طالبان تُلهم تحرير الشام.. رسالة ماجستير بـ"سياسة القاهرة" تحلل أسباب صعود الجماعات المتطرفة للسلطة

الأربعاء 18/ديسمبر/2024 - 04:11 م
طباعة طالبان تُلهم تحرير علي رجب
 
طالبان تُلهم تحرير
كشفت رسالة علمية، نوقشت حديثًا بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة أن صعود حركة طالبان للسلطة في أفغانستان، عقب الانسحاب الأمريكي في 2021، وقبول قوى دولية التعامل معها باعتبارها حكومة أو سلطة الأمر الواقع  شكلا نموذجا ملهمًا للعديد من الفواعل من غير الدول ومنها هيئة تحرير الشام التي استلهمت النموذج الطالباني في سوريا، وتحاول تطبيقه بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
وتكونت رسالة الماجستير المعنونة بـ"أسباب صعُود فاعل دُون الدَّولة إلى الحُكم: دراسة حالة حركة طالبان الأفغانيّة" التي أعدتها منى قشطة، الباحثة ببرنامج الأمن والدفاع بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، من 3 فصول تناول الفصل الأول، التأصيل الفكري والحركي لحركة طالبان، وخصائص المجتمع الأفغاني مع التركيز على خصائص البشتون، وهي المكون الذي تنحدر منه حركة طالبان بالأساس والثاني يتناول التأصيل لهوية حركة طالبان، فيما تناول الفصل الثاني، العوامل الداخلية والخارجية لصعود الحركة الأول (1996 -2001)، بينما تناول الفصل الثالث والأخير، العوامل الداخلية والخارجية للصعود الثاني (2021 – حتى الآن).
وأشارت الدراسة إلى أن ظاهرة الفاعلين المسحلين من غير الدول شهدت تطورًا ملحوظًا خلال العقدين الماضيين، حتّى باتت واحدةً من أبرز التغيرات الحاصلة في النظام الدولي الحديث، وذلك في ضوء تنامي الأدوار والتأثيرات المُتعلقة بتلك الفواعل، بشكل مُتزايد وعلى نحو غير مسبوق على السياسات الدوليّة والأمن العالمي؛ إذ بات هؤلاء يُشكّلون بؤرًا للتوتر أدّت إلى زعزعة الاستقرار في العديد من المناطق، وأضرت بمنظومة الأمن الإقليمي والدولي، نتيجة مُمارساتهم التي تتحدى المُؤسسات والمقومات الرئيسية للدولة الوطنية، وتتجاوزها في بعض الحالات لتُؤسّس نظامها الخاص بها في الحكم، وفقًا لآرائها وتوجهاتها وأفكارها.
وتمثل الدراسة مُحاولة للوقوف على العوامل المُفسّرة لظاهرة سياسية حديثة ومُؤثرة في العلاقات الدولية (تتمثل في صعود وتنامي دور الفاعلين المسلحين من غير الدول بشكل واضح على الساحة الدولية)، بالتطبيق على حالة صعود حركة طالبان الأفغانية للحكم في أفغانستان، وذلك في إطار علمي تحليلي يُمكن البناء عليه مُستقبلًا عند دراسة حالات أخرى مُماثلة ومنها هيئة تحرير الشام. كما تناولت الدراسة وسعت إلى استخلاص بعض عوامل البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية والفواعل المسلحة من غير الدول التي تعمل على السيطرة على الحكم، وهو ما يُمكن الاستفادة منه في الخبرات العربية والمصرية.
وهدفت الدراسة إلى تفسير أسباب صعود فاعل دون الدولة إلى الحكم، من خلال التطبيق على نموذج صعود حركة طالبان في أفغانستان للحكم مرتين. حيث تقدم لنا دراسة الحركة من هذا المنظور مثالًا بارزًا لـ (فاعل مسلح عنيف دون مستوى الدولة، يصنف على بعض قوائم الإرهاب الدولية)، تضافرت مجموعة من الظروف والسياقات الداخليّة والخارجيّة، وأدّت إلى صعوده للسلطة في المرّة الأولى، خلال الفترة (1996-2001)، والثانية، خلال الفترة (2021 – حتى الآن).
