البدايات والنهايات – قراءة أخرى للنبوءات الكتابية عن آخر الزمان

الأربعاء 24/يوليو/2024 - 09:57 م
طباعة البدايات والنهايات حسام الحداد
 
يقدم لنا الأستاذ محمد القلاوي في هذا الكتاب القيم والمهم بجزئيه الأول والثاني قراءة جديدة نقدية وتحليلية للنبوءات الكتابية عن آخر الزمان وكما يقول الكاتب عن الكتاب في مقدمته أنه محاولة للتعرف على النبوءات المحمدية عن آخر الزمان مؤكدا في أول سطور كتابه أننا لن نستطيع التعرف على خصوصية الجهد المحمدي في صياغة رؤيته الخاصة عن نهاية الزمان قبل أن نتعرف على اللبنات الأساسية التي استعان بها في بناء تصوره ، وعليه لابد لنا من التعرف بداية على الموروث اليهودي - المسيحي فيقدم لنا مبحثا عن نهاية الزمان في العقيدتين اليهودية والمسيحية مقتصر فيه على حد قوله على المشترك الجامع بينهما دون سواه ، ويستهل هذا بتقديم فصل عن تصورات العقيدة اليهودية ، هذا الدين القومي الذي لعب دورا فائق الأهمية في تاريخ الأديان العام بسبب دخول قسم ملموس من تعاليمه في تركيب المسيحية والإسلام،  وهما الديانتان الأعظم شأنا بين أديان العالم المعاصر ، ولا أوضح من تأثير الديانة اليهودية الكبير عليهما في مجال الأخرويات وأحداث النهايات .
يمهد الكاتب للنبوءات المحمدية عن الساعة وأحداثها بعدة مباحث مطولة  يستعرض في أولها  التصورات الأخروية في العقيدة اليهودية عن آخر الزمان ؛ لأنها أساس بعض النبوءات المحمدية الأساسية كما. وأما الفصل الثاني فقد خصصه عن عالم الكتب الرؤيوية ، والمفردات الأخروية التي قدمتها كتب ما بين العهدين ، والتي تشكل مفردات الأخرويات في العهد الجديد ، بل وأساس مفردات العقيدة المسيحية كلها .
كما يقدم عرضا عن الأخرويات المسيحية وتطورها ، والمسافة البعيدة التي قطعتها الأخرويات المسيحية ، بداية من بزوغها من رحم الأحلام اليهودية ، حتى اكتملت صياغتها الأخيرة في سفر رؤيا يوحنا ، وأما القسم الأخير فهو عن النبوءات المحمدية عن آخر الزمان ، ويمهد له بمختصر وجيز يقارن فيه بين توقعات القرآن المكي اليائسة ، وبين مطامح القرآن المدني المستبشرة ، حيث يتجلى لنا من خلال عرض آيات القرآن الكريم ، وعشرات الأحاديث النبوية كيف تضافرت النبرة الواثقة بانتصار هذا الدين في القرآن المدني المتأخر ، بعدما كانت الآيات المكية تزخر بشواهد لا تحصى على تقرير أن الدعوة المحمدية لن يقيض لها النجاح ، وأن قوم النبي محمد ومعاصريه سوف يظلون على كفرهم وجحودهم حتى تأتيهم الساعة بغتة ، ويحق عليهم أليم العذاب، ويعرض الكاتب للتطورات التي عرضت لموقف النبي من قرب وقوع الحوادث الأخروية  بعد رحيله خلال قرن واحد ، ثم تباعدها تدريجيا حتى استقرت رؤيته - فيما يعتقد - على مدة لا تتجاوز قرنين من الزمان ، وفي خلال تلك المدة اليسيرة ستحدث جميع النبوءات التي آمن النبي محمد بوقوعها ، سواء ما كان منها توقعا وتأملا في مصائر أمته ، أو ما كان منها مجرد إعادة إنتاج للعلامات الكونية الكبرى التي آمن النبي بوقوعها ، تصديقا منه لما بلغه عن أهل الكتاب عن تلك العلامات العريقة في خرافتها ، ولكن بعد أسلمتها ، ولتكون أمته الظافرة هي محور الأحداث الباقية من عمر الدنيا التي آذنت مدتها بالانتهاء .
