"صراع الذئاب".. تركيا وإيران ينهشان بعضهما في القوقاز
الثلاثاء 06/أكتوبر/2020 - 03:38 م
طباعة
جبريل محمد
- أنقرة تدعم أذربيجان حفاظا على إمدادات الطاقة ورغبة في بسط نفوذها بالمنطقة
- طهران تقف بجانب أرمينيا لاستعادة عرش الطاقة ومنع ثورات العنصر الأذريي
من المعروف في عالم السياسة انه لا مصالح دائمه، ولا أعداء أيضا، وهذا ينطبق بشكل كبير على ما يحدث حاليا في منطقة القوقاز بين تركيا وإيران، فالدولتان تجمعهما مصالح في مناطق كثيرة بالعالم، وخاصة المنطقة العربية.
تلك المصالح المشتركة والتي ساهمت بشكل كبير في تفاقم أزمات العالم العربي، لم يمنعهما من الوقوف في خنادق القتال بالقوقاز أمام بعضهما البعض، الأمر الذي جعل مراقبين يصفون الوضع بأنه "صراع ذئاب".
ففي القوقاز المنطقة التي تنقل النفط والغاز من أذربيجان إلى الأسواق العالمية، تشتعل معارك بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم "ناغورني قره باغ" المتنازع عليه، ويعتبر الأعنف منذ التسعينيات ويعزز مخاوف من نشوب حرب إقليمية أوسع وسط مخاوف على الاستقرار في جنوب القوقاز.
ورغم أن أذربيجان دولة شيعية، وإيران دائما تقدم نفسها على أنها الدرع والسيف لكل شيعة العالم، وتتدخل في شئون الدول الأخرى بزعم حماية الشيعة، إلا أن هذه المرة خالفت كل شعارتها، ولم تهتم إلا بمصالحها، ودعمت أرمينيا المسيحية.
تحالفها مع تركيا لم يمنعها من دعم أرمينيا، رغم أن أنقرة تدعم أذربيجان، فالنظام في طهران لا ينظر إلا لمصالحه الاقتصادية، وأحلامه التوسعية فقط، وعندما وجد أن مصلحته مع دولة مسيحية تحارب الشيعة المسلمين لم تتردد في الوقوف معها.
بل والأكثر من ذلك أنها حولت دعمها من مجرد إدانات واستعداد للعب دور الوسيط بين الطرفين، لنقل شحنات الأسلحة إلى أرمينيا، حيث كشفت أذربيجان عن قيام طهران بتسهيل وصول شحنات من الأسلحة الروسية إلى أرمينيا في وقت سابق من هذا الشهر عبر معبر نوردوز.
هشام رشاد المتخصص في الشأن الإيراني، يرى أن الصراع في القوقاز أظهر الوجه الخبيث لإيران، التي لا تهتم سوى بمصالحها فقط، خاصة أن هناك خلاف حول الحقوق في بحر قزوين، فإيران تصر على التقسيم المتساوي للبحر، وأذربيجان تصر على اعتباره بحراً دولياً تحكمه قوانين البحار الدولية، وهو ما يجعل أذربيجان ألد أعداء إيران.
وقال في تصريحات لـ "البوابة نيوز" إن النقطة الأهم أن أذربيجان تدعمها تركيا، التي تعتبر المعبر والمنفذ للغاز والنفط الأذربيجاني إلي أوروبا، وهو ما سيوثر بشدة على الصادرات الإيرانية للطاقة، ويمثل عائق كبير أمام وصولها للأسواق الأوربية .
وأضاف أن وصول الغاز من أذربيجان لأوروبا يشل الصادرات الإيرانية، لذلك اتجهت طهران لدعم أرمينيا التي لا تمتلك ثروات نفطية، لكن تمتلك معبرا بديلا للنقل إلى روسيا وأوروبا.
صراع الذئاب
محمد حسين أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة، اتفق مع رشاد بأن المصالح هي من تحكم توجه إيران، وما يحدث في القوقاز ما هو إلا "صراع ذئاب"، مشيرا إلى أن أسباب أخرى غير المصالح دفعت طهران ناحية أرمينيا، ومن بنيها، العنصر الطائفي.
