فى الشهور الأخيرة، بخاصة بعد عملية اغتيال الحوثيين للرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، أحد أبرز الأطراف الفاعلة فى اليمن، تغير شكل الصراع اليمنى كثيرًا، ودخل مرحلة جديدة من المتوقع أن تتسبب فى تبديل مساره خلال عام ٢٠١٨، الذى ربما يشهد اليمن فيه تصعيدًا أكثر خطورة، يؤدى إلى مزيد من التفرقة والتجزئة، وهذا إن حدث سيكون بفضل تحول النزاع السياسى الإيديولوجى إلى نزاع قبلي، تنتج عنه حروب قبلية تحت مسميات الثأر والعصبية.
فضلًا عما سبق سنرى محاولات أكثر لطهران، للانخراط فى النزاع اليمنى الذى سيكون متفجرًا للغاية، إن لم يتم التوصل إلى حل ممكن يضع نهاية لهذا النزاع الذى قد يطول حتى نهاية عام ٢٠١٨ على الأقل، هذا رغم بداية الشرعية فى اليمن بفرض سلطتها على ثلاثة أرباع البلاد، ليبقى حسم المعركة على مدينتى صنعاء وميناء الحديدة، وفى حال تحريرهما ستتغير خريطة الصراع بشكل جذري، قياسًا على الوضع الحالى لأفغانستان، التى حصرت تواجد طالبان فى المناطق الجبلية.
وفيما يخص تنظيمى «القاعدة» و«داعش» داخل الأراضى اليمنية، لا يجوز الفصل بينهما فى الخطوط العريضة كثيرًا نظرًا لخصوصية الملف اليمني، فهما على كل حال لهما مصير متشابه على هذه الأرض، رغم فشل تنظيم «داعش» الوليد فى اليمن، فى إظهار نفسه بنفس قوة «القاعدة»، مقارنة بتنظيم «داعش» المركزى فى الشام والعراق.
ومن المنتظر فى الشهور القليلة القادمة، رفع وتيرة الضغط من قبل تحالف دعم الشرعية، مما سيؤدى إلى تقوقع إرهابيى «داعش» و«القاعدة» داخل نطاقات أقل مساحة وتأثيراً، فالتنظيمان سيخسران يوميًا المزيد من الأرض والموالين وعناصر القيادة، بفضل نجاح التحالف العربى فى قطع الطريق عليهما فى أغلب مناطقه التقليدية شمال وجنوب ووسط اليمن.
ومع نهاية العام ٢٠١٧، عاش التنظيمان مرحلة هى الأسوأ، والأكثر ضعفًا؛ حيث فقد تنظيم القاعدة أهم عناصره التى كان يعتمد عليها ميدانيًا وإعلاميًا، وفر إلى مخابئه القديمة فى الكهوف والجبال وشعاب الأودية، فيما أصبح تنظيم داعش أضعف من أن يكون له تهديدات خارجية، وبالتالى سيمر التنظيمان فى ٢٠١٨ بمرحلة هى الأصعب، نظرًا لتلقيهما هزائم ضخمة أثرت فى كيانهما ووجودهما، وكذلك أفقدتهما القدرة على الاستقطاب والتمدد.
ولأن «داعش اليمن» لم يحظ بقبول داخل الأوساط اليمنية مقارنة بتنظيم القاعدة، لكونه أكثر تشددًا مع المخالفين لأفكاره، فضلًا عن ما يدور من شبهات حول ارتباطاته بأجهزة وقوى مشبوهة، فلم يجد الحاضنة الشعبية التى تُشجعه على إعلان نفسه رسميًّا، وغالبًا لن يجد فى اليمن قاعدة لبسط نفوذه وتمكنه من التحكم والسيطرة كما يطمح.
وبالتالى مستقبل «داعش» فى اليمن، قد يكون معدومًا، ولن يخرج عن مستوى محاولات «إثبات الوجود» التى سيقوم بها عبر تنفيذ هجمات غير مؤثرة، وهذا يأتى رغم احتضان عدة محافظات يمنية كالعاصمة صنعاء شمالًا، والبيضاء بوسط اليمن، وحضرموت جنوبًا، قلة من عناصر «داعش» الأجنبية، والعربية، ممن يسكنون فى أماكن تسمى «المأوى»، يتخذون منها منطلقًا لنشر الفكر المتطرف، وإعداد مقاتليهم، والتجهيز لعملياتهم، والشواهد تقول إنهم لن يستطيعوا إحداث تغيير ملحوظ سواء فى واقع التنظيم السيئ، أو على مستوى خريطة الصراع على أرض اليمن.
