تفجير الكاتدرائية والفتاوى السلفية
الأحد 11/ديسمبر/2016 - 02:59 م
طباعة
وقع في العاشرة من صباح اليوم الأحد 11 ديسمبر 2016، تفجير إرهابي داخل الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وذلك في أثناء قداس الأحد.
وقال شهود عيان: إن عدد الضحايا تجاوز الـ 40 ما بين قتيل ومصاب، وإن مبنى الكنيسة تضرر بشكل كبير، والكنيسة تاريخية وأثرية ويقع بها مدفن عائلة بطرس غالي.
جاء الانفجار نتيجة زرع قنبلة داخل الكاتدرائية، تم تفجيرها عن بعد.
ليس هذا الحادث الأول خلال اليومين الفائتين وربما لا يكون الأخير؛ نظرًا للتهاون والترهل الأمني الذي عليه أجهزتنا الأمني من ناحية، ومن ناحية أخرى لانتشار تلك الفتاوى التي تحض على الكراهية والتطرف والعنف تجاه الآخر الديني، والذي تتبناه الدعوة السلفية وغيرها من الحركات الدينية العاملة في الداخل، ويزيد من تواجدها ارتباطاتها الخارجية وكم التمويلات التي تحصل عليها من المملكة الوهابية راعية هذه الجماعات.
ويعد ابن باز مفتي الوهابية من أهم مرجعيات الدعوة السلفية والذي له العديد من الفتاوى التي تحض على رفض الآخر، وكذلك رفض الأخوة الوطنية بين المسلم والمسيحي؛ حيث إنه يعتبر المسيحي كافرًا بما أنزل الله، وبالتالي هو عدو حتى لو كان من نفس الوطن، فيقول في رده على خبر صحفي نشر في صحيفة عكاظ العدد 3031 وفي جريدة أخبار العالم الإسلامي العدد 395، وكان الخبر يتعلق بإقامة صلاة الجمعة في مسجد قرطبة، وذكرت فيه أن الاحتفال بذلك يعد تأكيدًا لعلاقات الأخوة والمحبة بين أبناء الديانتين الإسلام والمسيحية، وكان التعليق على الخبر "ولا شك أن هذا العمل يعتبر تأكيدًا لسماحة الإسلام، وأن الدين واحد"، وكان رد الشيخ ابن باز: "ونظرًا إلى ما في هذا الكلام من مصادمة الأدلة الشرعية الدالة على أنه لا أخوة ولا محبة بين المسلمين والكافرين، وإنما ذلك بين المسلمين أنفسهم، وأنه لا اتحاد بين الدينين الإسلامي والنصراني، لأن الدين الإسلامي هو الحق الذي يجب على جميع أهل الأرض المكلفين إتباعه، أما النصرانية فكفر وضلال بنص القرآن الكريم والحديث الشريف وما جاء في معنى ذلك من الآيات والأحاديث ما يدل دلالة ظاهرة على أن الأخوة والمحبة إنما تكون بين المؤمنين أنفسهم.
أما الكفار فيجب بغضهم في الله ومعاداتهم فيه سبحانه، وتحرم موالاتهم وتوليهم حتى يؤمنوا بالله وحده ويدعوا ما هم عليه من الكفر والضلال".
وتطويرًا لحديث ابن باز وموقفه نجد ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية والقيادي بحزب النور السلفي، في مقال له على موقع أنا سلفي يقول: "وإنما كذب على الله وعلى دينه من قال من المعاصرين: "إن الجزية قد انتهت، وإنها في ذمة التاريخ"! وهل ينسخ القرآنَ كلامُ الناس وفهمُهم السقيم؟!
وكذب على الله وعلى دينه من زعم: "أنها ضريبة خدمة عسكرية"! فهل المسلمون مرتزقة يقاتلون نيابة عن الشعوب في مقابل المال؟!
تبًا وسحقًا لمن قال ذلك..! بل الجزية تُدفع صغارًا للكفر وأهله بنص القرآن، ويستحق من بذلها الأمان والحماية من المسلمين كرعايا الدولة المسلمة، بل جعل شيخ الإسلام "ابن تيمية" -رحمه الله- فرض الجزية من شعائر الإسلام الظاهرة المتواترة التي يُقاتل عليها من امتنع عنها "الفتاوى ج 28".
ووالله ما استعلى هؤلاء المجرمون وتفوهوا بهذه الأقوال إلا بسبب ترك ما أمر اللهُ -عز وجل- به في كتابه ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- في سنته من فرض الصغار عليهم، حتى وصلت بهم الجرأة على تحدي سلطة الدولة التي أعطتهم ما لا يستحقون من المساواة بينهم وبين المسلمين في كل شيء، بل في الحقيقة قدَّمتهم على المسلمين!
