مركز الإمارات للسياسات يرصد ٤ سيناريوهات لليبيا بعد استقالة السراج

الأربعاء 21/أكتوبر/2020 - 06:54 م
طباعة مركز الإمارات للسياسات روبير الفارس
 
تأتي استقالة فايز السراج بالتزامن مع استقالة الحكومة المؤقتة، وعلى خلفية حدوث تقدم في مباحثات التسوية الهادفة لإنهاء الانقسام خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية، لتظل مسألة مغادرة السلطة مرهونة بشكل أساسي بتنفيذ ما سيتم التوافق عليه، وكنتيجة طبيعية لتشكيل حكومة موحدة ومجلس رئاسي جديد. ويأتي هذا القرار أيضاً على خلفية تزايد الضغوط الواقعة عليه بفعل الانقسامات والتناحرات المستمرة داخل معسكر غرب ليبيا، والتي يصعب عليه احتواؤها في ضوء التوازنات المعقدة بين أطراف هذا الصراع من مليشيات ومدن وتيارات سياسية. ورصد مركز الإمارات للسياسات 
  السيناريوهات المحتملة في أربعة مسارات رئيسة؛ الأول، مغادرة السلطة لصالح تشكيل حكومة موحدة؛ والثاني، مغادرة السلطة على وقع الضغوط داخل معسكر غرب ليبيا، لكن مع استمرار الانقسام القائم؛ ويتمثل الثالث يتمثل في البقاء في السلطة على خلفية استمرار الانقسام وفشل المفاوضات ولكن مع استمرار الوضع الراهن من وقف إطلاق للنار؛ والرابع، البقاء مع اندلاع المواجهات المسلحة مجدداً
ت المحتملة
وجاء في تقرير لمركز الامارات شارحا السيناريوهات كالتالي 
1. سيناريو الاستقالة وتشكيل حكومة موحدة

يتمثل هذا السيناريو في تحقيق ما وعد به السراج من ترك السلطة، وفي توقيت مطابق أو مقارب للموعد المحدد بنهاية أكتوبر الجاري، وفق نفس الشرط الذي قدَّمه، والخاص بتوافق ممثلي طرفي النزاع على تشكيل حكومة موحدة ومجلس رئاسي جديد.

يتوقف تحقق هذا السيناريو على توافر عدد من الشروط؛ من بينها نجاح الولايات المتحدة في إدارة المرحلة الراهنة وتهيئة بيئة التفاوض، بما يضمن كبح تأثير الأطراف الخارجية المناوئة لهذا المسار، والتي تدفع نحو عرقلة الجهود الأممية، سواء عبر إثارة بعض الصعوبات بشأن القضايا محل التفاوض، أو عبر تحفيز عودة المواجهات المسلحة. كما يتطلب تحقيق السيناريو نجاح طرفي التفاوض في المسار العسكري، الممثل في لجنة 5+5 في التوصل إلى توافق سريع بشأن ملف تأمين مدينة سِرت كمقرّ لعمل الحكومة الموحدة. وقد يساعد على تحقيق التوافق اللازم على المسارين السياسي والعسكري تجدد الاحتجاجات الشعبية في مدن شرق وغرب البلاد، لما تمثله من ضغوط داخلية على الشخصيات الرئيسة الفاعلة داخل المعسكرين، ما يدفعهم نحو مزيد من المرونة.

وينبع في هذا السياق عددٌ من القيود التي قد تعيق تحقيق هذا السيناريو، وهي تلك الصعوبات التقليدية المتوقعة بخصوص عملية التفاوض؛ فمن ناحية أولى، قد تأتي العرقلة من قبل بعض الأطراف الليبية المشاركة في المباحثات، لاسيما في ظل تمسُّك البعثة الأممية بقاعدة عدم تطرق المباحثات لمسألة تسمية شاغلي المناصب الجديدة، واقتصار الأمر على التوصل لمعايير وآليات الاختيار ومن ناحية ثانية، هناك العرقلة المتوقعة في المسار العسكري، في ظل رفض قوى غرب ليبيا إسناد أي منصب عسكري لحفتر، مقابل وجود مؤشرات على تحشيدات عسكرية تتم من قبل قوات حفتر وعناصر مجموعة فاجنر الروسية خلال الأسبوع الأول من أكتوبر الجاري، في منطقة الشويرف الواقعة على مشارف المنطقة الغربية، فضلاً عن تكثيف الوجود في قاعدتي الجفرة وبراك الشاطئ وسط البلاد، وكل ذلك ينذر بالانزلاق إلى مواجهات عسكرية جديدة قد تطيح بالعملية التفاوضية برمتها.

