باحث يكشف أردوغان حول كنيسة "خورا" إلي مسجد قبل أيا صوفيا
الثلاثاء 21/يوليو/2020 - 08:44 ص
طباعة
روبير الفارس
العثمانية الجديدة هي منهج يسير أردوغان علي نهجه ومن أبرز أركانه المخطط الطائفي حيث
كشف الدكتور البروفيسور طلعت مليك أن طائفية أردغان لم تقتصر على تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد فقد سبق ذلك وحول كنيسة خورا باسطنبول أيضا الي مسجد الأمر الذي يؤكد أن هناك مخطط في عقل خليفة الإرهاب أردوغان الذي يعتبر أن هذا العمل هو إحياء لـ "العثمانية".
وقال البروفيسور طلعت أن
كنيسة آيا صوفيا التي تترجم بمعنى : كنيسة الحكمة المقدسة ـ
آيا = مقدسة
صوفيا= حكمة
والآن يتم تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد باسم أيضاً "آيا صوفيا"
وأريد أن أقول : أن الكلمات اليونانية اللغة، مثل: كلمة "آيا" ينطقها البعض بـ "اجيا"
أذن آيا هي نفس كلمة أجيا، وتعنى مقدسة! ـ وكلمة "صوفيا" هي أيضاً كلمة من اللغة اليونانية وتترجم أو تعني: الحكمة ـ وبهذا اسمها كنيسة الحِكمة المقدسة أو مكان الحكمة المقدسة أو بَيِعَة الحِكمة المقدسة!
في هذه الفترة الصعبة المملوءة بالتوتر التركي الفرنسي والتركي الأوروبي!
أوردغان، سعيد جدا بحُكُم المَحكمة التركية العليا الذي جاء في صالحه، وبه يَستطيع مُشاكسة العالم المسيحي!
حيث حَكَمَت المَحكمة العليا في تركيا بإعادة كنيسة "آيا صوفيا"، و تحويلها إلى مسجد مِن جديد، بعد أن كانت متحفاً يأتي اليه السُيّاح مِن كل أنحاء العالم!
وحُكم المَحكمه التركية العُليا هذا كَانَ بناءاً على طلب كَانَ ينتظره الرئيس أوردغان، بفارغ الصبر منذ العام الماضي ـ
وبهذا الحُكم القضائي، نستطيع القول بأن الرئيس التركي، قد دخل في عملية صراع وإثارة بل وتوتر شديد مع كل العالم المسيحي ـ وبهذا أيضاً يُخرِج لسانه لليونانيين!
أوروبا اليوم حزينة بسبب هذا الحُكم القضائي التركي الذي يضع العلاقة التركية الأوروبية على محك شديد!
ونلاحظ أن أوروبا مشغولة اليوم ـ وعلى سبيل المثال لا الحصر: حيث فرنسا مشغولة في تعيين رئيس وزراء جديد بحكومة جديدة بعد انتخابات الاسبوع الماضي التي خسر فيها الرئيس ماكرون! بل روسيا أيضاً، مشغولة، حيث هذا الاسبوع مشحون بالعمل الداخلي وذلك في إعادة انتخاب الرئيس بوتين! وربّما الجانب التركي ـ قد اختار بعناية شديدة جداً، موعد الإعلان عن صدور الحُكم وذلك بعد دراسة شديدة ومعرفة مدى مشغولية الدِول التي يمكن أن تحتج على مشروع تحويل هذه الكنيسة التاريخية إلى مسجد!
و باختصار شديد لِمَن لا يعرف تاريخ كنيسة آيا صوفيا، ـ هذه الكنيسة "البازيليك" هي تحفة معمارية فريدة في العالم، وهي أحد الأعمال المعمارية الرئيسية التي بناها البيزنطيون في القرن السادس الميلادي! وكانت الكنيسة التي يتم فيها المراسيم الكبرى في العالم مثل تتويج الأباطرة والملوك المسيحيين!
وهي موقع تراث عالمي محفوظ لليونسكو وأحد أهم المعالم السياحية الرئيسية في مدينة إسطنبول التركية!
والقصة ترجع إلى : عندما استولى العثمانيون على مدينة القسطنطينية تم تغيير اسم المدينة، من القسطنطينية إلى إسطنبول وتم تحويل هذه الكنيسة الفريدة في طرازها المعماري والفني، الى مسجد سنة ١٤٥٣م ـ بأمر العثمانيين، وظلت هذه الكنيسة كمَسجد مع وضع الأيقونات وتغطيتها حتى لا تكون ظاهرة للعين، في الدور تحت الأرضي! وفيما بعد تم وضع كنيسة "آيا صوفيا" تحت رعاية من اليونسكو وباتفاق مع الدول الأوروبية وجمعيات التراث الأوروبية مع التعهد من الجانب التركي آنذاك بعدم المساس بالأيقونات الاثرية المهمة التي تحكي أيام بداية المسيحية!