من المؤكد أن خريطة التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة فى الإقليم- حيث المنبع الرئيسى لكل هؤلاء- ستشهد تطورات وتغييرات عدة، كنتيجة واقعية وضرورية، بعد انحسار وتقزم قدرات تنظيم البغدادي، وهو ما سيعود حتمًا على دور وتأثير أغلب التنظيمات الفاعلة والنشطة، فى الشرق الأوسط وأفريقيا، مثل: «القاعدة» فروعها وأتباعها، و«داعش» بفروعه، و«هيئة تحرير الشام»، و«بوكو حرام»، و«جند الخلافة»، وغيرها.
وعن ذلك توجد أسباب أخرى كفيلة بتغيير خريطة وشكل التنظيمات المتطرفة، من ضمنها الطبيعة الجغرافية والسكانية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بمناطق تمركزها، نظرًا لاعتماد المتطرفين على استغلال الأوضاع الاقتصادية، الضعيفة، والتركيبة الاجتماعية الهشة، لاستقطاب عناصر جديدة.. وبالتوقف عند هذه النقطة، سيحيلنا الأمر إلى تلك الأدبيات التى يعتمدها تنظيم داعش، كمفهوم إدارة الفوضى المتوحشة، المنقسمة إلى ٣ مراحل، ألا وهي: (الإنهاك، وإدارة التوحش، والتمكين).
وترتبط عوامل التحول فى البيئة السياسية والأمنية الجارية بالشرق الأوسط، بمسألة الاستقرار السياسى والأمنى والاقتصادي، كعامل مهم فى مدى فاعلية ونشاط هذه التنظيمات، وقياسًا على ذلك بالفترة التى أعقبت ما سمى بـ «الربيع العربي»، أسفرت عن حالة من عدم الاستقرار السياسي، ساعدت بشكل مباشر على توسع وتوحش هذه المجموعات، التى تنطلق من واقع فكرى وعقائدى نظرته تنظيمات إرهابية عابرة للحدود، وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على فروع وخلايا «داعش»، فكلما تراجع التنظيم المركزى أثر ذلك فى قدرة باقى الأفرع.
وانطلاقًا من هنا، فمن المتوقع أن تفك بعض الخلايا المرتبطة بالتنظيم المركزى تنظيميًا وعقائديًا، وتندمج مع تنظيمات أخرى، أو تشكل تنظيما مستقلا على غرار تنظيم «هيئة تحرير الشام»- جبهة النصرة سابقًا- الذى أعلن فك الارتباط بتنظيم القاعدة، وإنهاء البيعة لزعيمه أيمن الظواهري، مع الإبقاء على المنطلقات الفكرية للتنظيم الأم.
ومن المرجح أيضًا، لجوء هذه التجمعات إلى حل نفسها على غرار ما حدث بالنسبة لتنظيم «أنصار الشريعة» فى درنة بدولة ليبيا خلال شهر مايو من العام ٢٠١٧، وتنظيم «سرايا الدفاع عن بنغازي»، والذى أعلن عن حل نفسه خلال شهر يونيو ٢٠١٧.
وفى كل الحالات، من المحتمل ظهور تنظيمات متطرفة جديدة تأخذ الطابع الجغرافى، والاجتماعى بكل دولة على حدة، وهو ما أطلق عليه الخبراء مصطلح «التنظيمات الإرهابية المناطقية»، التى اكتسبت مهارات قتالية من تبعيتها لتنظيم «داعش» من ناحية، ومن فقه القاعدة من ناحية أخرى، وهو ما يطلق عليه «التنظيمات القاعدية الفكر الداعشية التكتيك»، بما يعنى دخول خريطة التنظيمات الإرهابية، مرحلة جديدة من التطور من حيث البنية التنظيمية، والمنطلقات الفكرية، والتكتيكات القتالية.
ومن المتوقع أن ينشق بعض الخلايا المرتبطة بالتنظيم المركزى تنظيميًا وعقائديًا، وتندمج مع تنظيمات أخرى، أو تشكل تنظيما مستقلا