ويبدو هذا السيناريو وارد الحدوث، لاسيما مع سير العملية التفاوضية بشكل جيد، وإحراز تقدم مطرد في بعض الملفات التي طالما كانت محل خلاف. كما تجدر الإشارة إلى الإصرار الأمريكي على إنجاح هذا المسار، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي نوَّه خلال زيارته إلى روما نهاية سبتمبر الفائت على أن بلاده ستستخدم جميع الأدوات المتاحة في ترسانتها الدبلوماسية لإنجاح المسار التفاوضي. لكن في المقابل يظل الاختبار الحقيقي مرتبطاً بنتائج مباحثات لجنة 5+5، وإمكانية تحقيق تقدم في الملفات العسكرية والأمنية، والحفاظ على وقف إطلاق النار قائماً خلال الفترة الحالية.

2. سيناريو الاستقالة واستمرار الانقسام

مفاد هذا السيناريو هو استقالة السراج، لكن من دون تشكيل حكومة موحدة، ومع استمرار الانقسام القائم بين شرق البلاد وغربها. وقد تكون الاستقالة على هذا النحو مقتصرة على رئاسة الحكومة فقط، مع بقائه على رأس المجلس الرئاسي. وسواء استقال السراج من أحد المنصبين أو كلاهما، فسوف يهدف هذا الإجراء إلى تجديد شرعية السلطات الحاكمة في طرابلس من جهة، ومن جهة أخرى ترجمة التغير في التوازنات بين الأطراف الداخلية والخارجية الداعمة للوفاق.

وتتمثل أبرز شروط السيناريو في صعوبة حدوث توافق في المسارين التفاوضيين السياسي والعسكري، لاسيما مع الصعوبات الموضوعية المرتبطة بنقل مقر الحكومة إلى مدينة سِرت، ومتطلبات تأمين المدينة عبر قوات مشتركة يصعب التوافق بشأنها. كما قد يدفع باتجاه هذا السيناريو عودة الموجة الاحتجاجية بشكل أكثر حدة إلى المنطقة الغربية، سواء بسبب استمرار التردي المعيشي وتراجع أداء الحكومة في القطاعات الخدمية، أو بسبب تفاقم الانقسام بين المكونات السياسية والأمنية لحكومة الوفاق، وسعيها إلى مزيد من التأزيم بهدف الدفع نحو إجراء تغيير حكومي.

يمثل عدم وجود مظلة شرعية تبرر إحداث تغيير في تركيبة المجلس الرئاسي وإعادة تشكيله، في ضوء استمرار الانقسام والانسحابات العديدة القائمة منذ سنوات. قيوداً على تحقق هذا السيناريو، كما أن أية تغييرات في رئاسة حكومة الوفاق قد لا تنهي الانقسام القائم بين مراكز القوى الرئيسة في معسكر غرب ليبيا وما يرتبط به من اشتباكات مسلحة أحياناً. وأخيراً، فمن الصعب أن تدفع واشنطن هذا المعسكر إلى تجديد شرعية النخبة الحاكمة إذا ما بقت الأوضاع الأمنية والسياسية على ما هي عليه حالياً.

وهذا السيناريو يبدو مستبعداً في ضوء صعوبة بناء توافق مُرضي داخل هذا المعسكر، وما يمثله هذا الخيار من إقرار دولي باستمرار الانقسام القائم، فضلاً عن إدامة الأوضاع الأمنية المختلة في المنطقة الغربية بشكل عام وفي العاصمة طرابلس بشكل خاص. غير أنه في حالة زيادة تأزيم الأوضاع داخل هذا المعسكر، وعجز السراج عن احتواء تلك الأزمات، فقد يضطر لترك رئاسة الحكومة لصالح شخصية مدعومة من قبل واشنطن وأنقرة، لاسيما وأن الحكومة قد شهدت على مدار السنوات الماضية تعديلات جزئية في تشكيلها، من خلال تغييرات وزارية عدة، وهو ما يمكن تكراره على صعيد رئاسة الحكومة، في ضوء المطالبات المتكررة لفصلها عن رئاسة المجلس الرئاسي

3. سيناريو البقاء واستمرار وقف إطلاق النار

يعد هذا السيناريو بمثابة امتداد للوضع القائم منذ وقف إطلاق النار، من دون تحقيق تقدم جوهري على صعيد التسوية السلمية وإنهاء الانقسام.

