تقارير أمريكية: مغامرة إردوغان فى ليبيا بدون خطة وغير مضمونة العواقب
الأربعاء 15/يوليو/2020 - 09:41 ص
طباعة
هاني دانيال
المغامرة التركية فى ليبيا حديث الأوساط الأمريكية والأوروبية، فى ظل عدم وضوح خطة الرئيس التركى رجب طيب إردوغان من البقاء فى ليبيا حتى الآن، وبالرغم من تصريحاته السابقة بشأن بدء أنقرة فى حماية أمنها القومي، والسعي للخروج إقليميا لتحقيق هذا الهدف، إلا أن الممارسة العملية تشير إلى عكس ذلك، وهو الأمر الذى كان محل مناقشة وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الاتصالات التى يجريها الجانب الأمريكي بالرغم من انشغال واشنطن بالمظاهرات الرافضة للتمييز والعنصرية.
ويري محللون أن إردوغان ربما يكون قد حقق نصرا لشعبه بالتواجد إقليميا بشكل أكبر عن فترات سابقة، وخاصة فى سوريا، العراق، ليبيا، إلا أنه سياساته اقحمت بلاده فى مشكلات عديدة مع أوروبا، حلف الناتو، وكذلك واشنطن، وهو ما سيكون لها تداعيات سلبية خلال الفترة المقبلة، فى ضوء تهديدات أوروبية بفرض عقوبات، وتنازلات لابد من تقديمها إلى واشنطن فى ملفات عديدة، وخاصة فى ظل التفاهمات التركية الروسية فى الفترة الأخيرة، وإلا ستكون واشنطن أكثر الداعمين للعقوبات الأوروبية على أنقرة.
واعتبرت "فورين بوليسي" أن التفاهمات التى أجرتها أنقرة فى الفترة الأخيرة مع حكومة فايز السراج المعترف بها خارجيا، تثير علامات الاستفهام حول التداعيات والتوقيت حيث اتفق إردوغان مع السراج على ترسيم حدود سلطاتهما البحرية، وتوقيع مذكرة تفاهم عليها الكثير من علامات الاستفهام، وليس لها أساس في الواقع أو القانون الدولي إلى جانب طلب مساعدة عسكرية تركية لضرب الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر وسرعان ما وصلت القوات التركية ، إلى جانب الآلاف من مقاتلي الميليشيات السورية الذين وُعدوا بالمال والجنسية التركية للإنضمام إلى القتال.
إلا أنها أكدت إنه من غير الواضح سبب قيام أردوغان - الذي يعاني من مشاكل اقتصادية والتحديات المصاحبة لوباء كورونا - بمغامرة عسكرية على بعد 1200 ميل من أنقرة، وما الفائدة التركية التي يمكن أن تخدمها؟ وبغض النظر عن عقود إعادة الاعمار المربحة المحتملة للشركات التركية ، إلا أن هناك مصالح جيوسياسية ذات صلة هو وراء استعداد تركيا للخوض في الحرب الأهلية في ليبيا.
السبب الأول يعود إلى سعى أردوغان منذ فترة طويلة إلى تسليط الضوء على هذا المبدأ الذي يدفع السياسة الخارجية التركية للبحث عن انتصار خارجي، وظهر ذلك فى دعوته لرحيل الرئيس السوري بشار الأسد ، ومعارضته لخلع محمد مرسي مصر في يوليو 2013 ، إلى جانب دعم الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في ليبيا، وهو ما يحقق له شعبية عبر القنوات الاعلامية التى يسيطر عليها
بينما أرجعت المجلة الأمريكية الشهيرة السبب الثانى إلى أن تحركات أنقرة في ليبيا هي في الواقع ردا على تقارب العلاقات بين كل من اليونان ومصر وقبرص ، وبالتالى هى محاولة من أردوغان لزرع حالة من التوتر فى هذه المنطقة، ومنع هذه البلدان من استكمال الاتفاقيات المبرمة بينهما فى التنقيب عن الثروات النفطية فى البحر المتوسط.
أما المحور الثالث فهو يعود لمحاولة غير محسوبة من إردوغان فى مواجهة كل من مصر والامارات، ففى ظل ما قامت به مصر من إزاحة الاخوان المسلمين من الحكم وبدعم اماراتى، يسعي إردوغان لخلق حالة من عدم الاستقرار بالمنطقة، ومضايقة هذه الدول تحديدا، فى ظل احتضان تركيا لأعضاء جماعة الاخوان المسلمين..
واعتبرت المجلة المتخصصة فى الشئون السياسية أنه بدون رؤية أو خطة واضحة للأتراك في ليبيا قد يجدون أنفسهم مكشوفين ومرهقين، وليس من الواضح ما الذي يجعل أردوغان يعتقد أنه قادر على ضبط السياسة الليبية بطريقة تنهي تفتيت البلاد والعنف المنتشر فيها ، فالأتراك يعدون أنفسهم ليكونوا أجنحة لدولة فاشلة، بالإضافة إلى أنه من الصعب على دولة مثل مصر استيعاب وجود تركي قوي في الجوار.
بينما شددت صحيفة "دي فيلت" واسعة الانتشار فى ألمانيا، أن برلين عليها أن تقدم دورا أوروبيا موحدا خلال فترة رئاستها للاتحاد الأوروبي، وأن المخاطر القادمة من ليبيا ستكون التحدى الأكبر للقارة الأوروبية خلال الفترة المقبلة، وأنه فى ظل شطحات إردوغان فى الخروج خارج نطاق دولته، أصبح هناك حاجة ملحة من أجل تحقيق الاستقرار بشمال افريقيا الذي سيكون تداعياته سلبيا على الدول الأوروبية.
نوهت إلى أن اتفاق برلين لم تلتزم به الأطراف الليبية، وبالتالى لابد من الوصول لصيغة توافقية لوقف كل الأعمال العسكرية والعودة لمائدة المفاوضات، والتوصل إلى حلول سياسية للأزمة، فالعمل العسكري له تكلفة باهظة على الجميع، والخسائر فى الأرواح ستشكل عبئا كبيرا على عمليات التفاوض مستقبلا وبالتالى لابد من البحث فى الفترة الحرجة الحالية على مخرج للحل بدلا من دخول كل الأطراف إلى المستنقع ودون معرفة موعد الخروج منه.
ونقلت عن وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس أن برلين موقفها واضح من الأزمة الليبية، ولن تدعم العنف أو أى أعمال عسكرية، وستظل تطالب الجميع بالعودة للمفاوضات السياسية ووقف كل أشكال العنف، حفاظا على سلامة الأراضي الليبي ووحدة الشعب الليبي، وأن ألمانيا تراقب بكل دقة تفاصيل المشهد الليبي بكل تعقيداته الحالية.
ولا تشكل الأزمة الليبية خلافا داهل الأوساط الألمانية، حيث هناك تجاوبا مع مطلب الخارجية الألمانية بشأن وقف العنف والأعمال العسكرية، فى الوقت الذى تظهر فيه قوى برلمانية تطالب بدعم الجنرال خليفة حفتر فى هذه الأزمة، وهناك أصوات آخري داعمة لحكومة السراج، وهو الأمر الذي يعبر عن الانقسام الأوروبي فى التعاطى مع الأزمة الليبية وليس الانقسام الألمانى فى حد ذاته.
ربما تجيب الأيام المقبلة عن كيفية حل النزاع بين الأطراف المتنازعة، وكيفية التعامل الأوروبي والأمريكي مع الموقف.