في دراسة قام بها كل من مارتين فريمبتون وشيراز ماهر، حملت عنوان "بين المشاركة وقيم بريطانيا- علاقة الإخوان المسلمين بالحكومة البريطانية من سبتمبر حتى ثورات الربيع العربي"، أشارت الدراسة أن العلاقة بين بريطانيا والإخوان اتخذت العديد من المنحنيات المهمة، والتي كان من أبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتفجيرات لندن عام 2005، وأخيرا ثورات الربيع العربي في 2011، لتمثل تلك المراحل محاور رئيسية شكلت طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان ولندن.
في أعقاب تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في فبراير 2011، كان ديفيد كاميرون أول مسئول بريطاني يزور مصر، في وعود منه للمصريين بمد يد بلاده لمساعدة مصر لإنشاء دولة ديمقراطية، في تلك الأثناء رفض كاميرون إجراء أي لقاء مع الإخوان المسلمين، الرفض الذي جعل عصام العريان عضو مكتب الإرشاد يشن هجوما حادا على كاميرون، وبحلول إبريل 2011 ، أفادت التقارير أن وفدًا من الخارجية البريطانية بقيادة ماري لويز آرتشر القنصل العام بالقاهرة، زار المكتب الإداري للجماعة في الإسكندرية، والذي أعلنه موقع الجماعة باللغة الإنجليزية "إخوان أون لاين"، ولكن لفهم الأحداث التي تلت ثورة يناير في مصر، علينا أن نفهم منظور العلاقة بين بريطانيا والإخوان المسلمين منذ تفجيرات سبتمبر 2001 حتى يناير 2011.
يعد التحالف البريطاني مع الجماعات الإسلامية وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، أحد أركان السياسة البريطانية الطويلة الأمد التي انتهجتها منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك لخلق أجيال جديدة من الإسلاميين واتخاذهم كحلفاء محتملين لبقائها، كجزء من جهد الدولة للحفاظ على النفوذ الإمبراطوري، أو كوسيلة لتوفير بديل لتحديات أكثر خطورة، تظهر في الساحة السياسية وتعارض مصالحها، مثل تلك الناصرية والشيوعية.
كمال الهلباوي ومرحلة التسعينيات:
في مقابلة صحفية أجراها الدكتور كمال الهلباوي (أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان في لندن في فترة التسعينيات) مع صحيفة الشرق الأوسط، أكد الهلباوي أن التعاون بين الحكومة البريطانية وجماعة الإخوان تعد سمة ثابتة من سياسة بريطانيا، وقال الهلباوي إنه خلال منتصف 1990، عندما شن حسني مبارك حملة على الجماعات الإسلامية المصرية، فإن الحكومة البريطانية التي وفرت اللجوء السياسي لأغلب أعضاء الجماعات الإسلامية، عرضت عليه حماية شخصية، وهو الأمر الذي كشفت عنه سلسلة الوثائق التي كشفها الصحفي مارتن برايت المحرر السياسي بجريدة الجارديان عام 2005، والتي أكدت بأن المسئولين في المملكة المتحدة كانوا على علاقة وطيدة مع الإخوان المسلمين خلال معظم سنوات العقد الماضي.
كشفت الوثائق أيضًا أنه قبل عام 2002 كانت وزارة الخارجية تحتفظ بالتواصل على مستوى العمل مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وبعض أعضاء البرلمان، هذه الاتصالات التي كشفتها السلطات المصرية وأبدت استياءها بشكل واضح للمسئولين البريطانيين، مما دفع وزارة الخارجية إلى تخفيض مشاركتها مع الإخوان لتكون اتصالات عرضية فقط، على أن يكون هناك اتصال دائم بعدد محدد جدًّا من الأعضاء، بما في ذلك واحد أو اثنين من الاتصالات مع البرلمانيين واللقاءات العشوائية، الأمر الذي أكدته وزارة الخارجية من خلال المراسلات الداخلية لها، والذي تم طرحه بموجب قانون حرية تداول المعلومات، والذي كشف أنه على الرغم من الاتصالات إلا أنه تم تقليصها، ولكن هذه المحدودية لم تمنع المسئولين البريطانيين من عقد اجتماع مع مرشد الجماعة آنذاك مأمون الهضيبي، وعدد مع بعض الأعضاء البارزين بالجماعة، منهم عصام العريان، وبحضور كمال الهلباوي وزير خارجية الإخوان في لندن.
