رئيس عسكري لإيران.. الفرص والتداعيات
انتخاب رئيس عسكري لإيران خلال الانتخابات المقبلة يشكل تغيرا
استراتيجيا في توجهات الثورة الاسلامية والقيادة
العليا لايران والتي كانت خلال العقود الأربعة من عمر الثورة الاسلامية، يكون على في
منصب الرئيس «معمم» أو قريب من التيار الديني
كما في حالة انتخاب أحمدي نجاد، في وقت تعاني البلاد من أزمات اقتصادية عميقة، وعقوبات
أمريكية واسعة.
في نهاية 2018، اكتسبت فكرة ترقية رجل عسكري إلى الرئاسة الايرانية زخماً كبيرا، وكانت هناك تكهنات بأن قائد فيلق القدس
ورجل ايران القوي في المشرق العربي قاسم سليماني 0اغتيل في يناير 2020)، سيرشح نفسه
للرئاسة في عام 2021. على الرغم من أن سليماني لم يُظهر علانية أي طموح للاحتفاظ به.
في المنصب المنتخب ، كان ناشطًا سياسيًا ماكرًا أقام علاقات مع كل من الشخصيات المحافظة
والبراجماتية - بما في ذلك وزير الخارجية جواد ظريف ، الذي كشف أنه قبل وفاة سليماني
التقيا كل أسبوع. كما اعتبر النظام سليماني هو الشخص الذي أبعد داعش عن الحدود الإيرانية.
كنتيجة لكل هذه الأساطير ، كانت فرصه في الفوز عالية نسبيًا لو كان قادرًا على دخول
السباق، ولكن رغم اغتيال قائد فيلق القدس، بقى ترشح جنرال إلى منصب الرئيس عملية طموحة
داخل الحرس الثوري.
واليوم مع دخول إيران، مرحلة فيصلية في توجهها السياسي، بتصاعد
نفوذ جنرالات الحرس الثوري، وتراجع مكانة المعممين على مستوى القرار السياسي والاستراتيجي
للدولة الايرانية، ومرض المرشد الاعلى على خامنئي، والحديث عن خليفة لن يأتي الا بـ«فيتو»
من الحرس الثوري، تشير المؤشرات ان الرئيس القادم لإيران هو احد أبرز جنرالات الحرس
الثوري.
سباق الجنرالات للرئاسة
ففي نهاية نوفمبر الماضي، أعلن وزير الدفاع الإيراني الأسبق،
ومستشار المرشد الأعلى العسكري حاليا العميد حسين دهقان، ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في
2021.
وقال مستشار خامنئي العسكري في مقابلة تلفزيونية: «أعلن استعدادي
لخوض انتخابات الرئاسة لعام 2021، وسأقوم بتنفيذ مسار النمو والتنمية بأقل تكلفة».
ووصف «دهقان» نفسه بأنه «عنصر وطني وثوري ولدي كل الإمكانات
الفكرية والعقلية والتنفيذية لدفع أهداف ومصالح النظام والثورة».
من الشخصيات العسكرية المتوقع ترشحها للانتخابات الرئاسية الايرانية،
بالاضافة الى حسين دهقان فهناك الرئيس السابق لمقر بناء خاتم الأنبياء التابع للحرس
الثوري الإيراني رستم قاسمي، والقائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني محسن رضائي،
وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، و برويز فتاح رئيس مؤسسة «المستضعفين»،
وسعيد محمد قائد مقر «خاتم الأنبياء» التابع للحرس الثوري.
سباق الخيل الانتخابي بين الضباط الحاليين والسابقين، ليس بجديد
بالنسبة للحرس الثوري الإيراني ، القوة الاقتصادية والعسكرية الأقوى في البلاد ، لطالما
كانت فكرة احتلال الرئاسة جذابة. يُعتقد أن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد خدم في
الحرس الثوري الإيراني. لكن منذ بدايتها ، خسر جميع المرشحين من ذوي النسب العالية
في الحرس الثوري الإيراني كل انتخابات دخلوا إليها. تلوح في الأفق الترشيحات المتعددة
غير الناجحة لمحسن رضائي والقائد السابق للقوات الجوية للحرس الثوري الإيراني محمد
باقر غاليباف.
مراكز الدراسات والمراقبون، وضعو رؤية تفاؤلية بفوز الحرس الثوري
على منصب الرئيس في ايران، وذلك لعدة اسباب، في المقام الأول لأن غالبية الإيرانيين
قد لا يصوتون ، لأنهم لم يعودوا يعتقدون أن بطاقات اقتراعهم تحدث أي فرق، وسيؤدي انخفاض
نسبة التصويت إلى إنشاء معسكر المحافظين لتحقيق مكاسب كبيرة.
