داعش والتطرف المناخي.. قراءة في خطاب العنف

السبت 18/يناير/2025 - 01:54 ص
طباعة  داعش والتطرف المناخي.. حسام الحداد
 
تعكس افتتاحية العدد 478 من صحيفة النبأ الخطاب الأيديولوجي الذي تتبناه الجماعات الجهادية، حيث توظّف الكوارث الطبيعية – في هذه الحالة، الحرائق التي اجتاحت الولايات المتحدة – كدليل على "العقاب الإلهي" المزعوم للأمم التي تعتبرها "معادية للإسلام". تعتمد المقالة على تفسير انتقائي للنصوص الدينية، بهدف إضفاء مشروعية دينية على رؤيتها، وفي الوقت ذاته، توظف هذه الكوارث كأداة للتحريض على العنف، من خلال تقديمها كـ "فرصة عملياتية" لتنفيذ هجمات إرهابية، مثل افتعال الحرائق عمدًا في المناطق المأهولة.
في هذا المقال التحليلي، سيتم تفكيك خطاب الافتتاحية عبر أربعة محاور رئيسية:
1. السياق العام والمحتوى الأيديولوجي: حيث سنناقش كيف يستخدم المقال الكوارث الطبيعية لتعزيز روايته الدعائية.
2. تحليل الخطاب وآلياته: من خلال استعراض آليات التلاعب بالمفاهيم الدينية، والازدواجية في الخطاب، والتحريض المقنّع على العنف.
3. استخدام المنطق الدائري والتناقضات الداخلية: إذ يُبرز المقال ازدواجيته في تفسير الكوارث، ويتناقض بين التشفي بالمصائب وبين دعوته للنصارى إلى الإسلام.
4. الانعكاسات الأمنية والدولية: حيث سنوضح كيف يُسهم هذا النوع من الخطابات في تعزيز التطرف، وخلق تهديدات أمنية عالمية، إضافة إلى زيادة العداء تجاه المسلمين في الغرب.
يهدف هذا التحليل إلى تسليط الضوء على الأساليب التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة في توجيه الرأي العام داخل أوساطها، كما يهدف إلى تفكيك الحجج الدعائية التي تقوم عليها هذه الخطابات، وبيان مخاطرها على المستويات الفكرية والأمنية والسياسية.

أولًا: السياق العام والمحتوى الأيديولوجي
تُعبر افتتاحية العدد 478 من صحيفة النبأ عن رؤية متطرفة تتبناها الجماعات الجهادية، حيث تُوظّف الكوارث الطبيعية كأداة دعائية لإثبات فكرة العقاب الإلهي على "الأمم الكافرة"، وفي هذه الحالة، الولايات المتحدة الأمريكية. ويُلاحظ أن المقال يهدف إلى تحقيق عدة غايات رئيسية:
1. إضفاء بُعد ديني على الكوارث الطبيعية
تعتمد افتتاحية العدد 478 من صحيفة النبأ على توظيف الكوارث الطبيعية ضمن سردية دينية تهدف إلى إقناع المتلقي بأن ما يحدث في الولايات المتحدة ليس مجرد ظاهرة بيئية، بل هو عقاب إلهي مستحق. يستند المقال إلى مجموعة من الآيات والتفاسير التي تتحدث عن "القوارع" التي تصيب الأمم الكافرة، محاولًا رسم صورة تُوحي بأن هذه الأحداث ليست سوى تنفيذ للوعد الإلهي بعقاب الظالمين. هذا الخطاب يستند إلى قراءة انتقائية للنصوص الدينية، حيث يتم إغفال البُعد الكوني للقوانين الطبيعية التي تُسيّر العالم، ويتم تقديم الكوارث باعتبارها أدوات إلهية للانتقام من أعداء الإسلام، متجاهلًا أن مثل هذه الكوارث تضرب أيضًا دولًا إسلامية دون أن يتم تفسيرها بنفس المنطق.
