ينظر كثير من المتابعين إلى تنظيم أنصار بيت المقدس على أنه تنظيم محلي ربطته علاقات أيديولوجية وتنظيميه بنظرائه من تنظيمات وخلايا السلفية الجهادية الغزاوية التي أوت إلى شبه جزيرة سيناء، على إثر ضربات حماس وذراعها العسكري "القسام" لها، والتي كانت قد أشعلت نواة لتمرد مسلح ضد الحركة في القطاع أواخر العقد الأول من القرن الحالي.
وعملت السرية الصارمة التي اكتنفت تنظيم أنصار بيت المقدس على ضبابية الهيكل التنظيم له وعدم معرفة بأمرائه وكوادره الحقيقيين الذين أعلنوا عن التنظيم، في ظل الظروف الأمنية التي مرت بها البلاد بعد أحداث ثورة الــ25 من يناير وتهاوي الأجهزة الأمنية.
ومع أن رموز السلفية الجهادية والقيادات التاريخية لتنظيم الجهاد القديم التي رفضت الدخول في مراجعات فكرية كانت ما زالت لتوها خارجة من السجون، إلا أنها لم تعلن عن مواقف واضحة تجاه التنظيم الوليد مما صعب على المتابعين نسب التنظيم إلى تيار جهادي محدد، وَظَلَّ الغموض ملقى على هيكل تنظيم ولم تعرف له روافد ومعالم منهجية واضحة يمكن من خلالها معرفة الآباء الروحيين له.
لكن شواهد عديدة أشارت إلى أن "أنصار بيت المقدس" ما هو إلى الامتداد الطبيعي لتنظيم "التوحيد والجهاد" الذي أسسه طبيب الأسنان الدكتور خالد مساعد، ورفيقه نصر خميس الملاح، في أوائل العقد الأول من القرن الفائت، إلا أن هذا يعني عدم التأكيد من لتبعية التنظيم للقاعدة واعتباره أحد الأفرع المحلية له باعتبار أن "التوحيد والجهاد" لم يكن تابعا للقاعدة ولا متبنيا حرفيا لخطها الفكري ولا استراتيجيتها المتخلية عن قتال العدو القريب "الأنظمة" وتركيزها على حرب العدو البعيد المتمثل في أمريكا وإسرائيل وحلفائهما.
"داعش" تأمر "بيت المقدس"
لكن هذا الغموض بدا في التلاشي عندما دب الخلاف الشهير بين القاعدة، وزعيمها أيمن الظواهري، وبين الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" حيث ظهر جليا انحياز "بيت المقدس" إلى "داعش" وأميرها أبو بكر البغدادي.
ففي الكلمة الصوتية الأخيرة له وجه أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي لــــ" داعش"، رسالة إلى من أسماهم "المجاهدين في سيناء" قال فيها: " امضوا على هذا المنهج فهذا هو الطريق السديد بارك الله فيكم فشردوا بيهم من خلفهم فخخوا لهم الطرقات وهاجموا المقرات واقتحموا عليهم منازلهم واقطعوا منهم الرءوس لا تجعلهم يأمنون واصطادوهم حيثما يكونون حولوا دنياهم إلى رعب وجحيم".
واسترسل العدناني قائلا: "أخرجوا ذراريهم وفجروا بيوتهم ولا تقولوا فتنة إنما الفتنة أن تدافع عنهم عشائرهم ولا تتبرأ منهم قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح".
"بيت المقدس" ينفذ
لم يمض سوى أيام حتى أصدر تنظيم "بيت المقدس" فيديو جديداً حمل عنوان "هم العدو فاحذرهم" ظهر في مقدمته صوت "العدناني" في وصيته الأخيرة لهم مصاحبا لها مشاهد لتفجير منزل شخص يدعى عبد المجيد عيد عوادة، زعموا أنه "عميل" للجيش المصري وأنه كان يصاحب القوات في عمليات دهم واعتقال لعدد من أعضاءهم والمناصرين لهم.
نفذ التنظيم وصية "العدناني" في استهداف أبناء القبائل المتعاونين مع الجيش المصري حتى بدا التنفيذ حرفيا، خاصة عندما قال المتحدث الرسمي لــ" داعش": "أخرجوا ذراريهم وفجروا بيوتهم ولا تقولوا فتنة وإنما الفتنة أن تدافع عنهم عشائرهم"، عند هذه الكلمة أظهر الفيديو مقطعا لعناصر التنظيم وهم يخرجون أطفالا خارج المنزل قبل تفجيره قائلين لهم: "لا تخافوا".
وتبع المقطع عمليات ذبح لعدد من أبناء القبائل السيناوية ادعى التنظيم أنهم تعاونوا مع الجيش المصري، وعدد آخر ادعى أنه تجسس لصالح المخابرات الإسرائيلية "الموساد".
البيعة مسألة وقت
تحدث الناشطون المناصرون لــ"داعش" على مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت بعد هذا الإصدار عن أن تبعية "بيت المقدس" لــ"داعش" باتت مؤكدة حتى ولو لم يتم الكشف عن بيعة التنظيم حتى اللحظة فإن ذلك لدواعي ما يطلقون عليه "السياسة الشرعية".
