بوابة الحركات الاسلامية : أسامة بن لادن الذى يعرفه بيتر بيرجن (طباعة)
أسامة بن لادن الذى يعرفه بيتر بيرجن
آخر تحديث: الأحد 11/09/2022 09:24 م حسام الحداد
أسامة بن لادن الذى
أسامة بن لادن الذى يعرفه بيتر بيرجن
رحلة الفتى الخجول من الإنزواء إلى الإرهاب 
كيف تحوّل الفتى الطيب الخجول إلى قاتل ؟ وكيف انقلب الشاب النحيل الرقيق إلى مجرم ، وارهابى ؟ ماهى الظروف التى دفعته لهذا التحول ، وما هى البيئة التى ساعدته على هذا التغير ؟ 
من الحياة المترفة المطمأنة إلى حياة شاقة صعبة بسيطة شبه بدائية انتقل الرجل الأعنف فى تاريخ الاسلام السياسى أسامة بن لادن . من رجل يمتلك كل شىء ، له تفوذ ومكانة واحترام وقرب من السلطة الحاكمة إلى مطارد ، خائف ، مثير للبلبلة ، متهم ومكروه من الجميع . 
هذه الدراما التى تصاحب الشخصيات الراديكالية تثير شهية الباحثين وكتاب السير ومحللى السياسة ، لذا فإن عدد الكتب التى صدرت عن شخص مثل أسامة بن لادن تجاوز فى الغرب عدد الكتب الصادرة عن الزعماء الامريكيين وأبطال الحروب العالمية والمصلحين الدينيين والاقتصاديين . ولاشك أن هذا الكتاب الذى كتبه بيتر بيرجن عام 2006 بعنوان " اسامة بن لادن الذى أعرفه " واحدا من الكتب الرائدة التى حاولت رصد التحولات الدراماتيكية  فى شخصية أسامة بن لادن عبر سنوات عمره .
 لقد حقق الكتاب عدة طبعات واعتبر ضمن أكثر الكتب مبيعات فى الولايات المتحدة ، ذلك لأن كاتبه الذى يعمل محللا سياسيا فى"  ال سى إن إن " وله عدة كتب فى الاسلام السياسى والعلاقات الدولية  والصراعات الكبرى ، فضلا عن مشاركات دورية فى صحف "نيويورك تايمز " ، " واشنطون بوست " ، " الجارديان " و" الديلى تيلجراف " . 
لقد التقى بيتر بيرجن بكل من عرف بن لادن ، أو صاحبه أو عايشه أو رآه أو حتى درسه . جمع سيرة حياته بدقة وتمحيص ليجيب على السؤال الأهم : كيف تحوّل بن لادن من طفل مهذب خجول إلى قائد لأعنف منظمة ارهابية !! 

الجذور 
إن الكاتب يبدأ من الجذور فى شبه الجزيرة العربية حيث ولد أسامة عام 1957 فى مدينة جدة . كانت العائلة من أبرز العئالات الثرية التى عمل بعض أفرادها فى مجال المقاولات ، وكانت علاقة محمد بن لادن عميدها المعروف وطيدة بالعائلة المالكة فى السعودية . لم يكن والده متعصبا او متطرفا ، وإنما كان معتدلا يسافر إلى اوروبا ، ويشاهد التلفاز  والسينما ويؤدى الصلوات . 
فى عام 1967 وعندما كان أسامة فى العاشرة من عمره توفى والده فى حادث طائرة . سقطت الطائرة وتحطمت وأصيبت العائلة بصدمة ، وحتى الملك فيصل الذى كانت تربطه صداقة ومودة بمحمد بن لادن حزن بشدة وبكى لعدة أيام . بعدها كان على الملك أن يوصى خيرا بآل بن لادن ، لذا فقد اهتم بالعائلة ودعا لمنح الشركة اولوية فى مقاولات ومشروعات المملكة . لقد حمل سالم الابن الأكبر لمحمد بن لادن امانة ادارة الشركة وكان عليه أن يطورها وينمو بها وينفق على إخوته وعائلته بنفس الترف الذى اعتادوه من والدهم . 
فى عام 1968 دخل أسامة مدرسة " الثغر " بجدة . كانت المدرسة واحدة من كبرى المدارس المقامة بالنظم الدولية ليتعلم فيها أبناء الأثرياء تعليما كفيلا بالانتقال للدراسة فى اوروبا . يحكى أحد مدرسى المدرسة لبيتر بيرجن عن الطفل أسامة الذى كان هادئا ، شبه منعزلا ، خجولا ، يحترم أساتذته إلى حد كبير . لم يكن ملفتا للنظر وكان مثله مثل باقى أطفال المدرسة : أثرياء ومتحضرين . 
