أعلنت بريطانيا، أمس، أن إحدى سفنها الحربية التي كانت تقوم بدورية في مياه الخليج، في وقت سابق العام الجاري، صادرت أسلحة متطورة مهربة باتجاه اليمن، بما يتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية: إن السفينة «إتش إم إس مونتروز» اعترضت زوارق سريعة تحمل صواريخ أرض جو ومحركات لصواريخ كروز هجومية في يناير وفبراير، خلال قيامها بدوريات روتينية.
وأضافت: إن مهربين كانوا يشغّلون القوارب السريعة في المياه الدولية، في أول واقعة من نوعها تعترض فيها سفينة حربية بريطانية سفناً تحمل مثل هذه الأسلحة المتطورة.
وتم رصد الشحنة غير الشرعية بوساطة مروحية «وايلدكات» مزودة بأنظمة رادار متطورة أقلعت من سفينة «مونتروز»، وفقاً لوزارة الدفاع.
وقالت الوزارة البريطانية: إن العملية الثانية التي جرت في 25 فبراير شاركت فيها المدمرة الأميركية «يو إس إس غريدلي» التي نشرت مروحية من طراز سيهوك «لتوفير مراقبة معقدة».
وقاد عمليات المصادرة مشاة البحرية الملكية البريطانية الذين اقتربوا من الزوارق السريعة بوساطة قاربين مطاطيين.
وأدت عمليات التفتيش إلى العثور على عشرات الطرود التي تحتوي على أسلحة متطورة، فتمت مصادرتها.
رحّبت المملكة العربية السعودية، أمس الخميس، باتفاق تثبيت الهدنة في اليمن، كما أكدت أهمية فتح المعابر الإنسانية في محافظة تعز. وأشادت وزارة الخارجية السعودية، في بيان لها، بجهود المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ، في تعزيز الالتزام بالهدنة الحالية التي ترعاها الأمم المتحدة، «وذلك تماشياً مع مبادرة المملكة العربية السعودية المعلنة في مارس 2021م لإنهاء الأزمة في اليمن والوصول إلى حل سياسي شامل». وأكد البيان موقف المملكة الراسخ والداعم لكل ما يضمن أمن واستقرار اليمن، ويحقق تطلعات الشعب اليمني.
وقالت الخارجية السعودية إن الهدنة تهدف في المقام الأول إلى التوصل لوقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن، وبدء العملية السياسية بين الحكومة اليمنية والحوثيين. وشدّدت على أهمية التزام الميليشيات الحوثية ببنود الهدنة الحالية وسرعة فتح المعابر في تعز لتخفيف المعاناة الإنسانية عن المواطنين، وإيداع الإيرادات في البنك المركزي اليمني لصرف رواتب المدنيين.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن، قد أعلن اتفاقاً جديداً بين الأطراف اليمنية في مشاورات عمّان حول تثبيت الهدنة بمناسبة عيد الأضحى المبارك. وقال في بيان له: «يوافق ضباط الارتباط الممثلون للأطراف في لجنة التنسيق العسكري، على تثبيت الهدنة الحالية من خلال تجديد التزامهم بوقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه وتجميد الأنشطة العسكرية في الميدان».
في غضون ذلك وفيما لا تزال ميليشيات الحوثي تصر على تحدي الإرادة الوطنية اليمنية والإقليمية والدولية وترفض، حتى فتح طريق رئيس واحد في محافظة تعز، المحاصرة، وجهت الرئاسة اليمنية بفتح طرق رئيسة في البلاد، لم تكن تتضمنها مقترحات فتح الطرق في مفاوضات الأردن، مع ميليشيات الحوثي. وبعد يوم من إعلان ميليشيات الحوثي فتح طريق (الخمسين الستين) في تعز، من جانب واحد، وهي طريق وعرة غير سالكة، تخدم خطها العسكري، أعلنت، قوات الحكومة الشرعية، فتح طرق رئيسة سالكة، في محافظتي تعز والضالع، وهي طرق هامة تختصر وقت التنقل بين مناطق البلاد.