علاوة على ذلك، يسعى المقال إلى تعزيز شعور الفرح والشماتة لدى أتباع الفكر الجهادي، من خلال تصوير الحريق في أمريكا على أنه "نموذج مصغر" للعذاب الذي ينتظرهم في الآخرة. هذه اللغة العاطفية تُستخدم لجذب المشاعر الدينية للمؤيدين، وإقناعهم بأن ما يحدث هو جزء من "العدالة الإلهية" التي ستستمر حتى القضاء على أعداء الإسلام. هذه الاستراتيجية الخطابية تُساعد في تأجيج مشاعر العداء تجاه الغرب، وتُعزز منطق الصراع الأبدي بين "المؤمنين" و"الكافرين"، وهو منطق تحرص الجماعات الجهادية على ترسيخه لضمان استمرار التجنيد والتحريض.
2. تقديم تفسير سياسي منحاز للأحداث
المقال لا يكتفي بالطرح الديني، بل يُضيف بعدًا سياسيًا واضحًا من خلال تصوير الكارثة البيئية في الولايات المتحدة على أنها دليل على ضعف النظام الأمريكي وعجزه عن مواجهة التحديات الكبرى. يتم استغلال هذه الأزمة الطبيعية لترويج سردية تُوحي بأن "الدولة العظمى" ليست سوى كيان هش، سرعان ما ينهار أمام قوى الطبيعة، التي يتم تقديمها على أنها "جنود الله" التي تعمل وفق مشيئته. في هذا السياق، يصبح الاحتراق والفوضى التي تشهدها أمريكا ليس مجرد كارثة بيئية، بل "رسالة إلهية" تهدف إلى إذلال القوة العظمى وجعلها عبرة لمن يعتبر، وهو خطاب يُغذي الشعور بالتشفي لدى الجمهور المستهدف.
كما يعتمد المقال على استغلال الجانب الاقتصادي للأزمة، حيث يشير إلى أن المؤسسات المالية الأمريكية، وخصوصًا قطاع التأمين والإسكان، تعرضت لخسائر كبيرة بسبب الحرائق، مما يعزز الطرح القائل بأن أمريكا تفقد سيطرتها على الأوضاع الداخلية. هذا التوظيف السياسي للأحداث يُحاول زرع فكرة أن الولايات المتحدة ليست بالقوة التي تدّعيها، وأن أي اضطراب قد يكون بداية لانهيارها. مثل هذه السرديات تُستخدم في الدعاية الجهادية لتبرير استمرار القتال ضد الغرب، حيث يتم تقديم أي ضعف أمريكي كدليل على "قرب النصر"، وهي استراتيجية نفسية تُساعد في إبقاء الحماس لدى المقاتلين والمتعاطفين مع التنظيم.
3. تحريض ضمني على العنف
يتجاوز المقال مجرد تحليل الأحداث إلى تقديم تلميحات مباشرة حول إمكانية استغلال هذه الكوارث لتنفيذ هجمات إرهابية. من خلال الإشارة إلى أن الفوضى الناتجة عن الحرائق تُشكل "فرصة عملياتية ملهمة"، يدعو المقال بشكل غير مباشر إلى التفكير في كيفية توظيف مثل هذه الأزمات لتنفيذ عمليات إرهابية داخل الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية. هذه الإشارة تندرج ضمن خطاب "الذئاب المنفردة"، حيث يتم تشجيع الأفراد الذين ليس لديهم ارتباط تنظيمي مباشر على تنفيذ هجمات بأساليب بسيطة، مثل إشعال الحرائق عمدًا، وهو أسلوب يهدف إلى تحقيق أكبر قدر من الضرر بتكلفة منخفضة جدًا.
