داعش وهيئة تحرير الشام.. حرب على الهوية أم على السياسة؟

الجمعة 13/ديسمبر/2024 - 04:46 ص
طباعة داعش وهيئة تحرير حسام الحداد
 
جاءت افتتاحية صحيفة "النبأ" في عددها 473 لتقدم رؤية مثيرة للجدل حول الأوضاع الراهنة في سوريا وأدوار الأطراف الفاعلة فيها، خاصة فيما يتعلق بمسألة "تدجين" الحركات الجهادية وتحويلها إلى أدوات في يد النظام الدولي. اعتمدت الافتتاحية على خطاب ينضح بالانتقادات الحادة، حيث تعيد تشكيل المفاهيم المرتبطة بالصراع السوري لتتوافق مع رؤية أيديولوجية صريحة ترفض أي حلول سياسية بديلة عن المشروع الجهادي.
تشير الافتتاحية إلى ما وصفته بعملية "إبدال مدروسة" للنظام السوري بنظام جديد يتبنى مظهرًا وطنيًا ولكنه في جوهره يخدم مصالح القوى الدولية الكبرى. هذا الطرح يسلط الضوء على ما تعتبره الصحيفة انحرافًا عن المبادئ الجهادية الأصلية نحو مسار يوائم الأجندات العالمية، متهمًا الحركات الجهادية المدجنة بالانصياع لهذه القوى تحت ذرائع برجماتية وتبريرات سياسية

السياق العام
الخطاب يستند إلى تصور واضح للواقع السوري باعتباره ساحة صراع بين قوى الكفر العالمي والحركات الجهادية. ينطلق الكاتب من افتراض أن النظام الدولي يعمل على إحلال بدائل "مدجنة" مكان الأنظمة التي يعاديها، مثل نظام الأسد. هذه البدائل تقدم، وفق النص، صورة مقبولة دولياً لكنها متوافقة مع أجندة "الكفر" العالمي.
يشير هذا التصور إلى أن الواقع السوري يمثل جزءاً من معركة أوسع بين قوى يُنظر إليها على أنها تمثل "الكفر العالمي" وبين الحركات الجهادية التي ترى نفسها حامية للعقيدة ومواجهة لهذا النظام الدولي. وفق هذا الخطاب، فإن النظام الدولي لا يسعى فقط إلى القضاء على الأنظمة التي يعاديها مثل نظام الأسد، بل يعمل على استبدالها ببدائل تبدو أكثر قبولاً على المستوى الدولي، لكنها في جوهرها تخدم المصالح والأجندة التي يصفها الكاتب بأنها تنتمي إلى "الكفر العالمي". وتُقدم هذه البدائل باعتبارها "مدجنة"، أي أنها تُظهر استقلالية شكلية لكنها في الواقع تعمل ضمن الأطر التي تخدم القوى الكبرى وتتماشى مع رؤيتها للنظام العالمي. هذه القراءة تتسم برؤية نقدية عميقة للنظام الدولي، لكنها أيضاً تُبرز جانباً من خطاب يستند إلى معادلة ثنائية بين قوى الخير (الجهادية) وقوى الشر (النظام الدولي والقوى التابعة له).

المحاور الرئيسية: 
تدجين الجهاديين
يرى الكاتب أن الحركات الجهادية تحولت من فاعلين مستقلين يسعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة نظام حكم يتماشى مع رؤيتهم الدينية، إلى أدوات يتم التحكم بها لتلبية مصالح القوى الدولية. هذا التحول، وفق النص، يعكس عملية "تدجين"، حيث يتم احتواء الحركات الجهادية وتوجيهها لتكون جزءاً من لعبة السياسة الدولية، مما يفرغها من قيمها الأصلية ويجعلها أداة وظيفية تخدم مصالح تتناقض مع مبادئها المعلنة.
غياب البديل
يُبرز النص أن أحد الأسباب الرئيسة لاستمرار نظام الأسد في سوريا هو غياب بديل مقبول دولياً خلال المراحل الأولى من الثورة السورية. ورغم الزخم الشعبي ضد النظام، فإن المجتمع الدولي لم يدعم أي بديل ثوري حقيقي، وبدلاً من ذلك، تمسك بالخيارات التي تتماشى مع استراتيجياته ومصالحه، مما أفسح المجال للنظام للاستمرار في قمع المعارضة وتفادي السقوط.
النضج الجاهلي
يستخدم الكاتب مصطلح "النضج الجاهلي" لوصف التحولات التي طرأت على المعارضة السورية، حيث انتقلت من كونها قوى تسعى لمواجهة النظام الدولي إلى كيانات تتماهى معه. هذا التحول يعكس، في رأي الكاتب، فقدان البوصلة العقائدية والانخراط في تسويات سياسية تبتعد عن الأهداف الدينية التي كانت أساس انطلاقها، مما يجعلها أكثر انسجاماً مع أجندات القوى الكبرى بدلاً من التصدي لها.
مفهوم التحرير
ينتقد النص الفهم السائد لمفهوم التحرير، الذي يقتصر على تغيير السيطرة الميدانية بين الأطراف المتصارعة دون أن يصاحبه التزام واضح بتطبيق الشريعة الإسلامية. يرى الكاتب أن هذا المفهوم القاصر للتحرير يتجاهل الهدف الأسمى المتمثل في إقامة نظام إسلامي حقيقي، ويُفرغ الجهود الثورية من معناها، ليصبح الصراع مجرد تنافس على النفوذ بدل تحقيق تغيير جوهري.

