الاستراتيجية الفرنسية لمواجهة الإرهاب

الأحد 25/أكتوبر/2020 - 02:06 ص
طباعة الاستراتيجية الفرنسية حسام الحداد
 
يبدو أن حادث مقتل المدرس "باتي" سيدشن مرحلة جديدة لفرنسا في مكافحة الإرهاب فقد تبنت الحكومة لهجة أكثر تشددا وكشرت عن أنيابها بشكل ملحوظ في أعقاب هذا الحادث، وهو ما يكشف أن الفترة المقبلة ستشهد إجراءات أكثر حزما، قد تصل إلى قوانين صرامة، لكبح جماح الجماعات المتطرفة وتعزيز الأمن داخل البلاد واستعادة ثقة المواطنين لاسيما وأن ملف الارهاب من المتوقع أن يكون من أبرز الملفات التي يستخدمها المرشحين في الانتخابات الرئاسية 2022.
وتعيش فرنسا هذه الأيام أجواء مضطربة في أعقاب الحادث الإرهابي الذي تسبب في مقتل مدرس فرنسي على يد شاب متطرف من أصول شيشانية، في واقعة غير مسبوقة على الساحة الفرنسية وهو ما أثار حالة من الصدمة والذعر بين المواطنين ودفع بالسلطات لاتخاذ إجراءات صارمة للقضاء على الجماعات المتطرفة داخل البلاد، ووضع حد لهذه الهجمات الإرهابية المتصاعدة.
وقبل نحو أسبوع شهدت ضاحية "كونفلان سانت-أونورين"، الواقعة غرب العاصمة باريس مقتل مدرس التاريخ الفرنسي، صامويل باتي، بقطع رأسه على يد عبدالله أنزوروف، لاجئ من أصول شيشانية، نتيجة عرض المدرس على تلاميذه لرسوم مسيئة للنبي نشرتها جريدة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة. ونجحت الشرطة في القضاء على منفذ الجريمة بعد إصابته بتسع رصاصات.
وأثارت هذه الحادثة ذعرا واسعا داخل الأوساط الفرنسية حيث أنها المرة الأولى التي يستهدف فيها القطاع التربوي بعمل إرهابي، وهو ما أثار حالة من الغضب داخل المجتمع الفرنسي، أدت إلى اندلاع مظاهرات ومسيرات حاشدة في باريس وغيرها من المدن الفرنسية للتنديد بهذه العملية الإرهابية والدفاع عن المبادئ العلمانية والحريات، بمشاركة أعداد كبيرة من مسؤولي الأحزاب السياسية والنقابات، إلى جانب المواطنين، الذين رفعوا لافتات تطالب بـ"حرية التعبير والتدريس" في فرنسا.
وتأتي هذه الحادثة بعد ثلاثة أسابيع من عملية إرهابية أخرى قام بها رجل باكستاني أمام المقر السابق لجريدة "شارلي إيبدو"، أسفرت عن إصابة شخصين بجروح بالغة، وكان ذلك رداً على إعادة نشر الصحيفة للرسوم الكاريكاتورية المسيئة، وفق ما صرح به منفذ الاعتداء في التحقيقات.
ويرى المراقبون أن السبب وراء تركز الهجمات الارهابية في فرنسا هو أنها من أكثر الدول التي تلعب دورا رئيسيا في الحرب على الإرهاب، في إشارة إلى دورها البارز في التحالف الدولي ضد "داعش" في سوريا والعراق، فضلا عن قيادتها لقوات تحالف دول الساحل والصحراء في أفريقيا منذ عام 2013، من خلال نشر 5100 جندي فرنسي لمحاربة الجماعات الإرهابية في المناطق الشمالية من مالي.
وعلى الرغم من أن المشاركة الفرنسية ساهمت في دحر تنظيم داعش بدرجة كبيرة، إلّا أنها فتحت الباب أمام رغبة التيارات المتطرفة في الانتقام، وهو ما ظهر بوضوح خلال العمليات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا مؤخرا، والتي أعلنت داعش عن تبنيها عددا كبيرا منها.
وفي مواجهة هذه الهجمات الارهابية، اتخذت السلطات الفرنسية عدة قرارات حاسمة وصارمة لمواجهة التيارات المتطرفة حيث أعلن الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، مؤخرا خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع عن "خطة عمل" ضد "الكيانات والجمعيات أو الأشخاص المقربين من الدوائر المتطرفة" الذين ينشرون خطاب الكراهية أو يدعمونه، متعهدا بـ"تكثيف التحركات" ضد الجماعات الإرهابية وتعزيز الأمن في المنشآت المدرسية قبل موعد عودة الدخول المدرسي اوائل نوفمبر المقبل.
كما قامت الشرطة الفرنسية بعمليات مداهمة وتوقيف ضد عشرات الأشخاص المرتبطين بالتيارات المتطرفة، والذين تم استهدافهم بناء على خطبهم المتطرفة، ورسائل الكراهية التي يبثونها على شبكات التواصل الاجتماعي.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، أنه سيتم طرد 231 شخصا من المصنفين خطرا على الأمن العام، فضلا عن إغلاق عشرات الجمعيات بعد بحث أحوالها والتأكد من مصادر تمويلها. كما طلب وزير الداخلية من الهيئات المختصة إمعان النظر بشكل أكثر حرصا بخصوص طلبات اللجوء المقدمة لفرنسا.