انطلقت الدراسة من تساؤل رئيسي هو: كيف يُمكن تفسير صعود حركة طالبان (فاعل مسلح دون مستوى الدولة) للحكم في أفغانستان في فترتي حكمها الأولى قبل عام 2001 والثّانية منذ عام 2021؟ وتفرع عنه مجموعة من التساؤلات، منها: كيف يمكن تأصيل حركة طالبان وتحديد هويتها؟، ما انعكاسات خصائص المجتمع الأفغاني وخصوصًا (خصائص البشتون) على سلوكيات حركة طالبان؟، ما أهداف حركة طالبان؟، كيف استطاعت حركة طالبان الحفاظ على تماسكها؟، ما أوجه التشابه والاختلاف بين العوامل الداخليّة والخارجيّة التي أدت إلى صعود طالبان للحكمين؟، كيف استفادت حركة طالبان من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟
وفي سبيل الإجابة على تلك التساؤلات استعانت الدراسة ببعض مقولات نظرية الدور، والجزء الخاص بالهوية في مقولات النظرية البنائية، كما استخدمت شبكة مفاهيمية تتعلق بالحالة موضع الدراسة، من بينها: مفهوم الفاعلين من غير الدول (NSAS)، ومفهوم شرعية الفاعل من غير الدول. وكذا اعتمدت الدراسة على توظيف مناهج: تحليل الجماعة، وتحليل النظم، والمنهج المقارن.
وبعد دراسة العوامل الداخلية والخارجية التي أسهمت في صعود حركة طالبان للحكم، تمكنت الدراسة من عقد نظرة مُقارنة للوقوف على أوجه التشابه والتباين بين هذه العوامل. وخلصت المُقارنة إلى مجموعة من النتائج أبرزها:
1. فيما يتعلق بتأثيرات الظروف الداخلية والخارجية على هذا الصعود: أظهرت المُقارنة، أن الصعوديّن شهدا تفاعلاً بين السياقين المحلي والخارجي، ساعد طالبان بشكل أو بآخر على تحقيق انتصارات عسكرية. غير أن التباين هنا يكمن في درجة تأثير كل سياق؛ ففي حين لعبت الظروف المحلية ممثلة في حالة الفوضى وعدم الاستقرار الدور الأكبر في الصعود الأول، نجد أن الظروف والسياقات الخارجية ممثلة في التطورات الحاصلة في النظام الدولي، والتي كان من تجلياتها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، كانت الأكثر تأثيرًا في الصعود الثاني.
2. فيما يتعلق بالاستراتيجية والأدوات المستخدمة: في الصعود الأول اعتمدت طالبان استراتيجية مباشرة وفعالة للسيطرة على المدن الرئيسية، مستخدمةً تكتيكات وأساليب تقليدية، أما في الصعود الثاني، فقد أدخلت استراتيجيات وأدوات غير تقليدية على الصعيدين السياسي والعسكري.
3. فيما يتعلق بمصادر التمويل: في الصعود الأول، لم تكن للحركة مصادر تمويل واضحة ومحددة، وفي الغالب اعتمدت بشكل كبير على الدعم المالي والعسكري الذي قدمته لها باكستان. أما في الصعود الثاني، فقد تمكنت طالبان من تطوير مصادر تمويل متعددة ومتنوعة، مكنتها من إنشاء اقتصاد موازٍ والاستمرار في المواجهات العسكرية.
