ماذا تعني استقالة الفخفاخ من رئاسة الحكومة التونسية؟
الخميس 16/يوليو/2020 - 12:06 ص
طباعة
حسام الحداد
استجاب رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ لطلب الرئيس قيس سعيد بتقديم استقالته بعد خلاف قوي مع حزب النهضة الاسلامي الذي بدأ مساعي لسحب الثقة منه.
وقالت مصادر سياسية لرويترز اليوم الأربعاء 15 يوليو 2020، إن الفخفاخ تقدم باستقالته للرئيس قيس سعيد في خطوة تأتي لقطع الطريق أمام حركة النهضة الساعية لسحب الثقة من الحكومة الحالية بعد تحالفها مع كتل أخرى في البرلمان.
ومن المتوقع أن يعين الرئيس سعيد شخصية أخرى في الأيام القليلة المقبلة لتشكيل حكومة في فترة لا تتجاوز شهرين.
وكانت مصادر صحفية تونسية قد أكدت في وقت سابق طلب الرئيس قيس من إلياس الفخفاخ تقديم استقالته وذلك عند حضوره إلى قصر قرطاج مع راشد الغنوشي رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة، ونور الدين الطبوبي أمين عام الإتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في البلاد).
وحسب خبراء في القانون فإن طلب سعيد الاستقالة من الفخفاخ أقرب للتحقيق حاليا نظرا لسرعة تنفيذه حيث تصبح الاستقالة قانونية ونافذة وكاملة بمجرد تقديمها كتابة لرئيس الجمهورية وقبوله لها وبالتالي فإن مبادرة إختيار الشخصية الأقدر لتعويض رئيس الحكومة ستعود آليا لقيس سعيد من جديد، رغم تقديم حركة النهضة للائحة اللوم.
في المقابل يتوجب على حركة النهضة الانتظار حتى يعقد البرلمان جلسة عامة لسحب الثقة من رئيس الحكومة إذا استوفى طلبها كل الشروط ومنها خاصة الأسباب والتعليل، وذلك بعد 15 يوما على أقل تقدير حسب ما يقتضيه الدستور وهي المدة التي يمكن للرئيس اختصارها إذا استقال الفخفاخ.
وفي وقت سابق الأربعاء، بدأت كتلة حركة النهضة تجميع توقيعات النواب على لائحة سحب الثقة من حكومة الفخفاخ، تنفيذا لقرار مجلس شورى الحركة الصادر مساء الثلاثاء.
وكان تمرير اللائحة إلى مكتب البرلمان يتطلّب 73 توقيعا، ثم التصويت عليها في الجلسة العامة بالأغلبية المطلقة للأصوات (109)، بحسب الدستور التونسي.
وقال رئيس مجلس شورى النهضة عبدالكريم الهاروني، الأربعاء، في حوار مع إذاعة "شمس إف إم" التونسية (خاصة)، إن "الحركة ستُقدم لائحة سحب الثقة من الفخفاخ إلى البرلمان قبل انتهاء يوليو الجاري".
ومساء الثلاثاء، قرر مجلس شورى حركة النهضة سحب الثقة من الفخفاخ، وتكليف رئيس الحركة راشد الغنوشي، بمتابعة هذا الخيار بالتشاور مع الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية.
وتأتي خطوة حركة النهضة بعد حصول توافق واسع بين عدد من الاحزاب من بينها حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب شريكي الحكم لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.
لكن النائب عن التيار محمد عمار اكد في تصريح لاذاعة " أي اف ام" الخاصة ان القرار لا علاقة له بالمسار الحكومي وان لائحة سحب الثقة من الغنوشي جاهزة قبل التطورات السياسية الحاصلة ولا علاقة لها بالمجريات الأخيرة.
وقال ان القرار ياتي ردا على الخروقات التي ارتكبها الغنوشي وعدم خضوعه للنظام الداخلي المحدد لمهام رئيس البرلمان.
وبالتوازي مع ذلك ايدت كتلة الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي التوافق الواسع لسحب الثقة من الغنوشي مؤكدة ان نواب كتلتها وقعوا عليها.
واذا تمكنت الكتل وراء لائحة سحب الثقة من الغنوشي من جمع 109 صوت سيؤدي ذلك الى تمريرها.
ويترأس الفخفاخ، منذ 27 فبراير الماضي، ائتلافا حكوميا يضم 4 أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية، هي النهضة والتيار الديمقراطي ( 22 مقعدا)، وحركة الشعب ( 14 مقعدا)، وحركة تحيا تونس (11 مقعدا)، وكتلة الإصلاح الوطني (16 مقعدا).