وشهد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، قيام القوات المشتركة في الساحل الغربي بفتح طريق (المخا البرح تعز) وهي طريق حيوية تصل إلى مدينة تعز، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه. ودعا الإيراني الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تكثيف الضغط الجاد على ميليشيات الحوثي لتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق الهدنة. وأشار إلى أن فتح الطرقات جانب إنساني أصلًا لايستدعي اتفاقات لولا أن الطرف الآخر (ميليشيات الحوثي) تستخدمها استراتيجيةً لمضاعفة معاناة الناس وتعُدّ ذلك مكسباً عسكرياً.
ميدانياً، أعلن الجيش اليمني أن الميليشيات الانقلابية ارتكبت 89 خرقاً للهدنة في جبهات محافظات الحديدة وتعز والضالع وحجة وصعدة والجوف ومأرب.
وتنوّعت الخروق بين إطلاق النار المباشر على مواقع للجيش الوطني بصواريخ الكاتيوشا وبالمدفعية والعيارات المختلفة وبالطائرات المسيّرة المفخخة، ونتج عنها استشهاد أحد أفراد الجيش وإصابة 8 آخرين. فيما تنوّعت بقيّة الخروق بين استحداث مواقع ومرابض مدفعية ونشر طائرات استطلاعية مسيّرة واستقدام تعزيزات إلى مختلف الجبهات.
في خطوة هدفها الالتفاف على بنود الهدنة الأممية في اليمن، أعلن الحوثيون من طرف واحد، اعتزامهم فتح طريق فرعي إلى مدينة تعز، ما يعني ضمنياً استمرار رفضهم مقترحات المبعوث الأممي المتحدة، بفتح طريق رئيس إلى المدينة المحاصرة، مع انتهاء الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة العسكرية المعنية بمعالجة خروقات الهدنة، وتثبيت وقف إطلاق النار.
وأكّدت مصادر مطلعة، أنّ الطريق الفرعي الذي أعلن الحوثيون اعتزامهم فتحه، والذي يمر من شارع الخمسين إلى شارع الستين، يمتد إلى مواقع قوات الدفاع الجوي في تعز، بما يحقق لهم أهدافاً عسكرية، الأمر الذي سترفضه الحكومة. وأشارت المصادر، إلى أنّ الحوثيين اختاروا هذا الطريق، بدلاً عن طريق شارع الستين الممتد إلى منطقة عصيفرة، وهو طريق مجاور يحقّق مصالح الطرفين من الناحية العسكرية، ويخدم المدنيين.
بدوره، قال الناطق باسم محور تعز، عبد الباسط البحر، إنّ الطريق الفرعي المعلن استحدثه الحوثيون خلال فترة الهدنة، ويريدون من خلاله تحقيق أهداف عسكرية، باعتباره يوصل إلى معسكر الدفاع الجوي الذي استمات الحوثيون من أجل السيطرة عليه، لإحكام القبضة على الجبهة الغربية من مدينة تعز بالكامل.
إلى ذلك، اعتبر الوفد الحكومي المفاوض بشأن فتح الطرقات، أنّ المقترح الحوثي، مماطلة وتأخير وتضييع للوقت، مؤكداً رفضه المقترح، وتمسكه بفتح طريق رئيس إلى المدينة، باعتبار أنّ من غير المنصف أخذ مقترحات طرف بشكل كامل، وترك مقترحات الطرف الآخر.
تبعات فشل
وأكّد الطرف الحكومي، أنّ المقترح الجديد للمبعوث الأممي، ينص على فتح طرق جولة سوفتيل، شارع الأربعين، عصيفرة وطريق كرش، الشريجة، الحوبان وشارع الستين، مفرق شرعب، وصولاً إلى خط الثلاثين وخط الستين، مفرق شرعب، خط المطار القديم، مشيراً إلى أنّه، ومع تمسكه بالمقترح القديم، على استعداد لمناقشة كل المخاوف التي يطرحها الطرف الآخر، محذراً في الوقت نفسه من استهلاك وقت الهدنة، محملاً الحوثيين تبعات الفشل.
