مستقبل جماعة الإخوان.. عمالة خارجية وانشقاقات وفضائح مالية
الأحد 24/يوليو/2022 - 01:32 م
طباعة
حسام الحداد
كشف الصراع الأخير بين جبهتي جماعة الإخوان الإرهابية عن كب كبير من الفساد المالي داخل الجماعة وتنظيمها الدولي، والعمالة لجهات أجنبية، من خلال تبادل الاتهامات بين فريقي الصراع بقيادة ابراهيم منير ومحود حسين، ونتيجة للانشقاقات التي تضرب الجماعة والتراشق الاعلامي الذي بات يهدد مستقبل التنظيم الدولي للجماعة الارهابية، حتى أصبح اهتمام الجبهتين الأن منحصرا في شراء الولاءات الذي تعتمد فيه كلتا الجبهتين على أسلحتها؛ فإبراهيم منير يتخذ من الخطوات العملية والميدانية؛ فيما محمود حسين يرتكز على الدعاية والترويج على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لهزيمة منافسه.
وبحسب مصادر فإن اجتماع تشكيل مجلس شورى جديد الذي عقده إبراهيم منير، بالإضافة إلى محاولاته تفتيت كتلة منافسه حسين في الداخل المصري، وضم عناصر موالين له، عبر رعاية المحبوسين والمسجونين ستكون نقطة دعاية جيدة له، بعد أن اكتسب منافسه عداءات على مدى السنوات التسع الماضية، إثر منعه الإنفاق على الإخوان غير المطيعين له، ما حول حياتهم إلى جحيم.
يأتي ذلك، فيما يصر محمود حسين على فصل إبراهيم منير من الجماعة، واتهامه لجبهته بـ"خيانة" ميراث حسن البنا، ما يبشر بصراع لن ينتهي قريباً، خاصة بعد الخطوة التصعيدية من قبل محمود حسين بفصل 13 عضوًا من المحسوبين على جبهة منير.
تلك الخطوة التصعيدية، تعاملت معها جبهة منير بمجموعة من الإجراءات على الأرض؛ أولها استكمال مجلس شورى الجماعة بعدد يمكن معه عقد اجتماع بالنصاب القانوني، ما يسهل اتخاذ قرارات تشريعية، منها اعتماد فصل محمود حسين ومجموعة الستة.
وبعد احتدام الأزمة داخل صفوف جماعة الإخوان وإعلان جبهة اسطنبول بقيادة محمود حسين، فصل إبراهيم منير من جبهة لندن وقادة بالتنظيم الدولي من الجماعة، تبادلت الجبهتان الاتهامات بالفساد والعمالة لأجهزة خارجية والتورط في تسليم عناصر الجماعة في السودان للأمن المصري.
وعبر اللجان الإلكترونية للجبهتين، انكشفت تفاصيل جديدة حول اتهامات بسرقات ورشاوى وعمالة، إذ أكدت جبهة حسين أن عدداً من قادة جبهة منير، أبدوا ولاءهم لحسين.
كما عبروا عن استيائهم من تصرفات منير الذي يزج بالجماعة نحو الهلاك، على حد تعبيرهم.
أسباب خروج حسين من مصر
في موازاة ذلك، كشفت الاتهامات عن شكوك حول الأسباب الحقيقية لخروج محمود حسين من مصر قبل الإطاحة بحكم الإخوان بأسابيع قليلة.
ومدى علمه من عدمه بانتهاء حكم الجماعة قبل السقوط رسميا، وكيفية خروج حلمي الجزار من مصر في العام 2015.
كذلك كيفية خروج طلعت فهمي، المتحدث باسم الجماعة من مصر، وأبنائه في نفس العام، وهي أسباب تتعلق حسب التسريبات الصادرة من الجبهتين بعمالة لجهات خارجية.
