كيف استثمرت الجماعات الإسلامية دماء غزة سياسياً؟
الجمعة 08/نوفمبر/2024 - 02:01 ص
طباعة
شهدت المنطقة العربية موجة جديدة من التوترات مع تصاعد الحرب في غزة وامتدادها إلى لبنان، مما أتاح فرصة غير متوقعة للحركات الإسلامية لإعادة التموضع السياسي. رغم تراجع شعبية العديد من هذه الحركات وتقلص قواعدها عقب فشلها في الحكم، فإن استغلالها المتجدد للأزمات الإقليمية أتاح لها استعادة تأثيرها، معتمدةً على العواطف الشعبية واستثمار الأحداث المأساوية لتحقيق أهدافها.
الحركات الإسلامية بين الساحة السياسية والعواطف الشعبية
تتقن الحركات الإسلامية العزف على وتر العواطف، مستفيدةً من الصدمات الإقليمية التي تثير مشاعر الغضب والإحباط لدى الشعوب العربية. فحزب العدالة والتنمية المغربي (البيجيدي) وجبهة العمل الإسلامي في الأردن، وهما من الفروع السياسية للإخوان المسلمين، استثمرا في عملية "طوفان الأقصى" التي أشعلت فتيل الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بقيادة حماس. هذه الحرب، التي امتدت من قطاع غزة إلى لبنان وتتوعد بالتوسع إلى دول إقليمية أخرى، قدمت لهذه الحركات فرصة لتعزيز حضورها السياسي. فبعد نكسة انتخابية أخرجت حزب العدالة والتنمية المغربي من دائرة الحكم، بدا واضحاً أن الحزب عاد لاستثمار الأزمة الإقليمية في غزة لإعادة استقطاب الجمهور المغربي عبر قيادة الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.
لكن يظهر أن هذه التحركات ليست فقط تعبيراً عن التضامن، بل استراتيجية لاستعادة ثقة الجماهير التي انفضت حول الحزب بعد توقيعه على اتفاقية تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. وعليه، فإن حزب العدالة والتنمية لم يعد للشارع مدفوعاً فقط بالعاطفة القومية والدينية، بل بإعادة بناء صورته التي تضررت داخلياً؛ حيث يسعى إلى تحويل دعمه للقضية الفلسطينية إلى رصيد سياسي يمكن أن يستفيد منه في الانتخابات المقبلة
الإخوان المسلمون: فرصة لإعادة التموضع
استفادت جماعة الإخوان المسلمين، على الصعيد الدولي والمحلي، من تصاعد العنف ضد غزة في محاولة لعودة الحضور الشعبي، خاصة في الأردن والمغرب. في الأردن، لم تقتصر جهود الإخوان المسلمين على النشاط الشعبي، بل برزت جبهة العمل الإسلامي عبر الدعوة إلى مقاطعة التعامل مع إسرائيل والتنديد بالسياسات الإسرائيلية، في محاولة لاستعادة دعم الجمهور الذي فقدته في السنوات الأخيرة.
عالمياً، استخدمت الإخوان هذا الصراع كوسيلة لإعادة تنظيم قواها والتواصل مع جماهير جديدة في أوروبا، حيث تتركز أنشطتها بعد تراجع نفوذها في المنطقة العربية. وقد عملت على استغلال صور الدمار والضحايا في غزة لاستثارة الدعم، متبنيةً خطاب المقاومة وإعادة تفعيل الشبكات التي تساعدها في تعزيز تأثيرها السياسي خارج نطاق الشرق الأوسط.
داعش والقاعدة: فرص التجنيد وتعزيز التهديدات الإقليمية
تتجاوز استفادة الحركات الإسلامية من الأزمة في غزة ولبنان المجال السياسي، إذ امتد الأمر إلى الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها داعش والقاعدة، اللتين استغلتا الأزمة لتوجيه دعوات تجنيد جديدة. فهذه الجماعات، التي تعتمد على خطاب الجهاد، وجدت في التصعيد العسكري فرصة لاستثارة الأفراد الغاضبين من الواقع العربي والتلاعب بمشاعرهم للتجنيد.
داعش والقاعدة ليسا بعيدان عن استغلال الصراع في غزة لإحياء قواعدهم المنهارة في المنطقة، إذ إن العنف المتجدد يزيد من فاعلية خطابهم في جذب الأتباع، عبر تقديم أنفسهم كمدافعين عن الأمة الإسلامية. وفي هذا الإطار، بدأت منصاتهم الإعلامية في إصدار بيانات تدين إسرائيل وتدعو إلى "نصرة المستضعفين"، ما يعزز استراتيجيتهم في استقطاب المجندين الجدد.
السياق الجيوسياسي ودوره في إعادة إحياء الحركات الإسلامية
تعتمد الحركات الإسلامية المتطرفة والسياسية على الأزمات الإقليمية لمواصلة نشاطها، واستفادتها من الحرب على غزة تأتي ضمن إطار التحولات الجيوسياسية في المنطقة. فهذه الحركات تدرك أهمية إعادة تأطير صراعات المنطقة كجزء من المعركة الدينية والسياسية ضد "الأعداء"، ما يوسع من نطاق نفوذها. وبذلك، تصبح الأزمات جزءاً من دورة حياة هذه الحركات، إذ تستخدمها لتبرير نشاطها وتوسيع قاعدتها الشعبية، سواء في الدول التي تشهد نزاعات أو حتى في الغرب.
الخلاصة
استفادت الحركات الإسلامية المتنوعة، من السياسية كالإخوان المسلمين إلى المتطرفة كداعش والقاعدة، من الحرب على غزة ولبنان لتجديد حضورها واستقطاب الأتباع. فبينما يسعى حزب العدالة والتنمية في المغرب وجبهة العمل الإسلامي في الأردن إلى تعزيز حضورهم الداخلي، تعمل داعش والقاعدة على التلاعب بالعواطف الدينية لاستقطاب مجندين جدد. تعكس هذه التحركات قدرة الحركات الإسلامية على استثمار الأزمات الإقليمية، وإعادة توظيفها لتمكين نفسها سياسيًا وشعبيًا، مما يعيد تشكيل الخريطة السياسية في المنطقة العربية بشكل مستمر.