دفعت سلسلة من التصعيدات المتبادلة بين مختلف الأطراف داخل سوريا بالوضع إلى حالة من الحرب الطائفية الإقليمية، التي يصعب كبح جماحها، هذه الحرب التي مزقت أوصال سوريا وشككت لأول مرة منذ نحو قرن في الحدود الإقليمية الفاصلة بين دول المنطقة، بل وأثارت احتمال نشوب صراع بين قوى دولية متمثلة في روسيا وإيران من جهة تساند نظام الأسد والولايات المتحدة والسعودية من جهة أخرى تساند المعارضة المتمثلة في الجماعات المتشددة والإرهابية.
وتتمثل أبرز أطراف الصراع دخل الأراضي السورية في:
1- نظام بشار الأسد
مع نهاية العام الماضي كانت قوات المعارضة قريبة من الضواحي المحيطة بوسط العاصمة دمشق، وبدا النظام الحاكم في وضع حرج، ولكن وعلى الرغم من حدوث بعض الانشقاقات في صفوف الجيش، فإنه لا يزال متماسكا على نحو ملحوظ، ولكن عدد القوات التي يمكن الاعتماد عليها محدود، وقد استهلكت طاقاتها.
مما دفع الأسد إلى اللجوء إلى حلفاء رئيسيين مثل روسيا وإيران، ويبدو أنه ظفر بتعهدات تؤكد أنهما لن يسمحا بسقوط نظام حكمه، وهذا ما جعل كفة الأحداث تميل لصالحه.
كما طردت المعارضة من الضواحي المحيطة بدمشق، ومع انقطاع خطوط الإمداد أو التهديد بذلك، لم تعد المعارضة في وضع يسمح لها باجتياح العاصمة، فضلا عن الضغوط عليها في الجبهات الأخرى.
ولعبت طهران دورا كبيرا في انقلاب الميزان في ميدان المعركة، عكس روسيا التي كان دورها أقل بروزا، حيث صد مقاتلون شيعة تابعون لجماعة حزب الله، التي تدعمها إيران، هجمات في مدينة القصير.
واستطاعوا بالتعاون مع مسلحي الشيعة، من لواء أبي الفضل العباس العراقي- وهم تنظيم إيراني أيضا- الدفاع عن ضريح السيدة زينب على الجانب الجنوبي لدمشق.
كما نجحت إيران بدور رئيسي في تشكيل ميليشيات الدفاع الوطني، وهي ميليشيات أغلب عناصرها من الطائفة العلوية، تتولى مهام الأمن في المناطق العلوية، وتساعد في التخفيف من مهام الجيش الذي يشكو من قلة العدد.
يبدو أن النظام أصبح الآن متماسكا جدا سياسيا وعسكريا، وله رؤية إستراتيجية واضحة، ويتمتع بدعم حلفاء يثق فيهم؛ مما يجعله أكثر استعدادا لتحمل فترة توازن واستنزاف من المعارضة التي باتت أكثر تشتتا وتمزيقا.
2- المعارضة المسلحة
تبدو المعارضة السورية المسلحة في وضع حرج، فهي منقسمة من الناحية العسكرية إلى مئات الجماعات المتنافسة، وبعضها لا يخضع على الإطلاق لرقابة مركزية، كما أن قيادتها السياسية تتسم بالفوضى وتتشكل من عناصر خارجية بشكل كبير ذات صلة سطحية وبغير نفوذ بعناصر داخل البلاد.
كما أن هذه المعارضة تواجه مشكلات كثيرة، منها نزعات الانفصال السائدة في المناطق الكردية في الشمال، وهي منطقة يطمح سكانها إلى الحكم الذاتي مثل الذي يتمتع به أقرانهم عبر الحدود الشمالية العراقية.
كما أن الممارسات المتشددة التي تقوم بها هذه الفصائل ضد المواطنين ومحاولة تطبيق مفهومها الضيق للشريعة عن طريق تطبيق الأحكام فقط، أدى ذلك إلى انخفاض شعبيتهم وتزمر الشارع السوري ضدهم، وهو ما يظهر بشكل واضح في مدينة مثل "الرقة" التي تسيطر عليها "داعش"، حيث دعا النشطاء للإضراب على مستوى المدينة احتجاجا على الممارسات القمعية والضرائب التي يفرضها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على المدينة.