في الأثناء، أعلنت الحكومة اليمنية، فتح طريقين يصلان مناطق سيطرتها بمناطق سيطرة الحوثيين، كمبادرة من طرف واحد، وخطوة من شأنها تخفيف معاناة المدنيين، وفتح الباب أمام عودة التنقل بين المحافظات، مشدّدة على أن ذلك مرتبط بإقدام الحوثيين على اتخاذ خطوات مماثلة من الاتجاه الخاضع لسيطرتها.
حذّرت مصادر قضائية في صنعاء من مخطط لتطهير جهاز القضاء من القضاة الذين لا يؤيدون الفكر الطائفي لميليشيات الحوثي، أو يرفضون الرضوخ لتوجيهات ما تسمى «المنظومة العدلية» التي أسستها الميليشيات، ووضعت ابن عم زعيمها محمد الحوثي على رأسها.
قرار تشكيل لجان لمراقبة القضاة والعاملين في المحاكم ومحاكمتهم، هو الأداة التي ستستخدم لتحقيق هذه الغاية، طبقاً للمصادر التي فضلت حجب هويتها خشية البطش، بعدما تمكنت الميليشيات من تسريح أكثر من 120 ألف معلم يعارضون التوجهات الطائفية، من خلال قطع رواتبهم وفصلهم من الخدمة والتضييق عليهم وقامت بإحلال عناصر طائفيين بدلاً منهم.
ورغم أن وجود الميليشيات الانقلابية غير قانوني، فإنهم استولوا على السلطة بالقوة في سبتمبر (أيلول) 2014، وعلى مؤسسات الدولة، ويواجهون انتقادات لاذعة واتهامات بالفشل في إدارة المؤسسات المختطفة.
وقال قاضيان في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحوثيين وبعدما فشلوا في ترويض غالبية القضاة والسيطرة الكاملة على الجهاز القضائي من خلال تعيين أحد قادتها على رأس ما يسمى مجلس القضاء الأعلى، تحولوا نحو التدرج في تلك المساعي من خلال تشكيل ما تسمى «المنظومة العدلية»، ضمن تقاسم مؤسسات الدولة اليمنية، حيث أوكلت هذه المهمة إلى القيادي محمد الحوثي.
بدأ الحوثي مهامه - بحسب المصادر - بتغيير أكثر من 500 محرر عقود قانونية وشرعية، ومنع عملية بيع وشراء العقارات إلا بموافقة مسبقة من المنظومة التي يرأسها، وهو ما مكنه من الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي في صنعاء وبقية المحافظات، في الوقت الذي يواصل سعيه لتطبيق خطة تسريح محرري العقود الشرعية في جهاز القضاء.
ويقول صادق، وهو أحد القضاة طلب الإشارة إلى اسمه الأول فقط، إن قرار تشكيل لجان إدارية لمراقبة ومحاكمة القضاة والعاملين في المحاكم، خطوة تستهدف أساساً القضاة الذين يتمسكون باستقلاليتهم ويعارضون التوجهات الحوثية أو مطالب القيادات الانقلابية بإصدار أحكام لصالحها، كما تهدف إلى إعادة سيطرة العناصر التي تنتمي إلى الجماعة سلالياً أو تناصرهم سياسياً على جهاز القضاء كما كان ذلك قبل أن يتم إنهاء هذه السيطرة خلال العقدين الماضيين.
وأشار إلى أن الحوثي اعتمد على قطع الرواتب كأداة لتطفيش العاملين في القضاء، ومع ذلك صمدوا وتحملوا كثيراً من المعاناة جراء اعتمادهم على نصف راتب شهري، لكنه عاد اليوم إلى ما يقول إنه نظام «أنصف الناس من نفسك».
أما القاضي عبد الجبار وهو الآخر اكتفى باسمه الأول خشية الانتقام، فيوضح أن الاستقالات المتواصلة للقضاة وأعضاء النيابة وإن ذكر فيها أنها لأسباب مرتبطة بالوضع المعيشي نتيجة صرف نصف راتب فقط، لكن الحقيقة أنها مرتبطة بمحاكم التفتيش التي جرى تشكيلها وتستهدف إهانة القضاة والعاملين في السلطة القضائية.