وعندما حَكَمَ الجنرال، مصطفى كمال أتاتورك، الجمهورية التركية، قام بتحويل هذا المسجد "كنيسة آيا صوفيا" ، الذي هو كنيسة مِن قَبل إلى متحف، وذلك باسم متحف "آيا صوفيا" وكان هذا في عام ١٩٣٥م، حيث كان في حاجة إلى المال و لجذب السياحة الأوروبية إلى اسطنبول ـ بالإضافة أنه كان ضد أفكار المشايخ الأتراك، وقد نجح في ذلك! قامت المحكمة العليا التركية وبناءاً على طلب الرئيس أوردغان ـ الذي يريد أن بهذا الفعل إحياء الروح الإسلامية الشعبوية في الشعب التركي ـ "لعبة انتخابية" وذلك بإعادة هذا المتحف إلى مسجد من جديد! لإرضاء الإسلامين بل والمسلمين في شتي انحاء العالم بحسب قوله وإرضاء الذين سوف يصوتون له في الانتخابات القادمة ـ و الذين كان قد وعدهم في العام الماضي بذلك وبحسب قوله فأن هذا التحويل هو : رداً على الاعتداءات ضد المسجد الأقصى في العام الماضي بحسب قوله أيضاً! ـ وقد وعد الإسلاميين بأن الصلاة ستكون تحت قبة الكنيسة أي في داخل صحن هذه الكنيسة التي تم تحويلها إلى مسجد! وإن الصلاة الإسلامية، فيها ستبدأ في خلال أسبوعيين
وعليه ـ فـ يتم حذف اسم "متحف ايا صوفيا" ، من على الكنيسة ـ لتكون البناية تحت اسم "مسجد ايا صوفيا" ـ و أوردغان، يعتقد أو بحسب قوله فأن السياح سيأتون خصيصاً لرؤية "مسجد القديسة صوفيا ـ آيا صوفيا، وقد وعد بأنه لن يكون هناك "شِبّاك تذاكر" ـ كما كان للمتحف مِن قبل! بل الدخول للصلاة في هذا المسجد "الكنيسة الأثرية" سيكون بالمجان للمسلمين!
وبالرغم من أن الدبلوماسية والخارجية الأمريكية ـ قد طلبت مِن الحكومة التركية، بعدم المساس بهذه الكنيسة ـ إلا أن طلب الولايات المتحدة لم يلقى قبولا لدى السُلطات التُركية!
واليونان، قلقة من هذا الفعل القضائي بتحويل الكنيسة إلى مسجد! ولعل أوردغان، سعيداً بتحقيق وعوده وأحلامه وخصوصاً بأنه يلعب على الوتر الإسلامي، لكي يكسب في الانتخابات القادمة ولإرضاء الإسلاميين! ـ وعموما هذا الحُكم القضائي قد اغضبَ العالم المسيحي عامة والشعب اليوناني خاصة عن بكرة أبيه ـ لأن كنيسة "آيا صوفيا" تعتبر مِلك للشعب اليوناني،وذلك قبل أن يحتل العثمانيين القسطنطينية بل وحتى بعد احتلالها فهم يتحصرون عليها يومياً ـ وعلى محاولة تغيير معالم هذه الكنيسة ـ فهي في قلب كل يوناني! بل في قلب كل مسيحي في العالم يعرف قصة هذه الكنيسة ـ وفي قلب كل إنسان يحترم التاريخ و الآثار والثقافة ـ لأن هذا الصرح المعماري هو فريد من نوعه!
وقال الدكتور طلعت أنه في
العام الماضي، قد قام أوردغان، بتحويل كنيسة أخرى، فريدة في طرازاها وهي قديمة جداً وأثرية وتحمل اسم "كورا" أو تنطق أحياناً "خورا" وتعنى بعد ترجمتها من اللغة اليونانية بـ ـ "كنيسة المخلص" وهي أيضاً في مدينة إسطنبول وقد بناها البيزنطيون! وقد حولها العثمانيين إلى جامع ومسجد في القرن السادس عشر الميلادي وبها ٦ قباب فريدة في بناءها ـ ثم في عام ١٩٤٨م تم تحويلها من مسجد إلى متحف لجذب السياحة أبان حُكم تركيا بالعلمانية ـ وكان ذلك نتيجة ضغط من أوروبا ـ ثم العام الماضي قام أوردغان بتحويلها من جديد إلى مسجد ـ كجس نبض قبل فعلته التي قام بها بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد ـ وكنيسة "خورا" هي من أجمل البنايات المملوءة بالأعمال الفنية!