في السياق ذاته، كشفت الاتهامات المتبادلة عن وجود دور لطرفي الصراع في تسليم عناصر الجماعة المتواجدين في السودان، ومنهم حسام سلام مؤسس حركة "حسم".
وعبد البديع أحمد محمود، المحكوم عليه بالإعدام غيابيا في مصر لإدانته بمحاولة تفجير قرب قناة السويس، وعصام عبد الجيد دياب سيد، ومحمد إبراهيم وأبناؤه وعدد قليل من الأطفال دون سن الثانية عشرة.
بالإضافة لاتهامات بتسليم قيادي آخر يدعى "باسم" من عناصر الجماعة، وذلك كتصفية حسابات بين الجبهتين وفي إطار سياسة الانتقام التي تمارسها كل جبهة تجاه أفراد الجبهة الأخرى.
فساد مالي
وأظهرت الاتهامات وجود فساد مالي داخل الجماعة، وتحديداً جبهة حسين التي تسيطر على شركات وأموال الإخوان.
كذلك تخصيص سيارات لمحمود حسين وهمام علي يوسف وهو ما نفته جبهة حسين التي أكدت أن السيارات تم تخصيصها لفضائية "وطن" الناطقة باسم الجماعة وتبث من اسطنبول.
واتهمت جبهة منير جبهة حسين بأن حسين يتصرف في أموال الجماعة كيفما يشاء، ويمنع الرواتب الشهرية والدعم المالي عن العناصر المتواجدة في الداخل المصري والمتعاطفة مع جبهة منير.
انشقاقات
فيما قام همام علي يوسف بتوزيع المنح والجنسية التركية والإقامة الدائمة على أفراد جبهة اسطنبول دون الآخرين المؤيدين لجبهة منير.
وردا على قرار جبهة حسين، يعتزم إبراهيم منير عقد اجتماع خلال الأيام القادمة مع أعضاء جبهته للاتفاق على إنشاء مجلس شورى جديد للجماعة، واتخاذ قرار نهائي بفصل محمود حسين ومجموعته، وهو ما يعني إعلانا رسميا انشقاق الجماعة وتحويلها لكيانين منفصلين.
يذكر أن أزمة الانشقاقات في جماعة الإخوان قد وصلت ذروتها بعد أن أصدرت جبهة اسطنبول بقيادة محمود حسين بيانا جديدا قررت فيه فصل إبراهيم منير زعيم جبهة لندن وكذلك قيادات بجبهته نهائيا من الجماعة.
انقسام وشراء ذمم
وحول تلك الخطوة ومدى قدرة جبهة منير على إيجاد قنوات موازية داخل التنظيم الإخواني ومستقبل الجماعة في ظل سياسة تكسير العظام، قال طارق البشبيشي القيادي السابق في "الإخوان"، إن التنظيم الإرهابي يرتكز على شقين؛ الأول وهو عبارة عن أفراد لهم ولاء للقيادة، فيما الثاني يرتكز على الأموال التي يتم الإنفاق منها على هؤلاء الأفراد.
وأوضح البشبيشي -في تصريحات لـ"العين الإخبارية"- أن حسن البنا هو من أسس لهذا المبدأ، عندما قال إن الأموال هي أساس الدعوات ولم يقل المبادئ ولا الأفكار، مشيرًا إلى أن عناصر التنظيم ورثوا تلك الفكرة، وأصبح ولاؤهم لمن يملك الأموال، وهو ما بدا واضحًا في خلافهم مع مجموعة الإخوان الهاربة إلى السودان، بعد أن رفض محمود حسين الإنفاق عليهم وعلى أسرهم في مصر وطردهم من منازلهم؛ لأنهم كانوا يعارضون سياسته الإدارية في التنظيم.