وقال القاضي: «لو كانت الاستقالات بسبب الرواتب فلماذا لم تقدم منذ ثلاثة أعوام لأن القضاة يستلمون نصف راتب فقط نتيجة قرار الحوثيين منع تداول الطبعة الجديدة من العملة في مناطق سيطرتهم، ما اضطر وزارة العدل في الحكومة الشرعية إلى وقف تحويل رواتب أعضاء السلطة القضائية». وتوقع عبد الجبار أن تتواصل الاستقالات، وجزم أنها تخدم توجهات الحوثيين وتحقق أهدافهم في تسريح القضاة الذين يرفضون المساس باستقلالية سلطتهم أو العمل وفق توجهات طائفية، قائلاً: «إن المواجهة هي الخيار المناسب فهناك نصوص دستورية وقانونية تجرم المساس باستقلال القضاة».
يؤكد المحامي وليد عقلان أن الحوثي يهدف إلى الدفع بخيرة القضاة إلى الاستقالة من أجل إحلال المقربين من الميليشيات، ويرى أن إسداء النصائح لهؤلاء القضاة بعدم إفساح المجال للحوثي لتنفيذ مخططه العبثي هو الوسيلة المناسبة.
وأضاف عقلان: «القضاة رجال موقف، صبروا حتى بلغت الحلقوم، صبروا على انعدام الرواتب لفترات، صبروا على المضايقات والتضييق عليهم، من أجل الناس، لكنّ للصبر حدوداً، فكيف يصبر قاضٍ وهو يدرك أن هناك مشرفاً لا يعرف كوعه من بوعه، يترصد به بل وسيطلب منه الحضور كلما قدمت شكوى ضده، وأي إهانة أكثر من هذه للقضاة».
سألت «الشرق الأوسط» المسؤول الأممي الأول للإغاثة الطارئة عن أكبر ثلاثة تهديدات تواجه فقراء العالم بصفة جماعية، فأجاب مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، بأنها: المناخ، والصراع، وتكلفة المعيشة. وقال في حوار موسع عبر البريد الإلكتروني، إن العوامل الثلاثة تعد «تهديدات مترابطة».
الوكيل الذي ترك منصبه منتصف العام الماضي مبعوثاً خاصاً للأمين العام إلى اليمن ليتسنم مهمة أوسع على مستوى العالم، كان حازماً عند سؤاله عن «المعايير المزدوجة» في التعامل مع اللاجئين، وهي مسألة أمعن في طرحها المهتمون بقضايا اللجوء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سرعة الاستجابة باستقبال اللاجئين عند بزوغ الأزمة في أوكرانيا وبداية الهجمات الروسية نهاية فبراير (شباط) 2022؛ إذ يعد الوقوف إلى جانب المدنيين الفارين من الحرب في البلاد التي تواجه حرباً واجباً بكل تأكيد، لكنّ تلك «المعايير المزدوجة» في التعامل مع اللاجئين فتحت باب التساؤلات.
يقول غريفيث «رحّبت الأمم المتحدة بالاستجابة الأوروبية السريعة والسخية لمحنة اللاجئين الأوكرانيين. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر بالنسبة لجميع اللاجئين، الذين يحتاجون جميعاً إلى الحصول على اللجوء، من دون تمييز. وكما أكدت المفوضية مراراً وتكراراً، فإن احترام حقوق اللاجئين هو التزام قانوني وأخلاقي، وينبغي ألا يكون مرهوناً بالجنسية».
الحوار لم يكن ساحراً رغم أن غريفيث يملك كاريزما وشخصية ودودة، ومعلوماته لم تكن مبهجة أيضاً، لكنها كانت بالغة الأهمية لأنها توثق وتجدد التأكيد أن مكافحة الفقر باتت تجد صعوبات هائلة، ولعل واحدة منها كافية لخلق الفزع في العالم؛ فقد «صار شراء ونقل المساعدات أكثر تكلفة؛ مما يعني أن مساعداتنا تصل إلى عدد أقل من الناس، أو الناس يحصلون على مساعدات أقل، أو الأمرين معاً».
