عبر قطر الخيرية والاخوان.. لماذا تسعى قطر لسيطرة على لأقليات المسلمة في أوروبا؟
الثلاثاء 28/يوليو/2020 - 05:04 م
طباعة
علي رجب
مهمة المراكز الإسلامية الممولة من "قطر الخيرية" التي تعمل في أكثر من سبعين دولة ومن ضمنها غالبية دول اوروبا تؤكد على الاستراتيجية القطرية لدعم الارهاب والسيطرة على المساجد بما يتيح لها السيطرة على الأقليات المسلمة في أوروبا وتحويلهم لأوراق في لعبة الشر القطرية وتهديد استقرار المجتمع الأوروبي.
وأفادت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا)، يعيش في أوروبا الآن نحو 26 مليون مسلم، يشكلون قرابة 5 % من سكانها، ويتميز المسلمون الذين يقطنون أوروبا أنهم أكثر شبابًا من سكانها الأصليين، وقد تعاظم دورهم في السياسة الغربية خلال السنوات القليلة الماضية، وباتوا في دول عدة يؤثرون بشكل ما في السياسة العامة لدول بعينها.
ولذلك وضعت قطر عينها على الاقليات لمسلمة في أوروبا عبر التغلغل والسيطرة بأئمة الاخوان الموالية لنها وكذلك بتمويل المؤسسات والجمعيات الاسلامية وانشاء اخرى، بما يتيح لها السيطرة على أكبر عددمن مسلمي اوروبا.
كتاب "أوراق قطرية" للصحفيان الفرنسيان كريستيان شينو وجورج مالبرونو، يفضح التوجهات القكرية، وهو يعد تحقيقيا مهما حول التمويلات التي قامت بها مؤسسات قطرية، وبخاصة "قطر الخيرية"، لفائدة جمعيات وأطراف إسلامية موجودة في أوروبا، بالاعتماد على كمية ضخمة من الرسائل الإلكترونية والوثائق المتبادلة بين "قطر الخيرية"، والجمعيات التي استفادت من تبرعاتها والتي أظهر التحقيق أنها غالبًا ما ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين. تشمل الوثائق التي يقدمها ويعلق عليها الصحفيان تحويلات بنكية، وأوامر بالتحويل، وجداول تحمل المبالغ التي تم تخصيصها لبناء مساجد ومدارس خاصة ومراكز إسلامية، ولشراء عقارات وأراض وغيرها من المعاملات.
وتستثمر "قطر الخيرية" حسب الوثائق المنشورة في الكتاب، في كل الأمكنة القريبة منها والبعيدة، من شمال النرويج إلى بولندا، وإسبانيا، وجزيرة جيرسي البريطانية، وحيثما توجد أقليات مسلمة. وليس التمويل موجها فقط للمساعدة في بناء المساجد لهذه الأقليات، وإنما يتجاوز ذلك إلى نشاط الجمعيات التي يكونها المسلمون.
الصحفيان الفرنسيان يتحدثان عن تفاصيل تنفيذ برنامج "الغيث"، فيتنقلان بين المدن والبلدان، ويقدمان كل مرة بعض الوثائق المترجمة (مع صورة للنص العربي)، وشهادات الأشخاص الذين اتصلا بهم للتعليق عليها.
ذلك أنهم في كل مرة يطرحان السؤال نفسه على الشخص الذي يقابلانه، يتعلق بالتمويل: "هل تتلقون تمويلا أو مساعدة من الخارج… من بلدان الخليج مثلا… من قطر تحديدا؟".
غير أن غالبية المسؤولين عن الجمعيات والمشاريع الإسلامية الأوروبية الذين قبلوا الحديث معهما، ينكرون أنهم تلقوا مساعدات مالية من الخارج، ومن قطر تحديدا، ويؤكدون أن مصادرهم المالية محلية، وآتية من تبرعات المسلمين في أوروبا، لا من أي مكان آخر.
وحينذاك، يستظهر الصحفيان بالوثائق التي لديهما، ويكاشفانهم بها، فيقولان مثلا: "لدينا ما يثبت أنكم بتاريخ كذا وكذا، طلبتم مساعدة من قطر الخيرية، وفي تاريخ كذا وكذا، تلقيتم منها المبلغ كذا… أليس هذا توقيعكم؟" ويقدمان لهم صورة من الوثيقة. فيضطرب المسؤولون ويحاولون الخروج من المأزق بمزيد من الكذب الذي لا يقنع أحدا.