وقال في تصريحات لـ "البوابة نيوز" إن تخوف الجانب الإيراني من أن يمثل نجاح نموذج أذربيجان (العلماني-القومي) خطراً عليها وهي التي تقدم نفسها من الزاوية الطائفية، بحيث يصبح نموذج أذربيجان جذّاباً للشيعة الإيرانيين وللأذريين الإيرانيين أيضاً بشكل يؤدي إلى تقويض نموذج الحكم الإيراني الديني.
وتابع، بجانب أن أذربيجان كانت تتخوف بشكل دائم من سياسة تصدير الثورة التي يمارسها النظام الإيراني ولذلك حمت نفسها من خلال التقارب مع الغرب، الأمر الذي ساعد في توسيع الفجوة بين الطرفين لاسيما مع توجه إيران باتجاه روسيا لتخفيف الضغوط الغربية عنها.
وأشار إلى أن كل ذلك جعل إيران أقرب إلى أرمينيا، فكلاهما يعتمد "الدين-الطائفة" في تحريك العامة، كما أنّ أرمينيا لا تشكل خطرا على النموذج الإيراني، بل على العكس، أرمينيا قوية ومتفوقة على أذربيجان.
وأوضح، بأن دعم أرمينيا ضد أذربيجان يمنع أيضا تواصل الأذريين الإيرانيين بأقرانهم بأذربيجان ودون إحياء أحلامهم الاستقلالية، حيث سبق لمقاطعة أذربيجان التي تقع شمال إيران إعلان استقلالها عن إيران وقيام جمهورية أذربيجان الشعبية العام ١٩٤٥، وعاصمتها تبريز، إلا أنها لم تصمد إلا عام واحد قبل أن تنتهي بعد تدخل الجيش الإيراني بدعم غربي.
وعن إمكانية حدوث تقارب بين تركيا وإسرائيل في القوقاز، يرى محمد حسين أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة، أنه رغم امتناع إسرائيل عن التعليق على الوضع بجنوب القوقاز، لكن إسرائيل تعتبر أذربيجان حليفا استراتيجيا لها.
وتابع، ومع دعم تركيا أيضا لأذربيجان يجعل الطرفين يتقاربان بشكل غير مباشر، ويساهم في تقريب هذه التحالف العداء مع إيران في القوقاز التي تدعم أرمينيا، خاصة أن العداء بين الطرفين تاريخي والمنافسة على النفوذ في المنطقة، يجعل من الصعب تشكيل تحالف قابل للاستمرار بينهما.
وأشار إلى أن الدعم الإيراني لأرمينيا في قضية قره باغ يتيح لإسرائيل فرصة لإقامة قنوات خلفية للحوار مع تركيا، وآمالا بزيادة الخلافات بين أنقرة وطهران، ودعم أذربيجان وتوريد الأسلحة لها دليل على أن التحالف الإسرائيلي، التركي لم يمت نهائيا.
ولطالما يجاهر أردوغان بعدائه لأرمينيا، وخلال الصراع المشتعل حاليا سكب الزيت على النار، داعما أذربيجان تارة، وداعيا أرمينيا إلى إنهاء ما وصفه بـ"باحتلالها أراضي أذربيجان" تارة أخرى، نافخا سمه بالصراع المشتعل.
الدعم التركي لأذربيجان، الذي نفاه وبشكل قاطع أحد مساعدي الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، لم يتوقف عند حد التصريحات العدائية أو مساعي أنقرة لإشعال الصراع التاريخي بين الطرفين، بل وصل إلى إرسال مرتزقة سوريين موالين لأردوغان للقتال بجانب القوات الأذرية.
وتقول أرمينيا عن الدعم التركي لأذربيجان إن تركيا نقلت نحو 4000 مسلح من شمال سوريا إلى أذربيجان للمشاركة في القتال الدائر حاليا بين باكو ويريفان، بشأن إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه.
كل هذا يجعل الصراع بين تركيا وإيران ،حلفاء الأمس، في القوقاز مشتعل بشكل كبير، ويهدد بانهيار تحالفهما الذي اكتوى بناره ملايين المدنيين في أنحاء العالم.