4. فيما يتعلق بكسب الشرعية المحلية والدولية: في الصعود الأول اعتمدت الحركة بشكل أساسي على البعدين الأيديولوجي والديني للحصول على الشرعية الداخلية، من خلال تصوير نفسها كحامية للعقيدة ومطبقة للشريعة الإسلامية في أفغانستان وحامية لطبيعة المجتمع الأفغاني المحافظ من مظاهر الانحلال الأخلاقي. وكانت جهودها للحصول على الشرعية الخارجية محدودة. أما في الصعود الثاني، فقد طوّرت طالبان استراتيجيات جديدة مُتكاملة مع الأبعاد الأيديولوجيّة والدينيّة لتعزيز الشرعية الداخليّة. وعلى الصعيد الخارجي، بذلت طالبان جهودًا كبيرة لكسب ثقة المجتمع الدولي، وأظهرت انفتاحًا على دول العالم المختلفة، وسعت لإقامة علاقات تعاون معها. الأمر الذي يعكس حدوث تحول في طبيعة الفواعل المسلحة دون الدولة، في ضوء إدراك بعضها لأهمية الانخراط في ديناميكيات العلاقات الدولية لضمان استقرارها وإطالة أمد نشاطها.
وبشكل عام، أسفرت عملية البحث في موضوع "أسباب صعود فاعل دُون الدّولة إلى الحُكم: دراسة حالة حَركة طالبان الأفغانيّة"، عن جملة من النتائج، أبرزها ما يلي:
•    أولًا، في ظل الجدل الدائر حول تحديد هوية طالبان، خلصت الباحثة إلى أنها تمتاز بهوية مُركبة تدمج بين البعدين العرقي والديني. وقد دأبت الحركة على استخدام كلا البعدين وفقًا لاحتياجاتها وظروفها المرحليّة.
•    ثانيًا، تدمج حركة طالبان في أيديولوجيتها بين التعاليم الإسلامية المُتشددة التي استقتها من تعاليم المدارس الديبوندية، والتقاليد البشتونية السائدة في المُجتمع الأفغاني، وينعكس ذلك بشكل ملموس على ممارساتها في الحكم، وتصوراتها للشكل الذي يجب تكون عليه دولة أفغانستان. كما يتبين من الدراسة التحليلية لتلك الممارسات في مختلف الملفات أن سلوكيات طالبان يغلب عليها سمات الطابع القبلي تارةً والطابع الديني المُتشدد تارةً أخرى؛ إذ كانت الحركة تقوم توظيف أي من تلك السمات بشكل انتقائي، بما يلائم ضروراتها التنظيمية وأهدافها الاستراتيجية.
•    ثالثًا، وضعت حركة طالبان منذُ ظهورها مجموعة من الأهداف، تطوّرت بمرور الوقت لتُواكب مراحل التطور التي مرّت بها الحركة.
•    رابعًا، حركة طالبان ليست قوة مُتجانسة؛ إذ تضم في داخلها اتجاهات وتيارات مُتباينة، تتأرجح ما بين فصيل البراجماتيين الذي يُعطي الأولوية للاعتبارات العملية والنفعية السياسية ويحاول إقناع زعيم الحركة بتخفيف سياساته في بعض الملفات، وفصيل المُتشددين الدينيين الذين يدفعون نحو تبني سياسيات صارمة.
•    خامسًا، استطاعت طالبان الحفاظ على تماسكها الداخلي رغم محاولات تقسيمها وتفتيتها، بفضل امتلاكها لثقافة تنظيمية داخلية، جنبتها الانقسامات، وميزتها عن باقي الأحزاب الإسلامية في أفغانستان، وترتكز هذه الثقافة على مجموعة من العناصر الرئيسية: أولها، الخلفية الفكرية المشتركة لأعضائها، وثانيها، التزام كافة عناصر الحركة بمبدأ الطاعة المطلقة للأمير، وثالثها، اتباع الحركة لممارسات وقائية تنظيمية للحيلولة دون تقسيمها.