يتم تقديم فكرة افتعال الحرائق كتكتيك سهل التنفيذ، حيث لا يحتاج الفرد سوى إلى "رحلة تخييم" في إحدى الغابات القريبة من المناطق السكنية، ثم إشعال النار والانسحاب بهدوء. هذه اللغة تُشير بوضوح إلى أن المقال لا يقتصر على التحليل أو الشماتة، بل يسعى إلى إلهام عمليات إرهابية فعلية. مثل هذا التحريض يُشكل تهديدًا مباشرًا للأمن، حيث قد يدفع أفرادًا متطرفين إلى تنفيذ مثل هذه الأفكار على أرض الواقع. وهذا يُظهر كيف تستخدم الجماعات الجهادية الإعلام والدعاية لخلق بيئة تحريضية تُشجع على العنف وتُقدّمه كواجب ديني.

ثانيًا: تحليل الخطاب وآلياته:
1. التلاعب بالمفاهيم الدينية
يعتمد المقال على اقتباس آيات قرآنية وتوظيفها بطريقة انتقائية لتعزيز السردية الجهادية، حيث يتم انتزاع النصوص من سياقاتها الأصلية وإعادة تأويلها بما يخدم الأيديولوجيا المتطرفة. فعلى سبيل المثال، يتم الاستشهاد بالآية: "وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ" (الأنفال: 59)، وتقديمها على أنها تأكيد إلهي على أن الكوارث التي تصيب "أعداء الإسلام" هي جزء من خطة ربانية لمعاقبتهم. غير أن هذا التفسير يغفل السياق الأوسع للآية، الذي يتحدث عن سنن الابتلاء والتمحيص التي تشمل المؤمنين والكافرين على حد سواء. فالقرآن الكريم يؤكد أن المصائب تأتي كاختبار وابتلاء لجميع البشر، وليس كعقوبة حصرية للكافرين، كما ورد في قوله تعالى: "وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً" (الأنبياء: 35).
إضافة إلى ذلك، يقوم المقال باستدعاء مفهوم "القوارع" وربطه حصريًا بعقاب الكافرين، متجاهلًا أن الكوارث الطبيعية تصيب الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية. فالزلازل والفيضانات والحرائق لا تفرّق بين مؤمن وكافر، كما أن النصوص الشرعية تُشير إلى أن الابتلاء قد يكون وسيلة لرفع درجات المؤمنين أو تطهير ذنوبهم. لكن الخطاب الجهادي يُعيد تفسير هذه الأحداث بطريقة انتقائية، بحيث تصبح كل كارثة تضرب الغرب دليلًا على غضب الله، بينما يتم تجاهل أو تبرير الكوارث التي تصيب الدول الإسلامية. هذا الانتقائية تهدف إلى تعزيز الشعور بالتمايز والعداء، وتحويل الدين إلى أداة سياسية لتبرير العنف والانتقام.
2. ازدواجية المعايير في الخطاب الديني
ينتقد المقال التيارات الإسلامية الأخرى، وخاصة "الإخوان المسلمين"، بسبب مواقفهم "الانتقائية" في تفسير الكوارث الطبيعية، ويصفهم بأنهم يُطوّعون الدين وفق أجنداتهم السياسية. لكنه في الوقت ذاته يقع في نفس الفخ، حيث يقوم الخطاب الجهادي ذاته بتفسير الأحداث وفقًا لمصلحته الخاصة. فحين تضرب الكوارث أمريكا أو أوروبا، يتم اعتبارها "عقابًا إلهيًا"، لكن حين تضرب العالم الإسلامي، يتم التعامل معها على أنها "ابتلاء" للمؤمنين، أو حتى يتم تجاهلها بالكامل. هذه الازدواجية تُظهر أن الهدف ليس تقديم تفسير ديني موضوعي، بل استخدام الدين كأداة لتبرير خطاب الكراهية والتحريض.