فى السنوات التالية ، وفى ظل ما يعرف ب" الصحوة الاسلامية " التالية لهزيمة يونيو عام 1967 حملت الاحداث السياسية اهتماما أكبر من جانب الشعوب العربية بالدين وبكل ما هو يرتبط بالاسلام . كانت افكار سيد قطب المفكر المصرى الذى أعدم عام 1966 قد بدأت بالتسرب إلى عقول الشباب رابطة بين الهزيمة العسكرية والابتعاد عن الدين ، وداعية إلى صحوة جديدة يتم فيها استعادة الاسلام وتجديد مجده وعظمته . 
فى ذلك الوقت كان أسامة يحاول تعلم البيزنيس منش قيقه الأكبر سالم الذى اصطحبه معه فى رحلة إلى السويد ليبهره بعالم الصفقات . تتذكر كريستينا صاحبة الفندق الذى استضاف الشقيقين عام 1970 عن فخامة ورقى سالم واسامة . لقد كانا ملفتين للنظر بسبب انتقالهما بسيارة رولزرويس وضعاها على متن طائرتهما الخاصة ، وكان أسامة هادئا ، كثير التبسم ، تشع عيناه بالحب وبدا أنيقا إلى درجة كبيرة . 
يتفق كثيرون على أناقة الفتى الصغير ، مثلما يتفقون على أنه كان مهذبا إلى حد كبير ، لكنه كان ملاحظا من جانب بعض أفراد العئالة حرصه على أداء الصلوات فى مواعيدها حتى انه كان يوقظ أشقائه لصلاة الفجر بانتظام . 
ربما لم تبدو أى مظاهر تطرف أو تعصب على أسامة الذى أصر على الزواج مبكرا فتم تزويجه إلى نجوى غانم وعمره 17 عاما ، وهى أم عبد الله أكبر ابنائه والتى ستتركه فيما بعد لتستقر فى سوريا . كما يبدو ايضا أن أسامة لم يجد رضا فى العمل بالبزنيس فى ظل " مركزية " شقيقه الأكبر سالم ففضل الحصول على راتبه دون التورط فى عمل حقيقى . 
افغانسان . الخطوة الأولى 
وكان أسامة يبلغ من العمر 23 عاما عندما سمع فى الراديو أن القوات السوفيتية اجتاحت الأراضى الافغانية . كانت الصحف تقول أن السوفييت سينشرون الالحاد فى أفغانسان وأنهم أقاموا حكومة شيوعية ، ووقتها صدرت فتوى من عدد من علماء الاسلام بضرورة الجهاد فى افغانستان ضد السوفييت . لم يتردد وقتها أسامة فى السفر إلى باكستان أولا قبل أن يتخارج ماليا من شركات بن لادن . هناك التقى أسامة بفدائى فلسطينى اسمه عبد الله عزام يحشد المقاتلين العرب للمشاركة فى الجهاد ضد السوفييت . عرض أسامة المال والعتاد وهو ما جعل " عزام " يرحب به ويقربه ويعتبره مساعدا له وتم إقامة أول قاعدة للجهاد فى شرق افغانستان عام 1986 . بعدها حارب أسامة بنفسه فى معركة جاجى التى حقق فيها المقاتلون الافغان نصرا كبيرا . 
بعد ذلك النصر بدأ كثير من المقاتلين العرب فى العودة إلى بلادهم فى موجات متتالية خاصة بعد خلافات واضحة بين بعض المجاهدين العرب والأفغان ، لكن اسامة لم يعد . لقد رأى افغانسان بيئة صالحة لاقامة نموذج اسلامى حقيقى واستغل كتابة عبد الله عزام لمقال عن ضرورة انشاء تجمع للاسلاميين ليعلن فى 1988 انشاء " القاعدة " . كان " عزام " هو العقل المدبر للقاعدة بينما كان " بن لادن " هو الممول . وكان من اشلائع كما يقول ــ بيرجين ــ لدى اجهزة المخابرات أن القاعدة تم تأسيسها عام 2000 ، حتى تم العثور على وثائق ومستندات فى سراييفو عام 2002 تثبت أن القاعدة أنشئت عام 1988 وقد تضمنت تلك الوثائق تفاصيل بمرتبات واجور دفعها اسامة لبعض المجاهيدن وأسرهم . 
فى تلك الأثناء انقطعت الصلة بين اسامة وعائلته خاصة بعد وفاة شقيقه سالم فى حادث طائرة مشابه لحادث والده عام 1988 ورغم عودة اسامة بعدها إلى السعودية إلا أنه لم يبق طويلا وعاد مرة أخرى إلى بيشاور بباكستان بعد اغتيال عبد الله عزام نفسه على أيدى مجهولين . 