الأهداف الخطابية
ترسيخ الولاء للجماعات الرافضة للتدجين:
تسعى الافتتاحية إلى تقديم الجماعات الجهادية التي ترفض التدجين باعتبارها الحصن الأخير للعقيدة الإسلامية في مواجهة المؤامرات الدولية. وفقاً لهذا الطرح، فإن الولاء لهذه الجماعات هو الخيار الوحيد للحفاظ على الهوية الدينية وعدم الانجرار خلف أجندات النظام الدولي، الذي يعمل، بحسب الافتتاحية، على تفريغ الجهاد من مضمونه وتحويله إلى أداة تخدم مصالحه. هذه الفكرة تضع خطاً فاصلاً بين "الجهاديين الحقيقيين" و"المدجنين" الذين فقدوا ولاءهم للمبادئ الأصلية.
تحويل الصراع من سياسي إلى عقائدي:
تحاول الافتتاحية إعادة صياغة طبيعة الصراع في سوريا من كونه صراعاً سياسياً ضد نظام الأسد إلى صراع عقائدي أوسع ضد النظام الدولي الذي تصفه بـ"الكفري". هذا التحول يُبرز الصراع كجزء من معركة وجودية بين الإسلام والقوى العالمية التي تسعى لتقويضه. وبهذا، يتم تقديم الجهاد كحل عقائدي شامل، يتجاوز مجرد إسقاط النظام السوري ليشمل مقاومة النظام الدولي الذي يُتهم بالتآمر ضد الإسلام.
الهجوم على الحركات الجهادية المنخرطة في السياسة:
توجه الافتتاحية انتقاداً لاذعاً للحركات الجهادية التي اختارت التفاوض أو الانخراط في العملية السياسية، معتبرةً ذلك خيانة للعقيدة وتراجعاً عن مبادئ الجهاد. تُصور هذه الحركات على أنها وقعت في فخ النظام الدولي، وأصبحت أداة لتحقيق مصالحه بدلاً من أن تكون جزءاً من مشروع إسلامي مستقل. وبهذا، تعمل الافتتاحية على نزع الشرعية عن هذه الحركات، وتقديمها كأمثلة للفشل والتراجع، مقارنة بالجماعات التي حافظت على مواقفها الرافضة للتسويات السياسية.

الأيديولوجيا الكامنة
ثنائية الإسلام مقابل الكفر:
تعتمد الافتتاحية على إطار أيديولوجي صارم يضع الإسلام في مواجهة مباشرة مع ما تسميه "الكفر العالمي". هذه الثنائية لا تترك مجالاً للحلول الوسط أو المسارات التفاوضية، حيث تُصنف جميع الأطراف وفقاً لهذا الإطار، إما في خانة الإيمان أو في خانة الكفر. من خلال هذه النظرة القطبية، يتم تصوير أي تراجع عن الخيار الجهادي أو أي تعاون مع النظام الدولي على أنه انحراف عن العقيدة وخيانة للمبادئ الإسلامية.
رفض الدولة الوطنية الحديثة:
ترفض الافتتاحية فكرة الدولة الوطنية الحديثة باعتبارها مفهوماً غربياً دخيلاً يتعارض مع العقيدة الإسلامية، وفق منظورها. ترى أن محاولات بناء "سوريا المستقبل" على أساس هذا النموذج هو استمرار لهيمنة النظام الدولي، وخيانة للشريعة الإسلامية التي تدعو، حسب النص، إلى إقامة نظام إسلامي يتجاوز الحدود القومية ويعبر عن وحدة الأمة الإسلامية. وبهذا، ترفض أي مشاريع سياسية ذات طابع وطني وتصفها بأنها امتداد للهيمنة الغربية.
العنف والجهاد كسبيل للتغيير:
تشدد الافتتاحية على أن العنف والجهاد هما الطريق الوحيد لتحقيق التغيير المطلوب. ترفض أي حلول سياسية أو تفاوضية، وتعتبرها محاولات لاحتواء الحركات الجهادية وتفريغها من محتواها. العنف، وفق النص، ليس مجرد وسيلة، بل هو تعبير عن رفض النظام الدولي وأدواته، ورؤية للتغيير الحقيقي الذي يعيد الإسلام إلى مركز الحياة السياسية والاجتماعية بعيداً عن التأثيرات الغربية.