علاوة على ذلك، يهاجم المقال التأويلات العلمية للكوارث الطبيعية، حيث ينتقد من يُفسر الحرائق والفيضانات والتغيرات المناخية على أنها ناتجة عن أسباب علمية مثل الاحتباس الحراري، زاعمًا أن هذه التفسيرات تحاول "نزع البُعد الإلهي" عن الأحداث. غير أن الإسلام نفسه لا يُنكر الأسباب الطبيعية، بل يؤكد أن الظواهر الكونية تسير وفق سنن إلهية ثابتة. فالقرآن يُشير بوضوح إلى قوانين الطبيعة التي وضعها الله، كما في قوله تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ" (الأنبياء: 30)، وهو ما يتماشى مع الفهم العلمي لكيفية عمل الكون. لكن الخطاب الجهادي يُحاول اختزال كل الكوارث في مفهوم "العقاب الإلهي"، مما يعكس موقفًا مضادًا للعلم والعقلانية، ويُعزز مناخ الجهل والتعصب.
3. التحريض على العنف باستخدام الرمزية الدينية
يعتمد المقال على أسلوب إيحائي في التحريض على العنف، حيث يُقدّم توصيفًا ظاهريًا لواقع الكوارث، لكنه في الحقيقة يُلمّح إلى إمكانية استغلال هذه الأوضاع لتنفيذ عمليات إرهابية. فعبارات مثل: "هذا مشهد مصغر للعجز الأمريكي أمام قدرة الخالق تعالى، وهو مشهد تقريبي لما قد تشهده الدول الصليبية المتغطرسة في حال داهمتها قوارع أكبر وأوسع"، ليست مجرد تحليل للأحداث، بل تهيئة نفسية للقارئ ليعتبر هذه الكوارث فرصة سانحة لضرب "العدو". الأسلوب المستخدم هنا هو أحد الأساليب التقليدية في الدعاية الجهادية، حيث يتم دمج الوصف التقريري بالتحريض غير المباشر، مما يجعل الخطاب أكثر تأثيرًا على العقول القابلة للتأثر بهذه الأفكار.
علاوة على ذلك، يُقدم المقال فكرة افتعال الحرائق كوسيلة جهادية، حيث يُصور الأمر وكأنه "تكتيك بسيط" يمكن لأي فرد أن ينفذه بسهولة. فالإشارة إلى "رحلة تخييم" إلى إحدى الغابات القريبة من الأحياء السكنية، ثم إضرام النار والانسحاب بهدوء"، تُعد بمثابة تعليمات عملية لشن هجمات بأسلوب "الذئاب المنفردة". هذه اللغة الرمزية تجعل المقال ليس مجرد تحليل سياسي أو ديني، بل دعوة مباشرة للتحرك العملي. هذا النوع من الخطاب يُعتبر من أخطر أدوات الجماعات المتطرفة، حيث لا يحتاج المتلقي إلى انتماء تنظيمي لتنفيذ الفكرة، بل يكفي أن يقتنع بالرسالة ويقرر التصرف بناءً عليها. وهذا ما يجعل الإعلام الجهادي أداة فعالة في تجنيد الأفراد وتحفيزهم على العنف دون الحاجة إلى تواصل مباشر مع التنظيمات الإرهابية.

ثالثًا: التناقضات الداخلية في الطرح
1. استخدام منطق دائري في تفسير الأحداث
يستخدم المقال منطقًا دائريًا لتفسير الكوارث الطبيعية، حيث يتم تأويل الأحداث وفقًا لأجندة مسبقة بدلًا من تحليلها بموضوعية. فعندما تضرب الكوارث الطبيعية الدول الإسلامية، يتم تقديمها على أنها ابتلاء واختبار من الله للمؤمنين، بهدف تمحيصهم ورفع درجاتهم، لكن عندما تصيب نفس الكوارث الدول الغربية، يتم تقديمها كعقاب إلهي للكافرين. هذه الازدواجية تُظهر بوضوح أن الهدف ليس تقديم تفسير ديني قائم على المبادئ الثابتة، بل استخدام الدين كأداة للترويج لأيديولوجية محددة. فالمقال لا يعترف بأن الابتلاء قد يكون عامًا، وقد يُصيب المسلم وغير المسلم لأسباب طبيعية واجتماعية واقتصادية تتجاوز التفسيرات الدينية الانتقائية.