وحول قدرة جبهة منير على السيطرة على التنظيم المصري في الداخل والخارج، شكك القيادي السابق في قدرته على السيطرة في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أنه رغم تشتت تلك العناصر وعدم انتظامهم في فعاليات الإخوان نظراً للضربات الأمنية الناحجة، إلا أنهم متمسكون بمحمود حسين كونه القيادة المعروفة لهم، والذي يقدم تصوراً واضحاً لمستقبل الجماعة، القائم على الكمون والسكون التنظيمي لحين حدوث انفراجة ما، مع قدرته على الإنفاق على أتباعه ومؤيديه بقدر مناسب.
إلا أنه قال إن جبهة إبراهيم منير تمتلك عناصر شابة لديها القدرة والصبر والقبول في التواصل مع الداخل المصري، ولها تأثير يمكنها من أن تصنع فارقًا، مثل محمد جمال حشمت والمتحدث الرسمي أسامة سليمان ومحيي الدين الزايط ومحمد عبد المعطي الجزار وحلمي الحزار، مشيرًا إلى أن تلك الشخصيات قادرة على الإقناع ويمكنهم أن يتواصلوا مع العديد من أعضاء المكاتب الإدارية بالداخل المصري.
مستقبل الإخوان
وحول مستقبل "الإخوان" في ظل التصدعات الحالية، يرى البشبيشي، أن الانشقاق الذي وقع عمق انصراف الناس عنه، سواء سيطر التنظيم المصري (الداخلي والخارجي) أو سيطر التنظيم الدولي، مشيرًا إلى أن "الإخوان" باتوا بلا مستقبل بعد أن خسروا كل مقومات وجودهم بالمنطقة.
وأوضح أن المشروع الإخواني فشل ولم يعد التنظيم ولا كوادره قادرين على طرحه ثانية، بعد أن فقدوا الخطاب الجماهيري الصادق، وبات كل ما يملكونه ملف الحالة الاقتصادية للمصريين، وبعض ملفات الأقليات الإسلامية في العالم.
تصريحات البشبيشي وافقها أحمد المسيري القيادي السابق في الإخوان وعضو المكتب السياسي لـ"الإخوان"، والذي أشار إلى أن معاناة التنظيم كشفت عن هشاشته وفضحت أكذوبة تماسكه، وإيمانهم بالأخوة الإسلامية.
وأوضح المسيري، أن الانقسام والذي كان أول من وضع بذرته حسن البنا بتصنيف الناس، بات أمرًا حتميًا، لن يسهل ترميمه.
وحول تحركات إبراهيم منير الأخيرة، أكد المسيري، أن جبهة منير تحصل على مكاسب على الأرض بالداخل المصري، بينما يكتفي محمود حسين بالارتكاز على المكاتب الإدارية كمصدر قوة له.
اختلاف المنهج
وأشار إلى أن خطوات إبراهيم منير عملية وميدانية، فيما محمود حسين إعلامية دعائية، مؤكدًا أنه عندما عقد إبراهيم منير اجتماعًا بغرض تشكيل مجلس شورى عام (جديد)، اتخذ من خارج إسطنبول مقرًا له، ليكون بعيداً عن أعين رجال محمود حسين.
وتابع: "هذا الاجتماع حضره 40 شخصاً، بينهم عضو مجلس شورى الإخوان أمير بسام المقيم في تركيا والذي اتهم محمود حسين بسرقة أموال الجماعة، بالإضافة إلى عدد من غير التنظيميين، بينهم سيف عبدالفتاح، وعصام عبدالشافي، وبعض الإعلاميين، ومصريون من أقطار مختلفة".
وأضاف أن الاجتماع أسفر عن نائبين لإبراهيم منير، في خطوة يسعى منير لاستكمالها عبر التواصل الجيد مع الداخل المصري، من خلال عناصر موالين له بهدف تفتيت كتلة حسين بالداخل، ومنازعته في شرعية قبول قراراته بالداخل المصري.