تفجيرات لندن بداية التمويل الرسمي لجماعة الإخوان:
1.تفجيرات لندن
استطاعت جماعة الإخوان المسلمين تلقي أموال طائلة من الحكومة البريطانية بحجة نشر الإسلام الوَسَطِي في المجتمع الإنجليزي، وكانت تعمل من خلال الجمعيات الخيرية التي يرأسها وتتبع جماعة الإخوان بشكل مباشر في لندن، الأمر الذي كانت تعلمه المخابرات البريطانية بمكتبيها الخامس والسادس، والتي أوصت بضرورة تمويل الإخوان لردع الإسلام الراديكالي المتطرف في المجتمع الإنجليزي، وفي نفس الوقت تكون الذراع لابتزاز الحكومة المصرية.
البداية كانت في 2004، أي قبل عام من تفجيرات 7 يوليو 2005، والمعروفة بتفجيرات لندن 7/7، تعاونت وزارة الخارجية البريطانية والكومنولث مع مجموعة العالم الإسلامي ( EIWG )، تهدف إلى خلق بيئة متوائمة مع الدول الإسلامية ومحاولة فهمها، المهمة التي بدأتها بريطانيا على عاتقها بعد تفجيرات 11 سبتمبر، الفترة التي تم وصفها في وقت لاحق بـ"الحرب على الإرهاب"، وتعهدت EIWG بزيادة فهم الإسلام والمشاركة مع الدول والمجتمعات الإسلامية، والتقريب بين الجانبين لمواجهة الأسس الأيديولوجية الإرهابية، من أجل منع التطرف وحدوث وقوع هجمات محتملة، أيضا كان من إحدى مهامها تسهيل المشاركة البناءة مع مجموعة واسعة من مجموعات الرأي، استغرق ظهور مجموعة العالم الإسلامي EIWG فترة، ولكنها كانت معدة على أن تكون الجزء المركزي من مبادرة وزارة الخارجية البريطانية، والتي أطلق عليها مبادرة "المنع".
وتشكل خطة "المنع" واحدة من أربعة أركان أساسية من استراتيجية أوسع نطاقا تسمى "التسابق"، والتي هدفها مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة، نشرت لأول مرة في عام 2006، أما الثلاثة الأخرى فهي "المتابعة" "الحماية" و"الإعداد"، في محاولة من جانب بريطانيا لنشر "القوة الناعمة"، لمكافحة التهديدات العنيفة للمتطرفين، ومواجهة أي عملية إرهابية مستقبلية، ولهذا كان الهم الأول للبريطانيين إشراك المجتمعات الإسلامية والمجموعات والأفراد داخل المجتمع البريطاني في الداخل والخارج، لا أن يكونوا بمعزل عن المجتمع الإنجليزي، وضمن هذا السياق طرحت خطة "المنع" إمكانية مشاركة الإسلاميين داخل الحكومة.
تطورت ملامح خطة المنع في أعقاب تفجيرات يوليو عام 2005، حيث تحولت الحكومة لتتحدث نيابة عن المسلمين البريطانيين، ووفقا لتقرير الشرطة البريطانية التي عملت في سبع مجموعات ميدانية للتحقيق في مدى التطرف بداخل المجتمعات البريطانية المسلمة، وقد تم تقديمه في وقت لاحق لرئيس الوزراء توني بلير آنذاك، التقرير أشار أن منفذي التفجيرات معظمهم أفراد من المجلس الإسلامي في بريطانيا، وهي نفس المجموعة، التي تتبنى أفكارا متطرفة بسبب صلات أفراده بالجماعة الإسلامية الموجودة بجنوب آسيا، والتي كان الإخوان المسلمون أحد المشاركين في مجموعات عمل معها.