البحث عن عدو 
كان على أسامة أن يغيّر أهدافه بعد انسحاب السوفييت من أفغانسان ، وجاءت الفرصة سانحة بعد دخول صدام حسين إلى الكويت ودعوة دول الخليج للولايات المتحدة ودول الغرب للتحالف لطرد صدام . بدأ وقتها أسامة فى انتقاد الحكومة السعودية لأنها سمحت للقوات الغربية بالتمركز على أراضيها وجرت ملاحقات لأفراد ينتمون فكريا إلى قاعدة " بن لادن " وبنفس القدر فقد حرّض أتباع له ضد حكومات الدول العربية الأخرى ، كما بعث بعض المجاهدين إلى الصومال والبوسنة والهرسك . 
كان " بن لادن " قد ضاق ذرعا بخلافات الافغان والعرب فسافر إلى السودان حيث وفرت له الحكومة السودانية مقرا له ولأتباعه . وفى تلك الاثناء وفى ابريل 1994 تحديدا أعلنت عائلته التبرؤ منه وتم اسقاط الجنسية السعودية عنه وصار بلا وطن . وأصبح أسامة بن لادن ضيفا ثقيلا على النظام السودانى بعد محاولة اغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك واضطر إلى المغادرة مرة اخرى إلى افغانسان . 
كان أسامة ومن معه من فلول مقاتلين مطلوبين فى معظم الدول التى خرجوا منها للجهاد ضد السوفييت ، وأصبح عليه أن يجد أعداء جدد يقاتل ضدهم . فى البداية ساعد " بن لادن " قوات طالبان للسيطرة على الاراضى الافغانية ونظم عملية اغتيال القائد الافغانى الشهير أحمد شاه مسعود لتصبح الارض مفتوحة امام طالبان لتحكم . وبنفس القدر وجد أسامة أن الولايات المتحدة هى أخطر عدو يواجه الاسلام وهو ما دفعه إلى اصدار فتوى مع بعض العلماء الافغان باعلان الحرب على الولايات المتحدة عام 1996 . 
استهداف أمريكا 
وفى مايو عام 1997 سافر بيتر بيرجن إلى افغانستان ليجرى أول حوار للفضائية الامريكية مع " بن لادن " والذى توعد فيه بهجمات موجعة ضد المصالح الامريكية إن لم تنسحب من الخليج وإن لم تتوقف عن مساندة اسرائيل . ولم تمض شهور قليلة حتى اعلن ايمن الظواهرى دمج تنظيم الجهاد المصرى بالقاعدة لتشكيل التحالف الاسلامى ضد الصليبيين واليهود . وفى اغسطس 1998 تم تفجير السفارة الامريكية فى كينيا وتنزانيا ، وتم بعدها بعام ونصف ضرب المدمرة الامريكية " كول " وهو ما جعل أجهزة الاستخبارات العالمية تنتبه وتبدأ محاصرة " بن لادن " . 
فى سبتمبر 2001 كانت الضربة القصوى فى الولايات المتحدة عندما اختطف مجهولون طائرات مدنية أمريكية واصطدموا بها فى برجى التجارة العالمية فى نيويورك ، ثم البنتاجون ، وهو الحادث الارهابى الذى أودى بحياة الالاف ودفع الولايات المتحدة أن تطلب رأس " بن لادن " بأى مقابل . 
بعد أيام قليلة تحركت القوات الامريكية ودخلت أفغانسان وفر " بن لادن " فى تورا بورا ، لكن خلفاؤه بدأوا فى التساقط واحدا تلو الآخر حتى سقط هو بعد صدور الكتاب بعدة سنوات . 
قسوة مفرطة 
ومن بين القصص التى يسردها بيتر بيرجن وتعبر عن قسوة شديدة تولدت لدى أسامة بن لادن واقعة اعدام صبى عمره 14 سنة فى الخرطوم لأنه نقل أخبار عن بن لادن ورفقائه إلى الأمن المصرى . لقد علم " الظواهرى " بالأمر وتم ابلاغ " بن لادن " الذى استعدى والد الصبى وسأله عن اتصالات ابنه ، وعقدت محاكمة صورية للطفل واعترف بالفعل بنقله معلومات لأحد الافراد الذين على علاقة بأجهزة الامن المصرية وتم بالفعل الحكم بالاعدام على الصبى ونفّذ الحكم أمام عينى والده الذى انهار بعدها . 
كذلك فقد كان واضحا أن الحياة فى مثل تلك الحوادث تصيب الانسان بتجرد حقيقى من المشاعر والعواطف ، والمؤكد أيضا أن أسامة كان يجد المبرر المستتر لكثير من جرائمه ، فاغتيال أطفال ونساء مدنيين فى أميركا مقبول مادام يتم قتل اطفال ونساء فى السودان والعراق . وقتل القائد والبطل أحمد شاه مسعود يدخل ضمن أعمال الجهاد لأنه " عميل " لامريكا . وهكذا فإن الرجل لم يكن يغلب فى ايجاد المبررات والحجج لجرائمه .