علاوة على ذلك، يتجاهل المقال حقيقة أن الكوارث الطبيعية تضرب الدول الإسلامية بنفس الشدة، وأحيانًا بشكل أكثر تكرارًا، فلماذا لا يتم اعتبارها "قوارع" وعقوبات إلهية ضد المسلمين على ذنوبهم وفق نفس المنطق؟ على سبيل المثال، الزلازل والفيضانات التي تضرب دولًا مسلمة مثل تركيا وإندونيسيا وباكستان يتم تفسيرها غالبًا على أنها "اختبار"، بينما لو حدثت نفس الكوارث في أمريكا أو أوروبا، يتم اعتبارها "انتقامًا إلهيًا". هذه الانتقائية في التفسير تُظهر أن الخطاب الجهادي لا يعتمد على منطق ديني ثابت، بل يُعيد تشكيل المفاهيم الدينية وفقًا لظروفه السياسية وأهدافه الأيديولوجية.
2. مفارقة التشفي والدعوة إلى الإسلام
في نهاية المقال، يوجه الكاتب خطابًا إلى المسيحيين يدعوهم إلى الإسلام، مستخدمًا أسلوبًا إنذاريًا يُحذرهم فيه من أنهم سيتعرضون للعذاب إن لم يعتنقوا الدين. لكن المفارقة أن هذه الدعوة تأتي في سياق مليء بالكراهية والتشفي، حيث يتم تصوير الكوارث التي تصيبهم على أنها عقوبة إلهية مستحقة، بل ويشجع على استغلال هذه الأوضاع لمهاجمتهم. هذا التناقض يطرح تساؤلًا جوهريًا: كيف يمكن أن تكون دعوة الإسلام مقنعة وهي تأتي مشبعة بالكراهية والتحريض؟ فالإسلام كدين يدعو إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وليس إلى فرض العقيدة من خلال الإرهاب أو استغلال الأزمات الإنسانية.
علاوة على ذلك، المقال لا يكتفي بالتشفي في معاناة الآخرين، بل يصل إلى حد التحريض على استهدافهم وإيذائهم. فبينما يدعو النصارى إلى الإسلام، يتحدث عن ضرورة إيقاع مزيد من المصائب عليهم، مما يُفرغ الدعوة من أي مضمون أخلاقي أو روحي. فكيف يمكن إقناع الناس بالدين وهم يُعامَلون كأعداء يجب استغلال ضعفهم لضربهم؟ هذه الازدواجية تُظهر أن الهدف الحقيقي ليس نشر الإسلام بالحكمة، بل استخدامه كأداة لتبرير العنف وتعزيز خطاب الكراهية.

رابعًا: الأثر الدعائي والانعكاسات الأمنية
1. تحريض مباشر وغير مباشر
المقال يُعدّ نموذجًا واضحًا للدعاية الجهادية التي تعتمد على التحريض غير المباشر، إذ لا يدعو صراحة إلى تنفيذ هجمات إرهابية، لكنه يُمهّد لذلك عبر خلق بيئة فكرية تقبل العنف كوسيلة مشروعة لتحقيق الأهداف السياسية والدينية. فمن خلال الحديث عن الفوضى الناجمة عن الكوارث الطبيعية، والإشارة إلى هشاشة الأمن في مثل هذه الظروف، يزرع المقال فكرة أن هذه الفوضى تمثل "فرصة عملياتية" للمجاهدين. كما أن استخدام أسلوب "التساؤل التحريضي"—مثل تساؤله عمّا إذا كان يمكن للمجاهدين افتعال حرائق مماثلة—يُعدّ تقنية نفسية تهدف إلى زرع الفكرة في أذهان القرّاء دون تحمل المسؤولية المباشرة عنها. هذه الطريقة تجعل المقال يبدو كتحليل للأحداث، لكنه في الواقع يوجّه العقلية الجهادية نحو التفكير في تنفيذ عمليات تخريبية.