وهي مسألة تخضع للمصالح والمفاسد التي يمكن أن تترتب جراء إعلان التنظيم بيعته لــ"داعش" وحسابات المكسب والخسارة، فربما أدى الإعلان إلى لفت انتباه القوى الدولية لفرع "داعش" الجديد على الأطراف الشرقية المصرية والمتاخمة لدولة إسرائيل، واستعجال تضافر جهود تلك القوى لحشد المساعدات الدولية للدولة المصرية، ومآزرتها بقوة في وجه الفرع الجديد.
وربما تحسب التنظيم في ظل الحملة الإعلامية الشرسة ضد "داعش" والتي أظهرت قدرا هائلا من بشاعته ودمويته تجاه كل المخالفين له أيديولوجيا وتنظيميا، لكن هذا الطرح يتساقط بعد ظهور أنصار "بيت المقدس"، مستخدمة أساليب "داعش" ذاتها في القيام بعمليات ذبح أمام الكاميرات لمن وصفتهم بالخونة والمرتدين.
كما أن أدبيات "داعش" ترفض ما يطلق عليه "الحاضنة الشعبية"، معتبرة أنها ليست من قواعد الفكر الجهادي وكانت مثل هذه المصطلحات من أسباب الخلافات بين "داعش" و"قاعدة الظواهري"، ومن ثم فإن "داعش" و"بيت المقدس" لا تأبه كثيرا بخلق الحاضنة الشعبية إذا اصطدمت بما تؤمن أنه الصواب.
مصر في عقل "داعش"
كانت الدولة المصرية حاضرة في قلب "داعش" ووجدانها منذ نشأتها الفعلية على يد المصري "أبو حمزة المهاجر"، الذي استطاع أن يجلب معه وقت تأسيسه الجناح العسكري لها أعدادا كبيرة من المصريين تجاوزوا الآلاف في بعض التقديرات.
في رسالة صوتية لأبي محمد العدناني تحت عنوان "عذرا أمير القاعدة" كشف فيها عن أن "الدولة الإسلامية في العراق" لم تتدخل في مصر وليبيا وتونس بعد نشأتها؛ بسبب رفض "القاعدة" لذلك، وأنهم في العراق "ظلوا يكتمون غيظهم ويكبحون جماح جنودهم على مر السنين والحزن يملأ أركانها وربوعها لكثرة استغاثة المستضعفين بها والعلمانيون ينصبون طواغيت جدد أشد كفرا من سابقيهم".
وأضاف: لم تكن "الدولة" تستطيع تحريك ساكن لتوحيد الكلمة حول كلمة التوحيد بعد مخالفة كلمة المجاهدين المتمثلين في قادة "القاعدة" التي تولت الجهاد العالمي وحملت على عاتقها العمل في تلك البلاد".
ويسترسل المتحدث باسم "داعش" موجها حديثه لــ" الظواهري": "يجب عليك الدعوة لحمل السلاح ونبذ السلمية وخصوصا في مصر بقتال جيش "الردة" جيش "السيسي" فرعون مصر الجديد، وإلى التبرؤ من "مرسي" وحزبه والصدع بردته وكفاك تلبيسا على المسلمين".
ويشدد "العدناني" على مطالبته "الظواهري" بتكفير "مرسي" قائلا: "نعم "مرسي" المرتد "مرسي" الطاغوت الذي خرج على رأس جيشه إلى سيناء لا لحرب اليهود بل لحرب المجاهدين الموحدين هناك، فدك بدباباته وطائراته بيوتهم وبيوت المسلمين، في إشارة إلى العملية نسر التي قام بها الجيش المصري، إبان حكم الرئيس السابق المعزول محمد مرسي.
ويكمل: "نعم مرسي الطاغوت الذي من شدة حقده على المجاهدين الموحدين عين قاضيا نصرانيا ليحكم على من أسر منهم وطبعا حكم بالإعدام فوقع عليه هذا المرتد الطاغوت، فلماذا لم تنكر عليه ولم تدع للقصاص منه، بل صَوَّرْتَه مظلوما وترفقت به ودعوت له؟ أم أنك راض عنه فعله ودستوره الذي حكم به وما سفكه من دماء المجاهدين الموحدين المرابطين في سيناء- ولا نحسبك كذلك- فبين فقد خسرت رأس المال ولم تربح".
حسم الصراع على "بيت المقدس" لصالح "داعش" فالظواهري لم يصدر حكما صريحا على الجيش المصري ولا "مرسي" بالردة كما طالبه العدناني، بينما أفصحت "بيت المقدس" عن معتقداتها في أن الجيش المصري "مرتد" لتبيح استحلال دماء أبنائه وتبادر بالهجوم الصريح عليه بعد ثورة 30 يونيو.