كما أن أكبر خطر يواجه هذه المعارضة هو الاقتتال فيما بينها، وخاصة بين جبهتي "النصرة" و"داعش "، وهو ما جعل "أيمن الظواهري" زعيم تنظيم القاعدة يستشعر الخطر ويدعو إلى الهدنة بين التنظيمين، ودعا إلى إنشاء ما أسماه المحكمة الشرعية للبت في الخلافات بين الطرفين، ووجه الظواهري نداء لأبي بكر البغدادي زعيم "داعش" يطالبه فيه بالتفرغ للقتال في العراق، وطالب "جبهة النصرة" بوقف قتال من أسماهم المجاهدين.
3- جبهة النصرة
تنتمي منظمة "جبهة النصرة" للفكر السلفي الجهادي، وتعود البدايات الأولى لها إلى ديسمبر 2011 مع بداية الأزمة السورية، وقد نمت قدراتها بعدها، لتصبح في غضون أشهر من أبرز القوى المعارضة للنظام السوري.
وتتكون الجبهة من المجاهدين الإسلاميين السُنّة، الذين كانوا جزءا من تنظيم القاعدة بزعامة أبي مصعب الزرقاوي الذي كان يقاتل القوات الأمريكية في العراق، وعقب اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، أرسلت القاعدة مقاتليها إلى سوريا، كذلك ضمت "جبهة النصرة" مقاتلين عربا وأتراكا وأوزبك وشيشانيين وطاجيك وقلة من الأوروبيين، كما التحق بها عددٌ من الأمريكيين ذوي أصول جنوب آسيوية، وانضموا إلى القتال في سوريا، ومنهم "سينه نجوين فينه نغو"، المعروف باسم حسن أبي عمر غنوم، والذي اعتقل في ولاية كاليفورنيا في 11 أكتوبر 2013.
وبلغ عدد أعضاء "جبهة النصرة" عام 2013 ما يقارب الستة آلاف عضو، يتوزعون في هيكل تنظيمي يختلف بحسب المناطق في سوريا، ففي دمشق العاصمة التي يسيطر عليها النظام، يعمل التنظيم من خلال عدد من الخلايا السرية، بينما يختلف الأمر في حلب التي يسيطر التنظيم على أجزاء منها، وينتظم في شكل مجموعات على أسس عسكرية شبه تقليدية، عبارة عن وحدات مقسمة إلى ألوية، وأفواج وفصائل، بحيث يخضع المجندون في التنظيم لدورة تدريبية لمدة 10 أيام، يليها برنامج للتدريب العسكري لمدة تمتد إلى 20 يوما .
وتعد مدينة حمص مركزا لـ"جبهة النصرة"، وتتركز أهم مناطق عمليات الجبهة بمحافظات إدلب وحلب ودير الزور والغوطة.
4- الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"
يرجع تشكيل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" "داعش" إلى 15 أكتوبر 2006 بعد اجتماع مجموعة من الفصائل المسلحة ضمن معاهدة حلف المطيبين، الذي تم فيه اختيار "أبي عمر" زعيما للتنظيم في أول انشقاق تنظيمي عن القاعدة الذي كان يقوده أبو مصعب الزرقاوي داخل العراق.
وشن هذا التنظيم هجمات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأسلحة الكاتمة على الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة والمدنيين والمقاولين الأجانب ووزارات الدولة ومؤسساتها والمنظمات الدولية، وتكفير فئات من الشعب العراقي.
وبعد مقتل الزرقاوي بغارة جوية أمريكية استهدفته في محافظة ديالي وسط العراق- تغير اسم التنظيم ليحمل تسمية "دولة العراق الإسلامية"، ومع اندلاع الصراع المسلح بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد، ومعارضيه أعلنت قيادة تنظيم القاعدة في العراق عن دمجها مع قاعدة سوريا ليكونا "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بقيادة البغدادي.
وتمتلك "داعش" قوات قتالية كبيرة من الدبابات والصواريخ والسيارات المصفحة والسيارات الرباعية الدفع والأسلحة المتنوعة، التي حصلت عليها من الجيش العراقي، والجيش السوري، والجيش الأمريكي، والجيش البريطاني في العراق.
ويمتد نفوذ "داعش" في العديد من المناطق على رأسها محافظات الرقة وحلب وريف اللاذقية ودمشق وريفها ودير الزور وحمص وحماه والحسكة وإدلب، ويتفاوت هذا التواجد والسيطرة العسكرية من محافظة لأخرى، فمثلا لديها نفوذ قوي في محافظة الرقة وفي بعض أجزاء محافظة حلب، بينما نفوذها يقل في حمص واللاذقية.