الغامض جودان "بن لادن" الصومال
الأحد 26/يناير/2014 - 03:35 م
طباعة
طموحه جعله يتسابق على الدم، هذا ما جعل أحمد عبدي جودان يربح السباق وبجدارة، بعدما قام بتفجير المركز التجاري "ويست جيت" بنيروبي، في 23 من سبتمبر من العام الماضي، ليشد أنظار العالم ويعرفهم بوصول الارهابي ذي الدماء الشابة، جودان، والمعروف أيضا بمختار أبو الزبير، البالغ من العمر 36 عاما، وعلى الرغم من دراسته الأكاديمية للمحاسبة، وولعه بالشعر ولكن مع الاسف فهو ضمن قائمة أكثر إرهابيين العالم خطورة.
ولد جودان عام 1977، في قرية هارجيسا، ثاني أكبر مدينة تقع في الشمال الغربي بجبال الصومال، وعلى الرغم من أن ظروف نشأته الأسرية مجهول من الناحية التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، كما لا نعرف لظروف التي دفعته للإلتحاق بالجماعات الإرهابية، ولكن المعروف أنه حصل على منحة سعودية لدراسة المحاسبة بإحدى الجامعات الباكيستانية، ووفقا لتقارير الاستخبارات الأمريكية فإن جودان كان يقضي كثير من أوقات عطلته مرتحلا إلى معسكرات التدريب المسلحة بأفغانستان، ليعود بعدها إلى الصومال عام 2001، بعد انتهاء دراسته الجامعية.
عاد جودان إلى هارجيسا مرة أخرى ليعمل في إحدى شركات غسيل أموال التي تمول الأعمال الإرهابية، ولكن عمله العسكري الأول كان في 2006، عندما شارك في عملية قتل عمال الإغاثة الإيطاليين والتي تبنتها حركة الاتحاد الإسلامي وكان جودان مؤسس جناحها العسكري، ليلتحق بعدها بمجلس شورى المحاكم الإسلامية، المؤسسة لحركة "الشباب المجاهدين الإسلامية" والتي حاربت في جنوب الصومال ضد القوات الإثيوبية، وعلى الرغم من أنه لم يستدل لعبدي جودان على صورة له حتى الآن، ولكن وفقا لعدة تقارير استخباراتية تردد أن جودان متزوج ولديه أبناء يعيشون بإمارة الشارقة في الإمارات العربية منذ عام 2008، وتم رصده مرتان سافر فيها إليهم بجواز سفر كيني مزورعام 2010.
طموح جودان الدموي داخل جماعته
في مايو عام 2008 وعقب مقتل عدن هاشي آيرو أمير الحركة في غارة أمريكية بالصواريخ، أصبح جودان خليفة لآيرو مسئول التدريبات العسكرية وأمير الحركة، ولكن تنصيبه في الحركة تأخر نظرا للخلافات والانشقاقات التي أصابت الحركة من داخل أعضائها نتيجة اختلاف توجهاتها وأهدافها عن تنظيم الجهاد العالمي.
ومع زيادة الخسائر الإقليمية لحركة الشباب بسبب التدخل في شئون الصومال الداخلية سواء من كينيا أو أعضاء الاتحاد الإفريقي، تصاعدت وتيرة العنف داخل الحركة، الأمر الذي جعل جودان يناور ليأخذ مكانه، مستغلا اطلاعه على الصحف ووسع معرفته في الشعر، ليتعامل بتعالي معرفي على باقي أعضاء الحركة وليفرض توجهاته ورؤيته عليهم، شيئا فشيئا سيطر عليهم وطلب منهم فيما بعد ولاءا أعمى لطاعته، ولم تمنعه أهدافه للحركة من استخدام العنف ضد كل من يعترض عليه أو على منهجه الذي يريده، ففي الوقت الذي تبنى فيه جودان أهداف تنظيم الجهاد العالمي الدموي رافضا أي تسوية مع معارضيه، كانوا يرون أن الدماء ليست الحل الوحيد لحل مشكلتهم مع حكومة الصومال الائتلافية، وإن المفاوضات معها حلا سيتم به حقن الكثير من الدماء، وفي 30 يونيو من العام المنصرم 2013، تم اغتيال عدد من قيادات حركة الشباب، فقتل كل من أحمد جذني – أمير الجماعة- وإبراهيم حاج جامع ميعاد والمعروف باسم إبراهيم الأفغاني، والذي كان نائبا للجذني، كما قتل أيضا معلم برهان أحد الضباط الكبار في الحركة، وذلك لاختلافهم معه في أهداف الحركة، ليتولى جودان مسئولية حركة " الشباب المجاهدين"، والتي تعد فرعا لتنظيم القاعدة في الصومال، ووفقا لشهادة عمر حمامي والمعروف بـ"أبو منصور" الذي فر هاربا من التنظيم " لم يكن ليستمع إلى نصائحنا، فكل ما يهمه هو السلطة، حتى لو جاء عبر دماء إخوته في الحركة، وهو السبب الذي دفعه ليقتل كل من الافغاني والمعلم"، وقبل تفجيرات نيروبي بثمانية أيام عثر على جثة أبو منصور، بعد نصب كمين له جنوبي غرب العاصمة مقديشيو.