والملاحظ أن هناك توتر شديد وخلاف تركي فرنسي غير مسبوق في العهد الحديث ـ وخلاف تركي مع الناتو ـ وكل ذلك بسبب تدخل تركيا في ليبيا، وكذلك التنقيب عن البترول في البحر المتوسط، ومشاكسة الاسطول البحري الفرنسي الموجود في البحر المتوسط
وفي سياق متصل كتب الباحث أسعد قطّان حول تحويل ايا صوفيا الي مسجد وخطورة فكر العثمانية الجديدة التي يعمل بها أردوغان علي الآثار المسيحية في تركيا من خلال تقرير وصفي جاء فيه
كانت الطائرة على وشك أن تحطّ بنا في مطار أتاتورك. لم أعرف أنّه يونانيّ إلاّ قبل نهاية الرحلة بقليل. ألقى نظرةً على المدينة العائمة على البوسفور وهتف: «هذه البلاد كان يجب أن تكون لنا اليوم». فبادرته: «وهل تعتقد أنّ القيصر قسطنطين الحادي عشر كان في وسعه أن يردّ الهجمة العثمانيّة عن القسطنطينيّة؟»، فأجاب بكلمات غرائبيّة: «العام ١٤٥٣، حين سقطت القسطنطينيّة، كان هناك في المدينة عشرة آلاف جنديّ وأربعون ألف راهب».
لم تكن الآيا صوفيّا هي محجّتي في المدينة ذات الأسماء الكثيرة. في اسطنبول، يتكشّف لك كم أنّ الأسماء لصيقة بالتاريخ. حين قرّر قسطنطين الكبير توسيع بيزنطية القديمة وبناء مدينة جديدة تحمل اسمه، كان يتصرّف مثل القياصرة الآخرين. فالإمبراطوريّة الرومانيّة تعجّ بالمدن المسمّاة على اسم الأباطرة وزوجاتهم. ولكنّ قدر القسطنطينيّة كان أن تصبح العاصمة الجديدة بعدما غزا الجرمان الجزء الغربيّ من المملكة المترامية. لقد وسم «الفتح» الجرمانيّ القسطنطينيّة بميسمه، فأضحت هذه المدينة «رومية الجديدة» بعد سقوط العاصمة القديمة في قبضة برابرة الغرب، وحين لم يعد هناك ما يذكّر بالانتماء الرومانيّ على ضفاف التيبر سوى مؤسّسة البابويّة. أطلق أهل القسطنطينيّة اسم «رومية الجديدة» على مدينتهم منذ القرن الخامس تيمّناً بالعاصمة القديمة. وهم كانوا أحياناً ينسون النعت ويسمّون القسطنطينيّة «رومية»، رومية فحسب. ولئن اتّصفت العاصمة الجديدة بطابع مسيحيّ تكرّس عبر إعلان القيصر ثيوذوسيوس المسيحيّة ديناً رسميّاً للمملكة، إلاّ أنّ الوثنيّة ظلّت مغروسةً طيلة قرون في ذاكرة مدينة البوسفور وفي عادات أهلها، حتّى إنّ القسطنطينيّة أضحت بين القرنين السادس والثالث عشر وريثة روما في الإدارة ووريثة أثينا في الثقافة. ولم يتغيّر هذا إلاّ حين بدأ نجم المدينة يأفل لمّا فتحها الفرنجة عنوةً العام ١٢٠٤ رغم اعتراض البابا الرومانيّ وعاثوا فيها فساداً، وكانت قد ظلّت عصيّةً على العرب المسلمين ستّة قرون.
لم تكن الآيا صوفيّا هي محجّتي، إذ كيف أهرب من كثافة المجد القيصريّ المتراكم في ثنيّات هذا الفضاء المعماريّ المتماوج؟ لا أعرف مكاناً في العالم يتحدّى كلمات يسوع الناصريّ «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله» أكثر من الآيا صوفيّا.
والحقّ أنّ القيصر جوستنيان أرادها تمثيلاً أرضيّاُ للحكمة الإلهيّة، ومن هنا اسمها الذي لا علاقة له بقدّيسة من مصر تدعى «صوفيّا» كما يعتقد بعضهم. الفكرة المعماريّة تتلخّص بكلمة واحدة: الحكمة. الفلسفة في المصطلح اليونانيّ، هذا الجهد العقليّ الذي يدور ويتقصّى ويتحرّى ولا يقرّ، هي محبّة الحكمة. ربّما أراد جوستنيان أن يترك للأجيال وصيّةً قوامها أنّ الفلسفة الحقيقيّة هي طلب الإلهيّات. وربّما أراد أن تصبح الحجارة مرايا السطوع الإلهيّ الذي لا يسكن في حجارة. هل نجح في مشروعه الترميزيّ؟ لا شكّ في أنّ الكنيسة صارت أيضاً عنواناً للعبقريّة المعماريّة البشريّة. ولكن في الفكر البيزنطيّ ليس ثمّة تضادّ جذريّ بين الدينيّ والزمنيّ. الفصل بين الدين والدولة لم يأتنا من بيزنطية، بل من أوروبّا اللاتينيّة التي حفر الصراع بين البابا والملك حضارتها فأنشأ علمانيّتها.
