الإسلاموفوبيا في أوروبا.. قراءة في تقرير "اليوروبول" السنوي لعام 2019

الثلاثاء 11/أغسطس/2020 - 07:08 م
طباعة الإسلاموفوبيا في حسام الحداد
 
           تشغل قضية الإسلاموفوبيا الكثير من المسلمين حول العالم، وكذا المهتمين بقضايا حقوق الإنسان. ولا شكّ أن هذه القضية أصبحت تمثّل ظاهرة خطيرة قد تهدّد التماسك المجتمعيّ إذا لم تسيطر عليها تلك الدول التي مُنيت بها بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب.
جدير بالذكر أن مرصد الأزهر يُعْنَى بمتابعة انتشار هذه الظاهرة، كما يُعْنَى بغيرها من ظواهر كراهية الأجانب والتطرّف الفكريّ والتعصب والعنصريّة، انطلاقًا من استشعاره مسئولية مواجهة الظواهر السلبيّة التي تهدّد الاستقرار والأمن داخل المجتمعات، وحرصًا على إعلاء قيم التسامح والتعايش المشترك والمواطنة، التي أقرّها الإسلام ودعا إليها.
           وفي قراءته لتقرير "اليوروبول" (وكالة تطبيق القانون الأوروبية) السنوي لعام 2019 عن الإسلاموفوبيا يسعى مرصد الأزهر إلى تحليل ما جاء به من مستجدات وإحصاءات في مختلف الدول الأوربيّة. وكان من أبرز جوانب التقرير ما يلي:        
تزايد هجمات اليمين المتطرف ضد المسلمين في الاتحاد الأوربيّ:
كشفَ التقرير الأوربيّ السنويّ حول الإسلاموفوبيا لعام 2019 عن تزايد اعتداءات الجماعات اليمينيّة المتطرفة، وتنامي خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. وذكر التقرير أن المظاهر العدائيّة ضد المسلمين لها عدّة أوجه:
اعتداءات على الأفراد والممتلكات: ذكر التقرير أن الهجمات المعادية للمسلمين في أوربا زادت في عام 2019 عنها في 2018، حيث سُجلت 6 هجمات إرهابيّة ضد المسلمين في دول الاتحاد الأوربيّ في 2019 مقارنة بهجوم وحيد في 2018. ويسرد التقرير تفاصيل العمليات الإرهابيّة التي نفَّذها أفراد من اليمين المتطرف ضد المسلمين، على النحو التالي:
النرويج: في أغسطس 2019، خطّط الإرهابيّ اليميني المتطرف (فيليب مانهاوس)، 21 عامًا، لهجوم مسلح على مسجد مركز النور الإسلاميّ في بيروم، بالقرب من أوسلو. وجهز نفسه ببندقية ومسدس وسترة مضادة للرصاص وكاميرا مخصّصة للبث المباشر على وسائل التواصل الاجتماعيّ حيث أراد أن يقلد قاتل مذبحة كرايستشيرش، الذي أُثنى عليه في منتدى على الإنترنت قبل الهجوم بوقت قصير. إلا أنه تم تجنب المذبحة المحتملة بفضل رد بعض المسلمين الذين أوقفوا المهاجم واحتجزوه حتى وصلت قوات الأمن.
ألمانيا: سجلت ألمانيا عدة هجمات في 2019 سواء ضد المسلمين أو ضد الشخصيات المناصرة لهم. وقد ذكرت تحقيقات الشرطة أن منفذي تلك العمليات كانوا على صلة بعدد من المنظمات والأحزاب اليمينيّة المتطرفة. وطبقًا لتحقيقات الشرطة، كان بحوزتهم قائمة اغتيالات على المستوى الأوربيّ تضم آلاف السياسيين البارزين المؤيدين للهجرة لأوربا.
          ومن الملاحظ أن هذه الهجمات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بصعود نجم بعض الأحزاب اليمينيّة المتطرفة. وفي هذا الصّدد جاء تصريح الأمين العام للمجلس الأوربيّ بأن "أوربا تواجه واقعًا صادمًا؛ فالعنصريّة وجرائم الكراهية المعادية للمسلمين تتزايد بمعدل ينذر بالخطر، وأحدث مثال على ذلك إطلاق النار من متطرف يميني في هاناو بألمانيا، حيث قُتل تسعة أشخاص وأُصيب آخرون. وكثيرًا ما تسبق هذه الأعمال الشنيعة تصريحات مليئة بالكلمات السامة ونظريات المؤامرة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعيّ والإنترنت".
بلجيكا: في أبريل 2019، تعرضت امرأة مسلمة للطعن أمام أطفالها الثلاثة الصغار في أندرلخت، بدافع كراهية الإسلام. وفي أغسطس، هاجمت إحدى النساء امرأة مسلمة وحاولت تمزيق حجابها. وفي نوفمبر، دفعت امرأة تبلغ من العمر 50 عامًا امرأة مسلمة على درج مترو الأنفاق في بروكسل، وكانت تلك هي المرة الثانية التي ترتكب هذه الجريمة ضد مُسلمات.