حرس رفيق، واحد ممن استقالوا من المجلس احتجاجا على أعمال العنف، وأحد المحتجين ومنتقدي الحكومة البريطانية في تعاملها مع الإسلاميين على أساس "حتمية الأمن"، على الرغم من أنه كان أول من وضع إطار عمل خطة "المنع" في البداية، لكن في عام 2006 كشفت الشرطة مؤامرة طموحة من قبل مجموعة من المسلمين البريطانيين لتفجير قنابل في وقت واحد، على بعض طائرات الأطلسي التي كانت في طريقها من لندن إلى الولايات المتحدة، كان حجم المؤامرة كبيرا وضخما لم يسبق له مثيل، العملية من قوتها كانت ستغطي على أحداث 11/9، الأمر الذي ألقى فيه أعضاء من الحكومة السابقة اللوم على الخارجية البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية؛ لفشلهما في حربهما على الإرهاب وتكريس دوافع كراهية ضدهما لدى شعوب العالم الإسلامي؛ لذلك سعت الحكومة إلى إعادة توازن علاقاتها مع جماعات مثل المجلس الإسلامي البريطاني من خلال تمكين منظمات بديلة على المستوى الشعبي، وتمويل بعض جماعات الإسلام الحديث في مواجهة الإسلام الراديكالي، وكان الإخوان المسلمون هم أفضل من يمثلوا هذا النوع من الإسلاميين، والتي تعمل في عدد من الجمعيات مثل جمعية مسلمي بريطانيا ( MAB ) وفروعها، والتي أسسها كمال الهلباوي في النصف الثاني من التسعينيات، وبالتحديد في عام 1997، ومبادرة مسلمي البريطانية (BMI)، ومؤسسة قرطبة، وكافة هذه المؤسسات مراكز للإخوان المسلمين في نهاية الأمر.
2. ملايين البريطانيين لدعم الإخوان:
استطاع الإخوان المسلمين من تعزيز وضعهم من خلال جمعية مسلمي بريطانيا والتي كان أعضاؤها في ذلك الوقت (عزام التميمي)، والمعروف دوليا بالمبعوث الخاص من جانب حركة حماس، وأيضا كان أحد أعضاء الدفاع عن المجموعة، ومحمد صوالحة القيادي في حركة حماس بالضفة الغربية حتى منتصف 1990، بعد أن لعب دورا محوريا في MAB، والذي أسس في وقت لاحق مبادرة مسلمي البريطانية (BMI) عام 2006، وأخيرا أنس التكريتي والمعني بشكل وثيق بالمبادرة وهو الرئيس السابق لجمعية مسلمي بريطانيا، والمؤسس الظاهري لمؤسسة قرطبة في 2005، والتي تهدف لتشجيع الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي.
للأسف ليس من الواضح طبيعة العلاقة الدقيقة بين المؤسسات الثلاث، ولكن وفقا لمبادرات تعديل خطة المنع، فإن هذه المنظمات استفادت من التمويل الرسمي للحكومة البريطانية، حيث تم تخصيص 34 ألف جنيه استرليني لمؤسسة قرطبة عام 2006، من قبل السلطة المحلية تاور هامليتس، وذلك للأنشطة التي تهدف إلى مكافحة التطرف، في الوقت نفسه تم إنشاء المجلس الاستشاري (MINAB) بمشاركة أربع منظمات، كانت جمعية مسلمي بريطانيا ومسجد الأئمة الوطني ضمن الأربع منظمات، وخصصت الحكومة لهذا المجلس 75.600 جنيه استرليني، لعامي 2007- 2008، ليصل إلى 116 ألفا لعامي 2008-2009.
من خلال هذه المبادرات، خصصت الخارجية البريطانية قدرا كبيرا من الأموال لخطة "المنع"، منها على سبيل المثال، تخصيص مبلغ خصصت 127.740 جنيها استرلينيا، إلى قسم مكافحة الإرهاب الخاصة في عامي 2008-2009، وذلك من أجل تعزيز "الإسلام المعتدل"، كما تلقى نفس القسم مبلغ 220.853 جنيها استرلينيا، لمشروع عرف باسم "مشروع الإسلام البريطاني".
مبادرة "تمكين أصوات التيار الرئيسي للإسلام" واحدة من المبادرات الأساسية لتلك المجموعة في هذا الصدد، استطاع مارتن برايت الصحفي بجريدة الجارديان من كشف سلسلة من وثائق وزارة الخارجية والداخلية التي تكشف بأن كل الأموال التي تلقتها تلك الجمعيات تم تجميعها بناء على طلب صريح من المسئولين بالخارجية البريطانية، وكان الدافع لها عمل قائمة بـ"الشخصيات الرائدة في العالم الإسلامي"، بما في ذلك الشخصيات ذات النفوذ الديني وكانت القائمة تضم 58 من جماعة الإخوان المسلمين من بين تلك التي تم تحديدها على أنها مجرد شخصيات عامة، وكان على رأس تلك القائمة كل من كمال الهلباوي ويوسف محمد القرضاوي.