من جانبها، التقت وزيرة المواطنة الفرنسية، مارلين شيابا، بالمسئولين عن منصات ومواقع التواصل الاجتماعي في البلاد للتباحث معهم حول استراتيجيات أكثر فعالية لمكافحة التيار المتطرف في الفضاء الإلكتروني والذي تعده الحكومة مسؤولا عن انتشار الأفكار التطرفية بين الشباب.
ووفقا للمراقبين، فإن الحكومة الفرنسية حرصت على أن تتخذ إجراءات شديدة وصارمة للرد على هذه الحادثة الإرهابية خاصة في ظل اتهام المعارضة لها- وبالأخص التيار اليميني- بالتقاعس والتقصير في وضع حد للموجات الإرهابية التي ضربت البلاد منذ عام 2015 وقضت على حوالي 259 شخصاً، وخلفت مئات الجرحى.
واستغلت زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، مارين لوبن، هذه الحادثة لتشن هجوما على الرئيس ماكرون وتنتقذ سياسات الحكومة في مواجهة الجماعات المتطرفة، مطالبة بسن "قانون حرب" للحفاظ على أمن البلاد، وتعليق الهجرة بشكل فوري.
ردا على ذلك استنكر وزير العدل الفرنسي، إيريك ديبون موريتي، استغلال حادث مقتل "باتي" للترويج "لأغراض انتخابية"، واصفا هذا الأمر بأنه "غير لائق"، ومعتبراً أن هذه "المزايدات هي الشعبوية والديماجوجية بعينها".
فرنسا ومواجهة الإرهاب الدولي:
وحسب موقع الدبلوماسية الفرنسية يمثل الإرهاب الدولي أحد أخطر التهديدات للسلام والأمن الدوليين. ونظرًا إلى أن هذا التهديد لم يكن في السابق بهذه الخطورة، أخذت فرنسا تحشد جهودها على جميع الأصعدة بالتعاون مع شركائها الدوليين بغية محاربة الشبكات الإرهابية على أراضيها وفي الخارج.
الأهداف المنشودة:
الحد من سيطرة المجموعات الإرهابية ميدانيًا، محاربة شبكات التمويل والشبكات الإنسانية واللوجستية والدعاية الإرهابية، تجنّب التطرّف، حماية المصالح الفرنسية والفرنسيين المقيمين في الخارج.
وحرصًا على تحقيق هذه الأهداف، تتضمن أنشطة فرنسا الدولية الرامية إلى محاربة الإرهاب ما يلي:
اتّخاذ إجراءات عسكرية حازمة، إرساء الاستقرار في المناطق المحررة وتوفير الحلول السياسية للنزاعات، تكثيف جهود الاتحاد الأوروبي، تعزيز التعاون الدولي ولا سيّما في مجال مكافحة تمويل الإرهاب.
تعزيز التعاون الدولي:
ولأن المجموعات الإرهابية تمثّل تهديدًا عالميًا في وقتنا الحاضر، تسعى فرنسا إلى حشد جهود شركائها من أجل تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك على عدّة أصعدة:
تجنّب التطرف ومكافحة الدعاية الإرهابية
تقيم فرنسا حوارًا رفيع المستوى مع شركائها الرئيسين لتناول مسألة تجنّب التطرّف وتشارك في محادثات متعددة الأطراف بشأن المسألة عينها.
وتمثّل مكافحة استخدام الإنترنت لأغراض إرهابية محورًا أساسيًا من محاور نشاطنا في مجال محاربة الإرهاب. وتجري فرنسا حوارًا رفيع المستوى مع المنشآت المتخصصة في المجال الرقمي، ولا سيّما من أجل إزالة المحتويات الإرهابية المتوافرة على الشبكة نهائيًا وعلى وجه السرعة (في غضون ساعة كحدٍّ أقصى).
مكافحة ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب
تشارك فرنسا في أعمال مختلفة ترمي إلى ضبط التهديدات التي يفرضها المقاتلون الإرهابيون الأجانب، وذلك داخل المحافل الدولية المعنية كالأمم المتحدة على وجه الخصوص والمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي يضم 29 بلدًا إضافةً إلى الاتحاد الأوروبي
تعزيز قدرات الشركاء على محاربة الإرهاب
تقيم فرنسا برامج تدريبية موجّهة لشركائها ودورات تأهيل لمحققي الشرطة القضائية والقضاة والدوائر العاملة في مجال مكافحة الإرهاب.
فرنسا، رأس الحربة في مكافحة تمويل الإرهاب
تحتاج المجموعات الإرهابية إلى التمويل وتستخدم لذلك جميع الوسائل المتاحة أمامها، بما في ذلك التكنولوجيات الحديثة المخصصة لجمع الأموال وتحويلها. لذا حشدت فرنسا منذ عام 2018 جهود البلدان العازمة على تحديد جميع مصادر تمويل الإرهاب وإنضابها.
