تعتبر مؤسسة "بنك التقوى"، صورة مميزة عن قدرة حركة التنظيم الدولي للإخوان على تسخير التمويل والسيولة الضرورية للإشراف على الإمبراطورية الضخمة وتسييرها، لكنها ليست المؤسسة أو الطريقة الوحيدة التي تسمح لها بالعمل على نطاق واسع.
تأسّس البنك على يد أحد القيادات الإخوانية المعروفة في مصر بعد ارتقاء السادات سدة الرئاسة بفترة قصيرة، في إطار سعيه للتحالف مع الإخوان، وتوظيفهم وفق برنامجه القاضي بضرب اليسار والناصريين في المجتمع المصري، ولم يهاجر البنك من مصر إلا في 1988، بعد تصاعد المواجهات مع النظام، وإصرار الأخير على تجفيف منابع تمويل الإخوان، فتحول البنك إلى بهاماس وتقاسم نفس المكاتب مع مؤسسة مالية معروفة هي الأخرى بارتباطها الوثيق بتمويل الشبكات الإسلامية خاصة في أفغانستان.
من الملاذ المالي في القارة الأمريكية، إلى قلب أوروبا، بادر البنك بإقامة أول فرع له في الجانب الإيطالي من سويسرا في مدينة لوغانو بمنطقة تيسان، وهي المنطقة المشهورة بقوانينها المالية المتساهلة، ورقابتها الضعيفة مقارنة بالجهات الناطقة بالفرنسية أو الألمانية مثل جنيف أو زيورخ.
وفي هذا الخصوص لا بد من الإشارة إلى أن يوسف ندا مؤسس البنك وصاحب امتيازه على الأقل من خلال الوثائق، يعدّ من القيادات التاريخية للحركة منذ الأربعينيات، وأحد أقرب المقربين من سعيد رمضان صهر حسن البنا، والذي استقر في سويسرا في إطار خطة متكاملة لتثبيت الإخوان في القارة الأوروبية، مروراً بألمانيا، حيث الجالية التركية الكبيرة، وفرنسا لاستهداف الوافدين من المغرب العربي، وسيأتي تفصيل ذلك في مناسبات قادمة.
في 21 يوليو 1988، اجتمع كل من "ألبرت فريدريش أرماند هوبر" والذي أصبح فيما بعد معروفًا باسم أحمد هوبر، ومحمد منصور وزوجته زينب منصور فتوح في مكتب كاتب العدل يسمى "جيانلوكا بوسكارو" في سويسرا، مع يوسف ندا وعلي غالب همت، الذين يعيشون على حد سواء في منتجع كامبيوني ديتاليا، وكان همت قد قدم من دمشق عام 1985 ليعيش في ألمانيا، ولكن بعد ذلك استقر في النمسا، أما ندا المصري السكندري جاء بعد همت بعامين وعاش في النمسا، لكنه انتقل فيما بعد إلى ألمانيا، وزوج ابنته الكبرى لنجل عصام العطار مدير المركز الإسلامي في "آخن"، والذي يعتبره قبل المكتب الألماني لحماية الدستور، واحدا من أخطر الإسلاميين في ألمانيا، ندى استقر فيما بعد في منطقة ميتلاند (تيتشينو).
كان الهدف من الاجتماع مع كاتب العدل تأسيس "مؤسسة التقوى للإدارة" شركة مساهمة، والتي قال وقتها بأنها ستكون معنية باستيراد وتصدير البضائع المختلفة في جميع أنحاء العالم، شارك فيها منصور وزوجته بنصيب 333 سهمًا، وكانت قيمة السهم 100 فرنك سويسري، في حين اكتتب هوبر بـ 332 سهمًا، وذهبت بقية الأسهم "335 سهمًا" لكل من يوسف ندا وهمَت، وعلى الرغم من أنه تم تعيين منصور رئيس مجلس الإدارة، إلا أنه كان نادر الرجوع إليه في أي قرارات، فالقرارات تأتي أولًا وأخيرا من كل من همت وندا، وفي الوقت نفسه أصبح ندى مرتبطا بمجموعات مرموقة – كنوع من البرستيج – مثل بيو مانزو الفكرية، والتي تقع على الساحل الأدرياتيكي، ويشارك فيها كل من جياني انييلي وهنري كيسنجر.