وعلى العكس من ذلك، فقد مُرّرت عدّة قوانين لمنع مشكلات بزعم صدورها من المسلمين، على الرغم من عدم وجودها في الحقيقة. وكانت النتيجة طرح نقاشات لا تنتهي في وسائل الإعلام؛ لإثارة الرأي العام حول قضية المسلمين والمهاجرين.
وفي هولندا، صدر قانون في أغسطس حول "حظر النقاب" داخل المدارس والمؤسسات التعليميّة، أدى إلى خلق حالة من الحنق وتفاقم المشاعر المعادية للمسلمين.  
تقبٌل المسلمين في أوربا والإسلاموفوبيا
        وفقًا لآخر استطلاع رأي أصدرته مؤسسة "باروميتر أوربا" (Eurobarómetro)، والذي نشر في سبتمبر 2019، فإن 29% لا يشعرون بالارتياح في العمل مع مسلمين. ومن جهة أخرى، عندما سُئل عن مدى رضا الآباء عن وجود صداقات بين أحد أبنائهم أو بناتهم مع أناس من ديانات أخرى، كان المسلمون الأقل حظًا بين الديانات الأخرى، إذ إن 53% فقط يشعرون بالارتياح إذا كان لدى أحد أطفالهم صداقة بشخص مسلم.
أما فيما يتعلق بحالة الإسلاموفوبيا في أوربا بشكل عام، فيمكن الحديث عن بعض المظاهر ضد المرأة المسلمة. ويعد هذا التوجه العنصريّ هو الأكثر انتشارًا في الدول الأوربيّة؛ حيث تتزايد حالات التعدي على نساء مسلمات بشكل ملحوظ، وذلك مع سهولة تمييزهن من ملابسهن خصوصًا في الأماكن العامة.
الإسلاموفوبيا في إسبانيا
         على الرغم من حالة التعايش والانسجام التي يعيشها المسلمون في إسبانيا، إلا أن هناك بعض المواقف والأحداث التي تسعى إلى إفساد تلك الحالة من الاستقرار المجتمعيّ؛ وهذا يبدو جليًّا في التعليم، وفرص الحصول على سكن أو عمل لائق، وفي الأمان وحرية التحرك دونما مضايقات.   
          وعلى صعيد الإسلاموفوبيا في إسبانيا، شهد عام 2019 حملتين للانتخابات العامة وثالثة لانتخابات البلديات. ومع كل حملة، تزايدت وتيرة خطاب الكراهية؛ فبعد أن كان مقتصرًا على خطابات اليمين المتطرف، جرى على لسان الأحزاب المعتدلة، وفي بعض الأحيان، نما إلى أحزاب اليسار.
          وبحسب بيانات "اليونيسيف"، وصل إلى إسبانيا خلال 2019 أكثر من ستة آلاف من القُصّر (بين طفل وشاب). ويستغل خطاب الكراهية هؤلاء القُصّر، حيث يجردهم من إنسانيتهم ويختزل تسميتهم إلى (قُصّر بدون عائل). وهذا بدوره يقابله اعتداءات متكرّرة، وجرائم منظمة ضد القُصّر، في مراكز الاستقبال بمدريد وغيرها، وفي الموانئ والملاجئ.
          ومن خلال مراقبة بعض المنظمات غير الحكوميّة ومكتب عدم التّمييز التابع لمجلس مدينة برشلونة، كانت هناك 148 حادثة ضد مسلمين، منها 16 اعتداءً جسديّا (3 ضد النساء وحالتان ضد الذكور و11 ضد القُصّر) و14 حالة تخريب (4 ضد مساجد ومراكز ثقافيّة إسلاميّة و10 في أماكن أخرى) و26 حالة تطاول أو تهديد لفظيّ (9 ضد النساء، 9 ضد القٌصّر و8 ضد الرجال)؛ 68 حادثة تمييزيّة (23 ضد المسلمين بشكل عام، 23 ضد النساء، 8 ضد القُصّر و14 ضد الرجال). مع الأخذ في الاعتبار أنه يتم احتساب الحوادث حسب الحادث وليس بعدد الضحايا.
          ومن الملاحظ أن التعرض للقُصَّر سواء بالتطاول والتهديد أو الاعتداء الجسديّ ارتبط بظاهرة اللجوء التي تنامت مؤخرًا مع موجات النازحين من بلدان النزاع حول العالم. وبالتالي فإنه يُخشى أن تتزايد هذه الظاهرة مع استمرار نزوح هؤلاء اللاجئين.
وفي هذا السياق يُحذِّر مرصد الأزهر من مغبّة تصاعد وتيرة العنف والاعتداءات ضد المسلمين في أوروبا، خصوصا مع صعود بعض أحزاب اليمين المتطرف وما يستتبع ذلك من تصريحات حادة وهجوم على كل ما هو إسلاميّ دون مبرّر يذكر. ويشدّد المرصد على ضرورة تشريع قوانين صارمة لمنع تفشّي خطاب الكراهية المقيت، الذي قد يودي بكل جهود تعزيز السلم وترسيخ التعايش المشترك داخل المجتمعات الأوروبية.

شارك