٤ سيناريوهات لمستقبل الصراع بين أردوغان واليونان

الأربعاء 14/أكتوبر/2020 - 09:04 م
طباعة ٤ سيناريوهات لمستقبل روبير الفارس
 
في إطار احلام أردوغان التوسعية ووهم عودة العثمانية اشتعل الصراع مع اليونان .وعادت الخلفيات التاريخية ومرارة ذكريات الاحتلال العثماني اليونان مع أطماع أردوغان في شرق المتوسط . وبحثا عن سيناريوهات محتملة في هذا الصراع نشر مركز الإمارات للسياسات تقريرا مهما مما جاء فيه 
  ترى اليونان بأن تركيا غير راغبة في حل مشاكلها معها ومع قبرص، وذلك انطلاقاً من نيّة الرئيس أردوغان إحياء أمجاد السلطنة العثمانية.
وتكمُن الصعوبة في التوصل إلى حل سريع للأزمة، في الاستراتيجية الراهنة التي يعتمدها أردوغان، وسعيه الحثيث لتوسيع نفوذ تركيا وتحقيق طموحاته التي باتت تعرف بالعثمانية الجديدة، والتي يبدو بأنها باتت تخرّب جهود حلف "الناتو" للدفاع الجماعي.

ولحلف الأطلسي تاريخ طويل في حل المشاكل التركية-اليونانية في بحر إيجه؛ من المسائل الحدودية، مروراً بتشابك الأجواء والتمارين البحرية، وصولاً إلى مسائل الهجرة غير الشرعية من تركيا باتجاه اليونان. ومن المعروف بأن تركيا تحتل موقعاً مهماً في الحلف، ولذلك لا يمكن عزلها. و
اجتمع وزير خارجية اليونان نيكوس دَندياس ووزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو يوم الخميس، الثامن من أكتوبر الجاري، لأول مرة منذ اندلاع الأزمة بين البلدين حول الحقوق البحرية للتنقيب عن الغاز والنفط في شرقي المتوسط، واتفقا في نهاية الاجتماع على إجراء محادثات حول هذا الموضوع.

وكانت أجواء التوتر قد بدأت بالانحسار بعد سحب تركيا سفينة التنقيب من المناطق المتنازع عليها، وإعلانها موافقتها على إجراء مفاوضات بحثاً عن حل. وبالفعل، فقد عقد الاجتماع الأول بين الوزيرين في براتيسلافا على هامش مؤتمر الأمن الشامل المنعقد في سلوفاكيا. وبعد الاجتماع الذي دام 24 دقيقة، صرَّح جاويش أوغلو بأنه اتفق مع نظيره اليوناني حول "ضرورة العمل على إعادة بناء الثقة في الفترة المقبلة، وبأن تركيا ستستضيف المحادثات، وستحدد الزمن قريباً". وصرح دَندياس بأنه من المفيد إجراء حوار حتى في أحلك الظروف، وقد "توافقنا على القيام بذلك".

وجاء اجتماع الوزيرين في نفس اليوم الذي قررت فيه دولة شمالي قبرص (التركية) إعادة افتتاح السواحل البحرية السياحية المقفلة منذ الغزو التركي للجزيرة عام 1974، وشكَّل هذا الموضوع إحدى نقاط البحث بين الوزيرين.

وصرَّح جاويش أوغلو بأنه اجتمع أيضاً مع وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس على هامش المؤتمر، حيث شرح له مدى شعور بلاده بخيبة أمل بعد تهديد قمة الاتحاد الأوروبي في كورسيكا بفرض عقوبات ضد تركيا، في حال استمرارها بالقيام بعمليات استفزازية في شرقي المتوسط. وكانت المستشارة الألمانية السيدة ماركل، والوزير هايكو ماس، قد بذلا جهوداً كبيرة للتوسط بين أثينا وأنقرة، بما في ذلك قيام الوزير ماس بجولات مكوكية بين العاصمتين سعياً لحل المشكلة أو على الأقل تبريد الأجواء لمنع حصول اشتباك بين البحريتين التركية واليونانية في شرقي المتوسط.
وأكد التقرير أنه 
 انطلاقاً  التصعيد الحاصل بين الدولتين، يصبح الانخراط في الحوار الدبلوماسي حاجة ماسة للاتحاد الأوروبي وقيادة حلف شمالي الأطلسي. ولكن نظراً لإرث العداء القائم تاريخياً بين تركيا واليونان، وتعقيدات المشكلة الراهنة حول ترسيم الحدود البحرية، فإن الجهود الدبلوماسية قد تكون مُعرَّضة للفشل والانهيار، وبما يؤدي إلى انزلاق الطرفين إلى التشدد، وعلى نحو قد يدفعهما إلى خوض حرب بينهما انطلاقاً من خطأ في الحسابات قد يرتكبه أحدهما.