لم تكن الآيا صوفيّا هي محجّتي، فأنا أطلب مكاناً آخر: دير الخورا، أو متحف القرية كما يسمّيه الأتراك. قلت لسائق التاكسي إنّي أقصد «جامع القرية»، فصحّح لي: «متحف القرية». هذا كلام تتحسّر عليه اليوم في زمن تبدو فيه العلمنة التركيّة سائرةً إلى الاندثار. حكاية متحف القرية تشبه حكاية الآيا صوفيّا: دير يعكس في شكله الحاليّ النهضة الفنّيّة في زمن الأباطرة الباليولوغ (القرن الرابع عشر) حوّله العثمانيّون إلى مسجد قبل أن يصبح متحفاً في القرن العشرين. من الطبيعيّ أن يعمد المسلمون إلى حجب الجدرانيّات البيزنطيّة في صحن الكنيسة، الذي كانوا يستخدمونه حيّزاً للصلاة. ولكنّ الأعجوبة تكمن في الأروقة الثلاثة الطويلة التي تحتضن كنيسةً سجد فيها المسلمون ودعوا باسم الله الواحد الأحد. يقال إنّ الفنّان الذي لا نعرف له اسماُ بدأ بالفسيفساء. وحين شحّ المال، استعاض عنها بالجدرانيّات. الثابت أنّه ترك لنا أجمل جدرانيّة لقيامة المسيح في العالم وسلسلةً من الرسوم هي من عيون الفنّ البيزنطيّ. المسلمون العثمانيّون، لئن ضربوا اسم القسطنطينيّة على مصكوكاتهم، إلاّ أنّهم كانوا يعون أنّهم في اسطنبول، في مدينة تضارع كبريات مدن العالم عراقةً وتبزّها جميعاً في اقتران الإسم بالهويّة الدينيّة الجديدة. ولكنّ هذه الهويّة كانت تأتي تراكميّة، لا تمحق الهويّة القديمة ولا تلغيها حضاريّاً. ومن ثمّ، كانوا في دير الخورا يؤمّون مسجدهم عبر الأروقة المكتظّة بالأيقونات البيزنطيّة وكأنّها نوافذ إلى السماء. لم يكن التصوير الذي الإسلام الرسميّ في ضيق معه يزعجهم. مئات السنين شاهدوا هذه الجدرانيّات ولم يسعوا إلى تغطيتها بالكلس. صار دير الخورا مكاناً يرفع فيه المسلمون الصلاة وأيقوناته تحتضن أدعيتهم المبرورة فتدلف الأدعية إلى تضاعيف الأيقونات وإلى ألوانها. كان مسجد القرية طوال قرون مكاناً للحوار الصامت بين المسيحيّة والإسلام.
وقال اسعد
كيف أشرح للشاب اليونانيّ الذي التقيته في الطائرة كلّ هذا التناضح بين الثقافات والأديان؟ كيف كان ليدرك أنّ المدينة ذات الأسماء الكثيرة، بيزنطية، القسطنطينيّة، رومية، اسطنبول، إسلامبول، أرحب بكثير من القوميّة اليونانيّة التي انبثقت من كلماته، ومن العثمانيّة الجديدة التي تهدّد اليوم بأخذ تركيا إلى مكان دامس هو مزيج من قرون وسطى ومن تعصّب دينيّ أحمق يتغذّى من هويّة تتقوقع على ذاتها؟ لعلّ جحافل الرهبان، حين اعتصمت في الديورة عوضاُ من شهر السلاح في وجه محمّد الفاتح، آثرت بلّوريّة أيقونات دير الخورا على أمجاد هذه الأرض الفانية. لربّما أحبّ هؤلاء اللاعنف في كلمات يسوع الناصريّ أكثر من تشنّج خطاب الهويّة الذي يرسّخ العنف ويولّد العنف. في التحوّلات الكبرى التي ترتسم على مصائر المدن، هناك ما يحتجب خلف ستائر الصمت ويعصى على التأويل. القسطنطينيّة، التي صار اسمها الرسميّ اسطنبول في القرن العشرين، مدينة لا تختزلها انزياحات أديان السلاطين ولا تبدّلات الأسماء. ثمّة فيها اندفاق أسراريّ لا يفصح عن ذاته إلاّ حين تعانق المآذن السماء وترنو قباب الكنائس إلى المطلق.