عناصر "بيت المقدس" في "داعش"
حضر العنصر التكفيري المصري المنتسب لجماعة أنصار بيت المقدس بقوة في تنظيم "الدولة الإسلامية" بعيد ثورة الــ25 من يناير.. فقد قام التنظيم السيناوي المنشأ بإرسال عدد كبير من مقاتليه للتدريب في معسكرات "داعش" في العراق والشام بغرض التدريب والعودة مرة أخرى أو البقاء هناك، وقت أن كان التنظيم ليس في حاجة كبيرة لهم بعد الثورة المصرية وسيكون أجهزة الأمن المصرية عن ملاحقته وإيثاره عدم الصدام مع الدولة المصرية مستغلا تلك الفترات في الاعداد والتجهيز ريثما تتهيأ له اللحظة التي يمكنه من خلالها التمرد وإعلان إمارة إسلامية.
وفي صورة نشرتها المواقع الإلكترونية التابعة لــ"داعش" أظهرت شخصا انتحاريا يدعى "أبو مصعب المصري"- مسمى حركي- قبيل تنفيذه عملية انتحارية ضد جنود جيش النظام السوري في مطار الطبقة العسكري، وهو يرفع لافتة مكتوب عليها "من مجاهدي أرض الكنانة إلى عباد السيسي هل عرفتم من ذبح جنودكم في رمضان أم أن مخابرات رأفت الهجان وجمعة الشوال قد أصيبت بالشلل؟"، ثم ذيل اللافتة بجملتين ذات دلالة واضحة: "الدولة الإسلامية في العراق والشام– أنصار بيت المقدس- سيناء مقبرة الطواغيت". في إشارة جلية إلى أن "أنصار بيت المقدس" هم من قاموا بتنفيذ عملية رفح الأولى والتي استشهد فيها 17 جنديا مصريا وقت الإفطار في رمضان.
الدواعش المصريون ... قدم في الشام وعين على أرض الكنانة
وفي سلسلة إصدارات مرئية لداعش حملت مسمى "رسائل من أرض الملاحم" كشف أبو مسلم المصري، قاض شرعي في محكمة الرقة التابعة للتنظيم، وجه رسالة إلى من أسماهم "المجاهدين في سيناء" وعدهم فيها بإمدادهم بالمال والسلاح والرجال.
وحرض أبو مسلم، من أسماهم "الإسلاميين الصادقين" للجهاد ضد الدولة المصرية والتخلي عن النهج السلمي والديمقراطي.
وبدأ "أبو مسلم" بتوضيح كيفية وتوقيت خروجهم من مصر بعد ثورة الــ25 من يناير بعد أن تيقنوا أن الأوضاع السيئة التي لا ترضي الله ما زالت قائمة، على حد قوله.
وأضاف "أبو مسلم": هاجرنا لإعلاء كلمة الله بعد شعورنا بعدم تغيير ينال ديننا وعقيدتنا ولا دنيا الناس إلى الأفضل، لكن بقيت عيوننا على بلادنا.
وتحدث "أبو مسلم" عن فشل فكرة تطبيق الديمقراطية، في بلدان المسلمين، مع أن الذين ينجحون دائما عبر الصناديق ليسوا أصحاب عقيدة صحيحة، لكن لأن فيهم شائبة تؤرق اليهود والأمريكان وقوى الشر، لافتا إلى أنهم يمتلكون الفكر المشوه من الحركات الإسلامية لا يمتلكون القوة العسكرية للدفاع عن مكتسباتهم عبر الصناديق.
وتابع: "هيهات هيهات بأن يطبق الإسلام في مصر بغير جهاد مرير وطويل ومتى كان يقدم الإسلام على طبق من فضة".
وأضاف: "أدعوا الصادقين في مصر بالقيام بالفريضة المتعينة عليهم الآن بلا خوف ولا تراجع وهي فريضة الجهاد؛ لأن الصادقين في مصر لن يقبلوا أن تكرر هذه التجربة تحت مسمى جديد وحكومة جديدة أناشد الشعب المصري أن ينضموا للصادقين في عدم تكرار التجربة وهم للكافرين بالمرصاد".
وقال أبو عمر المصري، أحد المقاتلين المصريين في "داعش": إن "كل من قتل في رابعة كان في سبيل الطاغوت والديمقراطية موجهة رسالته إلى من أسماهم "الإسلاميين الصادقين": "بادروا إلى أرض الجهاد وسارعوا لنصرة هذا الدين وإلى العيش في سعادة وعز؛ لأن الله عز وجل حذر المتأخرين"، كاشفاً عن أنهم لن يتخلوا عن "إخوانهم" في مصر.
التبعية لداعش ماذا تعني؟
لا شك أن تبعية "أنصار بيت المقدس" لــ"داعش" تحمل خطورة من عدة محاور، منها استطاعة التنظيم "الأم" في مد شريان التنظيم السيناوي بالمال الذي بات يملك منه الملايين وربما المليارات بعد سيطرته على حقول البترول في العراق وسوريا، وربما الرجال والسلاح والخبرة القتالية العالية.
كما أن "داعش" ورثت بسهولة فرعا لها في مصر لم تكن هي من أسسه مما يشكل خطرا في تعزيز طموحاتها في مصر إن هي استطاعت أن توطد أرجلها في العراق وسوريا، وبقي "أنصار بيت المقدس" محتفظا بقوة تنظيمه إن افترضنا جدلا صموده تحت ضربات الجيش المصري في سيناء.