وحول الخطوات المتوقعة مستقبلا، قال المسيري، إن منير سيقوم بعزل تنظيم الإخوان المصريين بالخارج عن الداخل؛ بمعنى أن يكون كل تنظيم مستقلا لا يتدخل في شأن الآخر، وأن يدير الشأن المصري الداخلي، عبر إعاشة الأسر التي فقدت عائلها سواء السجن أو بالحبس.
وحول مدى نجاح جبهة منير في هذه الخطوة، أكد القيادي السابق أن الأموال هي كلمة السر؛ فمن ينفق أكثر هو صاحب الشرعية وسيمتلك ولاء التنظيم.
أخبار دعائية
إلا أن عمرو عبد المنعم الباحث المتخصص في الحركات الأصولية بمصر، قلل من أهمية السيطرة على تنظيم الإخوان داخل مصر، مشيرًا إلى أنها أخبار دعائية بغرض اكتساب نقاط قوة في صراع الجبهات الإخوانية.
وأوضح عبدالمنعم، أن الداخل المصري لا يمكن أن يعد ورقة رابحة في صراع جبهتي الإخوان، لكن يمكن اعتبار رعاية المحبوسين والمسجونين نقطة دعاية جيدة لمنير ضد حسين.
وأشار إلى أن محمود حسين كون على مدى السنوات التسع الماضية "عداءات" مع الإخوان غير المطيعين له، بعد أن منع الإنفاق عليهم وحول حياتهم سواء في الداخل أو الخارج إلى جحيم.
وأكد أن منير يحاول شراء أصوات تلك الفئات لصالحه عبر التواصل معهم للإنفاق عليهم، مما يخصم من رصيد محمود حسين بالداخل، مشيرًا إلى تشكيل منير مجلس شورى جديدا وإصداره قرارا لرجال الأعمال من الإخوان بتحصيل 20% من إجمالي دخلهم للأنفاق على الأسر الإخوانية التي تعاني في ظل انقطاع الدخل عنها، في خطوة تتم بعيدا عن أعين رجال محمود حسين.
وأشار إلى أن تلك الخطوة سيكون لها تأثير كبير في تمكين جبهة لندن من السيطرة على التنظيم، مؤكدًا أن مستقبل التنظيم بات غامضًا، خاصة في ظل الصراع الصفري وسياسة تكسير العظام التي باتت متبعة حاليًا بين الجبهتين.
وتوقع حدوث مفاجآت خلال الأيام المقبلة؛ مشيرًا إلى أن الجميع (الجبهتين) يزعم اتصاله بالداخل وسيطرته عليه، إلا أنه أمر يفتقد للدقة، كون حركة الأموال مرصودة بدقة من أجهزة الأمن المصرية.
تراجع عربي وتمدد أوروبي
على المستوى الاقليمي والعربي وبعد عشر سنوات فقط من وصول الإخوان إلى السلطة مع موجة الربيع العربي، خرجت جميع فروعها من السلطة وفقدت الجماعة بشكل عام جزءاً كبيراً من داعميها من الدول والشعوب في المنطقة. في المقابل يبدو أن حركة الإخوان، تسير بشكل أفضل في أوروبا، حيث سعى بعض قادتها إلى اللجوء، وحيث يترسخ جيل جديد من النشطاء المرتبطين بالإخوان بشكل متزايد في المناقشات الأوروبية. الإخوان يستخدمون أوروبا كملاذ لإعادة تجميع نفسها، وهو نفس ما فعلته في حقبة الخمسينات والستينيات، وهناك بعض من الحكومات الأوربية وعدد من الحركات السياسية من اليمين واليسار، بدأوا يشعرون بقلق متزايد من تأثير الإخوان، وأنشطتهم على التماسك الاجتماعي والاندماج الوطني والتطرف العنيف، رغم ذلك لم تتخذ خطوات جدية في حظر الجماعة او تصنيفها كمنظمة ارهابية، ولا أحد عناصرها المنتشرين في القارة العجوز لاستخدامهم في بعض الأحيان كورقة ضغط على الحكومات العربية.