تعاون ملكي مع القرضاوي:
في معركة مكافحة التطرف، استطاع الإخوان المسلمون تمثيل دور تيار الجماعات الإسلامية "المعتدلة"؛ ولهذا كانت تمثل الحليف الأمثل آنذاك، كما ورد في وثيقة وزارة الخارجية والتي تم رصدها بين يوليو 2004 وأغسطس 2006، والتي رصدت أهمية التعامل مع الدول الإسلامية.
وكان يوسف القرضاوي، موضع جدل عميق في بريطانيا منذ عام 2004، فهو عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين، وتم ترشيحه لتولي منصب المرشد العام لها مرتين إلا أنه رفض في المرتين، وفضل الاستقرار في قطر، مع الاحتفاظ بالتأثير الهائل داخل جماعة الإخوان، وأصبح على الحكومة البريطانية تحديد كافة التفاصيل عن هذا الرجل، في حال التعامل معه.
ترأس القرضاوي اجتماع المجلس الأوروبي لأبحاث الفتوى والذي تم عقده في يوليو 2004 بلندن، وإطلاق الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الأهم من ذلك، تمت دعوته لحضور حفل استقبال في الوايت هول بحضور عمدة لندن كين ليفينغستون، على الرغم من أن القرضاوي كان ممنوعا من دخول الولايات المتحدة بسبب الفتاوى التي أصدرها فيما برفض إعدام أحد الانتحاريين الفلسطينيين، إلا أنها لم تمثل للبريطانيين أي عقبة.!!
كانت وزارة الخارجية البريطانية على أتم استعداد لدعم دخول القرضاوي للبلاد؛ لأنه يعد شخصا استثنائيا بين المسلمين، كما أنه – أي القرضاوي – كان قد أدان تنظيم القاعدة والمتشددين من أعضاء طالبان، على الرغم من دعمه الواضح للتفجيرات الانتحارية في إسرائيل، والمقاومة في العراق، وخلص التقرير إلى أن القرضاوي كان ينظر إليه من قبل الأغلبية باعتباره أحد الإخوان البراجماتيين، فهو ليس بـ"متعصب" أو "متطرف"، وذلك وفقا لما ورد في مذكرة رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية إلى وزارة الداخلية في يوليو 2004.
على الرغم من وجود مخاوف وتحفظات لدى الحكومة البريطانية تجاه بعض آراء القرضاوي بشأن قضايا معينة، منها رأيه في المقاومة الفلسطينية، ودور المرأة في المجتمع الإسلامي، ولكن إيان بلير، رئيس الشرطة في العاصمة لندن في ذلك الوقت، سأل المسئولين: "هل أنتم ذاهبون للتحدث معه أم ستتراجعون من أجل بعض التحفظات؟"، فكان الرد هو: "نعم سنذهب للتحدث معه".
تميزت علاقة وزارة الخارجية مع القرضاوي، حيث استطاع القرضاوي مساعدة المجتمع الإنجليزي في مكافحة الإرهاب في زمن عرف باسم "الحرب على الإرهاب"؛ لهذا كان وجود المرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين رمزا لتطور العلاقة وتوطيدها بين الجماعة وبريطانيا التي قدمت في ظل علاقة القرضاوي دعما غير محدود للجماعة.
في عام 2008، أصدر جوشوا ستاشر الباحث في معهد أبحاث السياسة العامة ( IPPR ) تقريرا بعنوان "إخوة في الأسلحة"، أوصى فيه وبقوة ضرورة إشراك الإخوان المسلمين في مصر، باعتبارها عنصرا حاسما في المشهد السياسي المصري، خاصة وأن التقرير اعتبر أن الجماعة استطاعت إثبات نفسها لتكون إحدى الجهات الفاعلة السياسية ذاتية التطور، وينبغي أيضا اعتبارها شريكا محتملا لأي عمليات متعلقة بالتنمية السياسية الإقليمية، وعلى الرغم من أن وثائق السياسات الأخيرة التي تنتهجها جماعة الإخوان أظهرت وجود حركة رجعية عازمة على الحكم الديني بالقوة، إلا أنها تغاضت عن تلك النقطة، بل بدلا من ذلك، قيل إنها لإظهار مجموعة ملتزمة بتحقيق إصلاحات سياسية أكثر واقعية، وذهب التقرير إلى ضرورة عرض المعتقدات السياسية للجماعة، خاصة وأنها تستند إلى القيم العالمية.
