اختراق اليمين المتطرف للشرطة الألمانية يثير القلق
الخميس 16/يوليو/2020 - 11:12 م
طباعة
هاني دانيال
دعوات مكافحة العنصرية فى ألمانيا، يتزامن معها قرارات غير مفهومة من قبل الحكومة والسياسيين، وهو ما يؤدى إلى ضبابية المشهد فى معرفة الحقائق الكاملة والأرقام اللازمة بخصوص حجم العنصرية فى المجتمع، وبالرغم من توصيات المفوضية الأوروبية بإجراء دراسة عن مدى وجود عنصرية داخل أجهزة الشرطة الألمانية، إلا أن وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر رفض منح الأذن بتكليف بإجراء هذه الدراسة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى كشف فيه المكتب الاتحادي لحماية الدستور فى تقريره السنوى مؤخراعن الارتفاعات الحادة في الجرائم المعادية للسامية والتطرف اليميني والعنصري في ألمانيا ، ووصف التطرف اليميني بأنه أكبر تهديد أمني للبلاد.
هناك تهديدات عديدة من اليمين المتطرف تستهدف السياسيين، والفنانين، وسبق أن انتفض المجتمع الألمانى بعد اغتيال فالتر لوبكه، رئيس حكومة مركز ومدينة كاسل العام الماضي، على يد أنصار اليمين المتطرف، وهو ما جعل الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير إلى الاعتراف بأن مواجهة العنصرية وخطر اليمين المتطرف أولوية لدى ألمانيا خلال المرحلة المقبلة.
كما تظهر تقارير تشير إلى وجود عدد كبير من اليمين المتطرف داخل جهاز الشرطة الألمانية، ونجاح هؤلاء فى اختراق جهاز الشرطة ، ومحاولة تصفية عدد من المعارضين لهم، وسبق أن تلقي العديد من السياسيين من حزب اليسار تهديدات منذ عام 2018.
وردا على ما أثير بشأن تورط عناصر شرطية فى الانضمام لليمين المتطرف، استقال قائد الشرطة في ولاية هيسن بسبب الاشتباه بوجود روابط لليمين المتطرف بالقوة الإقليمية التي كان يقودها، وقرر أودو مونيش التقاعد مبكرا بعدما تبين أن أجهزة الكمبيوتر التابعة للشرطة استخدمت في عمليات بحث غير مصرح بها للحصول على تفاصيل شخصيتين بارزتين، إحداهما سياسي من أقصى اليسار تلقى في ما بعد تهديدات عبر خطابات ورسائل بريد إلكتروني، تم توقيع رسائل التهديد بأحرف "أن أس يو 2.0"، في إشارة إلى الخلية النازية الألمانية الجديدة التي ارتكبت سلسلة من جرائم القتل العنصرية في بداية الألفية.
وفيما كان يُعتقد أن التطرف اليميني يتركز غالبا في الولايات الشرقية، شهدت هيسن قرب فرانكفورت العام الماضي مقتل السياسي المحلي فالتر لوبكه المؤيد لاستقبال اللاجئين، في جريمة نفّذها ناشط من النازيين الجدد.
البعض يري أن حالات السلوك العنصري أو اليمين المتطرف بين الشرطة معزولة ويجب التحقيق فيها بكل قوة من جميع الوسائل الدستورية، وهناك من يري ضرورة فى ملاحقة كل أشكال العنصرية، مع تنامى نشاط جماعات اليمين المتطرف، وعدم السماح لهم بفرض وصاياتهم وأهدافهم بالمجتمع.
العام الماضي عقد البرلمان الألماني "بوندستاج" جلسة خاصة حول سبل مكافحة التمييز العنصري، وخاصة بعد اغتيال فالتر لوبكه، وكان من الملاحظ أن الحكومة هى من دعت إلى هذه الجلسة وليس المعارضة، فى خطوة يراها البعض محاولة لمكافحة تنامى أفكار اليمين المتطرف، فى ظل تنامى دعوات الكراهية ضد المهاجرين والأجانب.