في الانتخابات البرلمانية
لعام 2020 ، التي شهدت البلاد أقل نسبة مشاركة منذ عام 1979 ، خرج المتشددون منتصرين
وفازوا بـ 223 مقعدًا في البرلمان المؤلف من 290 مقعدًا. أصبح عضو سابق في كبار ضباط
الحرس الثوري الإيراني رئيسًا للبرلمان.
ولكن لماذا ينجذب النظام إلى شخصية عسكرية كرئيس، وما هي تداعياتها؟
يرى اصحاب ترشح جنرال لمنصب الرئيس، بأن له عددًا من الفوائد، أولاً ، تواجه إيران أزمات
خطيرة ، من بينها نقص الكفاءة والتنسيق بين المنظمات الحكومية وشبه الحكومية. وهم يقولون
إن رجلاً عسكريًا سيكون قادرًا على وضع حد فوري للصراع بين هذه المؤسسات. سيكون لديه
القدرة على كسب ثقة المؤسسات الثورية الكبيرة التي تتنافس مع الرئيس وتقع خارج سيطرة
الحكومة.
الأمر الأخر ان انتخاب جون بايدن رئيسا للولايات المتحدة الامريكية،
يتطلب قيادة ايرانية حازمة في الملفات الايرانية التي تعد خطر أحمر، كمعالجة برنامج
الصواريخ الباليستية الإيراني، والبرنامج النووي، وايضا شبكة الميليشيات التي تديرها
ايران في المنطقة, قد يؤدي وجود شخصية عسكرية في الرئاسة إلى زيادة المصداقية عبر الميليشيات
الطائفية وعبر الدول للمفاوضين بقدرة الجنرال على ادارة دفة الأمور في اي مفاوضات قادمة.
ومن ضمن صناعة الدعاية لانتخاب جنرال في منصب الرئيس، لأنه يُنظر
إلى الرئيس العسكري على أنه «رمز للسلطة والسلطة» يمكنه إرسال إشارة قوية بأن الأمة
مستعدة للحرب، في ظل اعتقاد بان هناك حرب إيرانية أمريكية قادمة.
النائب المحسوب على التيار المتشدد في البرلمان الإيراني «مالك
شريعتي نياسر» قد أكد أن «تشكيل حكومة حرب بانتخابات 2021 باتت ضرورة ملحة».
خيار الجنرال العسكري، واحتمالية الحرب، تتماشى مع توقع استمرار
العقوبات الأمريكية، ومع ما كان قد صرح به خامنئي خلال جلسة للحكومة عبر الفيديو الشهر
الماضي، حيث خاطب الوزراء قائلاً: «اعملوا على افتراض أن العقوبات سوف تستمر لـ10 سنوات
أخرى».
من ضمن الحجج الايرانية، لانتخاب وتنصيب جنرال عسكري في منصب
الرئيس، هو شرعية الحفاظ على النظام، فالعناصر المتشددة في المعسكر المحافظ تجادل علانية
بأن إيران بحاجة إلى عسكري خير على رأس البلاد لإصلاح مشاكلها والقضاء على الفقر. وقال
ابراهيم فياض الذي يعتبر ايديولوجيا المحافظين «يجب أن نتحرك نحو الاستبداد وإلا فإننا
سننهار»، مضيفا «اليوم ، شرعيتنا تتآكل ، وكفاءتنا تتقوض ، وحتى تماسك نظامنا قد تعرض
للاضطراب. لا يستطيع إصلاح هذا النظام إلا دكتاتور خير ، رجل عسكري أو شخص لديه انضباط
عسكري».
ولكن الاصلاحيون والحذرين من انتخاب جنرال عسكري كرئيس للجمهورية،
يرون أن انتخاب رئيس عسكري يعني أن الجمهورية الإسلامية قد وصلت إلى طريق مسدود وغير
قادرة على إيجاد حلول لمشاكل الأمة الأكثر عمقًا.
خامنئي الأزمة والحل
ولكن مراقبون يرون ان انتخاب رئيس عسكري لايران أو عدم انتخاب
رئيس، هو يشكل رسالة فق ط للداخل والخارج،
ولكن القائد الاعلى هو المرشد علي خامنئي، وهو بيده كل القرارت داخل ايران، ويشكل الديكتاتور
والحكام الأوحد في الجمهورية الاسلامية.
المراقبون يرون أن خامنئي هو صاحب الكلمة الاولي في ايران، ولكن مستقبل ايران بعد خامنئي يشكل النقطة الاهم في تغلغل
العسكريين وجنرالات الحرس الثوري في المؤسسات الايرانية، واعتبارهم الرقم الصعب واللاعب
الأبرز في صناعة مستقبل ايران.
فالنقطة الابرز في انتخاب رئيس عسكري لايران، تشكل خطوة استباقية
من قبل الحرس الثوري لوفاة المرشد علي خامنئي، واختيار خليفة له عبر تشكيل مجلس مؤقت
لحين انتخاب مرشد جديد، هو ما يريد الحرس الثوري ان يكون صاحب القرار الابرز داخل السلطة
واختيار المرشد القادم.