ومن شأن سحب النهضة وحلفائها الثقة من رئيس الحكومة أن يفاقم الأزمة السياسية في البلاد والتي تفجرت بسبب الخلاف مع الفخفاخ الذي يقول الحزب إنه فقد مصداقيته بسبب شبهة تضارب مصالح.
وكان الفخفاخ اتهم الشهر الماضي في ملف تضارب مصالح حيث تعرض لانتقادات واسعة في البرلمان فيما حاولت حركة النهضة ممارسة ضغوط عليه مستغلة الملف.
وياتي قرار مجلس شورى النهضة بعد يوم من تصريح للفخفاخ اكد فيه انه سيجري تعديلا وزاريا في الأيام المقبلة يتناسب مع مصلحة تونس العليا وذلك في خطوة تهدف فيما يبدو لإخراج وزراء النهضة من الحكومة.
ولكن رد النهضة على الفخفاخ لم يتأخر بقرار قد يجعل من حكومته أول حكومة لا تدوم ستة أشهر إذا نجح الحزب الإسلامي في مسعاه لسحب الثقة.
ومن شأن الازمة السياسية أن تزيد متاعب الاقتصاد الذي تكافح تونس لإنعاشه خصوصا مع الوضعية الحرجة للمالية العمومية.
ويوم الاثنين قال وزير الاستثمار التونسي إن بلاده تتفاوض مع أربعة بلدان لتأجيل سداد ديون في خطوة تظهر مدى الصعوبات المالية للبلد الواقع بشمال أفريقيا
واعتبرت سياسات حركة النهضة سببا في تفاقم الأزمات في تونس حيث اتهمت الحركة بممارسة الابتزاز السياسي ضد احزاب الائتلاف الحاكم حيث هددت مرارا بسحب الثقة من الحكومة في اطار مطالبتها بتوسيع حزامها السياسي لضم حزب قلب تونس.
وكان الرئيس قيس سعيد قد اجتمع الاثنين مع الامين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي بالاضافة إلى الفخفاخ للرد على شائعات نشرها قيادات في النهضة حول تكليفه الغنوشي بالقيام بمشاورات تشكيل الحكومة مشددا ان الموقف من الحكومة يحدده الدستور وانه لا يتخذ القرارات في الغرف المظلمة.
الاستقالة نافذة بشكل فوري
وعن تزامن الاستقالة مع لائحة سحب الثقة من رئيس الحكومة، أكدت أستاذة القانون في جامعة جندوبة هناء بن عبدة، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن الاستقالة فورية ونافذة منذ لحظة تقديمها، وعند الاستقالة تصبح لائحة اللوم مفرغة من محتواها، بالتالي لا يمكن سحب الثقة من حكومة مستقيلة.
وأضافت أنه وفقاً للفصل 89 من الدستور، على رئيس الجمهورية البدء في مشاورات خلال عشرة أيام مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية، لتكليف الشخصية "الأقدر" من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.
وفي حال لم تنل الحكومة الجديدة ثقة البرلمان يمكن لرئيس الجمهورية حينها حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكّرة.
لا وجود لمأزق دستوري
وأوضحت بن عبدة، أن لا وجود لتضارب بين الفصل 77 من الدستور، الذي ينصّ على عدم إمكانية حل البرلمان في الستة أشهر الأولى من تاريخ تكليف أول حكومة بعد الانتخابات التشريعية، لأن الحكومة الجديدة وبانقضاء الشهر تكون قد استوفت الآجال الدستورية، ويمكن لرئيس الجمهورية الذهاب إلى حلّ البرلمان.
وبتقديم رئيس الحكومة الياس الفخفاخ استقالته إلى رئيس الجمهورية يكون قد سحب البساط من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي لن يتمكّن حزبه من اقتراح شخصية لتشكيل الحكومة الجديدة، بعد أن عادت المبادرة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد.
ويكشف الوضع الراهن في تونس عن تعفن المشهد السياسي في البلاد، بعد تردّي مؤسسات الدّولة في صراع محموم على الحكم وعلى الصلاحيات، بينما تنزلق البلاد في أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية حادة، فهل ينجح رئيس الجمهورية هذه المرة في اختيار الشخصية "الأقدر" على تجميع الائتلافات الحزبية المتنافرة في برلمان مشتت، من أجل البدء في الإصلاحات التي ينتظرها التونسيون؟