عندما قامت النيابة العامة السويسرية باستجواب يوسف ندا في أكتوبر2001، استنكر فيها ندا إي علاقة له بتمويل أي أنشطة إرهابية وقال إنه من الصعب تذكر مصاريف الزكاة التي خرجت من المؤسسة، وعلق المحققون ساعتها أنه للكشف عن مصاريف زكاة ندا سيمتلئ مكتب المدعي العام برزم من الوثائق التي تستغرق أعوامًا لفحصها والتأكد من صحتها، وكان يوسف ندا وأصدقاؤه قد أسسا أيضا بنك التقوى في ناسو بجزر البهاما، والذي حمل اسم " مؤسسة الإغاثة" وادعوا أن الهدف منها رعاية الاستثمارات الخاصة للمساهمين والعمل في عالم الخدمات المصرفية الإسلامية من خلال تطبيق الشريعة كان من ضمن المساهمين في البنك بالإضافة إلى همت وندا كل من كريم إليخاندرو، وثلاثة أعضاء من عائلة بن لادن.
وقامت مجموعة التقوى بتأسيس العديد من الأفرع لها في ليختنشتاين وبريطانيا العظمى وتم الدعاية لمجموعة البنك على أنها تتبع تعاليم القرآن، وتم إقرار ما يقرب من 2.6٪ من أرباحها تذهب لزكاة المال، والتي بلغت 300.000 ألف دولار عام 1992، أي في 1994 وبلغت بعد عامين 1.6 مليون دولار عام، وذهبت الأموال إلى حسابات كل من بنك العقيدة في ناسو، في فيينا، مؤسسة آل Rajht المصرفية للاستثمار بالسعودية وبيت الصافات للتمويل في الكويت، كما ذهب جزء كبير لمنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية (هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية)، ووفقا لتقارير المحققين بالشرطة الإيطالية، فإن أموالًا كثيرة ذهبت إلى الجماعات الأصولية التونسية والمرتبطة بتنظيم القاعدة لابن لادن، وأيضا للجماعات الإسلامية المتطرفة في مصر وتونس والجزائر واليمن والسودان وأفغانستان، بما فيهم مجموعة أبو نضال المسلحة.
ولى المحققون اهتماما خاصا بعلاقات يوسف ندا وبنك العقيدة خاصة وأن كل من بنكي العقيدة والتقوى يقعان في نفس الشارع DEVAUX، في مدينة ناسو. صاحب بنك العقيدة هو أحمد إدريس نصر الدين عضو جماعة الإخوان المسلمين الكويتي، والذي يمتلك أسهم في بنك التقوى، وكانت تربطه صلات قوية بندا وهمت لدرجة أنه سمح لموظفي العقيدة بالعمل في نفس الوقت بالشؤون التجارية للتقوى، كما كان يتمتع بعلاقات مع دوائر السياسية العليا في إيطاليا.
في 12 سبتمبر 1977 قام نصر الدين بتأسيس شركة المجموعة القابضة (شركة نصر الدين الدولية القابضة ليمتد ) والمعروفة باسم (ناسكو)، في مكتب ليختنشتاين، برأس مال بلغ مائة ألف فرنك سويسري تم وضعها في حساب أحد فروع "بانكو دي روما" في كياسو.
حتى منتصف التسعينيات لم ينتبه لتطورات المركز الإسلامي في ميلانو، والذي لعب دورًا كبيرًا في تجنيد 50 من المجاهدين وإرسالهم خلال الحرب البوسنية، وكان إمام المركز هو من قام بذلك، حتى قامت المخابرات الكرواتية عام 1995، برصد وتتبع خلية المجاهدين في البوسنة وعرفت أن مكان تجمعهم في المركز الإسلامي بميلانو، والذي كان بمثابة نقطة التقاء لمقاتلي القاعدة من جميع أنحاء العالم، وتزامن في ذلك الوقت دعوات القاعدة للجهاد في أفغانستان والتي كانت قد بدأت في منتصف الثمانينيات، واستطاعت الشرطة الإيطالية رصد أن إدريس نصر الدين هو من يقوم بدفع إيجار المركز.