تحليل اللغة المستخدمة
العبارات التحريضية:
تستند الافتتاحية إلى مجموعة من المصطلحات التحريضية التي تهدف إلى تعزيز الاستقطاب وبث مشاعر الغضب في نفوس القارئ. عبارات مثل "الكفر العالمي" و"التدجين" و"النظام النصيري" تستخدم بشكل متكرر لتعزيز الفكرة القائلة بأن هناك صراعاً حاسماً بين قوى الإيمان وقوى الكفر. هذه المصطلحات لا تقتصر على وصف الحالة السياسية، بل تصف خصوم الكاتب بالصفات السلبية التي تثير ردود فعل قوية وتدفع نحو التشدد في المواقف. بذلك، تساهم هذه اللغة في تكريس الانقسام بين "الخير" و"الشر" بشكل أحادي.
الاستشهاد بالآيات القرآنية:
تستعين الافتتاحية بالآيات القرآنية لتدعيم حججها وتعزيز موقفها الأيديولوجي، ما يجعل النص أكثر مصداقية وأثرًا في الجمهور المتدين. من خلال الاستشهاد بالآيات، يتم إعطاء شرعية دينية لما يُطرح في الافتتاحية، وهو ما يساهم في تحفيز المشاعر الدينية لدى القارئ وتعزيز إيمانه بأن ما يُقال يتماشى مع القيم الإسلامية الصحيحة. استخدام الآيات القرآنية بهذه الطريقة يسهم في جعل الأفكار المطروحة في النص أكثر قدرة على التأثير والإقناع، خصوصًا بالنسبة للجماهير التي ترى في الدين مرجعية للحق والباطل.
اللغة العاطفية:
الافتتاحية تستخدم لغة عاطفية قوية تهدف إلى تحريك المشاعر الدينية والإنسانية لدى القارئ، مثل عبارات "شفاء صدور المؤمنين" و"ثأر المسلمين". هذه الكلمات تعكس إحساسًا بالظلم والمعاناة التي يشعر بها الكاتب ومن يتبنى نفس رؤيته، مما يجعل القارئ يشعر بضرورة الرد والانتقام لما يُعتبر مظالم تاريخية. تتسم هذه اللغة بالتصعيد العاطفي الذي يهدف إلى تحفيز ردود فعل حماسية ضد الأعداء الموصوفين بـ"الكفار"، مما يعزز من الانخراط العاطفي للقارئ مع النص ويشجعه على اتخاذ مواقف أكثر تطرفًا تجاه الأحداث السياسية والواقع الراهن.