•    سادسًا، من بين العديد من العوامل التي أسهمت في صعود حركة طالبان للحكم الثاني، كان انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية أحد العوامل الرئيسية التي ساعدت على هذا الصعود؛ إذ استفادت منه طالبان من أكثر من زاوية: فمن ناحية أولى، استفادت من حالة الفراغ الأمني والسياسي في تعزيز سيطرتها العسكرية على الجغرافيا الأفغانية. ومن ناحية ثانية، استفادت من التفاوض مع الولايات المتحدة في اقتناص الشرعية الضمنية باعتبارها الفاعل الأقوى والأهم على السّاحة الأفغانية، بعدما كانت الحركة تشكل تهديدًا إرهابيًا للأمن الدولي من وجهة نظر أمريكية عند التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان عام 2001. ومن ناحية ثالثة، تسبب الانسحاب الأمريكي الفوضى وغير المنظم من أفغانستان في تحقيق مكاسب لطالبان أعطتها أهمية رمزية كبيرة، حيث باتت مقاربتها في السيطرة على الحكم نموذجًا يحتذى به من قبل الجماعات المسلحة والتنظيمات المتطرفة العنيفة ذات الطابع المحلي والمعولم. ومن أبرزها على سبيل المثال هيئة تحرير الشام في سوريا، علاوة على ذلك، منحت أهمية انتصار طالبان على الولايات المتحدة الحركة جرأة في تحركاتها الدولية والإقليمية؛ حيثُ بدأت تُطالب بالاعتراف الرسمي بحكومتها، مُتجاهلة الشروط الدولية، مُعتبرة نفسها القوة المهيمنة في أفغانستان دون الحاجة لتعديل سياساتها، بما في ذلك مواقفها بشأن حقوق المرأة.
وانتهت الدراسة إلى بعض الخلاصات منها:
أولًا، أثبتت تجربة فشل المُجتمع الدولي في أفغانستان، أنّ جَهل القُوى المُتدخلة بطبيعة المجتمع الأفغاني، وثقافة الأفغان، كان من العوامل الأساسيّة التي ساهمت في فشل الحرب على الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة في البلاد، والتي أدّت في النهاية إلى تعزيز قوّة حركة طالبان بدلًا من القضاء عليها. في ضوء ذلك، تُوصي الباحثة بأن تُركّز الدراسات والبحوث الأكاديمية على تحليل ظاهرة الإرهاب بشكل أكثر عُمقًا وشمولًا، يَتضمن دراسة السياقات المُحيطة بالفواعل المسلحة من غير الدول، والدوافع المتنوعة التي حفزت على ظهورها واستمرار بقاءها، بما في ذلك تأثيرات الجغرافيا السياسية والجغرافيا البشرية، وذلك لتقديم رؤى دقيقة وشاملة، يمكن أن تُساعد صناع القرار على تطوير استراتيجيات أكثر فعالية وتنوعًا تتجاوز الحلول العسكرية التقليدية.
ثانيًا، يُثير نموذج صعود حركة طالبان للحكم في أفغانستان، وتحول المجتمع الدولي إلى التعامل مع حكومتها كحكومة أمر واقع، جُملة من التساؤلات الهامّة حول (كيفية إدارة العلاقات الدولية مع حكومات الأمر الواقع؟)، لا سيّما أن النموذج الطالباني يُمكن أن يتكرر في دول أخرى. وعليه، توصي الدراسة بأن تتجه الدراسات الأكاديمية المُتخصصة نحو بحث وتحليل ظاهرة حكومات الأمر الواقع، والإشكاليات المُتعلّقة بالتعامل معها، وكيف يُمكن أن يُسهم الحوار مَعها وتقديم الدعم لها في إعطاءها شرعيّة ضمنيّة لمُمارسة تأثيرها، وتأثيرات ذلك على الاستقرار الإقليمي الدولي، وكيف يُمكن أن تتكيف السياسات الدولية مع هذا النوع من الأنظمة.
وأوصت لجنة المناقشة التي ترأسها الدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير معهد البحوث والدراسات العربية، وضمت في عضويتها السفير محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق، والدكتور دلال محمود، أستاذ العلوم السياسية المساعد بالكلية والمشرف على الرسالة، بمنح الباحثة درجة الماجستير في العلوم السياسية بتقدير امتياز عن الرسالة المذكورة.






شارك