وهي أسباب تصطف مع أخرى مما فاقم الحاجة الملحة عالمياً لبذل المزيد من الجهود.
وفيما يلي نص الحوار:
* أصدرت الأمم المتحدة تحذيرات متكررة من نقص الغذاء... ما البلدان الأكثر عُرضة لمخاطر ارتفاع مستويات الجوع؟
- آفاق الأمن الغذائي هذا العام سيئة إلى حد مزعج وتزداد سوءاً في الكثير من أجزاء العالم. وفي البلدان الأكثر تأهباً - أفغانستان، وإثيوبيا، والصومال، وجنوب السودان، واليمن - فإن ثلاثة أرباع مليون شخص على بُعد خطوة واحدة فقط من الوضع الكارثي النهائي، أي المجاعة.
وهم ليسوا الوحيدين المعرّضين للخطر. إذ قفز عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى مستوى آخر يبلغ 345 مليون شخص في 82 دولة هذا العام، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي.
أسباب الجوع كثيرة، وغالباً ما تكون متداخلة. الصراع والنزوح هما أكبر المشكلات. ويعيش 60 في المائة من الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في البلدان المتضررة من الصراعات.
كما أن الطقس الشديد بسبب أزمة المناخ من المحركات الرئيسية للجوع. وشهدت أجزاء من القرن الأفريقي أربعة مواسم أمطار فاشلة متتابعة، وهي تواجه الآن موسماً خامساً مماثلاً؛ مما أسفر عن أسوأ حالة جفاف منذ 40 عاماً. وفي أفغانستان، يعاني الناس من أسوأ موجة جفاف منذ 30 عاماً.
كما أدى الصراع في أوكرانيا إلى أزمة عالمية في تكاليف المعيشة؛ إذ تعطلت الإمدادات مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة. كل هذه الأمور تحدث في وقت كان الوباء قد جعل فقراء العالم أكثر عُرضة للمخاطر.
* هل تتسبب الحرب الأوكرانية في نقص الغذاء؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يمكن القيام به لحماية الفئات الأكثر ضعفاً؟
- تضيف الحرب ضغطاً هائلاً على نظام الغذاء العالمي الذي يعاني بالفعل من إرهاق شديد، وذلك برفع أسعار القمح، والذرة، والوقود، والأسمدة، وتعطيل أنظمة الإمداد.
الدول الأكثر تضررا تلك التي تعتمد بشكل كبير على الحبوب المستوردة، مثل اليمن، حيث يعاني 19 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي. كما يواجه لبنان، والأرضي الفلسطينية المحتلة أزمات إنسانية متفاقمة. وهم في أفريقيا، والكاميرون، والصومال، والسودان، متضررون بشدة أيضاً، وفي بعض هذه البلدان تنفق الأسر ما يصل إلى 80 في المائة من دخلها اليومي على الغذاء. في جميع البلدان التي لدينا برامج إنسانية فيها، صار شراء ونقل المساعدات أكثر تكلفة؛ مما يعني أن مساعداتنا تصل إلى عدد أقل من الناس، أو الناس يحصلون على مساعدات أقل، أو الأمرين معاً.
رغم هذه التحديات المتصاعدة، قدّم العاملون في المجال الإنساني هذا العام مساعدات غذائية إلى نحو 6.5 مليون شخص في جميع أنحاء القرن الأفريقي، وإلى 19 مليون شخص في أفغانستان، وإلى 11 مليون شخص كل شهر في اليمن، من بين أماكن أخرى كثيرة.
وندعو الحكومات إلى دعم التدفق الحر للغذاء والطاقة في الأسواق المفتوحة. مما يشمل إطلاق فائض الإمدادات وإزالة أي عقبات أمام تصدير الغذاء والأسمدة من أوكرانيا وروسيا.