نقد الخطاب
تصوير العالم من خلال ثنائية "إيمان مقابل كفر":
تصوير العالم عبر ثنائية صارمة من "إيمان مقابل كفر" يفتقر إلى الواقعية السياسية ويعزل النص عن الواقع المعقد الذي يعيشه السوريون. هذه الرؤية تتجاهل التنوع الكبير في الآراء والمواقف داخل المجتمع السوري، حيث توجد أطراف متعددة تسعى للتوازن بين الحفاظ على الهوية الدينية ومتطلبات الواقع السياسي والاجتماعي. من خلال هذه الثنائية، يتم إقصاء أي حلول وسط أو أي أطراف قد تكون مستعدة للبحث عن تسويات سياسية تسمح بترتيب أوضاع البلاد بطريقة تتوافق مع القيم الإسلامية دون الوقوع في فخ الانقسام المفرط. هذا التبسيط المفرط يعمق الخلافات ويغلق الباب أمام أي شكل من أشكال الحوار البناء.
إغفال الحقائق السياسية والاجتماعية في سوريا:
النص يُغلب الجانب العقائدي على التحليل الواقعي، مما يجعله يتجاهل الحقائق السياسية والاجتماعية المعقدة في سوريا. الوضع السوري يتسم بتشابك مصالح إقليمية ودولية، فضلاً عن وجود تداخلات عميقة بين الطوائف والقبائل والاتجاهات السياسية المختلفة. إصرار النص على رؤيته العقائدية يحول دون فهم هذه الحقائق بشكل كامل، ما يؤدي إلى تجاهل العوامل الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على الصراع. هذا المنهج العقائدي قد يساهم في تكريس العزلة عن الواقع الموضوعي ويزيد من صعوبة إيجاد حلول فعّالة للصراع المستمر.
تمجيد الجهاد ورفض الحلول السياسية:
تمجيد الجهاد ورفض الحلول السياسية قد يعزز استمرار العنف ويديم حالة الفوضى في سوريا. الدعوة إلى الجهاد كحل رئيسي للصراع تتجاهل حقيقة أن العنف لا يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة ويزيد من تدمير البلاد. في الوقت الذي تحتاج فيه سوريا إلى عملية سياسية شاملة لتحقيق استقرار طويل الأمد، يُفترض بالنص أن يوفر رؤية شاملة تتجاوز العنف وتقدم بدائل عملية لبناء مستقبل أكثر استقراراً. إلا أن هذا التوجه يساهم في تشجيع المزيد من التصعيد ويغذي حالة الفوضى بدلاً من السعي لإيجاد حلول سلمية.
تهميش الأطراف الأخرى:
النص يُهمش بشكل كامل الحركات المعارضة غير الجهادية، مما يعكس نزعة إقصائية قد تقوض فرص التفاهم والتعاون بين مختلف المكونات السورية. هذا التوجه يعزز الانقسام داخل المعارضة ويزيد من صعوبة بناء جبهة موحدة تكون قادرة على التفاوض مع النظام ومع القوى الدولية. إذا استمر هذا الإقصاء، فإن النصوص العقائدية المتشددة قد تؤدي إلى مزيد من تفكيك المجتمع السوري، مما يصعب إيجاد أي حلول شاملة تضمن مشاركة الجميع في عملية بناء المستقبل السياسي للبلاد.

دلالات الافتتاحية:
الافتتاحية التي تُصوّر الصراع في سوريا كحرب بين "الإيمان" و"الكفر" تحمل دلالات عميقة تشير إلى رؤية أحادية تُقسّم العالم إلى معسكرين متناقضين. هذه الثنائية الصارمة تُغفل التعقيدات والاختلافات التي تميز الوضع السوري وتستند إلى أسس عقائدية تقصي كافة الحلول الوسط. عبر توظيف هذه اللغة، يتم التأكيد على أن القيم الدينية وحدها هي المعركة الحاسمة، ما يعزز من التباعد بين الأطراف المختلفة في الصراع السوري. إن هذا التصور يتجاهل الواقع السياسي والاجتماعي المعقد، مما يُصعب من إمكانية إيجاد تسويات تُراعي المصلحة الوطنية السورية.
الانعزال عن الواقع السوري:
الافتتاحية تُسهم في عزلة أطراف معينة عن الواقع السوري وتُركّز فقط على الجوانب العقائدية من دون الأخذ في الاعتبار تطورات الوضع السياسي. إغفال هذه الأبعاد الاجتماعية والسياسية يمكن أن يؤدي إلى تصعيد أوسع للفتن والصراعات الطائفية، مع تغذية الغضب العام ضد الأطراف التي تسعى للحلول السياسية التفاوضية. هذا النمط من التفكير يرفض البحث عن مخرج عملي للقضية السورية، ويركّز بدلاً من ذلك على تصعيد النزاع من خلال استدعاء شعارات دينية تضعف أي فرصة للوحدة الوطنية.
تعزيز العنف واستمرار الفوضى:
دعم الجهاد كأداة رئيسية للتغيير يعزز من الدائرة المفرغة للعنف في سوريا، ما يزيد من تعميق الفوضى ويطيل أمد الصراع. بدلاً من الدعوة إلى الحوار السياسي أو الحلول السلمية التي يمكن أن تُؤسس لمستقبل مستقر، تشجع الافتتاحية على العنف كوسيلة وحيدة لتحقيق التغيير، مما يزيد من الانقسامات الداخلية ويعوق أي جهود لإنهاء الصراع. هذا التوجه لا يساهم في إيجاد حلول عملية، بل يعزز من استمرار الدمار والتشرذم، مما يعرّض المدنيين السوريين لمزيد من المعاناة.
إقصاء الأطراف المختلفة:
تجاهل الحركات المعارضة غير الجهادية في الافتتاحية يُسهم في تعزيز النزعة الإقصائية، مما يجعل من الصعب بناء جبهة موحدة قادرة على مواجهة النظام السوري أو التفاوض مع القوى الدولية. عدم التطرق إلى مواقف الأطراف المعتدلة يزيد من تعميق الانقسامات داخل المعارضة، ما يُصعّب من تشكيل رؤية سياسية شاملة يمكن أن تُساهم في إيجاد تسوية سلمية للصراع. في المقابل، تظل هذه الرؤية المغلقة التي تركز على المعركة العقائدية وحدها سيدة الموقف، مما يهدد بزيادة الاستقطاب في سوريا ويقوّض أي جهود لتحقيق توافق بين مختلف الفئات.
التشابه الإيديولوجي بين هيئة تحرير الشام وداعش:
رغم أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) قد تبنت مواقف سياسية وعسكرية تختلف جزئيًا عن تنظيم داعش، إلا أن الإيديولوجيا التي تسير وفقها لا تزال تحمل أوجه تشابه كبيرة مع تلك التي يعتمدها داعش. كلا التنظيمين ينطلقان من فهم ضيق للإسلام، حيث يركزون على تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل حرفي، ويعتبرون أن أي شكل من أشكال الحكم أو الأنظمة السياسية غير الإسلامية هو "كفر". يرفضون أي نوع من التسوية أو الحلول السياسية التي تندرج تحت مظلة النظام الدولي، ويرون في الجهاد أداة أساسية لتحقيق أهدافهم، بينما يُصرون على تهميش كافة القوى أو الأطراف التي لا تتفق مع رؤيتهم العقائدية.
الأثر السياسي والإنساني لهذا التشابه:
هذا التشابه في الإيديولوجيا يؤدي إلى نتائج سلبية على الواقع السوري، حيث أن هيمنة هيئة تحرير الشام على مناطق واسعة في سوريا تعني استمرارية الفكر المتشدد الذي يرفض التعددية السياسية والاجتماعية. كما أن هذا التوجه يُغذي حالة الاستقطاب في المجتمع السوري، حيث يعزز الانقسامات بين الأطراف المختلفة في الصراع، ويمنع أي جهد حقيقي للوصول إلى حلول سياسية أو تفاوضية. على الصعيد الإنساني، يُفاقم هذا الفكر من معاناة المدنيين، حيث يتم فرض قواعد شديدة تمنع التعايش السلمي بين مختلف المكونات المجتمعية.