علاوة على ذلك، يُقدم المقال نموذجًا لما يُعرف "بالجهاد الفردي" أو "الذئاب المنفردة"، وهي استراتيجية تعتمد على تحفيز الأفراد على تنفيذ هجمات دون الحاجة إلى تخطيط مركزي أو دعم تنظيمي مباشر. فعندما يُصور المقال افتعال الحرائق على أنه سلاح بسيط يمكن لأي شخص استخدامه، فإنه يُرسل رسالة واضحة إلى أتباع التنظيم بأن تنفيذ العمليات الإرهابية ليس بحاجة إلى أسلحة متطورة أو عمليات معقدة، بل يمكن تحقيقه بأدوات بسيطة مثل إشعال النيران والانسحاب بهدوء. هذه الطريقة تجعل من الصعب على أجهزة الأمن رصد المخططات الإرهابية مسبقًا، مما يزيد من خطورتها.
2. انعكاسات على الأمن العالمي
مثل هذه الخطابات لا تؤدي فقط إلى التحريض على العنف، لكنها تُشكل تهديدًا أوسع للأمن الدولي، لأنها تخلق بيئة فكرية تُبرر الهجمات الإرهابية وتساعد في تجنيد عناصر جديدة. عندما يتم تقديم الأعمال الإرهابية كجزء من "الانتقام الإلهي"، فإنها تكتسب شرعية دينية في نظر الأتباع، مما يدفع بعضهم إلى تنفيذ هجمات دون الحاجة إلى أوامر مباشرة من التنظيمات الإرهابية. وهذا يساهم في تصاعد التهديدات الأمنية، خصوصًا في الدول الغربية، حيث يمكن للأفراد المتأثرين بهذا الخطاب تنفيذ عمليات داخلية دون أن يكون لهم ارتباط تنظيمي واضح.
إضافة إلى ذلك، تُساهم هذه الخطابات في تعزيز الصورة النمطية السلبية عن المسلمين، مما يؤدي إلى تصاعد الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية. فكلما انتشرت مثل هذه الدعوات التحريضية، زادت الضغوط على المسلمين في الغرب، سواء على مستوى السياسات الأمنية أو في حياتهم اليومية. وهذا يخلق دائرة مفرغة من التطرف المتبادل: فكلما نفذت الجماعات الجهادية عمليات إرهابية، ازداد العداء تجاه المسلمين، مما يؤدي إلى تهميش بعض الشباب المسلم، وهو ما قد يدفعهم نحو التطرف كرد فعل على التمييز والعداء. بهذه الطريقة، تصبح خطابات التحريض الإرهابي عاملًا مساهمًا في خلق بيئة عالمية أكثر عنفًا واستقطابًا.

خامسًا: الخاتمة – تفكيك الخطاب الجهادي
يُظهر هذا المقال كيف يستخدم الخطاب الجهادي الكوارث الطبيعية كأداة لتبرير العنف وتعزيز الأيديولوجيا المتطرفة. إنه خطاب يستند إلى الانتقائية في تفسير النصوص، ويتلاعب بالمفاهيم الدينية، ويهدف إلى خلق بيئة نفسية تُبرر الأعمال الإرهابية باعتبارها "انتقامًا إلهيًا". ولتفكيك مثل هذا الخطاب، يجب التركيز على:
تقديم فهم متزن للنصوص الدينية، يُبرز أن الابتلاءات تصيب الجميع، وأن الإسلام لا يُجيز استهداف المدنيين أو التحريض على العنف.
توضيح التناقضات الفكرية في الطرح الجهادي، وكشف كيف يتم توظيف الأحداث لخدمة أجندة محددة بعيدًا عن أي موضوعية دينية أو علمية.
تعزيز خطابات الاعتدال التي ترفض العنف باسم الدين، وتؤكد على أن الإسلام لا يتبنى فكرة التشفي في مصائب الآخرين.
في النهاية، يُعدّ هذا المقال نموذجًا لكيفية استخدام الأيديولوجيا المتطرفة للأحداث العالمية لتغذية خطاب الكراهية، مما يجعل مواجهته ضرورة فكرية وأمنية في آن واحد.

شارك