جزار نيروبي : من الصومال إلى كينيا
ارتبط اسم جودان بتفجيرات كامبالا في أوغندا العام 2010 التي حصدت 74 قتيلا ممن كانوا يشاهدون نهائيات كأس العالم. وكان جودان قد حذر بعد التفجيرات من أن «ما حصل في أوغندا ليس سوى البداية». تفجيرات نيروبي جعلت من جودان "بن لادن القاعدة"، خاصة وانه انتهج نفس أسلوب طالبان في إدارة الحرب داخل الصومال، ليلقب بعد تلك الحادثة بـ"جزار نيروبي"، طموح جودان الدموي جعله يقدم فروض الطاعة – في وقت سابق- لابن لادن فور توليه أميرا لحركة شباب المجاهدين، فبعث بخطاب لأسامة بن لادن في الثاني من يونيو عام 2008، ويقدم فيه ولائه وطاعته لتنظيم القاعدة مجددا، وفي مبايعة دموية علنية غير مشروطة لابن لادن تعهد جودان في أول بيان له في عام 2010، بأن حركة الشباب المجاهدين جزء لا يتجزأ من تنظيم القاعدة، متبنيا أهدافها في أن يحكم الإسلاميين ليس فقط في الصومال ولكن في إفريقيا كلها، واعتبر الولايات المتحدة الأمريكية ما هي إلا الاستعمار الجديد الذي شن حربا ضد الإسلام والمسلمين لفرض السيطرة على الدول الاسلامية بخيراتها ومواردها النفطية، ولإحكام السيطرة على أعضاء حركة الشباب أو أي حركة مناهضة أو مختلفة مع أفكاره، أنشأ جودان وحدة حرس مسلحة خاصة أطلق عليها اسم "الوحدة الأمنية"، ليس فقط مهمتها التجسس على قيادات حركة الشباب وقيادات المحاكم الإسلامية، بل وبتنفيذ عمليات الاغتيال التي يأمرهم بها، خاصة وأنه لم يبخل عليهم بالمال لتدريبهم على أعلى مستوى على يد مسلحون أجانب استقدمهم من تنظيم القاعدة.
رفض جودان الأهداف القومية للحركة التي أنشئت لمقاومة الاحتلال الإثيوبي – والذي أوجد لحركة الشباب – ظهير شعبي بين الصوماليين، مرتئيا أن الحركة ما هي إلا خط أول لتنظيم الجهاد الدولي، لتركز الحركة الآن في هجماتها على الحكومة الصومالية والدول المجاورة خاصة كينيا وأثيوبيا، وهي الدول التي ساهمت في الحملة العسكرية ضدها، فمنذ العام 2007، كانت 85 % من هجمات الحركة داخل الأراضي الصومالية في مقابل 12 % في كينيا.
في الفترة ما بين عامي 2011 حتى عام 2013، شكلت الحركة بقيادة جودان تهديدا لكينيا أكثر من مرة، خاصة بعدما شارك الجيش الكيني باحتلال أجزاء من الصومال، ليقوم جودان يتنفذ تهديداته لكينيا من أجل إعادة اعتباره داخلياً (أي في صفوف الحركة)، وخارجياً، وفي إبريل من عام 2013 شنت "حركة الشباب" هجمات انتحارية مسلحة ضد مبنى المحاكم الإسلامية بمقديشو وتلتها في شهر يوينو هجوم مسلح على مجمع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك لإيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا، وفي 21 من سبتمبر من نفس العام قام مسلحون من حركة الشباب باطلاق نيران كثيفة على المركز التجاري ويست جيت بنيروبي عاصمة كينيا، استمر الهجوم على مدار ثلاثة أيام حتى 24 سبتمبر ليسفر عن مصرع 72 شخصا على الأقل، من بينهم 61 مدنيا و 6 جنود كينيون، و 5 المهاجمين. كما أصيب ما يقرب من مئتي بجروح في إطلاق النار الشامل المتبادل بين قوات الأمن الكينية ومسلحي حركة الشباب.
قامت القوات الكينية بتنفيذ عدد من العمليات العسكرية في الصومال، بما في ذلك تمركز القوات على طول الحدود الكينية الصومالية وانتزاع السيطرة في قرى حدودية تخضع لحركة الشباب، ما جعل من الصعب على الحركة التواصل مع شبكة دعمها في كينيا.