لم يفهم المحققون الإيطاليون أوجه أعمال نصر الدين الاستثمارية في الناحية الاقتصادية، التي استخدمها كغطاء لإخفاء نشاطاته الحقيقية، كما لم يفهم المحققون سر السفينة التي من المفترض أنها تحمل شحنات بلح على مدار خمسة أشهر ذهابا وإيابًا بين ساحل البحر الأدرياتيكي والإيطالي، إلى جانب شحنات البرتقال التي نقلت جوا الى ايطاليا، حتى اكتشفوا أن الشحنات ما هي إلا بضائع كاملة من لحوم الخنزير.
قرر المحققون البحث بشكل أعمق في قرارات وأنشطة الشركة، فمثلا في20 أكتوبر 1994، قررت ليختنشتاين المسجلة (ناسكو) في تحويل اسمها إلى الشرق الأوسط و تركيا للاستثمار القابضة المحدودة، ولكن بعد ثمانية أيام عادت إلى اسمها الأصلي، كما قام نصر الدين بتعيين الدكتور إنريكو كوصي لجميع المساهمين، هو والمحامي الدكتور ميتلاند إركولي دونييلي، والذي شارك على نطاق واسع في الفضائح المالية في التسعينيات، والمعروف عنهما بغسيل الأموال وتهريبها.
ولكن لم يكن إركولي دونيللي الشريك القذر الوحيد المعني مع ناسكو فقط ، ففي 21 أكتوبر عام 1993، تم استبدال دونيللي في المجلس الإداري بزوجته ستيفانيا، كما تم تغيير إنريكو ، بـ"إنغلبرت شرايبر الأب"، وبعدها لحق إنغلبرت شرايبر الابن ولاية والده.
في 3 مارس 1997، تلقى مكتب الصحافة والإعلام ليختنشتاين رسالة مجهولة بها معلومات حول إنغلبرت شرايبر الأب و تورطه في غسيل الأموال، وذكرت الرسالة تورط شرايبر مع الجماعات الإجرامية مثل المافيا الإيطالية وكارتل أحد أكبر صانع مخدرات بكولومبيا، بالإضافة إلى رشوة قائد شرطة ليختنشتاين منذ عام 1985، كما ذكرت الرسالة علاقة شرايبر بكل من أسر المافيا في فنزويلا ، كاروانا.
السؤال هنا: ما الذي يدفع واحدًا يقول إنه إسلامي مثل إدريس نصر الدين بالتعامل مع أمثال شرايبر ودونيللي؟
أثناء التحقيق مع نصر الدين ويوسف ندا في 3 سبتمبر عام 2000، أفادت معلومات عن ظهور التونسي حبيب بن علي بن سعيد الوذاني، أحد الملاحقين والمطلوبين بناء على قرار مجلس الأمن والذي صدر في 17 مايو 2011، ظهوره مع أحمد هوبر ودوره المحوري مع أصدقائه الإسلامية، وكان الوذاني في 1996 قام مع رودولف "محامٍ صقلي الجنسية"، بمقابلة أحد رجال أعمال من بحر البلطيق، واشترى منه فائض أسلحة الجيش الأحمر الروسي السابق، وكان هناك حتى حديث عن إمكانية توسيع اتفاق على المواد النووية من الاتحاد السوفيتي السابق، الأمر الذي دعا الوذاني باستشارة صديقه الحميم هوبر، ليبدأ بعدها الدعم اللوجيستي والمالي ليس فقط في صفقة الأسلحة الروسية ولكن في بقية أنشطة الوذاني.
على الرغم من الأدلة، التي جمعها والتسجيلات التي حصل عليها المحققون الإيطاليون والسويسريون، إلا أنهم تركوا يوسف ندا وأصدقاءه، لأن الولايات المتحدة رفضت أن تتبادل المعلومات معهم.
وعلى الرغم من قرار الأمم المتحدة الصادر في مارس 2010، برفع اسم يوسف ندا من قوائم المطالبين دوليًا، إلا أن الولايات المتحدة مازالت تضع اسمه على قوائم المطلوبين، لدعمه أنشطة تنظيم القاعدة وتمويل الجماعات الإرهابية والأصولية المتشددة.
ولكن مازال كل من ندا وهمت مطلوبين للعدالة المصرية، بعدما قضت المحكمة العسكرية في أبريل 2008، بالسجن غيابياً ضد كل منهما 10 سنوات في القضية التي اشتهرت بـ"ميليشيات الإخوان".