لكن في أزمة الجوع، يحتاج الناس إلى ما هو أكثر من المعونات الغذائية. إنهم يحتاجون إلى مجموعة شاملة من المساعدات، بما في ذلك الرعاية الصحية، والمياه النظيفة، والتعليم، والحماية، ودعم سبل العيش.
* كانت الاستجابة لأزمة اللاجئين الأوكرانيين سخية وفعالة إلى درجة استثنائية. ومع ذلك، أثيرت تساؤلات حول المعايير المزدوجة في معاملة اللاجئين. فكيف تنظرون إلى هذه القضية؟
- رحبت الأمم المتحدة بالاستجابة الأوروبية السريعة والسخية لمحنة اللاجئين الأوكرانيين. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر بالنسبة لجميع اللاجئين، الذين يحتاجون جميعاً إلى الحصول على اللجوء، من دون تمييز. وكما أكدت المفوضية مراراً وتكراراً، فإن احترام حقوق اللاجئين هو التزام قانوني وأخلاقي، وينبغي ألا يكون مرهوناً بالجنسية.
البلدان المجاورة عادة ما تتحرك بسخاء لاستضافة اللاجئين - بالنظر إلى تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق التي تستضيف اللاجئين السوريين، وكينيا التي تستضيف اللاجئين الصوماليين، وجنوب السودان وبنغلاديش التي تستضيف لاجئي الروهينغا من ميانمار.
مارتن غريفيث خلال مؤتمر صحافي حول أوكرانيا في نيويورك (رويترز)
* ما أكبر ثلاثة تهديدات تواجه أفقر فقراء العالم بصفة جماعية؟
- المناخ، والصراع، وتكلفة المعيشة. وكلها تهديدات مترابطة. كما تشكل أزمة المناخ تهديداً وجودياً للبشرية جمعاء، ولكنها تؤثر على البلدان الضعيفة بصورة غير متناسبة.
نشهد على نحو متزايد الأضرار الناجمة عن مزيج التغير المناخي والصراع. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، شهدت 10 من أصل 15 بلداً تعدّ أكثر ضعفاً وأقل استعداداً للتكيف مع تغير المناخ، شكلا من أشكال الصراع. ويتعين على البلدان الغنية، التي أسهمت انبعاثاتها بأقصى حد في أزمة المناخ، أن ترقى إلى مستوى التزاماتها بتمويل المناخ (100 مليار دولار سنوياً) لصالح البلدان النامية في مجال العمل المناخي.
إن أزمة تكلفة المعيشة العالمية تسبب بالفعل المزيد من الفقر والجوع وسوء التغذية، مما يهدد الأرواح. ونحن في حاجة ماسة إلى رؤية أنواع حلول الحماية الاجتماعية التي نفّذتها حكومات كثيرة خلال الوباء، إلى جانب تخفيف عبء الديون عن البلدان المعرّضة للخطر، وزيادة الاستثمار في الخدمات الأساسية، التي تعد جوهرية للمجتمعات المتصفة بالمرونة.
* هل لكم أن تذكروا أكثر الاحتياجات الإنسانية إلحاحاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وما الدور الأهم الذي تضطلع به الأمم المتحدة في هذا الجزء من العالم الذي يعاني من الصراعات؟
- يمر اليمن بمنعطف حرج، حيث توفر الهدنة فرصة حقيقية لاستئناف المناقشات السياسية وإنهاء الحرب. ومن الأهمية بمكان المحافظة على الزخم الدافع لها والإسراع من وتيرته. لكن حتى مع هذه الهدنة، لا يمكننا إغفال الأزمة الاقتصادية والإنسانية الهائلة التي لا تزال قائمة. أكثر من 19 مليون شخص يعانون من الجوع، بينما لا تحصل وكالات المعونة إلا على 25 في المائة من التمويل. كما يتعين علينا الاستفادة من الأموال لاحتواء التهديد المتمثل في التسرب النفطي الكارثي من الناقلة النفطية «صافر»، والتي تتفاقم خطورتها مع مرور الوقت.