وبناءً على مبادرة رئيس الجمهورية، نُظّم مؤتمر دولي في باريس يومي 25 و26 أبريل 2018 بعنوان "لا لتمويل الإرهاب" يهدف إلى مكافحة تمويل تنظيمَي القاعدة وداعش. وحضر الدورة الأولى للمؤتمر ممثلون عن سبعين دولة ومسؤولون في زهاء عشرين منظمة دولية وإقليمية ووكالة متخصصة. والتزمت الدول الأعضاء في بيانها الختامي بالنهوض بالأطر القانونية الخاصة بكلّ منها وتعزيز تعاونها في مجال المعلومات. وحُددت عدّة أولويات واضحة واتُّخذت مجموعة من التدابير الملموسة في الوثيقة التوليفية المعنونة "خطة باريس".
وعُقدت الدورة الثانية لمؤتمر "لا لتمويل الإرهاب" يومَي 7 و8 نوفمبر 2019 في أستراليا. وتعمل فرنسا جاهدةً على حشد جهود المجتمع الدولي بغية تنفيذ خطة باريس.
1) اعتمد مجلس الأمن قرارًا بشأن تمويل الإرهاب للمرة الأولى في 28 مارس 2019. وأدى هذا القرار إلى اتخاذ قرار سياسي مرجعي بشأن هذه المسألة:
من خلال إعادة إثبات التزامات الدول ولا سيّما مجازاة تمويل المنظمات والأفعال الإرهابية والإرهابيين،
من خلال الدعوة إلى تعزيز اتخاذ تدابير لتجميد الأصول وزيادة نجاعتها، وذلك في إطار محاربة الإرهاب،
من خلال دعوة الدول الأعضاء بإلحاح إلى تقييم مخاطر تمويل الإرهاب وتوقّعها، وإنشاء خلايا تُعنى بالاستخبارات المالية وتعزيز التعاون الدولي،
من خلال تعزيز التزام المنظومة الأُممية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب، إكمالًا لنشاط فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية التي يجب تعزيز دورها المحوري في تحديد المعايير الدولية في هذا المجال،
من خلال التذكير بضرورة الحرص على صون نشاط الجهات الفاعلة في المجال الإنساني عندما تُتّخذ التدابير الرامية إلى مكافحة تمويل الإرهاب.
2) كانت مكافحة تمويل الإرهاب تمثل إحدى الأولويات الفرنسية الثلاث في مجال محاربة الإرهاب، في إطار الرئاسة الفرنسية لمجموعة الدول السبع.
3) تذكّر فرنسا، التي تصبو إلى أن تكون نموذجًا يُحتذى به على هذا الصعيد، شركاءها على الدوام بحرصها على تنفيذ خطة باريس على الصعيدين الفني والسياسي.
4) تدعم فرنسا دعمًا فاعلًا نمو موارد فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية وبروزها، ففي عام 2018، قدّمت مساهمة طوعية بقيمة مليون يورو لمدة ثلاث سنوات. ودعمت فرنسا استدامة ولاية فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية وزيادة ميزانيتها التشغيلية في أبريل إبّان الاجتماع الوزاري الذي عُقد بموازاة اجتماع جمعيتَي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في ربيع العام الجاري.
إجراءات عسكرية حازمة
سعت عدّة مجموعات إرهابية في السنوات الماضية إلى بسط سيطرتها الميدانية على أفغانستان والعراق وسورية وأفريقيا على وجه الخصوص. ويمثل وجود ملاذات آمنة يلتجئ إليها الإرهابيون تهديدًا للمجتمع الدولي، إذ أمست بؤرًا تبعث الرعب في نفوس السكان المحليين وتفرض عليهم ممارسات قمعية، وأقطابًا تبثّ الإيديولوجيات الإجرامية، فمن تلك المواقع بالذات خطط الإرهابيون ونظّموا العديد من الهجمات مستهدفين السكان المحليين وبلدان أجنبية أخرى على حد سواء.
النهوض بجهود الاتحاد الأوروبي
تعمل فرنسا أيضًا على المستوى الأوروبي من أجل تعزيز الأدوات التي يملكها الاتحاد الأوروبي في مجال محاربة الإرهاب. وأُحرزت عدّة إنجازات بارزة في غضون السنوات الماضية بفضل الجهود التي بذلتها فرنسا وشركاؤها:
استحداث نظام سجل أسماء المسافرين الذي يتيح مراقبة التنقلات الجوية على نحو أفضل، تعزيز التعاون مع المنصات الرقمية من أجل مكافحة استخدام الإنترنت لأغراض إرهابية في إطار منتدى الاتحاد الأوروبي للإنترنت، تعبئة الأدوات الأوروبية المكرسة لتجميد الأصول وحجزها، تعزيز تدابير مكافحة الاتجار بالأسلحة، وضع قواعد جديدة ترمي إلى منع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب،
تعزيز مكتب الشرطة الأوروبية (يوروبول)، ولا سيّما مركز مكافحة الإرهاب.

شارك