فالكنائس -فعليًا وليس كلامًا في الهواء- لا سلطان للدولة عليها، ولا تستطيع تفتيشها للتأكد من خلوها من الأسلحة، أو لتحرير مواطنين -هم من رعايا الدولة ومِن مسئوليتها- مِن سلطان القساوسة والرهبان الذين يعتبرون "شعبهم" ملكية خاصة لا يجوز لأحد أن يتدخل في شأنهم، ولا حتى أن يَسأل عن مكانهم، استعبدوا الناس وفتنوهم عن دين الحق.
ومعلوم أن المساجد ليس فيها مسجد واحد بهذه الصفة، ولو قارنـَّا عدد من اعتُقِلوا ممن يُسمون "بالمتطرفين والإرهابيين" من المسلمين بالمقارنة إلى مَن هم في الحقيقة متطرفون وإرهابيون ويستعدون بالسلاح والتدريب داخل الأديرة المحاطة بالأسوار الخراسانية المسلحة العالية وذات الاكتفاء الذاتي؛ لعلمنا يقينًا عدم المساواة!
ليس هذا فقط بل أفتى ياسر برهامي أكثر من مرة بهدم الكنائس ونجد هذا في فيديو لإحدى حلقات دروس ياسر برهامي، بتاريخ 14 ديسمبر 2013، بعنوان “بناء الكنائس”، يستعرض خلاله فكر شيخ الإسلام “ابن تيمية”، حول هدم الكنائس وعدم حرمانية ذلك، مستندًا إلى وقائع من عهد الخلفاء والصحابة، وكتب ابن تيمية التي تؤكد ذلك.
قال “برهامي” إن هدم الكنائس غير حرام شرعًا، وسبب موافقتنا على بنائها من خلال مواد الدستور الخاصة بدور العبادة وعدم أخذ الجزية من النصارى، أن المسلمين في العصر الحالي معلوم حالهم بالنسبة لدول العالم بالضعف وتدهور المنزلة بين الناس.
وأضاف: «حين فتح المسلمون مصر، كان جميع الفلاحين نصارى، وكان المسلمون وقتها من الجيش والجنود فقط، ولم يكن هناك انتشار للإسلام بعد، فسمحوا للنصارى ببقاء كنائسهم كما سمح الرسول لليهود بالبقاء في خيبر عندما فتحها، وعندما كثر أعداد المسلمين، أخرجهم منها عمر بن الخطاب لقول رسول الله “أخرج اليهود والنصارى عن جزيرة العرب”، ووقتها لم يكن هناك يهوديًا واحدًا في خيبر».
وتابع: «كذلك القرية التي بها نصارى، وليس عندهم مسلمون ولا مساجد، فأجازوا بقاء كنائسهم، على الرغم أن هدمها ليس محرمًا، ولكنهم وجدوا سببًا في وجود كنائس للنصارى، حيث لم يكن عدد المسلمين كاف وكانوا قلة، ولكن عندما سكن المسلمون الأرض وبنوا عليها مساجد، فلا يصلح أن يجتمع بيت رحمة وبيت عذاب كما قال رسول الله».
وأشار "برهامي" إلى أن سبب بناء الكنائس الجديدة في مصر، هو ضعف حال الفاطميين وتشتتهم، وعندما جاء صلاح الدين الأيوبي، لم يهدمها نظرًا لأنه كان منشغل بأعدائه الكثيرين في ذلك الوقت، مضيفا: «من يهدمون الكنائس ويقيمون في النصارى أمر الله، مثل الخليفة عمر بن عبد العزيز، منصورون، ومن دون ذلك فهم مغلوبون مقهورون».
وأوضح "برهامي" أن هدم الكنائس جائز شرعًا ما لم يكن هناك ضرر واقع على المسلمين من الهدم، كادعاء الخارج كذبًا أن المسلمين يضطهدون النصارى ويكون سببا في الاحتلال، بالإضافة إلى ما أشار إليه في السابق “قلة عدد المسلمين”.
بعد كل ما تقدم هل نستطيع أو تستطيع الدولة الان توجيه اتهام مباشر للدعوة السلفية وعلى رأسها نائب رئيس هذه الدعوة وقياداتها بأنها السبب في تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية الملاصقة لمبنى الكاتدرائية، أم ان هناك حسابات سياسية داخلية وخارجية تمنع اتخاذ الدولة مثل هذا الموقف؟
لا شك أن برهامي ودعوته السلفية ليسوا هم منفذي العملية الإرهابية والتي أدت باستشهاد أكثر من أربعين سيدة بل هم الذين قدموا الفتاوى الدينة التي تبيح ذلك، وكما نعلم جميعا أن الإرهاب يبدأ فكرا وبناء على هذه القاعدة فإنه لا نستطيع أن نقضي على الإرهابي بالحلول الأمنية فقط بل يجب علينا مواجهته فكريا أيضا وفي المقام الأول فيجب ان نسكت هؤلاء السلفيون وننزلهم من فوق المنابر ومنعهم من إلقاء تلك الخطب والفتاوى التكفيرية والتحريضية والتي تقوم بتخصيب الأرض للإنتاج المزيد من الإرهابيين.