ويتمثل الشرط الرئيس لتحققه في عدم إقدام طرفي النزاع على تقديم تنازلات مهمة لتحقيق تسوية مؤقتة، وذلك إما على خلفية رغبة القيادات السياسية والعسكرية المتصدرة للمشهد في الحفاظ على امتيازاتها ومكتسباتها، ومقاومة هذه الأطراف للتوجه الأممي الساعي إلى استبعادهم من المشهد بوصفهم جزءاً من المشكلة، أو على خلفية وجود خلافات موضوعية أكثر عمقاً بشأن تمثيل مصالح المكونات الاجتماعية الرئيسة، من مدن وقبائل ومليشيات، تبرز أيضاً في هذا الإطار الرغبة الأمريكية والمصرية في عدم حدوث مواجهات مسلحة؛ وكذلك عزوف بعض قبائل المنطقة الشرقية عن الزج بأبنائها في حروب جديدة، وميل قيادات هذه القبائل نحو انتهاج الوسائل غير العسكرية في تحقيق مصالحها.

في المقابل فإن وجود رغبة دولية في إعادة صياغة المشهد السياسي، والتخلص من الطبقة السياسية المسيطرة، وخلق بيئة سياسية وعسكرية قادرة على التعاون في الملفات الحيوية المتعلقة بالنفط ومكافحة الإرهاب ومنع الهجرة غير النظامية تمثل كلها قيوداً على تحقق هذا السيناريو.

ومن أهم فرص تحقق هذا السيناريو إتاحة المجال نحو استمرار وتفاقم الانقسامات داخل معسكر الوفاق، ولكن بدرجة أقل حدة من التي قد تتحقق في السيناريو السابق في خروج السراج من المشهد وإعادة هيكلة التوازنات داخل المعسكر؛ مع تأمين الحد الأدنى من المكاسب المتحققة بالفعل؛ وتجنب التكلفة السياسية والمالية الناجمة عن تجدد المواجهات المسلحة.

ويمكن القول بأن هذا السيناريو وارد الحدوث على المدى القصير، لاسيما مع العقبات المتوقعة عند انعقاد لجنة 5+5 المعنية بالقضايا ذات الطبيعة العسكرية والأمنية، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تعطيل تنفيذ ما تم التوافق بشأنه بين مجلسيّ النواب والدولة في بوزنيقة المغربية، حول اختيار شاغلي المناصب السيادية، وخطوات تشكيل حكومة موحدة، وآليات إنهاء المرحلة الانتقالية. كما يعد هذا السيناريو الأقل كلفة والأكثر ترجيحاً، مقارنة بالسيناريو السابق، في حالة فشل المسار التفاوضي الحالي في اجتراح تسوية جديدة. وفي حالة حدوث ذلك، فليس من المستبعد أن يتطور هذا السيناريو على المدى المتوسط إلى سيناريو التصعيد العسكري.

4. سيناريو البقاء والتصعيد العسكري

فحوى هذا السيناريو هو عدم إقدام السراج على مغادرة السلطة؛ مع العودة مجدداً للمواجهات العسكرية بين معسكري شرق البلاد وغربها، والأطراف الخارجية الداعمة لهما.

ويتوقف تحقُّق السيناريو على فشل المفاوضات الراهنة، على ألا يرتبط ذلك بالضرورة بعجز الوفود المشاركة في المباحثات عن التوصل إلى اتفاق حول القضايا الخلافية، ولكن على الأغلب سيرتبط ذلك بقطع الطريق على استمرار المسار التفاوضي، من خلال الدفع نحو عودة المواجهات المسلحة مرة أخرى. ومن الوارد أن تأتي المبادرة بحدوث التصعيد من قبل أي من الطرفين؛ فبالنسبة لمعسكر الوفاق، فإن اتساع رقعة المواجهات المسلحة الناجمة عن الخلافات الداخلية قد تدفع بعض الأطراف داخل هذا المعسكر، أو داعميهم الخارجيين، نحو إطلاق مغامرات عسكرية، على غرار السيطرة على سِرت، وذلك بغرض إعادة التركيز على التناقضات مع معسكر شرق البلاد، وتجميد التناحرات داخل هذا المعسكر، والعمل على خلق شرعية عسكرية جديدة لأحد الأطراف الطامحة لخلافة السراج.