انفصام في سياسة كاميرون مع الجماعة:
تتسم طبيعة السياسة البريطانية بالانفصام إلى حد ما، ففي الوقت الذي كان فيه العديد من المسئولين على أتم استعداد لمعاقبة وتعقب القرضاوي، إلا أنها في نفس الوقت كان هناك مجموعة أخرى تجري اتصالات للتعاون معه، وكذلك اتصالات مع المجلس الإسلامي البريطاني، وجماعة الإخوان المسلمين ولكن بشكل أوسع، على الرغم من تزايد الاحتجاجات من أولئك الذين يشكون في حكمة وفعالية هذه السياسة والمناهضين لها، وكان ديفيد كاميرون هاجم في لقاء له مع حزب العمال عام 2008، الحركات الإسلامية الموجودة في لندن، قائلا: "ينبغي أن تنعكس القيم البريطانية في السياسات الحكومية، ويجب أن تكون الرسالة واضحة لأولئك الذين يرفضون الديمقراطية؛ الذين يدعون الكراهية؛ لأولئك الذين يشجعون العنف؛ أنتم لستم جزءا من التيار الرئيسي من المجتمع الإنجليزي، كما أنكم لن تحصلوا على التمويل الحكومي بعد الآن؛ لأنكم ببساطة جزء غير مرحب بكم في مجتمعنا، سوف نهزم عقلياتكم المتطرفة حتى لو اضطررنا لمواجهتكم".
بعد فترة وجيزة شكلت كاميرون حكومة ائتلافية في مايو 2010، أعلن فيها منع جماعات مثل جمعية مسلمي بريطانيا، الممولة، كما أعلنت الحكومة أيضا أنها مسئولة مسئولية كاملة عن منع نقل هذه الجمعيات إلى الإدارات المحلية، وكلف كاميرون اللورد كارلايل بعمل تقرير شامل عن الطريقة التي كانت تسير بها خطة "المنع".
وخلال مؤتمر الأمن بميونيخ عام 2011، أوضح كاميرون الطريقة الجديدة الذي ستتعامل بها لندن مع الجماعات المتطرفة، مشددا على أهمية معالجة التطرف في حد ذاته، وبدلا من التطرف والعنف الذي اتسمت به الإدارات السابقة، والذي اجتذب انتقادات كثيرة، في تأكيد هذا التحول، استشهد كاميرون بأن "التطرف الإسلامي" لا يختلف عن دين الاسلام.
أبرز ما جاء في تقرير اللورد كارلايل في يونيو 2011، "أنه ثمة العديد من المشاكل التي غفلها رئيس الوزراء في خطابه بميونيخ، منها على سبيل المثال، اعترافه بوجود مجموعات من الجماعات المتطرفة أيدلوجيا تلقت من الحكومة البريطانية تمويلا لدعم الفكر المتطرف"، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا لدافعي الضرائب ومعارضي الحكومة الداعمين للقيم البريطانية، الأهم من ذلك، كما ذهب التقرير، بأنه على الحكومة إعادة تقييم خطة "المنع"، والتي تحتاج إلى إعادة صياغة، مع التركيز بصورة أكبر على معالجة الجانب الأيديولوجي والعقيدة المتطرفة لتلك الجماعات، والتي ستعد تحديا كبيرا في مواجهة الحكومة البريطانية.
استطاعت المعارضة النشطة إرساء بعض القيم البريطانية الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية وسيادة القانون وحرية الأفراد، والاحترام المتبادل والتسامح بين الديانات والمعتقدات المختلفة، كما شملت أيضا رفضها للتطرف والذي ينتج عنه وفاة أفراد قواتهم المسلحة، سواء في بريطانيا أو خارجها؛ ولهذا تم إنشاء ثلاث أولويات جديدة لخطة "المنع"، هي الرد على التحدي الأيديولوجي؛ منع الناس من الانجرار إلى الإرهاب، والعمل مع القطاعات والمؤسسات التي توجد فيها مخاطر الراديكالية الإسلامية، وذلك بالتنسيق بين مكتب الأمن وقسم مكافحة الإرهاب ومقره بوزارة الداخلية البريطانية، وتوجيهها من خلال واحدة من ثلاث مناطق رئيسية هي: السلطات المحلية، والشرطة، والعمل الدولي.
ولكن مع ثورات الخريف العربي وسقوط النظم الحاكمة في عدد من الدول العربية، تغيرت تلك المرتكزات في سياسة بريطانيا مع جماعة الإخوان على مستوى الدول العربية سواء في سوريا ومصر وتونس، واتخذ التعاون بينهما منحدرا جديدا.