أردوغان والقوانين المقيدة للحريات

الخميس 30/يوليو/2020 - 01:20 م
طباعة أردوغان والقوانين حسام الحداد
 
صوت البرلمان التركي، الأربعاء 29 يوليو 2020، على قانون يوسع من رقابة السلطات على شبكات التواصل الاجتماع، وذلك بعد أقل من شهر على دعوة الرئيس رجب أردوغان إلى «تنظيم» هذه الشبكات التي تشكل آخر مساحات حرية التعبير في تركيا.
ووفق وسائل إعلام دولية، فإن القانون الجديد يقضي بأن يكون لشبكات التواصل الاجتماعي ممثل في تركيا وأن تخضع لأوامر المحاكم التركية في حال مطالبتها بسحب مضامين معينة مع فرض جزاءات في حال عدم الانصياع لها.
ويتعين على الشبكات أن تقوم بتخزين بيانات مستخدميها في تركيا تحت طائلة التعرض لغرامات ولتخفيض حاد في عرض النطاق الترددي.
ووفق حزب أردوغان، فإن الهدف من سن هذا القانون هو «وقف الإهانات على الانترنت»، بحسب حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعدما تعرضت ابنة أردوغان وصهره للإهانات على «تويتر»، لكن تبني القانون تزامن أيضا مع زيادة الانتقادات ضد الحكومة خلال أزمة كورونا.
واتهم مدافعون عن حرية التعبير أردوغان بمحاولة تكميم وسائل التواصل الاجتماعي كإحدى مساحات التعبير القليلة التي ما تزال تتمتع بحرية نسبية في البلاد، وفق راديو «كونت كارلو» الدولي الفرنسي، وأطلق مستخدمون حملة في الأسابيع الماضية بوسم «ارفع يدك عن شبكتي الاجتماعية» تعبيرا عن قلقهم من اعتماد القانون الجديد.
عدة منظمات غير حكومية وصفت القانون بالمنتهك لحرية التعبير على الانترنت، ومن بينها منظمة العفو الدولية التي اعتبرت أن القانون «سيعزز قدرة الحكومة على مراقبة المحتوى الرقمي وملاحقة مستخدمي الانترنت»، كما تخشى هذه المنظمات أن يحد القانون من الوصول إلى المعلومات المستقلة في مشهد تهيمن عليه وسائل الإعلام الموالية للحكومة.
ويعود الاستياء بين أردوغان والشبكات الاجتماعية إلى عام 2013، حينما تم اللجوء إليها على نطاق واسع لتنظيم تجمعات واحتجاجات ما تعرف بحركة «غيزي» المناهضة للحكومة.
وفي أحدث «تقرير حول الشفافية» أعدته «تويتر» كانت تركيا في النصف الأول من عام 2019 على رأس البلدان التي طلبت إزالة محتوى من الشبكة الاجتماعية مع أكثر من 6000 طلب.
وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن شبكات التواصل الاجتماعي تمثل أهمية كبرى بالنسبة للعديد من الاشخاص الذين يستخدمونها للاطلاع على المعلومات، واعتبرت أن القانون الجديد «ينذر بفترة قاتمة للرقابة على الإنترنت في تركيا».
ليست هذه المرة الأولى الذي يحاول فيها أردوغان تكميم الأفواه وفرض حصار على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا تقتصر عداوة أردوغان للحريات على هذه الشبكات بل هو كل يقوض حريات المجتمع التركي اما بسن قوانين واما بإلقاء القبض على المعارضين السياسيين وليس أدل على ذلك من اقرار البرلمان التركي مشروع قانون يهدف إلى إعادة هيكلة نقابة المحامين تلك الخطوة التي اعتبرها المحامون مناورة للحد من استقلاليتهم.
ففي 10 يونيو 2020، تبنى البرلمان التركي مشروع قانون يهدف إلى إعادة هيكلة نقابة المحامين، وصوت على مشروع القانون هذا من قبل حزب العدالة والتنمية للرئيس رجب طيب إردوغان وحليفه القومي حزب الحركة القومية.