الملاحظ أيضا أن هناك موجة ضد المهاجرين، وتحاول الحكومة مواجهته بقوة، وهو ما ظهر مؤخرا خلال محاولات إقرار قانون لملاحقة العصابات العربية والأجنبية فى إطار محاولة مكافحة الجرائم المنظمة، وانتقد نواب الائتلاف الحاكم محاولات حزب "البديل من أجل ألمانيا"، والذي يسعى لاستغلال الأمر لتعزيز أفكار انتقاد الأجانب والمهاجرين.
من جانبه دعا هورست زيهوفر إلى تفعيل استراتيجية "عدم التسامح " مع شعارات الكراهية ومعاداة الأجانب، وتبنى قرارات أكثر حزما ضد استخدام أي لغة "تفضي إلى الكراهية والعنف".
الخلاف تصاعد بين الأحزاب والحركات اليمينية والائتلاف الحاكم، فهناك أسباب انتخابية يسعي من خلالها الائتلاف الحاكم لاضعاف حزب البديل ودعواته ضد الجانب، وفى نفس الوقت يسعى حزب "البديل" إلى مغازلة المواطن الألماني والتأكيد على أنه يتبنى أفكار من شأنها الحفاظ على قيم المجتمع، والآن أصبح الائتلاف الحاكم فى ورطة ما بين تنامى أفكار اليمين المتطرف، واغتيال لوبكة يعد ناقوس خطر، وبين تصاعد الانتقادات من حزب الخضر ضد الائتلاف الحاكم بسبب عدم الاهتمام بملف البيئة.
ولم يتوقف حزب البديل عن دعواته والتشهير بالحكومة وأفكارها، وعدم قدرتها على وقف الجرائم المنظمة، وما يتبعها من نشر أفكار المهاجرين لعادات وأفكار ربما تكون نواة لتنظيمات إرهابية أو مناهضة للقيم الألمانية، إلا أن الحكومة تواصل نقدها لكل التياريات اليمنية، وتعزز من قيم الاندماج والتسامح ورفض كل الدعوات التى تحض من الأجانب والمهاجرين.
وفى هذا السياق صرح المتحدث باسم السياسة الداخلية لحزب البديل، جوتفريد كوريو، "أوقفوا اتهامات التحريض، نحن نسعى للحفاظ على القيم الألمانية فقط".
ودعت الداخلية الألمانية إلى زيادة عدد العاملين في الاستخبارات الداخلية وتحسين التقنيات التي تعمل بها ومنحها مزيدا من الصلاحيات، لمواجهة مخاطر الإرهاب والتطرف على نحو كاف.
تأتي هذه التطورات على خلفية زيادة التهديدات التي يتلقها سياسيون ومسؤولون محليون يتعاطفون مع المهاجرين والأجانب ويدعون إلى تعايش سلمي، ما يثير غضب الجماعات اليمينية المتطرفة أو النازية الجديدة.
هذا الجدل ليس هو الأول من نوعه، حيث سبق وأن احتلت مدينة كيمنتس اهتماما واسعا فى وسائل الاعلام الألمانية، حيث كانت مدينة الفليسوف الشهير كارل ماركس، قبل ان تتحول إلى بؤرة المتطرفين والأفكار اليميينة المتطرفة.
وتعد المدينة ثالث أكبر مدن ولاية ساكسونيا بأقصى شرق وسط ألمانيا، وكانت واحدة من أهم مدن الصناعة في ألمانيا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكان برلمان كيمنتس من أوئل البرلمانات، التي سيطر عليها النازيون خلال حقبتهم، ما غير الوجه الثقافي للمدينة، جرى اضطهاد اليهود ومصادرة أملاكهم، وحرق معابدهم في "ليلة الكريستال"، ومن لم يهرب منهم خارج كيمنتس تم ترحيله أو إرساله إلى مراكز الاعتقال، إلا أنه بعد الحرب العالمية الثانية أصبح النفوذ السوفيتي واضحا في كيمنتس سواء من الناحية العسكرية أو المالية أو التعدين أو حتى الثقافة.
كان من الملاحظ انه في فترة الستينيات كانت هناك حركة عمران كبرى، وفي السبعينات نالت شهرة في المسرح والرياضة مثل التزلج الفني على الجليد ورياضات الدرجات والسباحة ورفع الأثقال، إلا انها تحولت مؤخرا مثل غيرها من مدن ولايات شرق ألمانيا لتحتوي أفكار اليمين المتطرف.