً وتكراراً على "المبادئ الخمسة للتعايش السلمي" و"التعاون بين بلدان الجنوب". كما استغلت هذه التجمعات ومؤتمرات القمة الثلاثة التي عُقِدت بشكل متزامن في كانون الأول/ديسمبر الماضي من أجل تعزيز دعم سياسات محددة داخل الصين وخارجها - وبالتحديد، تعاملها مع الأويغور في شينجيانغ، وموقفها من تايوان، و"مبادرة الحزام والطريق".
الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية
خلال "مؤتمر مدريد" عام 1991، طرحت الصين اقتراحاً من خمس نقاط بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنها لم تُشارك في المحادثات. ومنذ ذلك الحين، أصدرت نسخاً متعددة من هذا الاقتراح، خاصةً بعد جولات من التوتر المتصاعد، وهي: اقتراح من خمس نقاط في مايو 2003، وخطة من أربع نقاط في مايو 2013، واقتراح من خمس نقاط في أغسطس 2014، وخطة من أربع نقاط في آأغسطس 2017، وخطة أخرى من أربع نقاط في مايو 2021. وكان جوهر كل اقتراح مماثلاً: التوصل إلى حل الدولتين بحدود عام 1967 تكون فيه القدس الشرقية عاصمة فلسطين، وإنهاء التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، والضغط من أجل بذل جهود دولية تسهل السلام والتعاون بين الجانبين.
ومنذ عام 2002، أوفدت بكين "مبعوثاً خاصاً لقضية الشرق الأوسط" للتركيز على الشؤون العربية الإسرائيلية. والمبعوث الحالي، تشاي جون، هو الخامس في هذا المنصب. كما استضافت الصين "ندوة السلام الفلسطينية الإسرائيلية" أربع مرات بين عامَي 2006 و 2021. وفي الندوة الأخيرة، دعا وزير الخارجية السابق وانغ يي الإسرائيليين والفلسطينيين إلى إجراء محادثات مباشرة في الصين. وجاء ذلك في أعقاب الإعلان في "منتدى التعاون الصيني العربي" عام 2018 الذي قال فيه الرئيس شي جين بينغ أن الصين تخطط لعقد مؤتمر دولي حول فلسطين.
وعلى الرغم من هذه التعبيرات المتكررة عن الدعم، لم تتخذ بكين خطوات ملموسة لدفع عملية السلام. ففي عام 2013، على سبيل المثال، أعربت عن موافقتها الضمنية عندما حاول وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري استئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، ولكنها لم تُقدّم منصة بديلة عندما انهارت هذه المحادثات في النهاية. وفي عام 2017، عندما اندلعت التوترات في أعقاب قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، استضافت الصين وفداً من ممثلين إسرائيليين وفلسطينيين. وكانت النتيجة قراراً دعا إلى اتفاقية حل الدولتين، ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وتجميد بناء المستوطنات أو توسيعها، والاعتراف بدور الصين في تعزيز الجهود الدولية التي تدفع محادثات السلام. ومع ذلك، كان القرار غير ملزم، وكان الوفدان غير مستعديْن حتى لعقد مؤتمر صحفي مشترك عند اختتام المحادثات.
الدبلوماسية تجاه سوريا
اتبعت الصين نهجاً مشابهاً إزاء الحرب الأهلية السورية. فبعد دعم "الجامعة العربية" وخطة السلام للأمم المتحدة المكونة من ست نقاط، أصدرت بكين اقتراحها الخاص المكون من أربع نقاط في عام 2012، وخطةً من "خمسة مبادئ" في عام 2014، وخطةً من أربع نقاط في عام 2021. ودعت كل وثيقة إلى احترام السيادة السورية وسلامة أراضي البلاد، وتسريع إعادة الإعمار، ومحاربة الإرهاب، ودعم الانتقال السياسي الشامل أو حل النزاع. كما عيّنت بكين "مبعوثاً خاصاً لسوريا" - شي شياويان، الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2016.
ليس لدى الصين الكثير لتظهره مقابل هذه المبادرات، على الرغم من أن تركيزها على "عدم التدخل" في السنوات الأولى من الحرب أدى إلى تفاقم التوترات بين أعضاء "منتدى التعاون الصيني العربي". واعترضت العديد من الحكومات العربية على تأكيدات بكين بأن قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا تنتهك مبادئ السيادة ووحدة الأراضي.
الدبلوماسية تجاه دول الخليج
عندما تصاعدت التوترات بين قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في عام 2017، اتخذت الصين عدداً من الخطوات. فقد أرسلت دبلوماسياً لزيارة دول الخليج لمدة ثلاثة أيام، ودعا وزير خارجيتها إلى قيام حوار بين هذه الدول، واستقبلت وفدَين رفيعَي المستوى من المنطقة. ولكن على الرغم من هذا التواصل، قطعت العديد من دول المنطقة علاقاتها مع قطر على أي حال، واستأنفت بكين ببساطة علاقاتها القائمة مع جميع الأطراف.
في هذا الوقت تقريباً، بدأت الصين تُعبّر أيضاً عن اهتمام أكبر بتهدئة التوترات الإقليمية، بما فيها تلك القائمة مع إيران. ففي عام 2016، ذكرت إحدى وثائق السياسات الحكومية أن بكين "تدعم الدول العربية والإقليمية في جهودها لبناء آلية أمنية للتعاون الجماعي الإقليمي الشامل والمشترك"، لكنها لم تذكر عملية تقودها الصين لتسهيل تلك الجهود. وفي عام 2018، ذهب وزير الخارجية السابق وانغ إلى أبعد من ذلك عندما أشار إلى أن بكين مستعدة للانضمام إلى الدول العربية في أن تصبح "بانية السلام وميسرة الاستقرار ومشاركة في التنمية في الشرق الأوسط". وتم توضيح هذا الموقف بشكل أكبر بعد عامين عندما اقترح "منصة حوار متعددة الأطراف لمنطقة الخليج". وجاء الاقتراح الأخير خلال محادثات مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف - وهو اجتماع أثارته مخاوف بشأن تفكك الاتفاق النووي. ومع ذلك، في حين يمكن اعتبار الاتفاقية الإيرانية السعودية الحالية تتويجاً نهائياً لهذه الجهود، يبقى أن نرى إذا ما كانت هذا الاتفاق سيشكل خرقاً فعلياً لسجل الصين على صعيد الدبلوماسية الإقليمية غير المثمرة إلى حد كبير.