وهو ينص على إمكان إنشاء العديد من منظمات محامين في محافظات معينة مثل اسطنبول وأنقرة بدلا من نقابة واحدة. كما يحدد العدد الأدنى من الأعضاء المطلوب لتشكيل واحدة من هذه المنظمات بألفين.
وأكد حزب العدالة والتنمية أن هذا القرار سيعزّز المنافسة في القطاع القانوني وسيسمح "بإحلال الديموقراطية" في جمعيات المحامين القوية.
وندد معارضو إردوغان ومعظم المحامين بمحاولة شق النقابات بهدف إضعافها، إذ إن بعضها معروف بانتقادهم الحكومة فيمما أعلن حزب الشعب الجمهوري حزب المعارضة الرئيسي، أنه سيستأنف القرار أمام المحكمة الدستورية.
وتقول النقابات إن النظام القضائي انزلق إلى الفوضى، حيث سُجن محامون وتم إسكات محامي الدفاع ودمرت الثقة في القضاة وممثلي الادعاء العام.
وفي يونيو، تظاهر آلاف المحامين خارج محكمة تشاليان في اسطنبول للاحتجاج على مشروع القانون هذا.
ونال المحامون الأتراك نصيبا من حملة التطهير التي قام بها أردوغان ضد معارضيه على إثر فشل انقلاب 2016 المزعوم، حيث وجدت حكومة العدالة والتنمية في ذلك فرصة مناسبة لاعتقال آلالاف الاتراك من صحفيين وحقوقيين وقضاة ورؤساء جامعات إضافة إلى أمنيين وعسكريين بدعوى صلتهم بالانقلاب وبالإرهاب.
وتتعرض نقابات المحامين في تركيا المعروفة بانتقادها لحكومة اردوغان، إلى مضايقات يومية من قبل حكومة العدالة والتنمية. ويعود أحدث هذه المضايقات إلى شهر أبريل/نيسان الماضي حين تمت دعوة نقابة المحامين في انقرة للتحقيق معها على إثر انتقادها رئيس أكبر هيئة دينية في البلاد لقوله إن الإسلام يدين الشذوذ الجنسي.
وكانت حادثة مقاطعة نقابة المحامين دعوة أردوغان لحضور مراسم الاحتفاء ببدء العام القضائي بالقصر الرئيسي في أغسطس/اب من العام الماضي، النقطة التي أفاضت الكأس وأطلقت يد الرئيس التركي ضد المحامين ونشاطات النقابة.
ويقول حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد وثاني أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان أن عدد كبير من المحامين الاتراك يحاكمون بسبب دفاعهم عن الآلاف من أنصاره وأعضائه المعتقلين منذ انهيار محادثات السلام بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني. من هؤلاء صلاح الدين دميرتاش المسجون منذ 2016 بتهمة الارهاب. وينفي دميرتاش التهمة.
وقال هيو وليامسن مدير منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية في أوروبا وآسيا الوسطى إن "النقابات الكبيرة في تركيا تلعب دورا رئيسيا في الدفاع عن الحق في محاكمة عادلة ودعم حقوق الإنسان في وقت أصبحت فيه الانتهاكات الجسيمة للقانون هي القاعدة في تركيا".
ويستخدم القضاء كأداة لدعم البرامج السياسية في تركيا منذ عشرات السنين. ويقول خصوم أردوغان إن القضاء استخدم في عهده كهراوة سياسية وتعرض للتجريف بدرجة غير مسبوقة.
وفي ظل حملة التطهير التي شنها أردوغان تم عزل آلاف القضاة والمدعين وفق بيانات الحكومة نفسها. وحل محلهم قضاة جدد لا يمتلكون الخبرة وغير مؤهلين للتعامل مع الزيادة الكبيرة في أعباء العمل من جراء القضايا المرتبطة بمحاولة الانقلاب.
وبينت حسابات رويترز من واقع بيانات وزارة العدل أن 45 في المئة على الأقل من القضاة والمدعين البالغ عددهم حوالي 21 ألفا تقريبا لديهم الآن خبرة لا تتجاوز ثلاث سنوات.

شارك