في المقابل ثمة دوافع أقوى لدى معسكر شرق البلاد، وتحديداً لدى المشير حفتر مدعوماً من روسيا، للدفع نحو هذا السيناريو، وذلك على خلفية عدة اعتبارات؛ الأول، ما يمثله الدعم الأمريكي المكثف لعملية التسوية من رغبة في قطع الطريق على تنامي النفوذ الروسي في ليبيا، ومن ثم وجود مصلحة لدى موسكو من وراء إفشال المسار الحالي؛ والثاني، رغبة حفتر في الحفاظ على مكانته المركزية في تمثيل مصالح شرق البلاد، وهو ما لا يتحقق بشكل كامل في ضوء التطورات الراهنة؛ والثالث، رغبة حفتر في استغلال حالة التشرذم والاقتتال بين أطراف معسكر غرب ليبيا في استعادة المناطق التي فقدها على خلفية الاضطرار لسحب قواته من غرب البلاد منذ مايو الماضي.

تأتي القيود الرئيسة التي تحول دون تحقق هذا السيناريو من عدة جوانب؛ الأول، غياب المصلحة الرئيسة لدى مليشيات غرب ليبيا في الذهاب نحو إشعال الحرب حول سِرت، إلا في حالة البدء الفعلي في تنفيذ قرار نقل مقر الحكومة من طرابلس إلى سِرت، وخلاف ذلك تعد المكاسب الرئيسة لهذه المليشيات مرتبطة باستمرار أو تعظيم السيطرة على مناطق العاصمة وما حولها؛ والثاني، قيام تركيا بسحب العديد من المقاتلين الأجانب من ليبيا باتجاه أذربيجان، واستمرار القتال على جبهة ناغورني قره باغ، مع اتخاذ أنقرة عدة إجراءات تهدف إلى التهدئة في نزاعات شرق المتوسط بشكل عام. والأمر الثالث، تبلور توجه واضح لدى القاهرة، وبالتوافق مع واشنطن، لرفض خيارات التصعيد العسكري في ليبيا، لاسيما مع وجود مصلحة مشتركة تتمثل في رغبة البلدين في منع تنامي النفوذين العسكريين الروسي والتركي في ليبيا. والقيد الرابع، تنامي مؤشرات التوتر بين حفتر وبين بعض القيادات القبلية والسياسية في المنطقة الشرقية، وصعوبة قيام قبائل برقة بتكرار الرهان على الحسم العسكري للصراع على العاصمة، نظراً للتكلفة البشرية والسياسية المرتبطة بتلك المعارك، وما أظهرته تجربة عملية طوفان الكرامة من صعوبة الحسم العسكري لهذا الصراع، لاسيما في ضوء التوازنات الدولية المعقدة التي تحول دون ذلك.

ويظل هذا السيناريو غير مُستبعد الحدوث، حيث تفيد بيانات متكررة صادرة عن غرفة عمليات سرت-الجفرة، التابعة لحكومة الوفاق، خلال الأسبوع الأول من أكتوبر الجاري، إلى قيام قوات حفتر والقوات التابعة لموسكو باستمرار التحشيدات العسكرية وإيفاد المقاتلين الأجانب في قواعد القرضابية والجفرة وبراك الشاطئ، والتقدم نحو منطقة الشويرف على حدود المنطقة الغربية.

غير أنه من الأرجح ألا يستمر هذا السيناريو في التطور بالشكل الذي يجعله المسار الوحيد الذي يفرض نفسه؛ حيث من المتوقع أن يتم تنفيذه بشكل جزئي لأغراض تفاوضية، أو على الأقل سيخضع الأطراف التي تدفع باتجاه هذا السيناريو لضغوط عدة، بما يؤدي إلى كبح حدوث التصعيد.

شارك