وفي ظل تعقيدات الأزمة، وتعدُّد الأطراف المشاركة فيها مثل مصر وليبيا والدول الأوروبية المطلة على المتوسط، فإن الأزمة مرشحة للمضي في واحد من السيناريوهات الأربعة المحتملة الآتية:

السيناريو الأول، أن تنجح الضغوط والوساطة التي يقودها الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي في دفع أثينا وأنقرة للجلوس إلى طاولة المفاوضات للبحث عن حلٍّ عمليٍّ يُرضي الطرفين، من خلال تقاسم الحقوق في المناطق المتنازع عليها. ويتطلب هذا الحل وجود حُسْن نية لدى أنقرة وأثينا مع تدخل فاعل من قبل الولايات المتحدة وألمانيا.

السيناريو الثاني، إذا تأخَّر الحل وأصرَّت تركيا على استكمال أعمال التنقيب في المناطق اليونانية والقبرصية المتنازع عليها، فإن أي احتكاك بحري بين السفن البحرية للأطراف المتواجهة سيؤدي إلى اشتباك قد يتوسَّع إلى مواجهة عسكرية، وهو اشتباك قد نعرِف كيف يبدأ ولكن من الصعب رؤية كيف ينتهي؛ مع أنه ليس في مصلحة أثينا أو أنقرة خوض مثل هذه المغامرة، وستحاول تركيا تحديداً تجنُّب أي اشتباك بسبب متاعبها الأمنية على جبهات عديدة أخرى من ليبيا إلى العراق وسوريا، ووصولاً إلى أذربيجان.

السيناريو الثالث، تعثُّر المفاوضات لإيجاد حل، ورفض تركيا استكمال الحوار في ظل انحراف الدول الأوروبية عن القيام بدور "الوسيط النزيه" كما قد يرى الجانب التركي، وبما يدفع الدول الغربية إلى التدخُّل عسكرياً لصالح اليونان وقبرص، وبالتالي تكرار السيناريو الذي اعتمد لحل أزمة جزيرة كريت عام 1897، على أن تحصل تركيا على جائزة ترضية في نهاية المطاف بإعطائها جزءاً من المنطقة الاقتصادية التي تُطالِب بها.

السيناريو الرابع، إقرار كل الأطراف بعدم إمكانية التوصل إلى حل عملي في تحديد الحقوق المتنازع عليها وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة لها، وترك حرية القرار للدول الثلاث المعنية (تركيا واليونان وقبرص) بالتوجه نحو المحكمة الدولية في لاهاي لإصدار حكم يفصل في الخلاف.
وانتهي تقرير مركز الإمارات الي 
استنتاجات عامة
جاء فيها
بعد التصعيد المستمر منذ بداية شهر أغسطس 2020 توصل الطرفان التركي واليوناني إلى قناعة بأن التصعيد والعراضات البحرية في شرقي المتوسط لن تحل المعضلة المعقدة القائمة بينهما. وتدعو الحكمة أن يعود الطرفان إلى طاولة المفاوضات للبحث بهدوء، ووفق أفضل القواعد العلمية ومنطق القانون الدولي الخاص بالبحار، عن حلٍّ لتقاسم المناطق المتنازع عليها. وفي السياق نفسه، لا بدّ أن تبحث أنقرة وأثينا بواقعية وصدق عن حلٍّ يُعيد توحيد جزيرة قبرص المقسَّمة منذ عام 1974.

وسيُؤمِّن إيجاد حل للمشكلتين الحدودية وتوحيد قبرص مصالح الأطراف الثلاثة، كما سيُؤمن الاستقرار اللازم في منطقة شرقي المتوسط، والذي يمُثل مصلحة استراتيجية مشتركة لأوروبا ولكل الدول المطلة عليه. ومن غير المُمكِن تحقيق مثل هذا الإنجاز السياسي والديبلوماسي للمشكلة القائمة بكل تعقيداتها، إلا عبر جهد دبلوماسي ترعاه كلٌّ من الولايات المتحدة وألمانيا على وجه التحديد، وبمشاركة فعلية من كل الدول الفاعلة المطلة على البحر المتوسط.

وليكن معلوماً من قِبَل جميع دول شرقي المتوسط أن الغاز والنفط مادتان مُشتعلتان، ولا يُمكِن التعامل معهما بالحديد والنار، وأن الاستفادة من وجودهما لا يُؤمِّنه سوى التوافق والتعاون بين جميع دول المنطقة ضمن مشروع اقتصادي جامِع.

شارك