خاتمة:
إن الوضع السوري، الذي بات ساحة صراع معقدة، يظهر بوضوح كيف يمكن أن تؤثر الإيديولوجيات المتشددة على تطور الأحداث ومستقبل البلاد. الافتتاحية التي تم تحليلها تكشف عن خطاب يسعى لترسيخ التصور الثنائي للأمور، حيث ينقسم العالم إلى معسكرين متعارضين: "الإيمان" و"الكفر". هذا التصور يُعزز من الانقسامات العميقة داخل المجتمع السوري ويعزل الواقع السياسي عن القيم الدينية الحقيقية. في ظل هذه النظرة العقائدية الضيقة، يصعب تحقيق أي تقدم نحو حل شامل يجمع جميع أطراف المجتمع السوري.
إن تشابه هيئة تحرير الشام مع تنظيم داعش في جوانب إيديولوجية متعددة، مثل رفض الحلول السياسية أو التفاوضية وتقديس العنف والجهاد كوسيلة رئيسية للتغيير، يُسهم في استمرار الفوضى في سوريا. هذه الإيديولوجيات تؤدي إلى تفاقم الصراع بدلاً من تقليصه، مما يعرض السوريين لمزيد من المعاناة ويؤخر آمالهم في بناء وطن مستقر وآمن. مع تزايد تأثير هذه الحركات، يصبح من الصعب تصور حل يضمن التعايش السلمي والعدالة الاجتماعية بين مختلف المكونات السورية.
في النهاية، يبقى الأمل في التوصل إلى حلول سياسية واقعية التي تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الواقع السوري بعيدًا عن الفهم العقائدي المتطرف. إن تشجيع الحوار بين كافة الأطراف، بما في ذلك القوى المعتدلة، هو السبيل الوحيد لتحقيق التسوية السلمية وإنهاء العنف. إن تمسك المجتمع الدولي بدعم الحلول السياسية والضغط على الأطراف المتشددة لإنهاء العنف قد يشكل بدايةً نحو استقرار سوريا، وتوفير الفرصة لإعادة بناء البلاد وفقًا لمبادئ العدالة والمساواة.

شارك