وهذا المنهج في التحقيق والبحث كان أهم نقاط القوة في هذا الكتاب، بالإضافة إلى ما استشهدا به من تقارير المخابرات الفرنسية التي أكدت الحجج التي قدماها للتدليل على ما ذهبا إليه.
وقد فهم كل من قرأ الكتاب أن الأمر يتعلق بأيديولوجية الإخوان المسلمين، التي يعتنقها أشخاص (رجالا ونساء) تلقوا تمويلات من قطر. ومن بين النتائج التي يصلان إليها بعد التحقيق، نسوق ما يلي: "تبرز مجموعة الوثائق تنظيما محترفا، منهجيا، ومهيكلا. وللمرة الأولى، تبرز صورة مركّبة لأعمال قطر في أوروبا، حيث يجهل كل بلد من البلدان التي حققنا فيها كيف تؤثر الدعوة في البلد المجاور. إن المبادلات السرية تكشف النوايا المخفية أحيانا لقطر الخيرية وللذين يستفيدون من كرمها.
ووفقا لما ورد في الكتاب إن نظاما حقيقيا للمساعدة على بناء المساجد أو المراكز الإسلامية وقع إنشاؤه بالاعتماد على شبكات الإخوان المسلمين في أوروبا. إن الجمعيات التي تسعى للحصول على أموال قطرية ينبغي أن تقدم نفسها، وخطط مشاريعها، وميزانيتها، كل ذلك مترجما للعربية من طرف مترجمين محلفين. ثم إن المنظمة غير الحكومية (قطر الخيرية) تضع نماذج لتسويق تلك المشاريع لدى المتبرعين القطريين. وبالنسبة للمشاريع الأكثر أهمية، يتم توقيع اتفاق بين المتبرعين والمستفيدين لتأطير استخدام أموال قطر الخيرية. ينبغي على المستفيدين إرسال تقارير وصورا عن تقدم الأعمال في المشروع بشكل دوري إلى الطرف الثاني. وفي حالة وقوع خلاف، فإن المحاكم القطرية هي التي تحسمه" (ص.277).
لقد زار الصحفيان الفرنسيان عددا كبيرا من الجمعيات والمراكز الإسلامية، وتحادثا مع عشرات الأشخاص، من بينهم مسؤولون كبار في الجاليات المسلمة، فضلا عن رؤساء البلدية، والصحفيين، والخبراء بشؤون المسلمين، وبيّنا بالكشوف والجداول والأرقام والوثائق الأصلية المصورة والمترجمة، أن المبالغ الضخمة التي تتصرف بها جمعية "قطر الخيرية" تنتهي إلى أيدي أشخاص مرتبطين في الغالب بالإخوان المسلمين من خلال الجمعيات التي ينتمون إليها أو يمثلونها، ويقع استثمارها في مشاريع تجارية لخدمة الإسلام السياسي في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى.
وقد حرص الكاتبان، كل مرة على تقديم سيرة وجيزة للتعريف بالمسؤول الإسلامي الذي يقابلانه، ونشاطاته، وشهادات تثبت أنه مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين ويتلقى أموالا من قطر، وإن أنكر ذلك، فهما يواجهانه بما يؤكد كذبه.
وخلال العقدين الأخيرين اعترى العنف والخوف أوروبا، وقد أشارت تقارير عدة إلى مقتل أكثر من 3670 شخصًا في هجمات إرهابية في الغرب منذ عام 2000، نفذها منتمون للتنظيمات والحركات الجهادية، والذين لايشكلون إلا نسبة ضئيلة من المسلمين في الغرب، لكن هذه الهجمات أفزعت الأوروبيين، ورسخت في وجدان البعض أن الاسلام خطر يهدد حياتهم ويجب استئصاله، وهو الأمر الذي استغلته قوى اليمين المتطرف لتأجيج العداء ضد المسلمين ودينهم بقصد أن تحصل على عدة مكاسب سياسية تؤهلها للوصول إلى سدة الحكم، وفقا لتقرير وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا).
وهكذا، خلال ما يقارب الثلاثمائة صفحة، يقدم الكاتبان الفرنسيان نماذج من كذب ونفاق المسؤولين عن الجاليات المسلمة في أوروبا، وفي الفصل الختامي، يصلان إلى النتيجة التالية التي جاءت على لسان أحد مستشاري الرئيس إيمانويل ماكرون: إن هذا التحقيق هو “دعوة لليقظة، ليس في مواجهة تمويل الإرهاب، وإنما في مواجهة تمويل أيديولوجية يمكن أن تنحرف.”