ثانياً، وفي سوريا، نرى بوضوح صارخ ما تفعله حرب الأحد عشر عاماً ببلد من البلدان. فالشعب السوري في حاجة إلى سبيل للخروج من هذه الحرب حتى يتمكن من الشروع في إعادة بناء حياته ومستقبله، ومع ذلك، فلا يزال عالقاً في دائرة المعاناة الإنسانية، حيث إن 90 في المائة من السكان الآن تحت خط الفقر. لقد تأخرت كثيراً قرارات التعافي وإعادة البناء.
تتسبب الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان في تفاقم مخاطر الجوع والمعاناة؛ مما يثير قلقاً كبيراً في أوساط المجتمع الدولي. كما أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود يهدد أيضاً الأراضي الفلسطينية المحتلة مما يُجهد «أونروا» وبرنامج الغذاء العالمي.
لمواصلة العمليات الجارية حتى نهاية العام، يحتاج برنامج الغذاء العالمي إلى 36 مليون دولار إضافية. وفي مواجهة قيود مماثلة في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة، لا يزال عجز «أونروا» يبلغ 100 مليون دولار. كما أن مستويات العنف المنذرة بالخطر تثير قلقاً بالغاً، بما في ذلك استخدام قوات الأمن الإسرائيلية للقوة المميتة ضد الفلسطينيين؛ مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد كبير من الفلسطينيين.
* بوصفكم وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، فإن بين أيديكم حقيبة مليئة بالمسؤوليات... فما أولوياتكم؟
- أولاً، نحن في حاجة إلى مساءلة أفضل للأشخاص الذين شرعنا في خدمتهم - وهذه يجب أن تكون الزاوية المركزية للعمل الإنساني - إذ إن المساءلة تنطوي على تحسين إدراك احتياجات الناس، وأن تكون أكثر مرونة لتحويل المسار تبعا لتغير الاحتياجات؛ بُغية تلبية تلك الاحتياجات.
ثانياً، وهو ما يتصل بذلك، فنحن في حاجة إلى جعل المؤسسة الإنسانية أقل شمولية في التوجه وأكثر محلية في التعامل. نحن في حاجة إلى العمل مع جيل جديد من المنظمات غير الحكومية المحلية والوطنية عبر منحها المزيد من الدعم المباشر، وإتاحة المجال لها على الطاولة، حيث يجري اتخاذ القرارات.
ثالثاً، نحتاج إلى تمويل العمل الإنساني بالكامل وحماية المساعدة الإنمائية لتلبية الاحتياجات المتزايدة. لقد حال العاملون في المجال الإنساني دون حدوث مجاعة في جنوب السودان، واليمن، والصومال خلال السنوات الأخيرة، ويمكننا تكرار ذلك مجدداً إذا توفرت لدينا الموارد. لكنّ خطط الاستجابة الإنسانية التي ننسقها، وهي أداتنا الرئيسية لجمع الأموال، تواجه حالياً فجوة تمويلية بنسبة 80 في المائة إجمالاً. ويُترجم ذلك إلى تأخيرات، وقطع في المساعدة ومعاناة لا داعي لها.
النظام الإنساني بأكمله، بما في ذلك البلدان المانحة، يحتاج إلى أن يكون أفضل استعداداً، ويُزود بالموارد لاتخاذ إجراءات استباقية ومبكرة لتفادي الأزمات والمعاناة الجماعية قبل أن تشتد. هذا بالطبع يُنقذ الأرواح، لكنه يقلل أيضاً من التكاليف.
وأخيراً، يجب أن تُمنح الأولوية للسماح للمدنيين بالحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها. لقد أصبح الوصول إلى الناس في الصراعات أكثر صعوبة. ويجب أن تخصص المنظمات الإنسانية المزيد من الوقت والموارد لتحقيق إمكانية وصول المساعدات الإنسانية - من خلال بناء الثقة، والقبول، والتفاوض مع أطراف الصراع. وهذا العمل يتطلب المثابرة والصبر.