أما عن مقصد هذا الكتاب ، يقول الكاتب أنه لا يرجو سوى أن يقدم صورة وصفية وموضوعية وعلمية ومجردة من أي اعتبار معياري ذي صلة بلاهوت الأديان وفلسفتها ، ولما كان " الدين " ظاهرة شاسعة ويصعب تعريفه - رغم حضور تلك المفردة " الدين " ربما أكثر من أي كلمة أخرى على ألسنة الجميع فما زالت تستعصي على التعريف الدقيق الذي يحيط بكل جوانبها ، فالأديان تختلف في المعتقدات ، والطقوس ، والسلوكيات التي تعبر عن مفاهيمها الجوهرية ، ولكنها تتفق في بعض المشتركات الأساسية مثل : الاعتقاد في وجود حياة بعد الموت ، أو استمرار الحياة الواعية بصورة أو بأخرى،  وكذا الاعتقاد الجازم في وجود كائنات غير مرئية ذات قوى خارقة ، والقبول بفكرة المعجزات ، ويؤمن أكثرها بخلق العالم وحدوثه ، ويؤمن أشهرها بمفهوم الوحي وما يترتب عليه من واجبات أخلاقية أو ثواب وعقاب .
وينطلق الكاتب من اعتقاده في أن الدين إنما هو ظاهرة تطورية عرفها البشر في صورتها المعروفة والمقررة في وقت متأخر جدا من تاريخه التطوري الطويل ، وينبغي أن ينظر إليها في سياق واسع ؛ أي كظاهرة ثقافية ونفسية ، يمكن رد بعض جوانبها إلى أساس بيولوجي واجتماعي واقتصادي ، ولكنها قبل كل شيء تجربة نفسية ، وتلك نقطة قوتها وضعفها في آن واحد ؛ فالنبي الناجح هو من يستطيع أن يكسب لفكرته الباطنية وغير المبررة عقليا أنصارا ، وغالبا ما يفلح صاحب الدعوة الجديدة بفضل مواهبه الطبيعية وشخصيته المؤثرة والطاغية على من حوله ، فضلا أنه يقدم صورة مجتمعية طوباوية للواقع الذي يعيش فيه ، فإذا ما أفلح النبي في دعوته ، وأسس جماعة إيمان مستقرة فهو " رجل الله" ، وإذا لم يفلح النبي أو الداعية في تلك المهمة فهو مجرد هاذ أو مجنون ، وعلى هذا فليس هناك من فارق حاسم بين الدين الحقيقي والدين الزائف ، فالتجربة الدينية الحقيقية إنما هي خبرة مجاوزة للمألوف ، وتنتمي حتما إلى عالم الخبرات النفسية للجماعة البشرية ،ومعظم أديان العالم تحتوي على مكون روحي ، ويمنح الدين الممارسين له أنماطا من الخبرات النفسية والمشاعر المعقدة قد يتساهل البعض في ردها إلى عناصر بيولوجية متراكمة فيقول أحدهم مثلا : (وربما كانت أنسجة المخ التي تقوم بتوليد مثل هذه الحالات المزاجية والمشاعر قد تزداد في فاعليتها وكفاءتها ، وحجمها عبر الأجيال التالية . وتتمثل الدلالة المتضمنة في هذه العملية في أنه وعلى عكس ذلك الافتراض الأكثر حدسية ( والأكثر علمانية أيضا ) والقائل إن علم النفس الديني قد تطور كنتيجة ثانوية أو مضافة خاصة بالعقل فإن الاعتقاد في وجود الله قد يكون هو ما أسهم في خلق العديد من أعضاء العقل البشري أو مكوناته ، وقد يسمي البعض ذلك " هبة " أو " منحة " . وهكذا يقف هذا المنظور في مواجهة تلك المناظير أو وجهات النظر الأخرى والتي قد تكون قد أغفلت الاهتمام بقيمة الدين وعلى نحو متسم بالعجلة أو الابتسار أيضا  )
كما يعتقد الكاتب أنه ليس من كبير نفع في الاسترسال في تأصيل قضية منشأ الدافع الديني فهي قضية نظرية خالصة ، أما ما لاريب فيه فهو أن الحقيقة الدينية - كما تتجلى في النصوص الدينية - تترجم مباشرة عن تجارب البشر فتقدم لنا إطارا يجمع بين الذاتية وما يجري في النفس الفردية ، وبين الواقع الاجتماعي والذي يعكس - بدوره - القالب الثقافي لوقوع تلك التجربة ، فقد رأى النبي ميخا الله مستويا على العرش ، ورأى النبي دانيال " قديم الأيام " عجوزا ملتحفا بالبياض ، ورآه حزقيال نارا ، وقال تلامذة المسيح أنهم شاهدوا الروح القدس هابطا في صورة حمامة ، وفي وقت لاحق سيرى الرسل صورة ألسنة من النيران ، أما بولس الرسول فقد صعقه نور ساطع جعله يتحول مباشرة إلى داعية حماسي للدين الذي كان يعذب أتباعه ويجرجرهم إلى السجن ، وسيصعد النبي محمد في معراجه إلى سدرة المنتهي حيث رأى الله نورا خالصا ...

شارك